أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكي ، أنا الحسين بن يحيى بن إبراهيم المكي ، نا الحسين بن علي بن محمد الشيرازي ، أنا علي بن عبد الله بن جهضم ، نا أبو العباس محمد بن الحسن ، نا أبو القاسم عثمان بن مردان : قدم علينا بغداذ ، قال : سمعت أحمد بن عيسى ، يقول : إذا صدق المريد في بدايته أيده الله بالتوفيق ، وجعل له واعظا من نفسه ، كما روي في الحديث ، وذلك أني أصبت ميراثا فآخذ منه القوت ، وأتقلل منه شيئا موزونا كل يوم معلوما ، ولزمت العزلة مع ذلك ، فكأني خوطبت في سري ، ثم سمعت قائلا ، يقول : إذا أنت أكلت الطعام في كل ليلة فبماذا تفضل على سائر الناس ؟ ولكن اجعله في كل ليلتين أكلة فلزمت ذلك وقتا ، وصعب علي جدا ، وذلك لا من طريق نفسي ، وامتناعها علي ، ولكن لعلمي بأن الطي منزلة عظيمة عالية ، وهبة من الله جزيلة رفيعة لا يعطيها إلا من عرف قدرها ، فرغبت إلى الله تعالى ، فيها فسألته إدامتها لي والتفضل بها علي فوهبها إلي بفضله ومنه ، فكنت آكل ذلك القوت الذي كنت آكله في ليلة واحدة ، أتناوله في ليلتين ، وكنت الليلة التي أطويها يأتيني شخص جميل حسن البشرة نظيف الثياب بجام أبيض فيه عسل ، فيقول لي : كل فألعقه وأصبح شبعان - وهذا في المنام - ثم فني القوت الذي ادخرته ، فكنت أجيء بعض الطرقات إذا اختلط الظلام إلى موضع أصحاب البقل ، وأتقمم منه ما سقط منهم ، وبقيت على ذلك أيضا وقتا كبيرا ، ثم كنت أخيط القميص في القرية لقوم مساكين ، وأكتفي بأجرته أياما . فبينا أنا يوما مارا أريد القرية في طلب الخياطة ، رأيت مسجدا في وسط مقبرة ، وفيه سدرة كبيرة ، وفيها نبق أخضر مباح ، فقلت في نفسي : هذا المباح هَاهُنَا ، وأنت تريد معاشرة الناس ومعاملتهم ؟ فلزمت المقابر أتعلل من ذلك النبق ، وآخذ منه دوين البلغة حتى فني النبق ، ولم يبق منه شيء ، ثم بقيت بعد ذلك سنين ، وقوتي العظام ، ثم مكثت بعد العظام ، وقوتي الطين اليابس والرطب من الأنهار ، فكنت أحيانا لا أفرق بين الطين الرطب إذا أخذته من النهر ، وبين الخبيص من طيبه عندي ، وما وجدت لاختلاف هذه الأحوال - صيفا ولا شتاء - ضيقا من عقل ، ولا ضعفا في بدن ، وكنت عند البقل أضعف إذا تناولته . .
الأسم | الشهرة | الرتبة |