قرأت بخط أبي الحسن رشأ بْن نظيف ، وأنبأنيه أَبُو الْقَاسِمِ علي بْن إبراهيم ، وأبو الوحش المقرئ ، عنه ، أنا أبو الفتح إبراهيم بْن علي بْن إبراهيم بْن الحسين بْن مُحَمَّد بْن سيبخت البغدادي ، حدثنا أبو بكر مُحَمَّد بْن يحيى الصولي ، حدثنا عون بْن مُحَمَّد ، حدثني أبي ، قال : سمعت أبا عباد وذكر المأمون ، فقال : كان والله أحد ملوك الأرض الذي يجب له هذا الاسم بالحقيقة ، ثم أنشأ يحدث ، قال : كان يلزم بابي رجل لا أعرفه ، فلما طالت ملازمته ، قلت له : بسوء لقائي : يا هذا ، ما لزومك بابي ؟ قال : طالب حاجة ، قلت : وما هي ؟ قال : توصلني إلى أمير المؤمنين ، أو توصل لي رقعة ، قلت : ما يمكنني ما تريد في أمرك ، فانصرف ولم يرد علي شيئا ، وجعل يلزم الباب فما يفارقه ، فإذا انصرفت ، فرآني نشيطا تصدى لي ، فأراني وجهه فقط ، فإن رآني بغير تلك الحال كمن ناحية ، فما زالت تلك حاله صابرا علينا حتى رفقت عليه ، فقلت له يوما ، وقد انصرفت من الدار : مكانك ، فأقام ، فقلت للغلام : أدخل هذا الرجل ، فأدخله ، فقلت : يا هذا ، إني أرى لك مطالبة جميلة ، فأظن أنك ترجع إلى محتد كريم ، وأدب بارع ، قال : أما المحتد ، فرجل من الأعاجم ، وأما الأدب ، فأرجو أن تجده إن طلبته ، قلت : إن عندي منه علما ، قال : وما هو أدام الله عزك ؟ قلت : صبرك على المطالبة الجميلة ، قال : ذلك أقل أحوالي أعزك الله ، قال : فدخلتني له جلالة ، فقلت : حاجتك ؟ قال : ضيعة صارت لأمير المؤمنين أيده الله ، كانت لسعيد بْن جابر ، وكنا شركاءه فيها ، فجاء وكيله ، فضرب منارة على حدودنا وحدوده ، وهذه ضيعة كنا نعود بفضلها على القريب ، والصديق ، والجار ، والأخ ، قلت : فمعك رقعة ؟ قال : نعم ، فأخرج رقعة من خفه فيها مظلمته ، فلما قرأتها ووضعتها ، فقام فانصرف ، فخف على قلبي ، وأحببت نفعه ، فأدخلته على المأمون مع خمسة من أصحاب الحوائج ، فاتفق أن كان أول من يتكلم منهم ، فاستنطق رجلا فصيحا ، حسن العبارة لسنا ، فقال : تكلم بحاجتك ، فتكلم ، فقال : يا ثابت ، وقع له بقضائها ، ثم قال : ألك حاجة ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أرض غلبني عليها ابن البختكان بالأهواز بقوة السلطان ، فأخرجها عن يدي ، ودعاني إلى أخذ بعض ثمنها ، فقال : يا ثابت ، وقع له بالكتاب إلى القاضي هناك يأمره بإنصافه ، وإخراج يد ابن البختكان من حقه ، وأخذها من الرجل بحكمه . ألك حاجة ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قطيعة كان المنصور أقطعها أبي ، فأخذت من أيدينا بسبب البرامكة ، قال : وقع برد عليه ، هذه موفورة ، وينظر ما أخرجت منذ قبضت عنهم إلى هذه الغاية ، فدفع إليهم حاصل غلاتهم ، ثم قال : ألك حاجة ؟ قال : نعم ، يا أمير المؤمنين ، علي دين قد كظني ، وأذلني بكثره ، وقوى علي أربابه ، قال : وكم دينك ؟ قال : أربعمائة ألف دينار ، قال : وقع يا ثابت بقضاء دينه ، قال : فسأل سبع حوائج قيمتها ألف ألف درهم ، فوالله ما إن زالت قدمه عن مقرها حتى قضيت . فامتلأت غيظا ، وفرت فور المرجل حتى لو أمكنت من لحمه لأكلته ، ثم دعا للمأمون ، وخرج ، فقال : يا ثابت ، أتعرف هذا الرجل ؟ قلت : فعل الله به وفعل ، فما رأيت والله رجلا أجهل منه ، ولا أوقح وجها ، فقال : لا تقل ذلك فتظلمه ، فما أدري متى خاطبت رجلا هو أعقل منه ، ولا أعرف بما يخرج من رأسه ، فقصصت عليه قصته أولها وآخرها ، فقال : هذا من الذي قلت لك ، ثم قال : وأزيدك أخرى ، ولا أحسبك فهمتها ، قال : قلت : وما هي جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين ؟ قال : أما رأيت خاتمه في إصبعه اليمنى ؟ قال : وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ سورة محمد آية 30 أبو عباد ثابت بْن يحيى كاتب المأمون .
الأسم | الشهرة | الرتبة |