أَخْبَرَنَا أَبُو السَّعَادَاتِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُتَوَكِّلِيُّ ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ حَمْزَةَ ، قَالا : نا أَبُو بكر الخطيب ، نا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رِزْقٍ الْبَزَّازُ ، إِمْلاءً ، نا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخَوَّاصُ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنُ جَابِرٍ السَّقَطِيُّ ، نا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّرْجُمَانِيُّ ، نا الْحَسَنُ الْعَتَكِيُّ ، نا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْحَرَّانِيُّ ، نا حِبَّانُ الْبَصْرِيُّ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نُوحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَقَالَ : " يَا أُسَامَةُ ، عَلَيْكَ بِطَرِيقِ الْجَنَّةِ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَخْتَلِجَ دُونَهَا " فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَسْرَعُ مَا يُقْطَعُ بِهِ ذَلِكَ الطَّرِيقُ ؟ قَالَ : " بِالظَّمَإِ فِي الْهَوَاجِرِ ، وَكَسْرِ النَّفْسِ عَنْ لَذَّةِ الدُّنْيَا ، يَا أُسَامَةُ عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ ، أنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ رِيحِ فَمِ الصَّائِمِ ، تَرَكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَأْتِيَكَ الْمَوْتُ وَبَطْنُكُ جَائِعٌ وَكَبِدُكَ ظَمْآنُ فَافْعَلْ ، فَإِنَّكَ تُدْرِكُ شَرَفَ الْمَنَازِلِ فِي الآخِرَةِ ، وَتَحِلُّ مَعَ النَّبِيِّينَ وَيَفْرَحُ الأَنْبِيَاءُ بِقُدُومِ رُوحِكَ عَلَيْهِمْ ، وَيَصَلِّي عَلَيْكَ الْجَبَّارُ تَعَالَى ، إِيَّاكَ يَا أُسَامَةُ وَكُلَّ كَبَدٍ جَائِعَةٍ تُخَاصِمُكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَا أُسَامَةُ وَإِيَّاكَ وَدُعَاءَ عِبَادٍ قَدْ أَذَابُوا اللُّحُومَ بِالرِّيَاحِ وَالسَّمُومِ وَأَظْمَأُوا الأَكْبَادَ حَتَّى غَشِيَتْ أَبْصَارُهُمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمْ سُرَّ بِهِمْ وَبَاهَى بِهِمُ الْمَلائِكَةَ ، بِهِمْ تُصْرَفُ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ " . ثُمَّ بَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اشْتَدَّ نَحِيبُهُ وَهَابَ النَّاسُ أَنْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ مِنَ السَّمَاءِ حَدَثٌ ، ثُمَّ قَالَ : " وَيْحٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَا يَلْقَى مِنْهُمْ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فِيهِمْ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ وَيُكَذِّبُونَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ " فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الإِسْلامِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : فَفِيمَ يَقْتُلُونَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ ؟ قَالَ : " يَا عُمَرُ ، تَرَكَ النَّاسُ الطَّرِيقَ وَرَكِبُوا الدَّوَابَّ ، وَلَبِسُوا اللَّيِّنَ مِنَ الثِّيَابِ ، وَخَدَمَتْهُمْ أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومَ ، يَتَزَيَّنُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِزِينَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا ، وَيَتَبَرَّجُ النِّسَاءُ ، زِيُّهُمْ زِيُّ الْمُلُوكِ ، وَدِينُهُمْ دِينُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، يَتَسَمَّنُونَ يَتَبَاهَوْنَ بِالْحَشَاءِ وَاللِّبَاسِ ، فَإِذَا تَكَلَّمَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَيْهِمُ الْعِبَاءُ مُنْحَنِيَةٌ أَصْلابُهُمْ قَدْ ذَبَحُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْعَطَشِ ، إِذَا تَكَلَّمَ مِنْهُمْ مُتَكَلِّمٌ كُذِّبَ ، وَقِيلَ لَهُ : أَنْتَ قَرِينُ الشَّيْطَانِ ، وَرَأْسُ الضَّلالَةِ ، تُحَرِّمُ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ، وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ، تَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَاسْتَذَلُّوا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ ، وَاعْلَمْ يَا أُسَامَةُ أَنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ طَالَ حُزْنُهُ وَعَطَشُهُ وَجُوعُهُ فِي الدُّنْيَا ، الأَحْفِيَاءُ الأَبْرَارُ الَّذِينَ إِذَا شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا ، وَإِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا يُعْرَفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ يَخْفَوْنَ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، تَعْرِفُهُمْ بِقَاعُ الأَرْضِ ، وَتَحُفُّ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ ، نَعِمَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا ، وَتَنَعَّمُوا هُمْ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ ، وَلَبِسَ النَّاسُ لَيِّنَ الثِّيَابِ ، وَلَبِسُوا هُمْ خَشِنَ الثِّيَابِ ، افْتَرَشَ النَّاسُ الْفُرُشَ وَافْتَرَشُوا هُمُ الحياة وَالرُّكَبَ ، ضَحِكَ النَّاسُ وَبَكَوْا ، أَلا لَهُمُ الشَّرَفُ فِي الآخِرَةِ ، يَا لَيْتَنِي قَدْ رَأَيْتُهُمْ بِقَاعُ الأَرْضِ بِهِمْ رَحْبَةٌ ، الْجَبَّارُ عَنْهُمْ رَاضٍ ، ضَيَّعَ النَّاسُ فِعْلَ النَّبِيِّينَ وَأَخْلاقَهَا وَحَفِظُوهَا ، الرَّاغِبُ مَنْ رَغِبَ إِلَى اللَّهِ فِي مِثْلِ رَغْبَتِهِمْ ، الْخَاسِرُ مَنْ خَالَفَهُمْ ، تَبْكِي الأَرْضُ إِذَا فَقَدَتْهُمْ وَيُسْخَطُ عَلَى كُلِّ بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، يَا أُسَامَةُ إِذَا رَأَيْتَهُمْ فِي قَرْيَةٍ فَاعْلَمْ أَنَهُمْ أَمَانٌ لأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ ، لا يُعَذِّبُ اللَّهُ قَوْمًا هُمْ فِيهِمْ ، اتَّخِذْهُمْ لِنَفْسِكَ تَنْجُو بِهِمْ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَدَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ فَتَزِلَّ قَدَمُكَ فَتَهَوِي فِي النَّارِ ، حَرَّمُوا حَلالا لا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُمْ طَلَبَ الْفَضْلَ فِي الآخِرَةِ ، تَرَكُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ عَنْ قُدْرَةٍ ، لَمْ يَتَكَابُوا عَلَى الدُّنْيَا انْكِبَابَ الْكِلابِ عَلَى الْجِيَفِ ، أَكَلُوا الْعَلَقَ وَلَبِسُوا الْخِرَقَ وَتَرَاهُمْ شُعْثًا غُبْرًا تَظُنُّ أَنَّ بِهِمْ دَاءً وَمَا ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ دَاءٍ وَيَظُنُّ النَّاسُ أَنَّهُمْ قَدْ خُولِطُوا وَمَا خُولِطُوا ، وَلَكِنْ خَالَطَ الْقَوْمَ الْحُزْنُ فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ ، وَمَا ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ وَلَكِنْ نَظَرُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى أَمْرٍ ذَهَبَ بِعُقُولِهِمْ عَنِ الدُّنْيَا فَهُمْ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا يَمْشُونَ بِلا عُقُولٍ ، يَا أُسَامَةُ عَقَلُوا حِينَ ذَهَبَتْ عُقُولُ النَّاسِ ، لَهُمُ الشَّرَفُ فِي الأَرْضِ " . وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مُرْسَلَةً ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَعْلَى مِنْ هَذَا .