الحسن بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن ينوس ابو محمد البعلبكي


تفسير

رقم الحديث : 11490

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْد هِبَة اللَّه بْن الْقَاسِمِ بْن عَطَاء بْن عَطَاء المهراني , إجازة فيما أري ، أَنَا أَبُو نعيم المغفلي ، حَدَّثَنِي الفقيه أَبُو نصر أَحْمَد بْن جَعْفَر الإسفراييني ، بها , نَا الفقيه أَبُو الْحَسَن الصفار ، قَالَ : كنا عند الشيخ الإمام الزاهد الْحَسَن بْن سُفْيَان النسفي ، وقَدِ اجتمع لديه طائفة من أَهْل الْفَضْل ارتحلوا إِلَيْهِ من أطباق الأرض والبلاد البعيدة مختلفين إِلَى مجلسه لاقتباس العلم وكتبة الحديث ، فخرج يوما إِلَى مجلسه الَّذِي كَانَ يملي فيه الحديث ، وَقَالَ : اسمعوا ما أقول لكم قبل أن نشرع فِي الإملاء ، قَدْ علمنا إِنَّكُمْ طائفة من أبناء النعم وأهل الْفَضْل ، هجرتم أوطانكم وفارقتم دياركم وأصحابكم فِي طلب العلم واستفادة الحديث ، فلا يخطرن ببالكم إِنَّكُمْ قضيتم بهذا التجشم للعلم حقا ، وأديتم بما تحملتم من الكلف والمشاق من فروضه فرضا ، فإني أحدثكم ببعض ما تحملته فِي طلب العلم من المشقة والجهد ، وما كشف اللَّه سبحانه وتعالى عني وعن أصحابي ببركة العلم ، وصفوة العقيدة من الضيق والضنك , اعلموا أني كنت فِي عنفوان شبابي ارتحلت من وطني لطلب العلم ، واستملاء الحديث ، فاتفق حصولي بأقصى المغرب ، وحلولي بمصر فِي تسعة نفر من أصحابي طلبة للعلم وسامعي الحديث ، وكنا نختلف إِلَى شيخ كَانَ أرفع أَهْل عصره فِي العلم منزلة ، وأدراهم للحديث ، وأعلاهم إسنادا ، وأصحهم رواية ، وكان يملي علينا كل يوم مقدارا يسيرا من الحديث ، حَتَّى طالت المدة ، وخفت النفقة ، ودفعتنا الضرورة إِلَى بيع ما صحبنا من ثوب وخرقة ، الآن لم يبق لنا ما كنا نرجو حصول قوت يوم مِنْهُ ، وطوينا ثلاثة أيام بلياليها جوعا وسوء حال ، ولم يذق أحد منا فيها شيئا ، وأصبحنا بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد من جملتنا من الجوع وضعف الأطراف ، وأحوجت الضرورة إِلَى كشف قناع الحشمة ، وبذل الوجه للسؤال فلم تسمح أنفسنا بذَلِكَ ، ولم تطب قلوبنا بِهِ ، وأنف كل واحد منا عَنْ ذَلِكَ ، والضرورة تحوج إِلَى السُّؤَال عَلَى كل حال ، فوقع اختيار الجماعة عَلَى كتبة رقاع بأسامي كل واحد منا ، وإرسالها قرعة , فمن ارتفع اسمه عَنِ الرقاع كَانَ هُوَ القائم بالسُّؤَال واستماحة القوت لنفسه ولجميع أصحابِهِ ، فارتفعت الرقعة الَّتِي اشتملت عَلَى اسمي ، فتحيرت ودهشت ولم تسامحني نفسي بالمساءلة واحتمال المذلة ، فعدلت إِلَى زاوية من المسجد أصلي ركعتين طويلتين قَدِ اقترن الاعتقاد فيهما بالإخلاص ، أدعو اللَّه سبحانه بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة لكشف الضر وسياقة الفرج ، فلم أفرغ بعد عَنْ إتمام الصلاة حَتَّى دَخَلَ المسجد شاب حسن الوجه نظيف الثوب طيب الرائحة يتبعه خادم فِي يده منديل ، فَقَالَ : من منكم الْحَسَن بْن سُفْيَان ؟ فرفعت رأسي من السجدة ، فقلت : أَنَا الْحَسَن بْن سُفْيَان , فما الحاجة ؟ فَقَالَ : إن الأمير بْن طولون صاحبي يقرئكم السلام والتحية ، ويعتذر إليكم فِي الفضلة عَنْ تفقَدْ أحوالكم ، والتقصير الواقع فِي رعاية حقوقكم ، وقَدْ بعث بما يكفي نفقة الوقت ، وهُوَ زائركم غدا بنفسه ، ويعتذر بلفظه إليكم , ووضع بين يدي كل واحد منا صرة فيها مائة دينار ، فتعجبنا من ذَلِكَ ، وقلنا للشاب : ما القصة فِي هَذَا ؟ فَقَالَ : أَنَا أحد خدم الأمير بْن طولون المختصين بِهِ ، والمتصلين بإقرائه وخواص أصحابِهِ ، دخلت عَلَيْهِ بكرة يومي هَذَا مسلما فِي جملة أصحابي ، فَقَالَ لي وللقوم : أَنَا أحب أن أخلو يومي هَذَا , فانصرفوا أنتم إِلَى منازلكم ، فانصرفت أَنَا والقوم ، فلما عدت إِلَى منزلي لم ينسق قعودي حَتَّى أتاني رَسُول الأمير مسرعا مستعجلا يطلبني حثيثا ، فأجبته مسرعا فوجدته منفردا فِي بيت , واضعا يمينه عَلَى خاصرته لوجع ممض اعتراه فِي داخل جسده ، فَقَالَ لي : أتعرف الْحَسَن بْن سُفْيَان وأصحابِهِ ؟ فقلت : لا ، فَقَالَ : أقصد المحلة الفلانية , والمسجد الفلاني ، واحمل هَذِهِ الصرر وسلمها فِي الحِينَ إِلَيْهِ وإلي أصحابِهِ ، فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع بحالة صعبة , ومهد عذري لديهم ، وعرفهم أني صبيحة الغد زائرهم ، ومعتذر شفاها إليهم ، فَقَالَ الشاب : سألته عَنِ السبب الَّذِي دعاه إِلَى هَذَا ؟ فَقَالَ : دخلت هَذَا البيت منفردا عَلِيّ أن أستريح ساعة ، فلما هدأت عيني رأيت فِي المنام فارسا فِي الهواء , متمكنا تمكن من يمشي عَلَى بساط الأرض ، وبيده رمح , فقضيت العجب من ذَلِكَ ، وكنت أنظر إِلَيْهِ متعجبا حَتَّى نزل إِلَى باب هَذَا البيت , ووضع سافلة رمحه عَلَى خاصرتي ، فَقَالَ : قم فأدرك الْحَسَن بْن سُفْيَان وأصحابِهِ ، قم وأدركهم ، قم وأدركهم ، قم وأدركهم , فإنهم منذ ثلاثة جياع فِي المسجد الفلاني ، فقلت لَهُ : من أنت ؟ فَقَالَ : أَنَا رضوان صاحب الجنة ، ومنذ أصاب سافلة رمحه خاصرتي أصابني وجع شديد لا حراك بي لَهُ ، فعجل إيصال هَذَا المال ليزول هَذَا الوجع عني , فَقَالَ الْحَسَن : فتعجبنا من ذَلِكَ ، وشكرنا اللَّه سبحانه وتعالى ، وأصلحنا أمورنا ، ولم تطب أنفسنا بالمقام حَتَّى لا يزورنا الأمير ، ولا يطلع النَّاس عَلَى أسرارنا ، فيكون ذَلِكَ سبب ارتفاع اسم وانبساط جاه ، ويتصل ذَلِكَ بنوع من الرياء والسمعة ، وخرجنا تلك الليلة من مصر ، وأصبح كل واحد منا واحد عصره وفريد دهره فِي العلم والْفَضْل ، فلما أصبح الأمير ابْن طولون أتى المسجد لزيارتنا وطلبنا ، وأحس بخروجنا , أمر بابتياع تلك المحلة بأسرها ووقفها عَلَى ذَلِكَ المسجد ، وعلى من ينزل بِهِ من الغرباء وأهل الْفَضْل وطلبة العلم نفقة لهم حَتَّى لا تختل أمورهم , ولا يصيبهم من الخلل ما أصابنا ، وذَلِكَ كله بقوة الدين وصفوة الاعتقاد , واللَّه سبحانه ولي التوفيق . كَانَ فِي الأصل فِي المواضع كلها : طولون ، والصواب : ابْن طولون . .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.