أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل ، أنا يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيمَ المزكي ، أنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي ، قَالَ : سَمِعْت منصور بْن عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيّ ، يَقُول : سَمِعْت مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بن الليث ، يَقُول : سَمِعْت أبا الحارث الأولاسي ، يَقُول : كَانَ سبب رؤيتي إِبْرَاهِيم بن سعد أني خرجت من أولاس إِلَى مكة فِي غير أيام الموسم ، فرافقت ثلاثة فقلت : أنا معكم ، فتفرق اثنان منهم ، وبقيت أنا والثالث ، فَقَالَ لي : أين تريد ؟ قلت : الشام ، قَالَ : وأنا أريد لكام ، وَإِذَا هُوَ إِبْرَاهِيم بن سعد العلوي ، وكان حسنيا ، ثُمَّ تفرقنا ، فكانت تأتيني كتب إِبْرَاهِيم بن سعد ، فما شعرت ذات يوم وأنا بألاوس وقد خرجت ، فَإِذَا أنا برجل قائم يصلي بين الشجر ، فلما رأيته علاني هيبة ، فنظرت ، فَإِذَا إِبْرَاهِيم بن سعد ، فلما رآني قضى صلاته وَسَلَّمَ عَلِيّ ، فجاء إِلَى البحر ، ونظر إِلَيْهِ وحرك شفيته ، فَإِذَا بحيتان كثيرة مصفوفة قد أقبلت ، فلما رأيتها قلت : أين الصيادون ؟ فنظرت ، فَإِذَا السمك قد تفرق ، فَقَالَ لي إِبْرَاهِيم : ما أنت بمطلوب فِي هَذَا الأمر ، ولكن عليك بهذه الرمال ، فوار فِيهَا ما أمكنك ، وتقلل من الدنيا حتى يأتيك أمر اللَّه ، ثُمَّ غاب عني فلم أره ، وكانت كتبه ترد عَلِيّ ، فلما مات كنت قاعدا يوما حين تحرك قلبي بالخروج ، فلما خرجت صرت إِلَى المسجد ، إِذَا أنا بأسود قام إلي فَقَالَ : أنت أَبُو الحارث ؟ قلت : نعم ، قَالَ : آجرك اللَّه فِي أخيك إِبْرَاهِيم بن سعد ، وكان هَذَا مولى له يسمى ناصح ، فذكر أن إِبْرَاهِيم أوصاه أن يؤدي إلي هَذِهِ الرسالة : يا أخي ، إِذَا نزل بك أمر من اللَّه فاستعمل الرضا ، فإن اللَّه مطلع عليك ، يعلم ما فِي ضميرك ، فإن رضيت فلك الثواب الجزيل ، وأنت فِي رضاك وسخطك ليس تقدر أن تتعدى المقدور ، ولا تزداد فِي الرزق المقسوم ، والأمر المكتوب ، ففي هَذِهِ الأحوال تريد أن تحتال محلا ، فإن لم تجد إِلَى الرضا سبيلا ، فاستعمل الصبر فِيهِ ، فإنه رأس الإيمان ، وفيه تمام النعمة ، فإن لم تجد إِلَى الصبر سبيلا ، فعليك بالتحمل ، ولا تشك من ليس بأهل أن يشكى ، وَهُوَ من أهل الشكر والثناء القديم بما أولى ، وَإِذَا اضطررت وقل صبرك ، فالجأ إِلَيْهِ بهمك ، واشك إِلَيْهِ بثك ، واحذر أن تستبطئه أو تسيء بِهِ ظنا ، فإن كل شيء بسبب ، ولكل سبب أجل ، ولكل أجل كتاب ، ولكل هم من اللَّه فرج ، ومن علم أنه بعين اللَّه استحيا أن يراه يرجو سواه ، ومن أيقن بنظر اللَّه إِلَيْهِ ، أسقط اختيار نفسه ، ومن علم أن اللَّه هُوَ الضار النافع ، أسقط مخاوف المخلوقين ، فراقب اللَّه فِي قربه ، واطلب الأمور من معادنها ، واحذر أن تعتمد عَلَى مخلوق ، أو تفشي إِلَيْهِ سرا ، أو تشكو إِلَيْهِ بثا ، أو تعتمد عَلَى إخائه ، فإن غنيهم فقير ، وفقيرهم ذليل فِي فقره ، وعالمهم جاهل فِي علمه ، وجاهلهم فاجر فِي فعله ، إلا القليل ممن عصم اللَّه ، فاتقوا الفاجر من العلماء ، والجاهل من العباد ، فإنهم فتنة كل مفتون .
الأسم | الشهرة | الرتبة |