أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ ، أنا أَبُو عَلِيّ بْنُ الْمُسْلِمَةِ ، أنا أَبُو الْحَسَن الحمامي ، أنا أَبُو عَلِيّ بْن الصواف ، نَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الْقَطَّان ، نَا إِسْمَاعِيل بْن عِيسَى الْعَطَّار ، قَالَ : قَالَ أَبُو حُذَيْفَة إِسْحَاق بْن بشر ، عن سَعِيد بْن عَبْد العزيز ، عن قدماء أهل الشام وغيرهم ، قالوا : ثم زحف ، يعني ماهان ، إِلَى المسلمين فخرج بهم أَبُو عبيدة ، وقد جعل عَلَى ميمنته معاذ بْن جبل ، وعلى ميسرته قثامة بْن أُسَامَةَ الكنانة ، وعلى الرجالة هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص ، وعلى الخيل خَالِد بْن الْوَلِيد . وكان الأمراء عَمْرو بْن العاص عَلَى ربع ، ويزيد بْن أَبِي سُفْيَان عَلَى ربع ، وشُرَحْبِيل بْن حسنة عَلَى ربع ، وكان أَبُو عبيدة عَلَى ربع . وخرج الناس عَلَى راياتهم فيها أشراف رجال من العرب ، فيها الأزد ، وهم ثلث الناس ، وفيها حمير وهمدان ومذحج وخولان وخثعم ، وفيها كنانة وقضاعة ولخم وجذام وكندة وحضرموت ، وليس فيها أسد ولا تميم ولا ربيعة ، ولم يكن دارهم إنما كانت دارهم عراقية ، فقاتلوا أهل فارس بالعراق ، فلما بدروا لهم وسار أَبُو عبيدة بالمسلمين وهو يقول : عباد اللَّه انصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم . يا عباد اللَّه اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار . ولا تتركوا مصافكم ولا تخطوا إليهم خطوة ، ولا تبدءوهم بالقتال ، وأشرعوا الرماح واستتروا بالدرق ، والزموا الصمت ، إلا من ذكر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي أنفسكم ، حتى آمركم إن شاء اللَّه . قالوا : وخرج معاذ بْن جبل عَلَى الناس فجعل يذكرهم ويقول : يَأَهْلَ القرآن ومستحفظي الكتاب ، وأنصار الهدى والحق والرحمة . إن رحمة اللَّه لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني ، ولا يؤتي اللَّه تعالى المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادق المصدق ، ألم تسمعوا لقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سورة النور آية 55 إِلَى آخر الآية . واستحيوا رحمكم اللَّه من ربكم أن يراكم فرارا عن عدوكم ، وأنتم فِي قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ، ولا عز بغيره ، يمشي فِي الصفوف ويذكرهم ، حتى إذا بلغ من ذَلِكَ ما أحب ورأى من الناس الذي سره لهم ، ثم حرضهم وانصرف إِلَى موقفه رحمه اللَّه . قالوا : وسار فِي الناس عَمْرو بْن العاص وهو أحد الأمراء كمسير أخيه معاذ بْن جبل فجعل يحرضهم ، ويقول : يَأَيُّهَا المسلمون غضوا الأبصار ، واجثوا عَلَى الركب ، وأشرعوا الرماح ، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم ، حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا فِي وجوههم وثبة الأسد . فوالذي يرضى للصدق ويثبت عليه ويمقت الكذب ويجزي بالإحسان إحسانا ، لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا ، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل ، قالوا : ثم يرجع فوقف فِي موقفه معهم أيضا . قالوا : ثم رجع أَبُو سُفْيَان بْن حرب وهو متطوع يومئذ ، إنما استأذن أمير المؤمنين عُمَر أن يخرج متطوعا مددا للمسلمين متطوعين ، فجعل اللَّه فِي مخرجه بركة . فسار فِي صف المسلمين ، وهو يقول : يا معشر المسلمين أنتم العرب ، وقد أصبحتم فِي دار العجم منقطعين عن الأهل نائين عن أمير المؤمنين وأمداد اللَّه ، وقد والله أصبحتم بإزاء عدو كثير عدده ، شديد عليكم حنقه ، وقد وترتموهم فِي أنفسهم وبلادهم ونسائهم ، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم ، ولا يبلغ رضوان اللَّه غدا إلا بصدق اللقاء والصبر فِي المواطن المكروهة ، ألا إنها سنة لازمة وإن الأرض وراءكم بينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحارى وبراري ، ليس لأحد فيها معقل ولا معقول إلا الصبر ورجاء ما وعد اللَّه فهو خير معقول ، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا بها ولتكن هي الحصون . قالوا : ثم رجع أَبُو سُفْيَان إِلَى النساء اللاتي مع المسلمين ، وكان كثير من المهاجرات قد حضرن يومئذ مع أزواجهن وابنائهن ، وأجلسهن خلف صفوف المسلمين ، وأمر بالحجارة فألقيت بين أيديهن ، ثم قَالَ : لا يرجع إليكن أحد من المسلمين إلا رميتموه بهذه الحجارة ، وقلتن : من يرجوكم بعد الفرار عن الإسلام وأهله وعن النساء بأرض العدو ؟ فالله اللَّه . قَالَ : ثم رجع أَبُو سُفْيَان فنادى المسلمين ، فَقَالَ : يا معشر أهل الإسلام حضر ما ترون ، فهذا رَسُول اللَّه والجنة أمامكم والشيطان والنار خلفكم ، ثم وقف موقفه . قالوا : وزحفت الروم مكانها إِلَى المسلمين يدفون دفيفا معهم الصلبان ، وأقبلوا بالأساقفة والقسيسين والرهبان والبطارقة لهم رجل كرجل الرعد ، وقد تبايع عظماؤهم عَلَى الموت ، ودخل منهم ثلاثون ألفا كل عشرة فِي سلسلة لأن لا يفرون . قالوا : فلما نظر إليهم خَالِد مقبلين أقبل يركض حتى قطع صف المسلمين إِلَى نساء المسلمين ، وهن عَلَى تل مرتفع من العسكر حيث وضعهن أَبُو سُفْيَان ، فَقَالَ : يا نساء المسلمين أيما رجل أقبل إليكم منهزما فأقتلنه ، ثم انصرف ، فأتى أبا عبيدة ، فَقَالَ : إن هؤلاء قد أقبلوا بعدة رحل وفرح ، وإن لهم حدة لا يردها شيء ، وليست خيلي بالكثيرة ، ولا والله لا قامت خيلي لشدة خيلهم ورجالهم أبدا ، وخيله يومئذ أمام صفوف المسلمين ثلاثة ، فَقَالَ خَالِد : قد رأيت أن أفرق خيلي فأكون فِي إحدى الخيلين ، وقيس بْن هبيرة فِي الخيل الأخرى ، ثم تقف خيلنا من وراء الميمنة والميسرة ، فإذا حمل عَلَى الناس ثبت اللَّه أقدامهم وإن كانت الأخرى حملت خيولنا عَلَيْهِمْ ، وهي جامة ، وهم قد انتهت شدتهم وتفرقت جماعتهم ، فأرجو عندها أن يظفر اللَّه بهم ويجعل الدائرة عَلَيْهِمْ . وقد رأيت أن يجلس سَعِيد بْن زيد مجلسك هذا ويقف من ورائه بحذائه مائتين ، أو ثلاثمائة يكون للناس ردءا ، قالوا : فقبل أَبُو عبيدة مشورته ، وقال : افعل ما أراك اللَّه ، وأنا فاعل ما أردت . وأجلس أَبُو عبيدة سَعِيد بْن زيد مكانه ، وفعل ما أمره به خَالِد . فركب فرسه وأقبل يسير فِي الناس ويحرضهم ، ويوصيهم بتقوى اللَّه والصبر ، ثم انصرف فوقف من خلف الناس ردءا لهم . قَالَ إِسْحَاق : نَا سَعِيد بْن عَبْد العزيز ، عن بعض قدمائهم ، أن رجلا من المسلمين أقبل يومئذ عند وصاة أَبِي عبيدة هذه ، فَقَالَ له : إني قد أردت أن أقضي شأني ، فهل لك إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاجة ؟ فَقَالَ أَبُو عبيدة : نعم ، تقرئه مني السلام ، وتخبره أنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، ثم تقدم الرجل فكان أول من استشهد رحمة اللَّه تعالى عليه . قَالَ : وأقبلت الروم إليهم كأنها سحابة منقضة إِلَى المسلمين حتى دنا طرفهم من ميمنة المسلمين . قَالَ : فبرز معاذ بْن جبل فنادى المسلمين : يا معشر أهل الإسلام إنهم قد تهيئوا للشدة ، ولا والله لا يردهم إلا الصدق عند اللقاء ، والصبر عند القراع . قالوا : ثم نزل عن فرسه ، وقال : من يريد فرسا يركبه ويقاتل عليه ؟ قَالَ : فوثب ابنه عَبْد الرَّحْمَن وهو غلام حين احتلم فأخذه ، فَقَالَ : يا أبة إني لأرجوه أن لا يكون فارسا أعظم غناء فِي المسلمين مني فارس ، وأنت يا أبة راجل أعظم غناء منك فارس . الرجالة هم عظم المسلمين ، فإذا رأوك حافظا مترجلا صبروا إن شاء اللَّه تعالى وحافظوا ، قَالَ : فَقَالَ أبوه : وفقني اللَّه وإياك يا بني . قَالَ : ثم إن الروم تداعوا وتحاضوا وذكرتهم الأساقفة والرهبان ، قَالَ : فجعل معاذ إذا سمع ذَلِكَ منهم ، يقول : اللهم زلزل أقدامهم ، وأرعب قلوبهم ، وأنزل علينا السكينة ، وألزمنا كلمة التقوى ، وحبب إلينا اللقاء ، ورضنا بالقضاء . وخرج باهان صاحب الروم فجال فيهم حتى وقف ، وأمرهم بالصبر والقتال دون ذراريهم وأموالهم وسلطانهم ، ثم بعث إِلَى صاحب الميسرة أن احمل ، وهو الذربيجان ، وكان عدو اللَّه متنسكا ، فَقَالَ للبطارقة والرءوس الذين معه : قد أمركم أميركم أن تحملوا ، قالوا : فتهيأت البطارقة فشدت عَلَى الميمنة ، وفيها الأزد ومذحج وحضرموت وحمير وخولان ، فثبتوا حتى صدقوا أعداء اللَّه ، فقاتلوهم قتالا شديدا طويلا ، ثم أنه ركبه من الروم أمثال الجبال فزال المسلمون من الميمنة إِلَى ناحية القلب ، وانكشفت طائفة من الناس إِلَى العسكر ، وثبت صدر من المسلمين عظيم ، يقاتلون تحت راياتهم ، وانكشفت زبيد يومئذ وهي فِي الميمنة ، وفيهم الحجاج بْن عَبْد يغوث ، فتنادوا فترادوا واجتمعوا جميعا ، فاجتمعوا وهم خمسمائة رجل ، فشدوا شدة نهنهوا من قبلهم من الروم ، واشغلوهم عن اتباع من انكشف من الميمنة ، وتراد أيضا جماعة من الميمنة المتحيزة فشدت حمير وحضرموت وخولان بعدما زالوا ، حتى وقفوا مواقفهم فِي الصف . واستقبل النساء سرعان من انهزم من المسلمين معهن عمد البيوت ، وأخذن تضربن وجوههن وترمين بالحجارة . قالوا : قَالَ العباس بْن سهل بْن سعد الساعدي : وكانت تحته خولة بنت ثعلبة الأنصارية فِي هؤلاء النساء فمر بها عَمْرو وهو ابْن بحر وهو يقول : يا هاربا عن نسوة ثنيات فعن قليل ما ترى سبيات ولا خطيئات ولا رضيات . قَالَ : فتراد الناس وثبت النساء عَلَى مواقفهن . قالوا : واستحر القتال فِي الأزد ، فأصيب منهم ما لم يقتل من القبائل ، وقتل يومئذ عَمْرو بْن الطفيل الدوسي ، وحقق اللَّه رؤيا والده رحمة اللَّه عليه الطفيل ، فإنه رأى يوم مسيلمة أن امرأة لقيته ففتحت له فرجها فدخله ، وطلبه ابنه هذا وحبس عنه ، فَقَالَ : أولت رؤياي أن أقتل ، وإن المرأة التي أدخلتني فِي فرجها الأرض ، وأن ابني سيصيبه جراحة ويوشك أن يلحقني ، فقتل هذا يوم اليرموك . وهو يقول : يا معشر الأزد لا يؤتين المسلمين من قبلكم ، وأخذ يضرب بسيفه قدما ، وهو يقول : قد علمت دوس ويشكر تعلم أني أخو البيض ليوم مظلم وأعزل الشكيم شد الأيهم كنت عزيزا فِي الوغا ضيغم فقاتل حتى قتل . قَالَ : وثبت جندب بْن عَمْرو بْن جهمة ورفع رايته وهو يقول : يا معشر الأزد ، إنه لا ينجو من القتل والعدو والإثم إلا من قاتل . ألا وإن المقتول الشهيد والخائب من تولى ، ثم أخذ يقول : يا معشر الأزد : إنه لا يمنع الراية إلا الأبطال فقاتل حتى قتل . قالوا : وبرز أَبُو هريرة صاحب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الأزد يعاونها وهو أحد الرءوس من الأزد ، فجعل يقول : سارعوا إِلَى الحور العين وجوار ربكم عَزَّ وَجَلَّ فِي جنان النعيم ، ما أنتم إِلَى ربكم فِي موطن أحب إليه منكم فِي مثل هذا الموطن ، ألا وإن للصابرين فضلهم . قالوا : فأطافت به الأزد ثم اضطربوا حتى صارت الروم تجول فِي مجال واحد كما تدور الرحى ، قالوا : ولقل ما رؤي يوما أكثر قحفا ساقطا ومعصما نادرا وكفا طائرة من ذَلِكَ الموطن . والناس يضطربون تحت القسطل ، قالوا : وجل القبائل فِي الميمنة حتى القلب ، قالوا : والقلب فِي نحو ما فيه الميمنة . قالوا : وحمل عَلَيْهِمْ خَالِد بْن الْوَلِيد عَلَى الميسرة التي دخلت العسكر ، واضطربت ميمنة المسلمين إِلَى القلب فصارت الميمنة والقلب شيئا واحدا . فقتل هو وخيله نحوا من ستة آلاف ، ودخل سائرهم بيوت المسلمين فِي العسكر مجرحين . وخرج خَالِد بْن الْوَلِيد فِي خيله يطرد من كان من الروم قريبا من العسكر ، حتى إذا أرادوا أن يمكروا به نادى عند ذَلِكَ : يَأَهْلَ الإسلام لم يبق عند القوم من الجلد والقتال إلا ما رأيتم الشدة الشدة ، فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن يمنحكم اللَّه أكتافهم ، قالوا : فاعترض صفوف الروم وأن فِي جانبه الذي يستقبل لمائة ألف من الروم ، فحمل عَلَيْهِمْ وما هو إلا فِي نحو من ألف فارس ، قالوا : فوالله ما بلغتهم الحملة حتى فض اللَّه جمعهم ، وشد المسلمون عَلَى من يليهم من رحالهم ، فانكشفوا وأتبعهم المسلمون ما يمتنعون من قبل ميمنتهم ولا ميسرتهم ، قالوا : ثم إن خَالِد انتهى فِي تلك الحملة إِلَى الدربيجان ، وقد قَالَ لأصحابه : لفوني فِي الثياب فلف فِي الثياب ، وقال : وددت أن اللَّه كان عافاني من حرب هؤلاء القوم ، فلم أرهم ولم يروني ، ولم أنصر عَلَيْهِمْ ، ولم ينتصروا عَلِيّ ، وهذا يوم شر ولم يقاتل حتى غشيه القوم فقتلوه . قالوا : وقال أيضا : قناطر وهو فِي ميمنة الروم لجرحين صاحب أرمينية احمل فَقَالَ له : أنت تأمرني أن أحمل وأنا أمير مثلك ، فَقَالَ له قناطر : أنت أمير ، وأنا أمير ، وأنا فوقك وقد أمرت بطاعتي ، فاختلفا ، ثم إن قناطر حمل حملة شديدة عَلَى كنانة وقيس وخثعم وجذام وقضاعة وعاملة وغسان ، وهم فيما بين ميسرة المسلمين إِلَى القلب ، فكشفوا المسلمين وزالت الميسرة عن مصافها ، وثبت أهل الرايات وأهل الحفايظ فقاتلوا وركبت الروم أكتاف من انهزم حتى دخلوا معهم العسكر ، قَالَ : فاستقبلهم نساء المسلمين بعمد الفساطيط يضربون بها وجوههم ويرمونهم بالحجارة ، ويقلن : أين أين عز الإسلام والأمهات والأزواج ، قَالَ : فيعطف هؤلاء الذين انهزموا إِلَى المسلمين ، وينادي الناس بالحفايظ والصبر . قَالَ : وشد قبابة بْن أُسَامَةَ ، فقاتل قتالا شديدا وجعل يرتجز ويقول : إن تفقدوني تفقدوا خير فارس لذي الغمرات والرئيس المحاميا وذا فخر لا يملأ الهول قلبه ضروبا بنصل السيف أروع ماضيا قالوا : فكسر فِي القوم ثلاث رماح يومئذ وقطع سيفين ، وأخذ يقول كلما قطع سيفا أو كسر رمحا : من يعير سيفا أو رمحا فِي سبيل اللَّه ، رجلا حبس نفسه مع أولياء اللَّه ، قد عاهد اللَّه أن لا يفر ولا يبرح حتى يقاتل المشركين ، حتى يظهر المسلمون أو يموت ، فكان من أحسن الناس بلاء فِي ذَلِكَ اليوم . قالوا : ونزل أيضا أَبُو الأعور السلمي ، فَقَالَ : يا معشر قيس خذوا نصيبكم من الأجر والصبر ، فإن الصبر فِي الدُّنْيَا عز ومكرمة ، وفي الآخرة رحمة وفضيلة ، فاصبروا وصابروا . ثم إن الناس حيزوا إِلَى القلب ، وفي القلب سَعِيد بْن زيد بْن عَمْرو بْن نفيل حيث وضعه أَبِي عبيدة بْن الجراح ، قَالَ : فلما نظر سَعِيد إِلَى الروم وخافها اقتحم إِلَى الأرض وجثى عَلَى ركبتيه ، حتى إذا دنوا منه طعن برايته أول رجل من القوم ثم ثار فِي وجوههم كأنه الليث ، وأخذ يقاتل ويعطف الناس إليه . قالوا : وكان يزيد بْن أَبِي سُفْيَان يومئذ من عظم الناس غناء ، قد كان أبوه مر به ، فَقَالَ له : يا بني عليك بتقوى اللَّه والصبر فإنه ليس رجل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفا بالقتال ، فكيف بك وبأشباهك الذين ولوا أمور المسلمين ؟ أولئك أحق الناس بالجهاد والنصيحة ، فاتق اللَّه يا بني والزم فِي أمرك ، ولا يكونن أحد من إخوانك بأرغب فِي الأجر والصبر فِي الحرب ، ولا أجرأ عَلَى عدو الإسلام منك ، قَالَ : أفعل ، فقاتل يومئذ فِي الجانب الذي كان فيه واقفا قتالا شديدا وكان مما يلي القلب . قالوا : وشد طرف من الروم عَلَى عَمْرو بْن العاص فانكشف هو وأصحابه حتى دخلوا أول العسكر ، وهم فِي ذَلِكَ يقاتلون ويشدون ، ولم ينهزموا هزيمة ولوا فيها الظهر . قَالَ : فنزلن النساء بعمدهن من التل فضربن وجوه الرجال ، ونادت الناس أم حبيبة ابنة العاص ، فقالت : قبح اللَّه رجلا يفر عن حليلته ، وقبح اللَّه رجلا يفر من كريمته . قالوا : وسمع نسوة من النساء المسلمين يقلن : فلستم بعولتنا إن لم تمنعونا ، قَالَ : فتراد المسلمون ، وزحف عَمْرو وأصحابه حتى عادوا إِلَى قريب من موقفهم . قالوا : وقاتل أيضا شُرَحْبِيل بْن حسنة فِي ربعه الذي كان فيه فكان وسطا من الناس إِلَى جنب سَعِيد بْن زيد ، وانكشف عنه أصحابه ، فثبت وهو يقول : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ سورة التوبة آية 111 إِلَى آخر الآية ، أين الشارون أنفسهم لله ابتغاء مرضاة اللَّه ؟ ، وأين المشتاقون إِلَى جوار اللَّه فِي داره ؟ قالوا : فرجع إليه ناس كثير ، وبقي القلب لم ينكشف أهله لمكان الذي كان فيه سَعِيد بْن زيد . قالوا : وكان أَبُو عبيدة من وراء ظهره ردءا له وللمسلمين . قالوا : فلما رأى قيس بْن هبيرة خيل المسلمين وراء صفهم مما يلي ميسرة المسلمين ، وأن المسلمين قد دخلت ميسرتهم العسكر ، وأن الروم قد صمدت لهم ، اعترض الروم بخيله تلك ينتظر خيل خَالِد بْن الْوَلِيد فعطف بهم إِلَى بعض . ورجع المسلمون فِي آثارهم فقاتلوهم ، وحمل عَلَى من يليه من الروم وهو فِي ميمنة المسلمين حتى اضطروهم إِلَى صفوفهم . قالوا : فلما رأى خَالِد بْن الْوَلِيد أن قيس بْن هبيرة قد كشف من يليه ، وأن المسلمين قد رجعت راجعتهم إِلَى المسلمين ، حمل عَلَى من يليه من الروم يعطف بعضهم بعضا إِلَى بعض وزحف المسلمون إليهم رويدا ، حتى إذا دنوا منهم إذا هم ينتفضون . قَالَ : فبعث ذَلِكَ أَبُو عبيدة عند ذَلِكَ إِلَى سَعِيد بْن زيد أن شد عَلَيْهِمْ ، وشد المسلمون بأجمعهم عدة واحدة ، وأظهروا التكبير ، ثم صكوهم صكة واحدة ، فطعنوا بالرماح فضربوا بالسيوف ، وأنزل اللَّه تعالى نصره وما وعد نبيه صلى الله عليه وسلم ، فضرب اللَّه وجوه أعدائه ومنح أكتافهم ، وزلزل أقدامهم ، وأنزل اللَّه ملائكة يضربون وجوههم حتى ولوا المسلمين أكتافهم . قالوا : قَالَ سَعِيد بْن المسيب ، عن أبيه ، أنه قَالَ : لما جلنا هذه الجولة سمعنا صوتا قد كاد يملأ العسكر يقول : يا نصر اللَّه اقترب ، الثبات الثبات يا معشر المسلمين ، فتعطفنا عليه ، فإذا هو أَبُو سُفْيَان بْن حرب تحت راية ابنه . قالوا : وشد خَالِد فِي سرعان الناس ، وشد المسلمون معه يقتلون كل قتلة ، وركب بعضهم بعضا حتى انتهوا لي مكان مشرف عَلَى أهوية ، فأخذوا يتساقطون فيها وهم يبصرون ، وهو يوم ذو ضباب ، ومنهم من قَالَ : كان ذَلِكَ فِي الليل فأخذ آخرهم لا يعلم ما يلقى أولهم . يتساقطون فيها ، وهم لا يبصرون ، وهم يوم ذو ضباب حتى سقط فيها نحو من ثمانين ألفا ، فما أحصوا إلا بالقصب ، قالوا : وبعث أَبُو عبيدة شداد بْن أوس بْن أخي حسان بْن ثابت بعدهم بعد ذَلِكَ اليوم بيوم ، فوجد من سقط فِي تلك الأهوية بعدما عدهم بالقصب ثمانين ألفا ، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا ، وسميت تلك الأهوية بالواقوصة من يومئذ حتى اليوم ، لأنهم وقصوا فيها . فأخذوا وجها آخر ، وقتل المسلمون فِي المعركة بعدما أدبروا أما ما لا يحصى ، وغلبهم الليل فبات المسلمون ، فلما أصبحوا نظروا فإذا هم لا يرون شيئا ، فقالوا : كمن أعداء اللَّه لنا ، فلما بعثوا الخيول فِي الوادي تنظر هل لهم من كمين لو نزلوا بوطاء من المسلمين ، فإذا الرعاة يخبرونهم أنهم قد سقطوا فِي الواقوصة ، فسألوا عن عظيم الروم فقالوا : قد ترحل منهم البارحة بنحو من أربعين ألفا . ثم أتبعهم خَالِد بْن الْوَلِيد عَلَى الخيل فقتلهم ، حتى مر بدمشق فخرج إليه رجال من أهل دمشق ، فاستقبلوه فقالوا : نحن عَلَى عهدنا الذي كان بيننا وبينكم . فَقَالَ لهم : نعم أنتم عَلَى عهدكم ، ثم أتبعهم يقتلهم فِي القرى ، وفي كل وجه حتى قدم دمشق ، فخرج إليه أهلها فسألوه التمام عَلَى ما كان بينهم ففعل قَالَ : ومضى خَالِد يطلب عظم الناس حتى أدركوه بثنية العقاب ، وهو يهبط الهابط منها إِلَى غوطة ، فدرك عظم الناس حتى أدركهم بغوطة دمشق . فلما انتهوا إِلَى تلك الجماعة من الروم وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من فوقهم ، فتقدم إليهم الأشتر وهو فِي رجال من المسلمين ، فإذا أمامهم رجل من الروم جسيم عظيم ، فمضى إليه حتى وثب عليه ، فاستوى هو والرومي عَلَى صخرة مستوية فاضطربا بسيفيهما فأظن الأشتر كف الرومي ، وضرب الرومي الأشتر بسيفه فلم يضره واعتنق كل واحد منهما صاحبه ، فوقعا عَلَى الصخرة ثم انحدرا ، وأخذ الأشتر يقول وهو فِي ذَلِكَ ملازم العلج لا يتركه : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { 162 } لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ سورة الأنعام آية 162-163 قَالَ : فلم يزل يقل ذَلِكَ حتى انتهوا إِلَى مستوى الجبل وقرار . فلما استقروا وثب عَلَى الرومي فقتله ، وصاح فِي الناس أن جوزوا ، قَالَ : فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتل خلوا الثنية وانهزموا ، قَالَ : وكان الأشتر ذا بلاء حسن فِي اليرموك ، قالوا : لقد قتل ثلاثة عشر . قالوا : فركب خَالِد والمسلمون الثنية ، ثم انحطوا مشرفين ، وأنكوا فِي سائر البلاد يطلبون أعداء اللَّه فِي القرى والجبال حتى وصلوا إِلَى حمص . فخرج إليهم أهل حمص يسألونهم التمام عَلَى عهدهم وعقدهم وجزيتهم . ففعل بهم خَالِد ما فعل بأهل دمشق ، وأقام بها ينتظر رأي أَبِي عبيدة . قالوا : ولما سار خَالِد بْن الْوَلِيد من اليرموك فِي إثر من انهزم وقع أَبُو عبيدة فِي دفن المسلمين حتى غيبهم ، وكفاه دفن الكفار بالواقوصة التي وقعوا فيها ، وقد كان مما يعملون أن يدفنوا الكفار بعدما يدفنون المسلمين ، فكفاه اللَّه الكفار بالواقوصة التي وقعوا فيها ، فكتب أَبُو عبيدة مكانه إِلَى عُمَر بْن الخطاب يصف له أمرهم . .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
قدماء | اسم مبهم | |
سَعِيد بْن عَبْد العزيز | سعيد بن عبد العزيز التنوخي | ثقة إمام لكنه اختلط في آخر عمره |
أَبُو حُذَيْفَة إِسْحَاق بْن بشر | إسحاق بن بشر البخاري | متهم بالكذب |
إِسْمَاعِيل بْن عِيسَى الْعَطَّار | إسماعيل بن عيسى السلمي | ثقة |
الْحَسَن بْن عَلِيّ الْقَطَّان | الحسن بن علويه القطان | ثقة |
أَبُو عَلِيّ بْن الصواف | محمد بن أحمد الصواف / ولد في :270 / توفي في :359 | ثقة مأمون |
أَبُو الْحَسَن الحمامي | علي بن أحمد المقرئ / ولد في :328 / توفي في :417 | ثقة |
أَبُو عَلِيّ بْنُ الْمُسْلِمَةِ | محمد بن محمد بن المسلمة / ولد في :401 / توفي في :479 | ثقة |
أَبُو الْقَاسِم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ | إسماعيل بن أحمد السمرقندي | ثقة |