أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيُّ ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْعُمَانِيُّ ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلابِيُّ ، أَنْبَأَنَا يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الَّتِي أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ : أَنَّهَا لَمَّا فَطَمَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ ، قَالَتْ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَلامًا عَجِيبًا ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا " ، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ كَانَ يَخْرُجُ ، فَيَنْظُرُ إِلَى الصِّبْيَانِ يَلْعَبُونَ ، فَيَتَجَنَّبَهُمْ ، فَقَالَ لِي يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ : " يَا أُمَّاهُ ، مَا لِي لا أَرَى إِخْوَتِي بِالنَّهَارِ ؟ " ، قُلْتُ : فَدَتْكَ نَفْسِي يَرْعَوْنَ غَنَمًا لَنَا ، فَيَرُوحُونَ مِنْ لَيْلٍ إِلَى لَيْلٍ ، فَأَسْبَلَ عَيْنَيْهِ وَبَكَى ، وَقَالَ : " يَا أُمَّاهُ ، فَمَا أَصْنَعُ هَهُنَا وَحْدِي ؟ ابْعَثِينِي مَعَهُمْ " ، قَالَ : وَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَتْ : فَلَمَّا أَصْبَحَ دَهَنَتْهُ ، وَكَحَّلَتْهُ ، وَقَمَّصَتْهُ ، وَعَمَدَتْ إِلَى خَرَزَةِ جِزْعٍ يَمَانِيَّةٍ ، فَعَلَّقَتْهُ فِي عُنُقِهِ مِنَ الْعَيْنِ ، وَأَخَذَ عَصَا وَخَرَجَ مَعَ إِخْوَتِهِ ، فَكَانَ يَخْرُجُ مَسْرُورًا ، وَيِرْجِعُ مَسْرُورًا ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ خَرَجُوا يَرْعَوْنَ بِهِمَا لَنَا حَوْلَ بُيُوتِنَا ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ إِذَا أَنَا بِابْنِي ضَمْرَةَ يَعْدُو فَزِعًا ، وَجَبِينُهُ يَرْشَحُ ، قَدْ عَلاهُ الْبَهَرُ بَاكِيًا يُنَادِي : يَا أَبَةُ ، يَا أُمَّةُ ، الْحَقَا أَخِي مُحَمَّدًا ، فَمَا تَلْحَقَاهُ إِلا مَيِّتًا ، قُلْتُ : وَمَا قِصَّتُهُ ؟ قالا : بَيْنَا نَحْنُ قِيَامٌ نَتَرَامَى ، وَنَلْعَبُ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ ، فَاخْتَطَفَهُ مِنْ أَوْسَاطِنَا ، وَعَلا بِهِ ذُرْوَةَ الْجَبَلِ ، وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى شَقَّ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى عَانَتِهِ ، وَلا أَرَى مَا فَعَلَ بِهِ ، وَلا أَظُنُّكُمَا تَلْحَقَاهُ أَبَدًا إِلا مَيِّتًا ، قَالَتْ : فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأَبُوهُ يَعْنِي زَوْجَهَا نَسْعَى سَعْيًا ، فَإِذَا نَحْنُ بِهِ قَاعِدًا عَلَى ذُرْوَةِ الْجَبَلِ شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ يَتَبَسَّمُ ، وَيَضْحَكُ ، وَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ وَقَبَّلْتُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَقُلْتُ : فَدَتْكَ نَفْسِي مَا الَّذِي دَهَاكَ ؟ قَالَ : " خَيْرًا يَا أُمَّاهُ ، بَيْنَا أَنَا السَّاعَةَ قَائِمٌ عَلَى إِخْوَتِي إِذْ أَتَانِي رَهْطٌ ثَلاثَةٌ ، بِيَدِ أَحَدِهِمْ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ ، وَبِيَدِ الثَّانِي طِشْتٌ مِنْ زُمُرُّدَةَ خَضْرَاءَ مَلأَهَا ثَلْجًا ، فَأَخَذُونِي فَانْطَلَقُوا بِي إِلَى ذُرْوَةِ الْجَبَلِ ، فَأَضْجَعُونِي عَلَى الْجَبَلِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا ، ثُمَّ شَقَّ مِنْ صَدْرِي إِلَى عَانَتِي ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ حِسًّا وَلا أَلَمًا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِي ، فَأَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي ، فَغَسَلَهَا بِذَلِكَ الثَّلْجِ ، فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا ، ثُمَّ أَعَادَهَا وَقَامَ الثَّانِي ، فَقَالَ لِلأَوَّلِ : تَنَحَّ ، فَقَدْ أَنْجَزْتُ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ، فَدَنَا مِنِّي ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِي ، فَانْتَزَعَ قَلْبِي ، وَشَقَّهُ ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ نُكْتَةً سَوْدَاءَ مَمْلُوءَةً بِالدَّمِ ، فَرَمَى بِهَا ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ ، ثُمَّ حَشَاهُ بِشَيْءٍ كَانَ مَعَهُ ، وَذَرَّهُ مَكَانَهُ ، ثُمَّ خَتَمَهُ بِخَاتَمٍ مِنْ نُورٍ ، فَأَنَا السَّاعَةَ أَجِدُ بَرْدَ الْخَاتَمِ فِي عُرُوقِي وَمَفَاصِلِي . وَقَامَ الثَّالِثُ ، فَقَالَ لِلثَّانِي : تَنَحَّ ، فَقَدْ أَنْجَزْنَا مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ ، ثُمَّ دَنَا الثَّالِثُ مِنِّي ، فَمَرَّ يَدَهُ فِي مِفْرَقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي ، قَالَ الْمَلِكُ : زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ ، فَوَزَنُونِي ، فَرَجَحْتُهُمْ ، فَقَالَ : دَعُوهُ ، فَلَوْ وَزَنْتُمُوهُ بِأُمَّتِهِ كُلِّهَا لَرَجَحَ بِهِمْ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَأَنْهَضَنِي إِنْهَاضًا لَطِيفًا ، فَأَكَبُّوا عَلَيَّ ، وَقَبَّلُوا رَأْسِي ، وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ ، وَقَالُوا : يَا حَبِيبَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَنْ تُرَاعَ ، وَلَوْ تَدْرِي مَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ ، وَتَرَكُونِي قَاعِدًا فِي مَكَانِي هَذَا ، ثُمَّ جَعَلُوا يَطِيرُونَ حَتَّى دَخَلُوا حِيَالَ السَّمَاءِ ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَوْ شِئْتُ لأَرَيْتُكَ مَوْضِعَ مَكَانِهِمْ مُحَوَّلَهِمَا " . قَالَتْ : فَاحْتَمَلْتُهُ ، فَأَتَيْتُ بِهِ مَنَازِلَ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ، فَقَالَ النَّاسُ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيُدَاوِيَهِ ، فَقَالَ : " مَا بِي شَيْءٌ مِمَّا تَذْكُرُونَ ، إِنِّي أَرَى نَفْسِي سَلِيمَةً ، وَفُؤَادِي صَحِيحٌ بِحَمْدِ اللَّهِ " ، فَقَالَ : قَالَ لِي النَّاسُ : أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ ، فَقَالَ : فَغَلَبُونِي عَلَى رَأْيِي ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، قَالَ : دَعِينِي أَنَا أَسْمَعُ مِنْهُ ، فَإِنَّ الْغُلامَ أَبْصَرَ بِأَمْرِهِ مِنْكُمْ ، تَكَلَّمْ يَا غُلامُ ، قَالَتْ حَلِيمَةُ : فَقَصَّ ابْنِي مُحَمَّدٌ قِصَّتَهُ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا ، فَوَثَبَ الْكَاهِنُ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ ، وَنَادَى بِأَعْلا صَوْتِهِ : يَا آلَ الْعَرَبِ ، يَا آلَ الْعَرَبِ ، مِنْ شَرِّ قَدِ اقْتَرَبَ ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلامَ ، وَاقْتُلُونِي مَعَهُ ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَرَكْتُمُوهُ ، وَأَدْرَكَ مَدْرَكَ الرِّجَالِ لَيُسَفِّهَنَّ أَحْلامَكُمْ ، وَلَيَنْكِدَنَّ أَدْيَانَكُمْ ، وَلَيَدْعُوَنَّكُمْ إِلَى رَبٍّ لا تَعْرِفُونَهُ ، وَإِلَى دِينٍ تُنْكِرُونَهُ . قَالَتْ : فَلَمَّا سَمِعْتُ مَقَالَتَهُ انْتَزَعْتُهُ مِنْ يَدِهِ ، وَقُلْتُ : لأَنْتَ أَعْتَهُ مِنْهُ وَأَجَنُّ ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ قَوْلِكَ مَا أَتَيْتُكَ بِهِ ، اطْلُبْ لِنَفْسِكَ مَنْ يَقْتُلُكَ ، فَإِنَّا لا نَقْتُلُ مُحَمَّدًا ، فَاحْتَمَلْتُهُ ، فَأَتَيْتُ بِهِ مَنْزِلِي ، فَمَا أَتَيْتُ يَعْلَمُ اللَّهُ مَنْزِلا مِنْ مَنَازِلِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلا وَقَدْ شَمَمْنَا مِنْهُ رِيحَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ ، وَكَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَجُلانِ أَبْيَضَانِ ، فَيَغِيبَانِ فِي ثِيَابِهِ وَلا يَظْهَرَانِ ، فَقَالَ النَّاسُ : رُدِّيهِ يَا حَلِيمَةُ إِلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَخْرِجِيهِ مِنْ أَمَانَتِكِ ، قَالَتْ : فَعَزَمْتُ عَلَى ذَلِكَ ، فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي : هَنِيئًا لَكِ يَا بَطْحَاءَ مَكَّةَ ، الْيَوْمَ يَرِدُ عَلَيْكِ النُّورُ ، وَالدِّينُ ، وَالْبَهَاءُ ، وَالْكَمَالُ ، فَقَدْ أَمِنْتِ أَنْ تُخْذَلِينَ ، أَوْ تَحْزَنِينَ أَبَدَ الآبِدِينَ ، وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ ، قَالَتْ : فَرَكِبْتُ أَتَانِي ، وَحَمَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيَّ ، أَسِيرُ حَتَّى أَتَيْتُ الْبَابَ الأَعْظَمَ مِنْ أَبْوَابِ مَكَّةَ ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ ، فَوَضَعْتُهُ لأَقْضِيَ حَاجَةً ، وَأُصْلِحَ شَأْنِي ، سَمِعْتُ هَدَّةً شَدِيدَةً ، فَالْتَفَتُّ ، فَلَمْ أَرَهُ ، فَقُلْتُ : مَعَاشِرَ النَّاسِ ، أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ قَالُوا : أَيُّ الصِّبْيَانِ ؟ قُلْتُ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الَّذِي نَضَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَجْهِي ، وَأَغْنَى عِيلَتِي ، وَأَشْبَعَ جَوْعَتِي ، رَبَّيْتُهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكْتُ بِهِ سُرُورِي وَأَمَلِي أَتَيْتُ بِهِ أَرُدُّهُ ، وَأَخْرُجُ مِنْ أَمَانَتِي ، فَاخْتُلِسَ مِنْ يَدِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ قَدَمَاهُ الأَرْضَ ، وَاللاتِ وَالْعُزَّى ، لَئِنْ لَمْ أَرَهُ لأَرْمِيَنَّ بِنَفْسِي مِنْ شَاهِقِ الْجَبَلِ ، وَلأَتَقَطَّعَنَّ إِرَبًا إِرَبًا . فَقَالَ النَّاسُ : إِنَّا لَنَرَاكِ غَائِبَةً عَنِ الرُّكْبَانِ ، مَا مَعَكَ مُحَمَّدٌ ، قَالَتْ : قُلْتُ : السَّاعَةَ كَانَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ، قَالُوا : مَا رَأَيْنَا شَيْئًا ، فَلَمَّا آيَسُونِي وَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِي ، فَقُلْتُ : وَامُحَمَّدَاهْ ، وَاوَلَدَاهْ ، أَبْكَيْتَ الْجَوَارِي الأَبْكَارَ لِبُكَائِي ، وَصَاحَ النَّاسُ مَعِي بِالْبُكَاءِ حُرْقَةً لِي ، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ كَبِيرٍ كَالْفَانِي مُتَوَكِّئًا عَلَى عُكَّازَةٍ لَهُ ، قَالَتْ : فَقَالَ لِي : مَالِي أَرَاكِ تَبْكِينَ وَتَصِيحِينَ ؟ قَالَتْ : فَقُلْتُ : فَقَدْتُ ابْنِي مُحَمَّدًا ، قَالَ : لا تَبْكِي أَنَا أَدُلُّكِ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ فَعَلَ ، قَالَتْ : قُلْتُ : دُلَّنِي عَلَيْهِ ، قَالَ : الصَّنَمُ الأَعْظَمُ ، قَالَتْ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، كَأَنَّكَ لَمْ تَرَ مَا نَزَلَ بِاللاتِ وَالْعُزَّى فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : إِنَّكِ لَتَهْذِينَ ، وَلا تَدْرِينَ مَا تَقُولِينَ ، أَنَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ ، فَأَسْأَلُهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ ، قَالَتْ حَلِيمَةُ : فَدَخَلَ وَأَنَا أَنْظُرُ ، فَطَافَ بِهُبَلَ سَبْوعًا وَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، وَنَادَى يَا سَيِّدِي ، لَمْ تَزَلْ مُنْعِمًا عَلَى قُرَيْشٍ ، وَهَذِهِ السَّعْدِيَّةُ تَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ ضَلَّ ، قَالَ : فَانْكَبَّ هُبَلُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَتَسَاقَطَتِ الأَصْنَامُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَنَطَقَتْ أَوْ نَطَقَ مِنْهَا ، فَقَالَتْ : إِلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الشَّيْخُ ، إِنَّمَا هَلاكُنَا عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدٍ ، قَالَتْ : فَأَقْبَلَ الشَّيْخُ لأَسْنَانِهِ اصْتِكَاكٌ ، وَلِرُكْبَتَيْهِ ارْتِعَادٌ ، وَقَدْ أَلْقَى عُكَّازَتَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي ، وَيَقُولُ : يَا حَلِيمَةُ لا تَبْكِي ، فَإِنَّ لابْنِكِ رَبًّا لا يُضِيعُهُ ، فَاطْلُبِيهِ عَلَى مَهَلٍ ، فَقَالَتْ : فَخِفْتُ أَنْ يَبْلُغَ الْخَبَرُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَبْلِي ، فَقَصَدْتُ قَصْدَهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ ، قَالَ : أَسَعْدٌ نَزَلَ بِكِ أَمْ نُحُوسٌ ؟ قَالَتْ : قُلْتُ : بَلْ نَحْسٌ الأَكْبَرِ ، فَفَهِمَهَا مِنِّي ، وَقَالَ : لَعَلَّ ابْنَكِ قَدْ ضَلَّ مِنْكِ ، قَالَتْ : قُلْتُ : نَعَمْ ، بَعْضُ قُرَيْشٍ اغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ ، فَسَأَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَيْفَهُ وَغَضِبَ ، وَكَانَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يَلْتَفِتْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ ، فَنَادَى بِأَعْلا صَوْتِهِ : يَا سَبِيلُ ، وَكَانَتْ دَعْوَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَجَابَتْهُ قُرَيْشٌ بِأَجْمَعِهِمْ ، فَقَالَتْ : مَا قِصَّتُكَ يَا أَبَا الْحَارِثِ ؟ فَقَالَ : فُقِدَ ابْنِي مُحَمَّدٌ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : ارْكَبْ نَرْكَبُ مَعَكَ ، فَإِنْ شَقَقْتَ جَبَلا شَقَقْنَا مَعَكَ ، وَإِنْ خُضْتَ بَحْرًا خُضْنَا مَعَكَ ، قَالَ : فَرَكِبَ فَرَكِبَتْ مَعَهُ قُرَيْشٌ جَمِيعًا ، فَأَخَذَ عَلَى أَعْلا مَكَّةَ ، وَانْحَدَرَ عَلَى أَسْفَلِهَا ، فَلَمَّا أَنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا تَرَكَ النَّاسَ ، وَاتَّشَحَ بِثَوْبٍ ، وَارْتَدَى بِآخَرَ ، وَأَقْبَلَ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، فَطَافَ أُسْبُوعًا ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : يَا رَبِّ إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُوجَدْ فَجَمِيعُ قَوْمِي كُلُّهَا مُتَرَدِّدْ فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي مِنْ جَوِّ الْهَوَاءِ : مَعَاشِرَ الْقَوْمِ ، لا تَضِجُّوا ، فَإِنَّ لِمُحَمَّدٍ رَبًّا لا يَخْذُلُهُ ، وَلا يُضِيعُهُ . فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : يَأَيُّهَا الْهَاتِفُ مَنْ لَنَا بِهِ ؟ قَالُوا : بِوَادِي تِهَامَةَ عِنْدَ شَجَرَةِ الْيُمْنَى ، فَأَقْبَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَاكِبًا ، فَلَمَّا صَارَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ، تَلَقَّاهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ ، فَصَارَا جَمِيعًا يَسِيرَانِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَجْذِبُ أَغْصَانَهَا وَيَعْبَثُ بِالْوَرَقِ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : مَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ ؟ فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : فَدَتْكَ نَفْسِي ، وَأَنَا جَدُّكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، وَلَثَمَهُ ، وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ ، وَجَعَلَ يَبْكِي ، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى قَرَبُوسِ سَرْجِهِ ، وَرَدَّهُ إِلَى مَكَّةَ ، فَاطْمَأَنَّتْ قُرَيْشٌ ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ النَّاسُ نَحَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِشْرِينَ بَعِيرًا ، وَذَبَحَ أَكْبُشًا وَالْبَقَرَ ، وَحَمَلَ طَعَامًا ، وَأَطْعَمَ أَهْلَ مَكَّةَ . قَالَتْ حَلِيمَةُ : ثُمَّ جَهَّزَنِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِأَحْسَنِ الْجِهَازِ وَصَرَفَنِي ، وَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي ، وَإِذَا بِكُلِّ خَيْرِ دُنْيَا ، لا أَحْسَنَ وَصَفَ كُنْهَ خَيْرِي ، وَصَارَ مُحَمَّدٌ عِنْدَ جَدِّهِ . قَالَتْ حَلِيمَةُ : وَحَدَّثْتُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بِحَدِيثِهِ كُلِّهِ ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَبَكَى ، وَقَالَ : يَا حَلِيمَةُ ، إِنَّ لابْنِي شَأْنًا ، وَدِدْتُ أَنِّي أُدْرِكُ ذَلِكَ الزَّمَانَ . هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَفِيهِ أَلْفَاظٌ رَكِيكَةٌ لا تُشْبِهُ الصَّوَابَ ، وَيَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ فِي الرِّوَايَةِ . وَالْمَحْفُوظُ مِنْ حَدِيثِ حَلِيمَةَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ | علي بن عبد الله القرشي / ولد في :40 / توفي في :118 | ثقة |
سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ | سليمان بن علي القرشي | صدوق حسن الحديث |
أَبِي | جعفر بن سليمان الهاشمي | مقبول |
يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ | يعقوب بن جعفر الهاشمي | مجهول الحال |
مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلابِيُّ | محمد بن زكريا الغلابي / توفي في :280 | يضع الحديث |
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْعُمَانِيُّ | محمد بن عبد الله المهري | صدوق حسن الحديث |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ | الحاكم النيسابوري / ولد في :321 / توفي في :405 | ثقة حافظ |
أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ | أحمد بن الحسين النيسابوري | ثقة حافظ |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيُّ | محمد بن الفضل الفراوي / ولد في :440 / توفي في :530 | ثقة |