باب ذكر تاريخ وقعة اليرموك ومن قتل بها من سوقة الروم والملوك


تفسير

رقم الحديث : 1065

أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ ، أنا أَبُو عَلِيّ بْنُ الْمُسْلِمَةِ ، أنا أَبُو الْحَسَن الحمامي ، أنا أَبُو عَلِيّ بْن الصواف ، نَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الْقَطَّان ، نَا إِسْمَاعِيل بْن عِيسَى الْعَطَّار ، قَالَ : قَالَ أَبُو حُذَيْفَة إِسْحَاق بْن بشر ، عن سَعِيد بْن عَبْد العزيز ، عن قدماء أهل الشام وغيرهم ، قالوا : ثم زحف ، يعني ماهان ، إِلَى المسلمين فخرج بهم أَبُو عبيدة ، وقد جعل عَلَى ميمنته معاذ بْن جبل ، وعلى ميسرته قثامة بْن أُسَامَةَ الكنانة ، وعلى الرجالة هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص ، وعلى الخيل خَالِد بْن الْوَلِيد . وكان الأمراء عَمْرو بْن العاص عَلَى ربع ، ويزيد بْن أَبِي سُفْيَان عَلَى ربع ، وشُرَحْبِيل بْن حسنة عَلَى ربع ، وكان أَبُو عبيدة عَلَى ربع . وخرج الناس عَلَى راياتهم فيها أشراف رجال من العرب ، فيها الأزد ، وهم ثلث الناس ، وفيها حمير وهمدان ومذحج وخولان وخثعم ، وفيها كنانة وقضاعة ولخم وجذام وكندة وحضرموت ، وليس فيها أسد ولا تميم ولا ربيعة ، ولم يكن دارهم إنما كانت دارهم عراقية ، فقاتلوا أهل فارس بالعراق ، فلما بدروا لهم وسار أَبُو عبيدة بالمسلمين وهو يقول : عباد اللَّه انصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم . يا عباد اللَّه اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار . ولا تتركوا مصافكم ولا تخطوا إليهم خطوة ، ولا تبدءوهم بالقتال ، وأشرعوا الرماح واستتروا بالدرق ، والزموا الصمت ، إلا من ذكر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي أنفسكم ، حتى آمركم إن شاء اللَّه . قالوا : وخرج معاذ بْن جبل عَلَى الناس فجعل يذكرهم ويقول : يَأَهْلَ القرآن ومستحفظي الكتاب ، وأنصار الهدى والحق والرحمة . إن رحمة اللَّه لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني ، ولا يؤتي اللَّه تعالى المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادق المصدق ، ألم تسمعوا لقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سورة النور آية 55 إِلَى آخر الآية . واستحيوا رحمكم اللَّه من ربكم أن يراكم فرارا عن عدوكم ، وأنتم فِي قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ، ولا عز بغيره ، يمشي فِي الصفوف ويذكرهم ، حتى إذا بلغ من ذَلِكَ ما أحب ورأى من الناس الذي سره لهم ، ثم حرضهم وانصرف إِلَى موقفه رحمه اللَّه . قالوا : وسار فِي الناس عَمْرو بْن العاص وهو أحد الأمراء كمسير أخيه معاذ بْن جبل فجعل يحرضهم ، ويقول : يَأَيُّهَا المسلمون غضوا الأبصار ، واجثوا عَلَى الركب ، وأشرعوا الرماح ، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم ، حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا فِي وجوههم وثبة الأسد . فوالذي يرضى للصدق ويثبت عليه ويمقت الكذب ويجزي بالإحسان إحسانا ، لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا ، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل ، قالوا : ثم يرجع فوقف فِي موقفه معهم أيضا . قالوا : ثم رجع أَبُو سُفْيَان بْن حرب وهو متطوع يومئذ ، إنما استأذن أمير المؤمنين عُمَر أن يخرج متطوعا مددا للمسلمين متطوعين ، فجعل اللَّه فِي مخرجه بركة . فسار فِي صف المسلمين ، وهو يقول : يا معشر المسلمين أنتم العرب ، وقد أصبحتم فِي دار العجم منقطعين عن الأهل نائين عن أمير المؤمنين وأمداد اللَّه ، وقد والله أصبحتم بإزاء عدو كثير عدده ، شديد عليكم حنقه ، وقد وترتموهم فِي أنفسهم وبلادهم ونسائهم ، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم ، ولا يبلغ رضوان اللَّه غدا إلا بصدق اللقاء والصبر فِي المواطن المكروهة ، ألا إنها سنة لازمة وإن الأرض وراءكم بينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحارى وبراري ، ليس لأحد فيها معقل ولا معقول إلا الصبر ورجاء ما وعد اللَّه فهو خير معقول ، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا بها ولتكن هي الحصون . قالوا : ثم رجع أَبُو سُفْيَان إِلَى النساء اللاتي مع المسلمين ، وكان كثير من المهاجرات قد حضرن يومئذ مع أزواجهن وابنائهن ، وأجلسهن خلف صفوف المسلمين ، وأمر بالحجارة فألقيت بين أيديهن ، ثم قَالَ : لا يرجع إليكن أحد من المسلمين إلا رميتموه بهذه الحجارة ، وقلتن : من يرجوكم بعد الفرار عن الإسلام وأهله وعن النساء بأرض العدو ؟ فالله اللَّه . قَالَ : ثم رجع أَبُو سُفْيَان فنادى المسلمين ، فَقَالَ : يا معشر أهل الإسلام حضر ما ترون ، فهذا رَسُول اللَّه والجنة أمامكم والشيطان والنار خلفكم ، ثم وقف موقفه . قالوا : وزحفت الروم مكانها إِلَى المسلمين يدفون دفيفا معهم الصلبان ، وأقبلوا بالأساقفة والقسيسين والرهبان والبطارقة لهم رجل كرجل الرعد ، وقد تبايع عظماؤهم عَلَى الموت ، ودخل منهم ثلاثون ألفا كل عشرة فِي سلسلة لأن لا يفرون . قالوا : فلما نظر إليهم خَالِد مقبلين أقبل يركض حتى قطع صف المسلمين إِلَى نساء المسلمين ، وهن عَلَى تل مرتفع من العسكر حيث وضعهن أَبُو سُفْيَان ، فَقَالَ : يا نساء المسلمين أيما رجل أقبل إليكم منهزما فأقتلنه ، ثم انصرف ، فأتى أبا عبيدة ، فَقَالَ : إن هؤلاء قد أقبلوا بعدة رحل وفرح ، وإن لهم حدة لا يردها شيء ، وليست خيلي بالكثيرة ، ولا والله لا قامت خيلي لشدة خيلهم ورجالهم أبدا ، وخيله يومئذ أمام صفوف المسلمين ثلاثة ، فَقَالَ خَالِد : قد رأيت أن أفرق خيلي فأكون فِي إحدى الخيلين ، وقيس بْن هبيرة فِي الخيل الأخرى ، ثم تقف خيلنا من وراء الميمنة والميسرة ، فإذا حمل عَلَى الناس ثبت اللَّه أقدامهم وإن كانت الأخرى حملت خيولنا عَلَيْهِمْ ، وهي جامة ، وهم قد انتهت شدتهم وتفرقت جماعتهم ، فأرجو عندها أن يظفر اللَّه بهم ويجعل الدائرة عَلَيْهِمْ . وقد رأيت أن يجلس سَعِيد بْن زيد مجلسك هذا ويقف من ورائه بحذائه مائتين ، أو ثلاثمائة يكون للناس ردءا ، قالوا : فقبل أَبُو عبيدة مشورته ، وقال : افعل ما أراك اللَّه ، وأنا فاعل ما أردت . وأجلس أَبُو عبيدة سَعِيد بْن زيد مكانه ، وفعل ما أمره به خَالِد . فركب فرسه وأقبل يسير فِي الناس ويحرضهم ، ويوصيهم بتقوى اللَّه والصبر ، ثم انصرف فوقف من خلف الناس ردءا لهم . قَالَ إِسْحَاق : نَا سَعِيد بْن عَبْد العزيز ، عن بعض قدمائهم ، أن رجلا من المسلمين أقبل يومئذ عند وصاة أَبِي عبيدة هذه ، فَقَالَ له : إني قد أردت أن أقضي شأني ، فهل لك إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاجة ؟ فَقَالَ أَبُو عبيدة : نعم ، تقرئه مني السلام ، وتخبره أنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، ثم تقدم الرجل فكان أول من استشهد رحمة اللَّه تعالى عليه . قَالَ : وأقبلت الروم إليهم كأنها سحابة منقضة إِلَى المسلمين حتى دنا طرفهم من ميمنة المسلمين . قَالَ : فبرز معاذ بْن جبل فنادى المسلمين : يا معشر أهل الإسلام إنهم قد تهيئوا للشدة ، ولا والله لا يردهم إلا الصدق عند اللقاء ، والصبر عند القراع . قالوا : ثم نزل عن فرسه ، وقال : من يريد فرسا يركبه ويقاتل عليه ؟ قَالَ : فوثب ابنه عَبْد الرَّحْمَن وهو غلام حين احتلم فأخذه ، فَقَالَ : يا أبة إني لأرجوه أن لا يكون فارسا أعظم غناء فِي المسلمين مني فارس ، وأنت يا أبة راجل أعظم غناء منك فارس . الرجالة هم عظم المسلمين ، فإذا رأوك حافظا مترجلا صبروا إن شاء اللَّه تعالى وحافظوا ، قَالَ : فَقَالَ أبوه : وفقني اللَّه وإياك يا بني . قَالَ : ثم إن الروم تداعوا وتحاضوا وذكرتهم الأساقفة والرهبان ، قَالَ : فجعل معاذ إذا سمع ذَلِكَ منهم ، يقول : اللهم زلزل أقدامهم ، وأرعب قلوبهم ، وأنزل علينا السكينة ، وألزمنا كلمة التقوى ، وحبب إلينا اللقاء ، ورضنا بالقضاء . وخرج باهان صاحب الروم فجال فيهم حتى وقف ، وأمرهم بالصبر والقتال دون ذراريهم وأموالهم وسلطانهم ، ثم بعث إِلَى صاحب الميسرة أن احمل ، وهو الذربيجان ، وكان عدو اللَّه متنسكا ، فَقَالَ للبطارقة والرءوس الذين معه : قد أمركم أميركم أن تحملوا ، قالوا : فتهيأت البطارقة فشدت عَلَى الميمنة ، وفيها الأزد ومذحج وحضرموت وحمير وخولان ، فثبتوا حتى صدقوا أعداء اللَّه ، فقاتلوهم قتالا شديدا طويلا ، ثم أنه ركبه من الروم أمثال الجبال فزال المسلمون من الميمنة إِلَى ناحية القلب ، وانكشفت طائفة من الناس إِلَى العسكر ، وثبت صدر من المسلمين عظيم ، يقاتلون تحت راياتهم ، وانكشفت زبيد يومئذ وهي فِي الميمنة ، وفيهم الحجاج بْن عَبْد يغوث ، فتنادوا فترادوا واجتمعوا جميعا ، فاجتمعوا وهم خمسمائة رجل ، فشدوا شدة نهنهوا من قبلهم من الروم ، واشغلوهم عن اتباع من انكشف من الميمنة ، وتراد أيضا جماعة من الميمنة المتحيزة فشدت حمير وحضرموت وخولان بعدما زالوا ، حتى وقفوا مواقفهم فِي الصف . واستقبل النساء سرعان من انهزم من المسلمين معهن عمد البيوت ، وأخذن تضربن وجوههن وترمين بالحجارة . قالوا : قَالَ العباس بْن سهل بْن سعد الساعدي : وكانت تحته خولة بنت ثعلبة الأنصارية فِي هؤلاء النساء فمر بها عَمْرو وهو ابْن بحر وهو يقول : يا هاربا عن نسوة ثنيات فعن قليل ما ترى سبيات ولا خطيئات ولا رضيات . قَالَ : فتراد الناس وثبت النساء عَلَى مواقفهن . قالوا : واستحر القتال فِي الأزد ، فأصيب منهم ما لم يقتل من القبائل ، وقتل يومئذ عَمْرو بْن الطفيل الدوسي ، وحقق اللَّه رؤيا والده رحمة اللَّه عليه الطفيل ، فإنه رأى يوم مسيلمة أن امرأة لقيته ففتحت له فرجها فدخله ، وطلبه ابنه هذا وحبس عنه ، فَقَالَ : أولت رؤياي أن أقتل ، وإن المرأة التي أدخلتني فِي فرجها الأرض ، وأن ابني سيصيبه جراحة ويوشك أن يلحقني ، فقتل هذا يوم اليرموك . وهو يقول : يا معشر الأزد لا يؤتين المسلمين من قبلكم ، وأخذ يضرب بسيفه قدما ، وهو يقول : قد علمت دوس ويشكر تعلم أني أخو البيض ليوم مظلم وأعزل الشكيم شد الأيهم كنت عزيزا فِي الوغا ضيغم فقاتل حتى قتل . قَالَ : وثبت جندب بْن عَمْرو بْن جهمة ورفع رايته وهو يقول : يا معشر الأزد ، إنه لا ينجو من القتل والعدو والإثم إلا من قاتل . ألا وإن المقتول الشهيد والخائب من تولى ، ثم أخذ يقول : يا معشر الأزد : إنه لا يمنع الراية إلا الأبطال فقاتل حتى قتل . قالوا : وبرز أَبُو هريرة صاحب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الأزد يعاونها وهو أحد الرءوس من الأزد ، فجعل يقول : سارعوا إِلَى الحور العين وجوار ربكم عَزَّ وَجَلَّ فِي جنان النعيم ، ما أنتم إِلَى ربكم فِي موطن أحب إليه منكم فِي مثل هذا الموطن ، ألا وإن للصابرين فضلهم . قالوا : فأطافت به الأزد ثم اضطربوا حتى صارت الروم تجول فِي مجال واحد كما تدور الرحى ، قالوا : ولقل ما رؤي يوما أكثر قحفا ساقطا ومعصما نادرا وكفا طائرة من ذَلِكَ الموطن . والناس يضطربون تحت القسطل ، قالوا : وجل القبائل فِي الميمنة حتى القلب ، قالوا : والقلب فِي نحو ما فيه الميمنة . قالوا : وحمل عَلَيْهِمْ خَالِد بْن الْوَلِيد عَلَى الميسرة التي دخلت العسكر ، واضطربت ميمنة المسلمين إِلَى القلب فصارت الميمنة والقلب شيئا واحدا . فقتل هو وخيله نحوا من ستة آلاف ، ودخل سائرهم بيوت المسلمين فِي العسكر مجرحين . وخرج خَالِد بْن الْوَلِيد فِي خيله يطرد من كان من الروم قريبا من العسكر ، حتى إذا أرادوا أن يمكروا به نادى عند ذَلِكَ : يَأَهْلَ الإسلام لم يبق عند القوم من الجلد والقتال إلا ما رأيتم الشدة الشدة ، فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن يمنحكم اللَّه أكتافهم ، قالوا : فاعترض صفوف الروم وأن فِي جانبه الذي يستقبل لمائة ألف من الروم ، فحمل عَلَيْهِمْ وما هو إلا فِي نحو من ألف فارس ، قالوا : فوالله ما بلغتهم الحملة حتى فض اللَّه جمعهم ، وشد المسلمون عَلَى من يليهم من رحالهم ، فانكشفوا وأتبعهم المسلمون ما يمتنعون من قبل ميمنتهم ولا ميسرتهم ، قالوا : ثم إن خَالِد انتهى فِي تلك الحملة إِلَى الدربيجان ، وقد قَالَ لأصحابه : لفوني فِي الثياب فلف فِي الثياب ، وقال : وددت أن اللَّه كان عافاني من حرب هؤلاء القوم ، فلم أرهم ولم يروني ، ولم أنصر عَلَيْهِمْ ، ولم ينتصروا عَلِيّ ، وهذا يوم شر ولم يقاتل حتى غشيه القوم فقتلوه . قالوا : وقال أيضا : قناطر وهو فِي ميمنة الروم لجرحين صاحب أرمينية احمل فَقَالَ له : أنت تأمرني أن أحمل وأنا أمير مثلك ، فَقَالَ له قناطر : أنت أمير ، وأنا أمير ، وأنا فوقك وقد أمرت بطاعتي ، فاختلفا ، ثم إن قناطر حمل حملة شديدة عَلَى كنانة وقيس وخثعم وجذام وقضاعة وعاملة وغسان ، وهم فيما بين ميسرة المسلمين إِلَى القلب ، فكشفوا المسلمين وزالت الميسرة عن مصافها ، وثبت أهل الرايات وأهل الحفايظ فقاتلوا وركبت الروم أكتاف من انهزم حتى دخلوا معهم العسكر ، قَالَ : فاستقبلهم نساء المسلمين بعمد الفساطيط يضربون بها وجوههم ويرمونهم بالحجارة ، ويقلن : أين أين عز الإسلام والأمهات والأزواج ، قَالَ : فيعطف هؤلاء الذين انهزموا إِلَى المسلمين ، وينادي الناس بالحفايظ والصبر . قَالَ : وشد قبابة بْن أُسَامَةَ ، فقاتل قتالا شديدا وجعل يرتجز ويقول : إن تفقدوني تفقدوا خير فارس لذي الغمرات والرئيس المحاميا وذا فخر لا يملأ الهول قلبه ضروبا بنصل السيف أروع ماضيا قالوا : فكسر فِي القوم ثلاث رماح يومئذ وقطع سيفين ، وأخذ يقول كلما قطع سيفا أو كسر رمحا : من يعير سيفا أو رمحا فِي سبيل اللَّه ، رجلا حبس نفسه مع أولياء اللَّه ، قد عاهد اللَّه أن لا يفر ولا يبرح حتى يقاتل المشركين ، حتى يظهر المسلمون أو يموت ، فكان من أحسن الناس بلاء فِي ذَلِكَ اليوم . قالوا : ونزل أيضا أَبُو الأعور السلمي ، فَقَالَ : يا معشر قيس خذوا نصيبكم من الأجر والصبر ، فإن الصبر فِي الدُّنْيَا عز ومكرمة ، وفي الآخرة رحمة وفضيلة ، فاصبروا وصابروا . ثم إن الناس حيزوا إِلَى القلب ، وفي القلب سَعِيد بْن زيد بْن عَمْرو بْن نفيل حيث وضعه أَبِي عبيدة بْن الجراح ، قَالَ : فلما نظر سَعِيد إِلَى الروم وخافها اقتحم إِلَى الأرض وجثى عَلَى ركبتيه ، حتى إذا دنوا منه طعن برايته أول رجل من القوم ثم ثار فِي وجوههم كأنه الليث ، وأخذ يقاتل ويعطف الناس إليه . قالوا : وكان يزيد بْن أَبِي سُفْيَان يومئذ من عظم الناس غناء ، قد كان أبوه مر به ، فَقَالَ له : يا بني عليك بتقوى اللَّه والصبر فإنه ليس رجل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفا بالقتال ، فكيف بك وبأشباهك الذين ولوا أمور المسلمين ؟ أولئك أحق الناس بالجهاد والنصيحة ، فاتق اللَّه يا بني والزم فِي أمرك ، ولا يكونن أحد من إخوانك بأرغب فِي الأجر والصبر فِي الحرب ، ولا أجرأ عَلَى عدو الإسلام منك ، قَالَ : أفعل ، فقاتل يومئذ فِي الجانب الذي كان فيه واقفا قتالا شديدا وكان مما يلي القلب . قالوا : وشد طرف من الروم عَلَى عَمْرو بْن العاص فانكشف هو وأصحابه حتى دخلوا أول العسكر ، وهم فِي ذَلِكَ يقاتلون ويشدون ، ولم ينهزموا هزيمة ولوا فيها الظهر . قَالَ : فنزلن النساء بعمدهن من التل فضربن وجوه الرجال ، ونادت الناس أم حبيبة ابنة العاص ، فقالت : قبح اللَّه رجلا يفر عن حليلته ، وقبح اللَّه رجلا يفر من كريمته . قالوا : وسمع نسوة من النساء المسلمين يقلن : فلستم بعولتنا إن لم تمنعونا ، قَالَ : فتراد المسلمون ، وزحف عَمْرو وأصحابه حتى عادوا إِلَى قريب من موقفهم . قالوا : وقاتل أيضا شُرَحْبِيل بْن حسنة فِي ربعه الذي كان فيه فكان وسطا من الناس إِلَى جنب سَعِيد بْن زيد ، وانكشف عنه أصحابه ، فثبت وهو يقول : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ سورة التوبة آية 111 إِلَى آخر الآية ، أين الشارون أنفسهم لله ابتغاء مرضاة اللَّه ؟ ، وأين المشتاقون إِلَى جوار اللَّه فِي داره ؟ قالوا : فرجع إليه ناس كثير ، وبقي القلب لم ينكشف أهله لمكان الذي كان فيه سَعِيد بْن زيد . قالوا : وكان أَبُو عبيدة من وراء ظهره ردءا له وللمسلمين . قالوا : فلما رأى قيس بْن هبيرة خيل المسلمين وراء صفهم مما يلي ميسرة المسلمين ، وأن المسلمين قد دخلت ميسرتهم العسكر ، وأن الروم قد صمدت لهم ، اعترض الروم بخيله تلك ينتظر خيل خَالِد بْن الْوَلِيد فعطف بهم إِلَى بعض . ورجع المسلمون فِي آثارهم فقاتلوهم ، وحمل عَلَى من يليه من الروم وهو فِي ميمنة المسلمين حتى اضطروهم إِلَى صفوفهم . قالوا : فلما رأى خَالِد بْن الْوَلِيد أن قيس بْن هبيرة قد كشف من يليه ، وأن المسلمين قد رجعت راجعتهم إِلَى المسلمين ، حمل عَلَى من يليه من الروم يعطف بعضهم بعضا إِلَى بعض وزحف المسلمون إليهم رويدا ، حتى إذا دنوا منهم إذا هم ينتفضون . قَالَ : فبعث ذَلِكَ أَبُو عبيدة عند ذَلِكَ إِلَى سَعِيد بْن زيد أن شد عَلَيْهِمْ ، وشد المسلمون بأجمعهم عدة واحدة ، وأظهروا التكبير ، ثم صكوهم صكة واحدة ، فطعنوا بالرماح فضربوا بالسيوف ، وأنزل اللَّه تعالى نصره وما وعد نبيه صلى الله عليه وسلم ، فضرب اللَّه وجوه أعدائه ومنح أكتافهم ، وزلزل أقدامهم ، وأنزل اللَّه ملائكة يضربون وجوههم حتى ولوا المسلمين أكتافهم . قالوا : قَالَ سَعِيد بْن المسيب ، عن أبيه ، أنه قَالَ : لما جلنا هذه الجولة سمعنا صوتا قد كاد يملأ العسكر يقول : يا نصر اللَّه اقترب ، الثبات الثبات يا معشر المسلمين ، فتعطفنا عليه ، فإذا هو أَبُو سُفْيَان بْن حرب تحت راية ابنه . قالوا : وشد خَالِد فِي سرعان الناس ، وشد المسلمون معه يقتلون كل قتلة ، وركب بعضهم بعضا حتى انتهوا لي مكان مشرف عَلَى أهوية ، فأخذوا يتساقطون فيها وهم يبصرون ، وهو يوم ذو ضباب ، ومنهم من قَالَ : كان ذَلِكَ فِي الليل فأخذ آخرهم لا يعلم ما يلقى أولهم . يتساقطون فيها ، وهم لا يبصرون ، وهم يوم ذو ضباب حتى سقط فيها نحو من ثمانين ألفا ، فما أحصوا إلا بالقصب ، قالوا : وبعث أَبُو عبيدة شداد بْن أوس بْن أخي حسان بْن ثابت بعدهم بعد ذَلِكَ اليوم بيوم ، فوجد من سقط فِي تلك الأهوية بعدما عدهم بالقصب ثمانين ألفا ، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا ، وسميت تلك الأهوية بالواقوصة من يومئذ حتى اليوم ، لأنهم وقصوا فيها . فأخذوا وجها آخر ، وقتل المسلمون فِي المعركة بعدما أدبروا أما ما لا يحصى ، وغلبهم الليل فبات المسلمون ، فلما أصبحوا نظروا فإذا هم لا يرون شيئا ، فقالوا : كمن أعداء اللَّه لنا ، فلما بعثوا الخيول فِي الوادي تنظر هل لهم من كمين لو نزلوا بوطاء من المسلمين ، فإذا الرعاة يخبرونهم أنهم قد سقطوا فِي الواقوصة ، فسألوا عن عظيم الروم فقالوا : قد ترحل منهم البارحة بنحو من أربعين ألفا . ثم أتبعهم خَالِد بْن الْوَلِيد عَلَى الخيل فقتلهم ، حتى مر بدمشق فخرج إليه رجال من أهل دمشق ، فاستقبلوه فقالوا : نحن عَلَى عهدنا الذي كان بيننا وبينكم . فَقَالَ لهم : نعم أنتم عَلَى عهدكم ، ثم أتبعهم يقتلهم فِي القرى ، وفي كل وجه حتى قدم دمشق ، فخرج إليه أهلها فسألوه التمام عَلَى ما كان بينهم ففعل قَالَ : ومضى خَالِد يطلب عظم الناس حتى أدركوه بثنية العقاب ، وهو يهبط الهابط منها إِلَى غوطة ، فدرك عظم الناس حتى أدركهم بغوطة دمشق . فلما انتهوا إِلَى تلك الجماعة من الروم وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من فوقهم ، فتقدم إليهم الأشتر وهو فِي رجال من المسلمين ، فإذا أمامهم رجل من الروم جسيم عظيم ، فمضى إليه حتى وثب عليه ، فاستوى هو والرومي عَلَى صخرة مستوية فاضطربا بسيفيهما فأظن الأشتر كف الرومي ، وضرب الرومي الأشتر بسيفه فلم يضره واعتنق كل واحد منهما صاحبه ، فوقعا عَلَى الصخرة ثم انحدرا ، وأخذ الأشتر يقول وهو فِي ذَلِكَ ملازم العلج لا يتركه : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { 162 } لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ سورة الأنعام آية 162-163 قَالَ : فلم يزل يقل ذَلِكَ حتى انتهوا إِلَى مستوى الجبل وقرار . فلما استقروا وثب عَلَى الرومي فقتله ، وصاح فِي الناس أن جوزوا ، قَالَ : فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتل خلوا الثنية وانهزموا ، قَالَ : وكان الأشتر ذا بلاء حسن فِي اليرموك ، قالوا : لقد قتل ثلاثة عشر . قالوا : فركب خَالِد والمسلمون الثنية ، ثم انحطوا مشرفين ، وأنكوا فِي سائر البلاد يطلبون أعداء اللَّه فِي القرى والجبال حتى وصلوا إِلَى حمص . فخرج إليهم أهل حمص يسألونهم التمام عَلَى عهدهم وعقدهم وجزيتهم . ففعل بهم خَالِد ما فعل بأهل دمشق ، وأقام بها ينتظر رأي أَبِي عبيدة . قالوا : ولما سار خَالِد بْن الْوَلِيد من اليرموك فِي إثر من انهزم وقع أَبُو عبيدة فِي دفن المسلمين حتى غيبهم ، وكفاه دفن الكفار بالواقوصة التي وقعوا فيها ، وقد كان مما يعملون أن يدفنوا الكفار بعدما يدفنون المسلمين ، فكفاه اللَّه الكفار بالواقوصة التي وقعوا فيها ، فكتب أَبُو عبيدة مكانه إِلَى عُمَر بْن الخطاب يصف له أمرهم . .

الرواه :

الأسم الرتبة
قدماء

سَعِيد بْن عَبْد العزيز

ثقة إمام لكنه اختلط في آخر عمره

أَبُو حُذَيْفَة إِسْحَاق بْن بشر

متهم بالكذب

إِسْمَاعِيل بْن عِيسَى الْعَطَّار

ثقة

الْحَسَن بْن عَلِيّ الْقَطَّان

ثقة

أَبُو عَلِيّ بْن الصواف

ثقة مأمون

أَبُو الْحَسَن الحمامي

ثقة

أَبُو عَلِيّ بْنُ الْمُسْلِمَةِ

ثقة

أَبُو الْقَاسِم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ

ثقة

Whoops, looks like something went wrong.