أخبرنا أَبُو الْقَاسِم الشحامي ، أنا أَبُو بكر البيهقي ، أنا أَبُو ذر بْن أَبِي الحسين بْن أَبِي الْقَاسِم المذكر ، وأبو الحسن علي بْن مُحَمَّد بْن علي المقرئ ، قالا : أنا الحسن بْن مُحَمَّد بْن إسحاق ، نا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن البراء ، أنا عَبْد المنعم بْن إدريس ، حدثني أَبِي ، عن جده وهب بْن منبه ، قال : ذكر وهب بْن منبه : أن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها ، ولم ير فيها أحدا غيره ، فقال : يا رب أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ، ويقدس لك غيري ؟ قال اللَّه : إني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي ، ويقدس لي ، وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكرى فيسبحني فيها خلقي ، وسأبوئك منها بيتا أختاره لنفسي أخصه بكرامتي ، وأؤثره على بيوت الأرض كلها باسمي ، فأسميه بيتي ، أنطقه بعظمتي ، وأحوزه بحرمي ، وأجعله أحق البيوت كلها ، وأولاها بذكري ، وأضع في البقعة التي اخترت لنفسي ، فإني اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض ، قبل ذلك قد كان بغيتي ، فهو صفوتي من البيوت ، ولست أسكنه ، وليس ينبغي لي أن أسكن البيوت ، ولا ينبغي لها أن تحملني ، أجعل ذلك البيت لك ، ولمن بعدك حرما وأمنا أحرم بحرمه ما فوقه وما تحته وما حوله ، فمن حرمه بحرمتي ، فقد عظم حرمتي ، ومن أحله فقد أباح حرمتي ، ومن آمن أهله استوجب بذلك أماني ، ومن أخافهم فقد أخفرني في ذمتي ، ومن عظم شأنه فقد عظم في عيني ، ومن تهاون به فقد صغر عندي ، ولكل ملك حيازة ، وبطن مكة حوزتي التي حزت لنفسي دون خلقي ، فأنا اللَّه ذو بكة أهلها خيرتي ، وجيران بيتي ، وعمارها ، وزوارها ، وفدي ، وأضيافي ، وفي كنفي ، وضماني ، وذمتي ، وجواري ، أجعله أول بيت وضع للناس ، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض يأتونه أفواجا شعثا غبرا على كل ضامر يأتون من كل فج عميق يعجون بالتكبير عجيجا ، ويرجون بالتلبية رجيجا ، فمن اعتمره لا يريد غيري ، فقد زارني ، وضافني ووفد إلي ، ونزل بي فحق لي أن أتحفه بكرامتي ، وحق للكريم أن يكرم وفده وأضيافه وزواره ، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته . تعمره يا آدم ما كنت حيا ، ثم يعمره من بعدك الأمم ، والقرون والأنبياء من ولدك ، أمة بعد أمة ، وقرنا بعد قرن ، ونبيا بعد نبي حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك ، يقال له : مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو خاتم النبيين ، فأجعله من عماره ، وسكانه ، وحماته ، وولاته ، وحجابه ، وسقاته ، يكون أمني عليه ما كان حيا ، فإذا انقلب إلي ، وجدني قد دخرت من أجله ، وفضيلته ما يتمكن به من القربة إلي ، والوسيلة عندي ، وأفضل المنازل في دار المقامة ، وأجعل اسم ذلك البيت وذكره ، وشرفه ، ومجده ، وسناه ، ومكرمته لنبي من ولدك يكون قبل هذا النبي وهو أبوه ، يقال له : إِبْرَاهِيم أرفع له قواعده ، واقضي على يديه عمارته ، وأنيط له سقايته ، وأريه حله ، وحرمه ، ومواقعه ، وأعلمه مشاعره ، ومناسكه ، وأجعله أمة واحدا قانتا قائما بأمري داعيا إلى سبيلي ، أجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم ، أبتليه فيصبر ، وأعافيه فيشكر ، وآمره فيفعل ، وينذر لي فيفي ، ويعدني فينجز . أستجيب دعوته في ولده وذريته من بعده ، وأشفعه فيهم ، وأجعلهم أهل ذلك البيت وحماته ، وولاته ، وسقاه ، وخدمه ، وخزانه ، وحجابه حتى يبتدعوا أو يغيروا ، ويبدلوا ، فإذا فعلوا ذلك ، فأنا أقدر القادرين على أن أستبدل من أشاء بما أشاء ، وأجعل إِبْرَاهِيم إمام ذلك البيت ، وأهل تلك الشريعة يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الجن والإنس يطئون بها آثاره ، ويتبعون فيها سنته ، ويقتدون فيها بهديه ، فمن فعل ذلك منهم أوفى بنذره ، واستكمل نسكه ، وأصاب بغيته ، ومن لم يفعل ذلك منهم ضيع نسكه ، وأخطأ بغيته ، ولم يوف نذره ، فمن سأل عني يومئذ في تلك المواطن أين أنا ، فأنا مع الشعث الغبر الموفين بنذرهم ، المستكملين مناسكهم ، المتبتلين إلى ربهم الذي يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ سورة المائدة آية 99 .
الأسم | الشهرة | الرتبة |