قرأت بخط أَبِي حَفْص عُمَر بْن أَبِي بَكْر المؤدب ، مما نقله من خط عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي طَاهِر التَّمِيمِيّ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سلامة الطحاوي ، وتوفي منهم فيها - يعني سنة سبعين ومائتين - أَبُو بكرة بَكَّار بْن قتيبة بْن أَبِي بردعة بْن بَشِير بْن عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الخميس لخمس ليال خلون من ذي الحجة منها ، وَكَانَ مولده بالبصرة فِي سنة اثنتين وثمانين ومئة ، وولي قضاء مصر فِي سنة ست وأربعين ومائتين ، فلم يزل قاضيها إِلَى أن توفي بها ، وَكَانَ من الحمد فِي ولايته عليها ، ومن القبول لأهلها إياه ، ومن عفته عَنْ أموالهم ، ومن سلامته فِي أحكامه ، ومن اطلاعه بذلك على نهاية ما يكون عليه مثله ، حَتَّى لو كانت أخلاقه ومواهبه هذه فيمن تقدم لكان يبين بها عَنْ كثير منهم ، وَكَانَ الأمير أَحْمَد بْن طولون من المعرفة بحقه ، والميل إليه والتعظيم لقدره على نهاية ، وَكَانَ يأتي إليه بمحضرنا ، وَهُوَ يملي على الناس الحديث على كثرة من كَانَ يحضر مجلسه ، فيمنع حاجبه مستمليه من الانقطاع عَنِ الاستملاء عليه ، ثُمَّ يصعد إليه إِلَى المجلس الَّذِي كَانَ يحدث فيه ، فيقعد مع الناس فيه ويستتم بَكَّار مجلسه وَهُوَ حاضر ، لا يقطعه بحضور إياه ، فلم يزل كذلك حَتَّى أراد منه أَحْمَد بْن طولون خلع أَبِي أَحْمَد الموفق ولعنه ، فأبى ذَلِكَ عليه ، فلما رأى أَحْمَد بْن طولون أَنَّهُ لا يلتئم لَهُ منه ما يحاوله منه ، ألب عليه سفهاء أهل الأحباس ومن سواهم من العوام ، وجعله لهم خصما ، وَكَانَ يقعد لَهُ من يقيمه بين يديه مع من يخاصمه مقام الخصوم ، فلا يأبى ذَلِكَ ، ويقوم بالحجة لنفسه ، ويشافه أمر من يخاصمه ، فكان قل من ينصرف عَنْ خصومته ، وربما كَانَ ذلك سببا لحبس من يخاصمه ، منهم ثابت بْن أَبِي حداد ، فإنه كَانَ خاصمه إليه ، فَقَالَ : أدنوه مني حَتَّى أسمع ، فلما سمع قوله وذكر أَنَّهُ جاء بكتاب من العراق فِي أمره ، قَالَ لَهُ : لا أدري ما هَذَا ، قد كَانَ يخاصم إلي ويطلب بعض حبس جده ، وَكَانَ جده نصرانيا فِي وقت تحبيسه إياه ، فخرج وقبضه من يد الحاكم ، فتلا وَهُوَ كذلك يعني الْحَارِث بْن مسكين ، فأعلمته أن نصرانية جده لا تمنع من جواز حبسه عليه ، فخرج إِلَى العراق ، فجاءني بكتاب من هناك من هَذَا الَّذِي يدعونه أَبَا أَحْمَد ، فأعلمته أني لست ممن يقبل فِي الحكم شفاعة ممن جاءني بكتابه ولا غيره ، وَهُوَ يَقُول إنه على النصرانية ، وَهُوَ الآن عليها ، وشهد عليه عندي إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن معمر ، أَنَّهُ أَسْلَم بالعراق على يد هَذَا الرجل الَّذِي جاءني بكتابه ، فلو شهد عليه عندي شاهد آخر مثل إِسْحَاق بْن مُحَمَّد استتبته ، فإن لم يتب قتلته ، فانصرف به بأمر أَحْمَد بْن طولون من مجلسه ذاك إِلَى الحبس ، وَكَانَ أَحْمَد بْن طولون قد حبس الْقَاضِي بَكَّار بالمرفق فِي القماحين فِي الدرب الَّذِي على يمين من يريد المصلى القديم . فحدثني عبد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن بَشِير الحذاء ، وَكَانَ ممن يحضر هناك مجلس ابْن طولون ، قَالَ : رأيته هناك يعني الْقَاضِي بكارا ، وقد أدخل خصما ، فَقَالَ خصمه الَّذِي كَانَ يخاصم إليه : هَذَا الرجل كَانَ يزعم أَنَّهُ قاضي المسلمين خمسا وعشرين سنة ، وقد غصبني داري وَهُوَ ساكنها الآن ، ولي عليه من أجرتها خمسة دنانير ، فسئل الْقَاضِي بَكَّار عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : لا أدري ما يَقُول هَذَا الرجل ، أنا لم أنزل هذه الدار ، وإنما أنزلتها كرها ، فإن كَانَ مغصوبا فالَّذِي غصبه هُوَ الَّذِي أنزلنيها ، وهذا فِي الجملة كلام محال ، ما ظننته يجوز على أحد ، لئن كنت غاصبا فما لَهُ علي أجرة معلومة ، لئن كانت لَهُ علي أجرة بسكناي فِي داره ، فما أنا غاصب ، قَالَ : قام الَّذِي كَانَ يخاصم إليه بخمسة دنانير ، فدفعت إِلَى الَّذِي خاصمه وأصرف ، وَكَانَ فِي هذه الدار فِي كل يَوْم جمعة إِذَا جاء وقت الرواح لصلاة الجمعة لبس ما كَانَ يلبسه للجمعة ، وخرج إِلَى الباب يريد الرواح منه ، فيقول لَهُ الموكلون به : ارجع ، فيقول : اللهم اشهد ، ثُمَّ يرجع ، فلم يزل كذلك فيها حَتَّى توفي أَحْمَد بْن طولون ، وبقي فيها هُوَ بعد ذَلِكَ حَتَّى توفي فِي الوقت الَّذِي ذكرنا وفاته فيه ، فظن الناس أَنَّهُ لا يتهيأ لأحد حضوره وحضروا عند العصر ، وكنت فمن حضر ، وَكَانَ معي يَحْيَى بْن عُثْمَان بْن صَالِح ، فأخرجت جنازته بعد العصر ، وأقبل الناس أكثر ما كانوا ، وفيهم أصحاب أَحْمَد بْن طولون قد غطوا رءوسهم حَتَّى لا يعرفوا ، وزادت الجماعة من غير أن يرى فِي الناس راكب واحد ، فشهده أكثر ممن شهد العيد بوقار وسكينة ، وصلي عليه فِي المصلى الجديد ، وَكَانَ الَّذِي صلى عليه ابْن أخيه مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن قتيبة .
الأسم | الشهرة | الرتبة |