ابراهيم بن محمد ابو اسحاق البجلي


تفسير

رقم الحديث : 5066

قرأت بخط أَبِي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أَبُو الْقَاسِم النسيب ، وأبو الوحش المقرئ عنه ، أنا أَبُو الفتح إِبْرَاهِيم بْن علي بْن إِبْرَاهِيم البغدادي ، نا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي ، حدثني أَبُو الحارث أسد بْن عَبْد الباقي الهمداني ، حدثني أَحْمَد بْن ناصح البوشنجي ، حدثني مُحَمَّد بْن الحارث بْن بسخنر ، قال : وجه إلي إِبْرَاهِيم بْن المهدي يوما يدعوني ، وذلك في أول خلافة المعتصم ، فصرت إليه وهو جالس وحده وشارية جاريته خلف الستارة ، فقال لي : إني قلت شعرا ، وغنيت فيه ، فطرحته على شارية ، فأخذته ، وزعمت أنها أحذق به مني ، وأنا أقول إني أحذق به منها ، وقد وضعناك حكما بيننا لموضعك من هذه الصناعة ، فاسمعه مني ومنها ، واحكم ، ولا تعجل حتى تسمعه ثلاث مرات ، فاندفع يغني : أضن بليلى وهي غير سخية وتبخل ليلى بالهوى فأجود وأنهى فلا ألوي إلى زجر زاجر وأعلم إني مخطئ فأعود فأحسن فيه وأجاد ، ثم قال لها : تغني ، فغنته ، فبرزت فيه حتى كأنه كان معها في أَبِي جاد ، ونظر إلي فعرف إني قد عرفت فضلها ، فقال : على رسلك ، وتحدثنا ، ثم اندفع ، فغناه ثانية ، فأضعف في الإحسان ، ثم قال لها : تغني ، فبرعت ، وازدادت أضعاف زيادته ، وكدت أشق ثيابي طربا ، فقال : تثبت ، ولا تعجل ، ثم غناه ثالثة ، فلم يبق غاية في الإحكام ، ثم أمرها فغنت ، فكأنما كان يلعب ، ثم قال : قل : فقضيت لها ، قال : أصبت بكم تساوي عندك الآن فحملني الحسد له عليها ، والنفاسة بمثلها ، أن قلت : تساوي مائة ألف درهم ، فقال : وما تساوي على هذا الإحسان ، والتفضيل إلا مائة ألف درهم ؟ قبح اللَّه رأيك ، والله ما أجد شيئا أبلغ في عقوبتك من أن أصرفك مذموما مدحورا ، فقلت : ما لقولك : أخرج عن منزلي جواب ، وقمت أنصرف ، وقد أحفظني فعله وكلامه ، وأرمضني ، فلما خطوت خطوات التفت إليه ، فقلت : يا إِبْرَاهِيم ، تطردني من منزلك ، فوالله ما تحسن أنت ، ولا جاريتك شيئا . وضرب الدهر ضربة ، ثم دعانا المعتصم ، وهو بالوزيرية في قصر الليل ، فدخلت ومخارق وعلويه ، والمعتصم بين يديه ثلاث جامات : جام فضة مملوءة دنانير جددا ، وجام ذهب مملوءة دراهم ، وجام قوارير مملوءة عبيرا ، فظننا أنه لنا بل لم نشك في ذلك ، فغنيناه ، وأجهدنا أنفسنا فلم يطرب ولم يتحرك لشيء من غنائنا ، ودخل الحاجب ، فقال إِبْرَاهِيم بْن المهدي : فأذن له ، فدخل فلما أخذ مجلسه غناه أصواتا أحسن فيها ، ثم غناه بصوت من صنعته بشعره ، فقال : ما بال شمس أَبِي الخطاب قد حجبت يا صاحبي لعل الساعة اقتربت أشكو إليك أَبَا الخطاب جارية عزيزة بفؤادي اليوم قد لعبت فاستحسنه المعتصم وطرب له وقال : أحسنت والله يا عم ، فقال إِبْرَاهِيم : فإن كنت أحسنت فهب لي إحدى هذه الجامات ، فقال : خذ أيها شئت ، فأخذ التي فيها الدنانير ، ونظر بعضنا إلى بعض ساعة لأنا رجونا أن نأخذهن ، وغناه بشعر له بعد ساعة : فما قهوة مرة قرقف شمول تروق براووقها بكف أغن خضيب البنان يخطر بين أباريقها مريض الجفون نبيل العيون ترمي ما مكن تفويقها بأطيب من فمها نكهة إذا امتصت الشهد من ريقها فقال المعتصم : أحسنت والله يا عم وسررت ، قال : يا أمير المؤمنين ، فإن كنت أحسنت ، فهب لي جاما أخرى ، فقال : خذ أيهما شئت ، فأخذ الذهب التي فيها الدراهم ، فأيسنا نحن ، وغنى بعد ساعة : ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى عشير الذي ألقى فيلتئم الحب إذا رضيت لم يهنني ذلك الرضا لعلمي به أنه سوف يدركه عتب فارتج المجلس ، وطرب المعتصم ، واستخفه الطرب ، وقام على رجليه ، ثم جلس ، وقال : أحسنت والله يا عم ما شئت ، قال إِبْرَاهِيم : فإن كنت أحسنت ، فهب لي الجام الثالثة ، قال : خذها ، ونام أمير المؤمنين ، فدعا إِبْرَاهِيم بمنديل ، فثناه عطفتين ، ووضع الجامات فيه وشده ، ودعا بطين ، فختمه ، ودفعه إلى غلامه ، ونهضنا للانصراف ، فلما ركب التفت إلي ، فقال : يا مُحَمَّد زعمت أني وجاريتي لا نحسن شيئا ، فكيف رأيت ثمرة الإحسان ونموه ؟ قال : وقال مُحَمَّد بْن الحارث بْن بسخنر : صرت إلى إِبْرَاهِيم بْن المهدي ، فرأيته مغموما ، فقلت : مالي أراك - يعني - مغموما ؟ قال : ويحك دعني ، قلت : والله لا أدعك أو أعرف خبرك ، قال : كنت عند الرشيد ، فسألني أن أسمع سليمان بْن أَبِي جعفر صوتا ، ولم يكن سمع غناي غير الرشيد ، فتمنعت ، فدعا لي بألف درهم ، فغنيته صوتا ، ثم قال لي ليلة أخرى جعفر بْن يحيى صديقك ، ولا تحتشم منه ، وأنا أحب أن تغنيه صوتا ، فقلت : إني أحتشمه في الغناء ، فحلفني بحياته ودعا لي بألف درهم فغنيته ، وكنا البارحة عند المعتصم ، فقال لي : سيما الشارباني اشتهى ذاك الصوت ، قلت : إنما قال ذاك ، قلت : ما أدري ما يريد ، قال : فغن كلما تحسن حتى إذا مر بي عرفتك فورد علي ما لم أقدر أن يرد علي مثله ، فأي غم يكون أشد من هذا .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.