ابراهيم بن ازر


تفسير

رقم الحديث : 4123

أَخْبَرَنَا أَبُو الفضائل الْحَسَن بْنُ الْحَسَنِ الكلابي ، وَأَبُو تراب حيدرة بْن أَحْمَدَ بْن الْحَسَنِ الأَنْصَارِيّ ، إجازة ، قَالا : نا أَبُو بكر أَحْمَد بْن عَلِيّ بن ثابت الخطيب الحافظ ، أنا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بن رزقويه ، أنا أَبُو عمرو عُثْمَان بْن أَحْمَدَ الدقاق ، وَأَبُو بكر أَحْمَد بن السندي الْحَدَّاد ، قَالا : نا الْحَسَن بْن عَلِيّ العطار ، أنا إِسْمَاعِيل بن عِيسَى ، أنا أَبُو حذيفة إِسْحَاق بن بشر القرشي ، قَالَ : وكان من قصة إِبْرَاهِيم ونمروذ : أن نمروذ لما أحكم أمر ملكه وساس أمر الناس ، وأذعن له الناس ، ووطنوا أنفسهم ، فأخبر أنه يولد فِي مملكته مولود ينازعك فِي ملكك ، ويكون سلب ملكك عَلَى يديه ، قَالَ : فدعا خيار قومه ستة رهط ، فلم يترك فِي الرياسة ، والعظم والصوت أحدا إلا اختار منهم أفضلهم ، وكان سادسهم آزر أَبُو إِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ تارح ، ثُمَّ ولى كل رجل منهم خصلة من تِلْكَ الخصال التي كَانَ أسس أمر ملكه عَلَيْهَا ، وضمنها إياه وارتهن بها رقبته إن هِيَ ضاعت ، أو فسدت ، أو تغيرت ، وقال لأولئك الرهط الستة : أيها القوم إنكم خيار قومي ورؤساؤهم وعظماؤهم ، وإن لم أزل منذ سست أمر ملكي ، وأهل مملكتي ، وهممت بما هممت بِهِ فِيهِمْ ، أعدكم وأختاركم ، وأفتنكم وأنظر فِي أموركم ، فلم يزدد فِي ذَلِكَ رأيي إلا قوة وفضلا عَلَى من سواكم ، وقد دعاني إِلَى أن استعين بكم وأشاروكم ، وَإِنِّي سست أمر الملك والناس عَلَى سبع خصال ، وقد وليت كل واحد منكم خصلة من تِلْكَ الخصال ، نفسه بها مرتهنة عندي إن لم يحكمه أو يحكم أمر أهلها ، فانطلقوا فاقترعوا عليهن ، فما صار لكل رجل منكم فِي قرعته فهو واليها وولي أهلها ، وأنا له عَلَيْهَا وعلى أهلها عون ووزير . إني سست أمر الملك وطنت الناس عَلَى أنه لا يعبد إلا إلهي ، وعلى أنه لا سنة إلا سنتي ، وعلى أنه لا أحد أولى نفسه وماله مني ، وعلى أنه لا أحد أخوف فِيهِمْ ولا طوع عندهم مني ، وعلى أنهم يد واحدة عَلَى عدوهم ، وعلى أنهم خولي وعبيدي ، أحكم فِيهِمْ برأيي ومحبتي ، وعلى أنه قد بلغني أنه يولد فِي هَذَا الزمان مولود فيكاثرني ويخلعني ، ويرغب عَنْ ملتي ويغلبني ويقهرني ، فأنا سابقكم فِي هَذِهِ الخصلة ، وأنا وأنتم وجميع أهل مملكتي كنفس واحدة فِي طلبه وهلاكه ومحاربته ، فمن ظفر بِهِ فله عَلَى ما احتكم وما تمنى ، فانطلقوا فأقرعوا ، ثُمَّ أعلموني ماذا صار فِي قرعة كل رجل منكم لكي أعرفه باسمه وأعرف ما صار إِلَيْهِ ، فلما أقرعوا لطف اللَّه بما أراد من كَرَامَة خليله عَلَيْهِ الصلاة والسلام ، ولما أراد من فلجه وإظهاره ، فصار فِي قرعة أَبِيهِ الآلهة التي يعبدها الناس ، فلا يعبد أحد من الناس صنما لا الملك ولا غيره ، إلا صنما عَلَيْهِ طابع آزر أَبِي إِبْرَاهِيم ، فأحكم ذَلِكَ ، وقوي عَلَيْهِ ، وصار أمينهم فِي أنفسهم عَلَى ذَلِكَ ، لا يعدلون بِهِ ، ولا يتهمونه ، ولا يرونه منه خلفا إن هُوَ هلك ، وقال : وكان ذَلِكَ لطفا من اللَّه بخليله إِبْرَاهِيم ، فلما حملت بِهِ أمه وكانت أمه تسمى أميلة ، قَالَتْ لأبيه آزر : لوددت أني قد وضعت ما فِي بطني ، فكان غلاما ، فحملته أنا وأنت حتى نضعه بين يدي الملك ، وَهُوَ يرى ، فنتولى ذبحه أنا وأنت ، فتشتد يده ورجله وتسخط أنت ، فإن الملك أهل ذَلِكَ منا فِي إحسانه إلينا وائتمانه إيانا وتشريفه ورفعته لنا ، ومتى يراك تفعل ذَلِكَ قدامه تزدد عنده رفعة ومحبة وقربة ومنزلة ، وعليك كَرَامَة وعنده أمانة ولنا تعظيما . وكان ذَلِكَ من أم إِبْرَاهِيم مكيدة وحيلة وخديعة حدثت بها زوجها ، لما قام بِهِ فِي نفسها من كتمان إِبْرَاهِيم إِذَا هِيَ ولدته وإخفائه والحيلة بِهِ ، فصدقها آزر وأمنها ، وظن أن الأمر عَلَى ما قَالَتْ ، فلما حضر شهرها الذي تلد فِيهِ قَالَتْ لزوجها : إني قد أشفقت من حملي هَذَا إشفاقا لم أشفقه من حمل كَانَ قبله ، وقد خشيت أن تكون فِيهِ منيتي ، وقد وطنت نفسي فِيهِ عَلَى الموت ، وقد أصبحت أنتظر ولست أدري متى يبغتني ، وأنا أرغب إليك بحق صحبتي إياك ، ويميني عليك ، وتعظيمي لحقك ، أن تنطلق إِلَى الإله الأعظم الذي يعبده الملك وعظماء قومه ، فيشفع لي بالسلامة والخلاص ، وتعتكف عَلَيْهِ حتى يبلغك أني قد سلمت وتخلصت ، فإن الرسل تجري فيما بيني وبينك ، فَإِذَا بلغتك السلامة رجعت إِلَى أهلك وَهُمْ سالمون وأنت مَحْمُود ، قَالَ لها آزر : لقد طلبت أمرا جميلا واجبا لك حقه عَلِيّ ، إنه فيما بيني وبينك وفي حقك وحق خدمتك وصحبتك يسير ، وكانت أم إِبْرَاهِيم تريد حين تلده وزوجها غائب أن تحفر له نفقا تحت الأرض تغيبه فِيهِ ، فَإِذَا رجع زوجها من عكافته أخبرته أنه قد مات ودفن ، وكانت عنده أمينة مصدقة لا يتهمها ولا يكذبها ، فانطلق الرجل حيث أمرته ، فاعتكف أربعين ليلة ، وولد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السلام ساعة قفا أبوه ، وكتمته أمه وتمكنت فِي أربعين ليلة من الذي أرادت من حاجتها كلها ، لطفا من اللَّه لإِبْرَاهِيم ، وكرامة ونجاة مما أرادته الكيد والعداوة ، وخرج الرسول من أمه إِلَى أَبِيهِ بما يجد من الوجع والمشقة ، حتى إِذَا فرغت مما أرادت وانصرف إِلَيْهَا زوجها ، فأخبرته أنها ولدت غلاما بِهِ عاهة شديدة ثُمَّ مات ، فاستحيت أن تطلع الناس عَلَى ما بِهِ ، فكتمت من أجل ذَلِكَ حتى قبرته ، فصدقها زوجها ، وجعلت تختلف إِلَى إِبْرَاهِيم فتدخل إِلَيْهِ بالعشية ، وكان جل ما يعيش بِهِ اللبن ، لأنه كَانَ لا يكون مولود ذكر إلا ذبح ، فكانت تستحلب له النساء اللاتي ذبح أولادهن ، فتجد من ذَلِكَ ما شاءت ، فسقته ألبان حولين كاملين توجره إياه ، فعاش بذلك عيشا حسنا ، وصلح عَلَيْهِ جسمه ، فلما بلغ الفطام فصلته من ذَلِكَ اللبن ، وكان إِبْرَاهِيم سريع الشباب لما أراد اللَّه بِهِ ، فلما كَانَ ابن ثلاث عشرة سنة وَهُوَ فِي السرب أخرجته أمه منه ، ثُمَّ أبرزته ، فلم يشعر بِهِ أبوه حتى نظر إِلَيْهِ قاعدا فِي بيته ، فلما نظر إِلَيْهِ قَالَ لإمرته : من هَذَا الغلام الذي أخطأه الذبح ؟ فإني أعلم أنه لم يولد إلا بعدما أمر الملك بذبح الولدان ، فكيف خفي مكان هَذَا الغلام عَلَى الطلب والحفظة حتى بلغ مبلغه هَذَا ؟ فلما هم أن يبطش بِهِ ، قَالَتْ له امرأته : عَلَى رسلك حتى أخبرك خبر هَذَا الغلام ، اعلم أنه ابنك الذي ولد ليالي كنت معتكفا ، فكتمته عنك فِي نفق تحت الأرض حتى بلغ هَذَا المبلغ ، فَقَالَ لها زوجها : وما الذي حملك عَلَى أن خنتيني ، وخنت نفسك ، وخنت الملك ، وأنزلت بنا أمر البلاء مالا قبل لنا بِهِ بعد العافية والكرامة ورفع المنزلة عَلَى جميع قومنا ؟ قَالَتْ : لا يهمنك هَذَا ، فعندي المخرج من ذَلِكَ ، وأنا ضامنة لك أن تزداد بِهِ عند الملك كَرَامَة ورفعة وأمانة ونصيحة ، وإنما فعلت الذي فعلت نظرا لي ولك ولابنك ولعامة الناس ما أضمرت فِي نفسي يوم كتمت هَذَا الغلام ، وقلت : أكتمه حتى يكون رجلا ، فإن كَانَ هُوَ عدو الملك وبغيته التي يطلب قدناه حتى نضعه فِي يده ، ثُمَّ قُلْنَا له : دونك أيها الملك عدوك قد أمكنك اللَّه منه ، وقطع اللَّه عنك الهم والحزن ، فارحم الناس فِي أولادهم ، فقد أفنيت خولك وأهل مملكتك ، وإن لم يكن هُوَ بغية الملك وعدوه ، فلم أذبح ابني باطلا مع ما قد ذبح من الولدان ؟ قَالَ لها أبوه : ما أظنك إلا قد أصبت الرأي ، فكيف لنا بأن نعلم أنه عدو الملك أو غيره ؟ قَالَتْ : نحبسه ونكتمه ونعرض عَلَيْهِ دين الملك وملته ، فإن هُوَ أجابك إِلَى الذي كَانَ رجلا من الناس ليس عَلَيْهِ قتل ، وإن عصانا ولم يدخل فِي ملتنا علمنا علمه فأسلمناه للقتل ، فلما قَالَتْ له هَذَا رضي بِهِ ، ورأى أنه الرأي ، وألقى اللَّه تَعَالَى فِي نفسه الرحمة والمحبة لإِبْرَاهِيم ، وزينه فِي عينه ، وكان لا يعدل بِهِ أحدا من ولده ، إِذَا ذكر أنه يصير إِلَى القتل يشتد وجده عَلَيْهِ ، وبكى من رحمته . وكانت أم إِبْرَاهِيم واثقة بأنه إن كَانَ هُوَ عدو القوم فليس أحد من أهل الأرض يطيقه ولا يقتله ، ورأت أنه متى ما ينصر عَلَيْهِمْ تكون فِي ذَلِكَ نجاتها ونجاة من كَانَ من إِبْرَاهِيم بسبيل ، فشجعها ما كَانَتْ ترجو لإِبْرَاهِيم من نصرة اللَّه له عَلَى خلاف نمروذ ومعصيته ، وذلك أوثق الأمر فِي نفسها ، فكان نمروذ يخبر الناس قبل أن يولد إِبْرَاهِيم أنه سيأتي نبي يغلبه ، ويظهر عَلَيْهِ ، ويرغب عَنْ ملته ، ويخلع دينه وسلطانه ، فذلك الذي شد لأم إِبْرَاهِيم رأيها فيما ارتكبت من خلاف نمروذ وأهل ملته فِي إِبْرَاهِيم ، وكان أبوه من شدة ما يجده من الرحمة يكتمه جهده ، ويوصي بذلك أمه ، ويقول لها : ارفقي بابنك ، ولا تعرضيه لشيء من أمر الملك هَذَا ، فإنه غلام حديث السن لم يجتمع له رأيه ولا عقله بعد ، فَإِذَا بلغ السن واحتنك ، فحينئذ نفتشه ، وذلك منه تربص ، رجاء أن يحدث حادث يكون لإِبْرَاهِيم فِيهِ عافية أو مخرج لما يجد أبوه من المحبة والرحمة والمقة والزينة التي زينه اللَّه بها فِي عينه ، ثُمَّ خلع إِبْرَاهِيم ذَلِكَ كله ونابذهم فِي اللَّه عَلَى سواء ، فلم ير فِيهِ شيئا ، ولم يأخذه فِي اللَّه هوادة ، ولم يخف فِي اللَّه لومة لائم .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.