أَنْبَأَنَا أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مكي الأصبهاني ، أنا عباس الزاراني ، وأبو زيد ، وأبو منصور المصقليان - سماعا وإجازة - قالوا : أنا أَبُو منصور معمر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زياد الأصبهاني ، أخبرني أَبُو علي الحسين بْن جعفر الرقاعي ، نا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن علي ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّد بْن مانك السجستاني ، قال : دخلت جبل لبنان مع جماعة ، ومعنا أَبُو نصر بْن بزراك الدمشقي نلتمس من به من العباد ، فسرنا فيه ثلاثة أيام ، فما رأينا احدا ، فلما كان اليوم الرابع ضرت علي رجلي ، فإني كنت حافيا وضعفت عن المشي ، فصعدنا جبلا شامخا كان عليه شجرة وقعدنا ، فقالوا لي : اجلس أنت هاهنا ، حتى نذهب لعلنا نلقى واحدا من سكان هذا الجبل ، فمضوا جميعا ، وبقيت أنا وحدي ، فلما جن الليل صعدت إلى الشجرة ، فلما كان وجه الصبح نزلت ألتمس الماء للوضوء ، فانحدرت في الوادي لطلب الماء ، فوجدت عينا صغيرة ، وتوضأت وقمت أصلي ، فسمعت صوت قراءة ، فلما أن سلمت طلبت الأثر ، فرأيت كهفا ، وقدامه صخرة ، فصعدت الصخرة ، ورميت حجرا إلى الكهف خشية أن يكون فيه وحش فلم أر شيئا ، فدخلت الكهف ، فإذا شيخ ضرير فسلمت عليه ، فقال : أجني أنت أم أنسي ؟ فقلت : بل أنسي ، فقال : لا إله إلا اللَّه ما رأيت إنسيا منذ ثلاثين سنة غيرك ، ثم قال : ادخل ، فدخلت ، فقال : لعلك تعبت فاطرح نفسك ، فدفعت إلى داخل الكهف ، فإذا فيه ثلاثة أقبر ، فنمت ، فلم كان وقت الزوال ناداني ، فقال : الصلاة رحمك اللَّه ، فخرجت إلى العين ، وتمسحت ، فصلينا جماعة ، ثم قام ، فلم يزل يصلي حتى كان آخر وقت الظهر ، ثم أذن ، وصلينا العصر ، ثم قام قائما يدعو رافعا يديه ، فسمعت من دعائه : اللهم أصلح أمة أَحْمَد ، اللهم فرج عن أمة أَحْمَد ، اللهم ارحم أمة أَحْمَد ، إلى أن سقط القرص ، ثم أذن للمغرب ، ولم أر أحدا أعرف بأوقات الصلاة منه ، فلما أن صلى المغرب ، قلت له : لم أسمع منك من الدعاء ، إلا هذه الكلمات الثلاث ، فقال : من قال هذا كل يوم ثلاث مرات كتبه اللَّه من الأبدال ، فلما أن صلينا العشاء الآخرة ، قال لي : تأكل ؟ فقلت : نعم ، فقال لي : أدخل إلى الداخل ، فكل ما هنالك ، فدخلت فوجدت صخرة عظيمة عليها الجوز ناحية ، والفستق ناحية ، والزبيب ناحية ، والتين ناحية ، والتفاح ناحية ، والخرنوب ناحية ، والحبة الخضراء ناحية ، فأكلت منها ما أردت . فلما كان عند السحر جاء هو فأكل منها شيئا يسيرا ، ثم قام فأوتر ، فما زال يدعو ، ثم سجد فسمعته في سجوده ، يقول : اللهم من علي بإقبالي عليك ، وإضعافي إليك ، وإنصاتي لك ، والفهم منك ، والبصيرة في أمرك ، والبقاء في خدمتك ، وحسن الأدب في معاملتك . فلما رفع رأسه قلت : من أين لك هذا الدعاء ؟ فقال : ألهمت ، ولقد كنت في بعض الليالي أدعو به سمعت هاتفا يهتف بي ، ويقول : إذا دعوت ربك بهذا فقم ، فإنه مستجاب ، فلما أن صلينا قلت : من أين هذه الفواكه ، فإني لم آكل شيئا أطيب منها ؟ فقال : سوف ترى ، فلما كان بعد ساعة دخل الكهف طير له جناحان أبيضان ، وصدر أخضر ، وفي منقاره حبة زبيب ، وبين رجليه جوزة ، فوضع الزبيبة على الزبيب ، والجوزة على الجوز ، فقال لي : رأيته ؟ فقلت : نعم ، قال : هذا لي منذ ثلاثين سنة يأتيني هذا ، ويدخل علي في اليوم سبع مرات ، فلما كان ذلك اليوم عددت مجيء الطائر ، فجاء خمس عشرة مرة ، فقلت له ذلك ، فقال : انظر أنت ، فقد زادك واحدة ، فاجعلنا في حل ، وكان عليه قميص بلا كمين ، ومئزر يشبه توز القوس ، فقلت له : من أين لك هذا ؟ قال : يأتيني كل سنة هذا الطير ، وفي غير هذه الرواية ، فقلت له : من أين لك هذه الكسوة ؟ فقال : يأتيني هذا الطائر - يوم عاشوراء بعشر قطع من هذا اللحاء ، فأسوي منه قميصا ، ومئزرا - ورجع إلى الرواية - وكان له مسلة يخيط بها . فلما كان بعد ليال دخل علينا سبعة أنفس ، ثيابهم شعورهم ، وعيونهم مشققة بالطول حمر ، وليس فيها دوارة فسلموا ، فقال لي : لا تخف هؤلاء الجن ، فقرأ واحد منهم عليه سورة طه والآخر سورة الفرقان وتلقن منهم الآخر شيئا من سورة الرحمن ثم مضوا ، فسألته عنهم ، فقال : جاء هؤلاء من الرومية ، فقلت له : كم لك في هذا الجبل ؟ فقال : أربعين سنة ، كان لي عشر سنين البصر ، وكنت أجمع في الصيف من هذه المباحات إلى هذا الكهف ، فلما ذهب بصري بقيت أياما لم أذق شيئا ، فجاءني هؤلاء ، فقالوا : قد رحمناك ، فدعنا نحملك إلى حمص أو دمشق ، فقلت : اشتغلوا بما وكلتم به ، فلما كان بعد ساعة جاءني هذا الطير الذي رأيت بتفاحة فطرحها في حجري ، فقلت : لا تشغلني اطرحها إلى وقت حاجتي إليها . ثم قال لي : وقد قال هؤلاء : إن القرمطي دخل مكة ، وقتل فيها ، وفعل ، وصنع ، فقلت : قد كان ذاك ، وقد كثر الدعاء عليه ، فلم منع الإجابة ؟ فقال : لأن فيهم عشر خصال ، فكيف يستجاب لهم ؟ . فقلت : وما هن ؟ قال : أوله : أقروا بالله ، وتركوا أمره ، والثاني : قالوا : نحب الرسول ، ولم يتبعوا سنته ، والثالث : قرأوا القرآن ، ولم يعملوا به ، والرابع : قالوا : نحب الجنة ، وتركوا طريقها ، والخامس : قالوا : نكره النار ، وزاحموا طريقها ، والسادس : قالوا : أن إبليس عدونا ، فوافقوه ، والسابع : دفنوا أمواتهم ، فلم يعتبروا ، والثامن : اشتغلوا بعيوب إخوانهم ، ونسوا عيوبهم ، والتاسع : جمعوا المال ، ونسوا الحساب ، والعاشر : نقضوا القبور ، وبنوا القصور . قال أَبُو عَبْدِ اللَّه : فأقمت عنده أربعة وعشرين يوما في أطيب عيشة ، فلما كان اليوم الرابع والعشرون ، قال لي : كيف وصلت إلى هاهنا ؟ فحدثته بحديثي ، فقال : إنا لله لو علمت قصتك لم أتركك عندي لأنك شغلت قلوبهم ، ورجوعك إليهم أفضل لك مما أنت فيه ، فقلت له : إني لا أعرف الطريق ، فسكت . فلما كان عند زوال الشمس ، قال : قم ، قلت : إلى أين ؟ قال : تمضي ، فقلت له : فأوصني ، فأوصاني ، ثم قال : إذا حججت وكان يوم الزيارة ، فاطلب بين المقام وزمزم رجلا أشقر ، خفيف العارضين مجدور ، تجده بعد صلاة العصر ، فأقره مني السلام ، وسله أن يدعو لك فإنها فائدة كبيرة لك إن شاء اللَّه . ثم خرج معي من الكهف ، فإذا بسبع قائم ، فقال لي : لا تخف ، وتكلم بكلام أظنه كان بالعبرانية ، فإني لم أكن أفهمه ، ثم قال لي : اذهب خلفه ، فإذا وقف فانظر عن يمينك تجد الطريق إن شاء اللَّه ، فسار السبع ساعة ، ثم وقف ، فنظرت فإذا أنا على عتبة دمشق ، فدخلت دمشق ، والناس قد انصرفوا من صلاة العصر ، فمضيت إلى ابن برزاك أَبِي نصر مع جماعة ، فسر سرور تاما . فحدثته بحديثي ، فقال : أما نحن فما رأينا إلا واحدا نصرانيا . قال أَبُو عَبْدِ اللَّه : ثم خرجنا مقدار خمسين رجلا إلى ذلك الجبل ، وسرنا فيه في تلك الأودية ، وحول الجبل ، فلم نقف على موضعه ، فقال لي : هذا شيء كشف لك ، ومنعنا نحن فرجعنا ، قال : فخرجت إلى الحج ، فوجدت الرجل بين المقام ، وزمزم جالسا بعد العصر كما وصف ، وعليه ثوب شرب ، ومئزر دبيقي وهو قاعد على منديل ، وقدامه كوز نحاس ، فسلمت عليه ، فرد علي السلام ، فقلت له : إِبْرَاهِيم بْن نصر الكرماني يقرئك السلام ، فقال : وأين رأيته ؟ قلت : في جبل لبنان ، فقال : رحمه اللَّه ، قد مات ، قلت : فمتى مات ؟ قال : الساعة دفناه ، وكنا جماعة ، وفي غير هذه الرواية : ودفناه - عند إخوانه في الغار الذي كان فيه في جبل لبنان ، فلما أخذنا في غسله جاء ذلك الطير ، فما زال يضرب بجناحه حتى مات ، ودفنا الطير عند رجليه ، ثم قال : ما تقوم إلى الطواف ؟ فقمنا ، فطفت معه أسبوعين ، ثم غاب عني . رواها أَبُو الْقَاسِم بكير بْن مُحَمَّد المنذري ، عن أَبِي عَبْد اللَّه بْن مانك نحوها يزيد وينقص ، ورواها أَبُو بكر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن هارون الهمداني ، عن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن مانك ، وقال : ومعنا أَبُو نصر بْن بزرك الدمشقي سنة ثمان عشرة وثلاث مائة ، فذكر معناها .