تفسير

رقم الحديث : 945

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ ، أَوِ اغْبَرَّ ، وَهُوَ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبَّتَ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ " أَبَيْنَا أَبَيْنَا " . رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : " فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَقِ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الأَسْيَالِ مِنْ رُومَةِ الْجُرُفِ وَالْغَابَةِ فِي عَشْرَةِ آلافٍ مِنْ أَحَابِيشِهِمْ ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ ، وَأَقْبَلَتْ غَطْفَانُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، حَتَّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقْمَى إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ ، حَتَّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى سَلْعٍ فِي ثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ ، وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ ، وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِي ، فَرُفِعُوا فِي الآطَامِ ، وَخَرَجَ عَدُّو اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ حَتَّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ ، وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمِهِ ، وَعَاهَدَهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَمَّا سَمِعَ كَعْبُ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ أَغْلَقَ دُونَهُ حِصْنَهُ ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ حُيَيٌّ ، فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ ، فَنَادَاهُ حُيَيٌّ : يَا كَعْبُ ، افْتَحْ لِي . فَقَالَ : وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ ، إِنَّكَ امْرُؤٌ مَشْئُومٌ ، وَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ مُحَمَّدًا ، فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلا وَفَاءً وَصِدْقًا . قَالَ : وَيْحَكَ ، افْتَحْ لِي أُكَلِّمُكَ . قَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ . قَالَ : وَاللَّهِ إِنْ أَغْلَقْتَ دُونِي إِلا عَلَى جَشِيشَتِكَ أَنْ آكُلَ مَعَكَ مِنْهَا . فَأَحْفَظَ الرَّجُلَ ، فَفَتَحَ لَهُ ، فَقَالَ : وَيْحَكَ يَا كَعْبُ ، جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ ، وَبَحْرٍ طَامٍ ، جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ بِمُجْتَمَعِ الأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ ، وَبِغَطْفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ بِذَنَبِ نَقْمَى إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ ، قَدْ عَاهَدُونِي ، وَعَاقَدُونِي أَنْ لا يَبْرَحُوا حَتَّى يَسْتَأْصِلُوا مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ . قَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ : جِئْتَنِي وَاللَّهِ بِذُلِّ الدَّهْرِ ، وَبِجَهَامٍ قَدْ هُرَاقَ مَاؤُهُ يَرْعُدُ وَيَبْرُقُ ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ، فَدَعْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَمَا أَنَا عَلَيْهِ ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلا صِدْقًا وَوَفَاءً . فَلَمْ يَزَلْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ بِكَعْبٍ يَفْتِلُهُ فِي الذِّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى سَمَحَ لَهُ ، عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ مِنَ اللَّهِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا : لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطْفَانُ ، وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمَّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ فِي حِصْنِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ . فَنَقَضَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَهْدَهُ ، وَتَبَرَّأَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، أَحَدَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيْدُ الأَوْسِ ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، أَحَدَ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيْدُ الْخَزْرَجِ ، وَمَعَهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَخَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَقَالَ : " انْطَلِقُوا حَتَّى تَنْظُرُوا أَحَقٌّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ أَمْ لا ؟ فَإِنْ كَانَ حَقًّا ، فَالْحِنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ ، وَلا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ النَّاسِ ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ، فَاجْهَرُوا بِهِ جَهْرًا لِلنَّاسِ " . فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْهُمْ ، فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ مِنْهُمْ ، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالُوا : لا عَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ ، وَلا عَهْدَ ، فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَشَاتَمُوهُ ، وَكَانَ رَجُلا فِيهِ حِدَّةٌ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : دَعْ عَنْكَ مُشَاتَمَتِهِمْ ، فَإِنَّ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنَ الْمُشَاتَمَةِ . ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْدٌ ، وَسَعْدٌ ، وَمَنْ مَعَهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ، وَقَالُوا : عَضَلٌّ وَالْقَارَةُ ، لِغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَصْحَابُ الرَّجِيعِ : خَبِيبُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَصْحَابُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُ أَكْبَرُ ، أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ " . وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلاءُ ، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ ، وَأَتَاهُمْ عَدُوُّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ ، حَتَّى قَالَ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : كَانَ مُحَمَّدُ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَأَحَدُنَا لا يَقْدِرُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ ، مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُروُرًا . وَحَتَّى قَالَ أَوْسُ بْنُ قَيْظَيٍّ ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ قَيْظِيِّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ بِيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ ، وَذَلِكَ عَلَى مَلإٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ ، فَأَذِنَ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إِلى دِيَارِنَا ، فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ . فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْمِ حَرْبٌ إِلا الرَّمِيَّ بِالنِّبَلِ وَالْحَصَى . فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلاءُ عَلَى النَّاسِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عُمَرَ ، وَهُمَا قَائِدَا غَطْفَانَ ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الصُّلْحُ ، حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ ، فَقَالا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَشَيْءٌ أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ لا بُدَّ لَنَا مِنَ الْعَمَلِ بِهِ ، أَمْ أَمْرٌ تُحِبُّهُ فَتَصْنَعُهُ ، أَمْ شَيْءٌ تَصْنَعُهُ لَنَا ؟ قَالَ : " لا ، بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ ، وَاللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلا أَنِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ شَوْكَتَهُمْ " . فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى شِرْكٍ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ ، لا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلا نَعْرِفُهُ ، وَهُمْ لا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً وَاحِدَةً إِلا قِرًى أَوْ بَيْعًا ، فَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ ، وَأَعَزَّنَا بِكَ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا ؟ ! مَالَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ ، وَاللَّهِ لا نُعْطِيهِمْ إِلا السَّيْفَ ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَأَنْتَ وَذَاكَ " . فَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيفَةَ ، فَمَحَا مَا فِيهَا مِنَ الْكِتَابِ ، ثُمَّ قَالَ : لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَا . فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ ، وَعَدُوُّهُمْ مُحَاصِرُوهُمْ ، وَلَمْ يَكْنُ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ ، إِلا أَنَّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِنْهُمْ : عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيَّانِ ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَمِرْدَاسُ أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ قَدْ تَلَبَّسُوا لِلْقِتَالِ ، وَخَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ ، وَمَرُّوا عَلَى بَنِي كِنَانَةَ ، فَقَالُوا : تَهَيَّئُوا لِلْحَرْبِ يَا بَنِي كِنَانَةَ ، فَسَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنِ الْفُرْسَانِ ، ثُمَّ أَقْبَلُوا نَحْوَ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا : وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَكِيدَهَا . ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا مِنَ الْخَنْدَقِ ضَيِّقًا ، فَضَرَبُوا خُيُولَهُمْ ، فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ ، فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السَّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ ، وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَخَذُوا عَلَيْهِمُ الثَّغْرَةَ الَّتِي أَقْحَمُوا مِنْهَا خَيْلَهُمْ ، وَأَقْبَلَتِ الْفُرْسَانُ تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ، فَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ خَرَجَ مُعْلِمًا لِيُرَى مَكَانَهُ ، فَلَمَّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ : يَا عَمْرُو ، إِنَّكَ كُنْتَ تُعَاهِدُ اللَّهَ أَنْ لا يَدْعُوكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى خَلَّتَيْنِ إِلا أَخَذْتَ مِنْهُ إِحْدَاهُمَا . قَالَ : أَجَلْ . فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ ، وَإِلَى رَسُولِهِ ، وَإِلَى الإِسْلامِ . قَالَ : لا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ . قَالَ : فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى البِرَازِ . قَالَ : وَلِمَ يَابْنَ أَخِي ؟ فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ . قَالَ عَلِيٌّ : وَلَكِنِّي وَاللَّهِ أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ . فَحَمِيَ عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ ، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ ، فَعَقَرَهُ وَضَرَبَ وَجْهَهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ ، فَتَنَاوَلا وَتَجَاوَلا ، فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَخَرَجَتْ خَيْلُهُ مُنْهَزِمَةً حَتَّى اقْتَحَمَتْ مِنَ الْخَنْدَقِ هَارِبَةً ، وَقُتِلَ مَعَ عَمْرٍو رَجُلانِ : مُنَبَّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، أَصَابَهُ سَهْمٌ فَمَاتَ مِنْهُ بِمَكَّةَ ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ ، وَكَانَ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ ، فَتَوَرَّطَ فِيهِ ، فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ ، قَتْلَةً أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ . فَنَزَلَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ ، فَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَسَدِهِ ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ جَسَدَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا حَاجَةَ لَنَا فِي جَسَدِهِ وَثَمَنِهِ ، فَشَأْنُكُمْ بِهِ " . فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ . قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : كُنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ ، وَكَانَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَنَا فِي الْحِصْنِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ ، فَمَرَّ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلَّصَةٌ ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كُلُّهَا ، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ ، وَهُوَ يَقُولُ : لَبِثَ قَلِيلا يُدْرِكُ الْهَيْجَا جَمَلْ لا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الأَجَلْ فَقالَتْ لَهُ أَمُّهُ : الْحَقْ يَا بُنَيَّ ، فَقَدْ وَاللَّهِ أَجَزْتَ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ لَهَا : يَا أُمَّ سَعْدٍ ، وَاللَّهِ لَوَدَدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِيَ . قَالَتْ : وَخُفْتُ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السَّهْمُ مِنْهُ . قَالَتْ : فَرُمِيَ سَعْدٌ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ ، وَقُطِعَ مِنْهُ الأَكْحَلُ . رَمَاهُ خَبَّابُ بْنُ قَيْسِ ابْنُ الْعَرِقَةِ ، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، فَلَمّا أَصَابَهُ ، قَالَ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ . فَقَالَ سَعْدٌ : عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ . ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا ، فَأَبْقِنِي لَهَا ، فَإِنَّهُ لا قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ آذُوا رَسُولَكَ ، وَكَذَّبُوهُ ، وَأَخْرَجُوهُ ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ، فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً ، وَلا تُمِتْنِي حَتَّى تَقَرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ . وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ ، قَالَ : كَانَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي فَارِعِ ، حِصْنِ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَتْ : وَكَانَ حَسَّانٌ مَعَنَا فِيهِ ، مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ، قَالَتْ صَفِيَّةُ : فَمَرَّ بِنَا رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ ، فَجَعَل يَطِيفُ بِالْحِصْنِ ، وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، فَقَطَعَتْ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنَّا ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونُ فِي نُحُورِ عَدُوِّهِمْ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا إِلَيْنَا عَنْهُمْ إِذَا أَتَانَا آتٍ ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا حَسَّانُ ، إِنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ ، كَمَا تَرَى ، يَطِيفُ بِالْحِصْنِ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَمْ آمَنَهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَاتِنَا مَنْ وَرَاءِنَا مِنْ يَهُودٍ ، وَقَدْ شُغِلَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ ، فَانْزِلْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ . فَقَالَ : يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَابْنَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفَتِ مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا . قَالَتْ : فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ ، وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا اعْتَجَرْتُ ، ثُمَّ أَخَذْتُ عَمُودًا ، ثُمَّ نَزَلْتُ مِنَ الْحِصْنِ إِلَيْهِ ، فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتَّى قَتَلْتُهُ ، فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْهُ رَجَعْتُ إِلَى الْحِصْنِ ، فَقُلْتُ : يَا حَسَّانُ ، انْزِلْ إِلَيْهِ فَاسْلِبْهُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلْبِهِ إِلا أَنَّهُ رَجُلٌ . قَالَ : مَا لِي بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ . قَالُوا : أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ لِتَظَاهُرِ عَدُوِّهِمْ ، وَإِتْيَانَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ . ثُمَّ إِنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرٍ مِنْ غَطْفَانَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِي ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، فَخَذِّلْ عَنَّا إِنِ اسْتَطَعْتَ ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ " . فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا بَنِي قُرَيْظَةَ ، قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ ، وَخَاصَّةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ . قَالُوا : صَدَقْتَ ، لَسْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ . فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطْفَانَ جَاءُوا لِحَرْبِ مُحَمَّدٍ ، وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطْفَانَ لَيْسُوا كَهَيْئَتِكُمْ ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ ، بِهِ أَمْوَالُكُمْ ، وَأَوْلادُكُمْ ، وَنِسَاؤُكُمْ لا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَتَحَوَّلُوا مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطْفَانَ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَأَوْلادَهُمْ ، وَنِسَاؤَهُمْ بَعِيدَةٌ ، إِنْ رَأَوْا نُهْزَةً وَغَنِيمَةً أَصَابُوهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلادِهِمْ ، وَخَلُّوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلَ ، وَالرَّجُلُ بِبَلَدِكُمْ لا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ إِنْ خَلا بِكُمْ ، فَلا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ ، يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَكُمْ مُحَمَّدًا حَتَّى تُنَاجِزُوهُ . قَالُوا : لَقَدْ أَشَرْتَ بِرَأْيٍ وَنُصْحٍ . ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا ، فَقَالَ لأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ ، وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ رَأَيْتُ أَنَّ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أُبَلِّغَكُمْ نُصْحًا لَكُمْ ، فَاكْتُمُوا عَلَيَّ . قَالُوا : نَفْعَلُ . قَالَ : تَعْلَمُونَ أَنَّ مَعْشَرَ يَهُودٍ قَدْ نَدَمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ ، وَقَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ أَنْ قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا ، فَهَلْ يُرْضِيكَ عَنَّا أَنْ نَأْخُذَ مِنَ الْقَبِيلَتَيْنِ ، مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطْفَانَ ، رِجَالا مِنْ أَشْرَافِهِمْ ، فَنُعْطِيكَهُمْ ، فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ، ثُمَّ نَكُونُ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنْ نَعَمْ ، فَإِنْ بَعَثَتْ إِلَيْكُمْ يَهُودٌ يَلْتَمِسُونَ رُهُنًا مِنْ رِجَالِكُمْ ، فَلا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلا وَاحِدًا . ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى غَطْفَانَ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ غَطْفَانَ ، أَنْتُمْ أَصْلِي وَعَشِيرَتِي ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَلا أَرَاكُمْ تَتَّهِمُونِي . قَالُوا : صَدَقْتَ . قَالَ : فَاكْتُمُوا عَلَيَّ . قَالُوا : نَفْعَلُ . ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ ، وَحَذَّرَهُمْ مَا حَذَّرَهُمْ ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةَ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ ، وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَرُءُوسُ غَطْفَانَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطْفَانَ ، فَقَالُوا لَهُمْ : إِنَّا لَسْنَا بِدَارِ مَقَامٍ ، قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ ، فَاغْدُوا لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا ، وَنَفْرَغَ مِمَّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ . فَقَالَ بَنُو قُرَيْظَةُ لَهُمْ : إِنَّ الْيَوْمَ السَّبْتِ ، وَهُوَ يَوْمٌ لا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا ، وَقَدْ كَانَ أَحْدَثُ فِيهِ بَعْضُنَا حَدَثًا ، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخَفَ عَلَيْكُمْ ، وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِالَّذِينَ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رُهُنًا مِنْ رِجَالِكُمْ يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا ، فَإِنَّا نَخْشَى إِنْ ضَرَسَتْكُمُ الْحَرْبُ ، وَاشْتَدَّ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَنْ تَسِيرُوا إِلَى بِلادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا ، وَالرَّجُلُ فِي بَلَدِنَا ، وَلا طَاقَةَ لَنَا بِذَلِكَ مِنْ مُحَمَّدٍ ، فَلَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِالَّذِي قَالَتْ بَنِو قُرَيْظَةَ ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطْفَانُ : تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ أَنَّ الَّذِي حَدَّثَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌ . فَأَرْسَلُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ : إِنَّا وَاللَّهِ لا نَدْفَعُ إِلَيْكُمْ رَجُلا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا ، وَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ ، فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا . فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ حِينَ انْتَهَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِهَذَا : إِنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٌ لَحَقٌّ ، مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ أَنْ يُقَاتِلُوا ، فَإِنْ وَجَدُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ انْشَمَرُّوا إِلَى بِلادِهِمْ ، وَخَلُّوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلَ فِي بِلادِكُمْ . فَأَرْسَلُوا إِلَى قُرَيْشٍ وَغَطْفَانَ : إِنَّا وَاللَّهِ لا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتّى تَعْطُونَا رُهُنًا . فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ ، وَخَذَّلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ ، فَجَعَلَتْ تُكْفِأُ قُدُورَهُمْ ، وَتَطْرَحُ آنِيَتَهُمْ . فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ دَعَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ ، فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ ، لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ لَيْلا . .

الرواه :

الأسم الرتبة
الْبَرَاءِ

صحابي

أَبِي إِسْحَاقَ

ثقة مكثر

شُعْبَةُ

ثقة حافظ متقن عابد

مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ

ثقة مأمون

مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ

جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث

مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ

ثقة

أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ

صدوق حسن الحديث

عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ

ثقة

Whoops, looks like something went wrong.