قال : وحَدَّثَنِي قال : وحَدَّثَنِي أبو الغراف ، قال : كان أبو زبيد الطائي من وزراء الملوك - والملوك العجم خاصة - وكان عالِمًا بسيرهم ، وكان عثمان بْن عفان يقربه عَلَى ذلك ويدني مجلسه , وكان نصرانيا , فحضر ذات يوم عثمان وعنده المهاجرون والأنصار فتذاكروا مآثر العرب وأشعارها , فالتفت عثمان إلى أبي زبيد ، فقال : يا أخا بيع المسيح ، أسمعنا بعض قولك فقد أنبئت أنك تجيد ، فأنشده قصيدته التي يقول فيها : من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا أن الفؤاد إليهم شيق ولع ووصف فيها الأسد ، فقال عثمان : تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت ، والله إني لأحسبك جبانًا هداناً ، قال : كلا يا أمير المؤمنين , ولكني رأيت منه منظرًا ، وشهدت منه مشهدًا لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي , ومعذور أنا بذلك يا أمير المؤمنين غير ملوم , فقال له عثمان : وأنَّى كان ذلك ؟ قال : خرجت في صيابة أشراف العرب من أفناء قبائل العرب ، ذوي هيأة وشارة حسنة ترتمي بنا المهاري بذلك بأكسائها القيروانات عَلَى قنو البغال ، تسوقها العبدان , ونحن نريد الحارث بْن أبي شمر الغساني ملك الشام , فاخروط بنا السير في حمارة القيظ حتى إذا عضت الأفواه ، وذبلت الشفاه ، وشالت المياه ، وأذكت الجوزاء المعزاء ، وذاب الصيهد ، وصر الجندب ، وضاف العصفور الضب في جحره ، أو قال : في وجاره ، وقال قائلنا : أيها الركب , غوروا بنا في ضوج هذا الوادي ، وإذا واد قد بدا يمينا كثير الدغل ، دائم الغلل ، شجراؤه مغنة ، وأطياره مرنة فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات , فأصبنا من فضالات المزاود ، وأتبعناها الماء البارد فإنا لنصف حر يومنا ذلك , ومما طلته إذ صر أقصى الخيل أذنيه ، وفحص الأرص بيديه ، فوالله ما لبث أن جال ثم حمحم فبال ، ثم فعل فعله الذي يليه واحد فواحد ، فتضعضعت الخيل ، وتكعكعت الإبل ، وتقهقرت البغال , فبين نافر بشكاله ، ناهض بعقاله ، فعلمت أن قد أتينا ، وأنه السبع ففزع كل امرئ منا إلى سيفه فاستله من جربانه ، ثم وقفنا زردقا ، فأقبل يتطالع من بغيه كأنه مجنوب أو في هجار مسحوب ، لصدره نحيط ، ولبلاعيمه غطيط ، ولطرفه وميض ، ولأرساغه نقيض . كأنما يخبط هشيمًا أو يطأ صريما ، وإذا هامة كالمجن ، وخد كالمسن ، وعينان شجراوان كأنهما سراجان يقدان ، وقصرة ربلة ، ولهزمة رهلة ، وكتد مغبط ، وزور مفرط ، وساعد مجدول ، وعضد مفتول ، وكف شثنة البراثن إلى مخالب كالمحاجن ، فضرب بيديه فأرهج ، وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول مصقولة غير مفلولة ، وفم أشدق كالغار الأخوق ، ثم تمطى فأشرع بيديه ، وحفز وركيه برجليه حتى صار ظله مثليه ، ثم أقعى فاقشعر , ثم مثل فاكفهر ، ثم جهم فازبأر ، فلا والذي بيته في السماء ما اتقينا بأول من أخ من فزارة ، وكان ضخم الجزارة فوقصه ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه ، وجعل يلغ في دمه ، فذمرت أصحابي فبعد لأي ما استقدموا فهجهجنا به فكر مقشعرًا بزبرته كأن به شيهمًا حوليا ، فاختلج رجلا أعجر ذا حوايا فنفضه نفضة تزايلت مفاصله ثم نهم فقرقر ، ثم زفر فبربر , ثم زأر فجرجر ، ثم لحظ فوالله لخلته البرق يتطاير من تحت جفونه من عن شماله ويمينه ، فأرعشت الأيدي واصطلت الأرجل ، وأطت الأضلاع ، وارتجت الأسماع ، وجمحت العيون ، ولحقت البطون ، وانخزلت المتون وساءت الظنون . فقال عثمان : اسكت ، قطع الله لسانك ، فقد رعبت قلوب المؤمنين , وقال يصف الأسد : فباتوا يدلجون وبات يسري بصير بالدجى هاد هموس إلى أن عرسوا وأغب عنهم قريبًا ما يحس له حسيس خلا أن العتاق من المطايا حسسن به فهن إليه شوس فلما أن رآهم قد تدانوا أتاهم واسط أرجلهم يميس فثار الزاجرون فزاد منهم تقرابا وواجهه ضبيس بنصل السيف ليس له مجن فصد ولم يصادفه جسيس فيضرب بالشمال إلى حشاه وقد نادى فأخلفه الأنيس يشمر كالمحالق في غيوب يقيه قضة الأرض الرجيس فخر السيف واختلفت يداه وكان بنفسه وقيت نفوس فطار القوم شتى والمطايا وغودر في مكرهم الرسيس وجال كأنه فرس صنيع يجر جلاله ذيل شموس كأن بنحره وبساعديه عبيرا بات تعنؤه عروس فذلك أن تلاقوه تفادوا ويحدث عنكم أمر شكيس .