باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من بشارته بقدوم ابي موسى واهل اليمن واشارته ال...


تفسير

رقم الحديث : 19

وَقَرَأْتُ فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّدَفِيُّ الْقَيْرَوَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْخَيَّاطِ ، قَالَ : نَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ الْقَيْرَوَانِيُّ ، قَالَ : نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاتِمٍ الأَزْدِيُّ صَاحِبُ الْقَاضِي الْجَلِيلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلانِيِّ ، قَالَ : كَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأَشْعَرِيُّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الأَصْلِ مُعْتَزِلِيًّا ، فَحَكَى لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ الْمُتَكَلِمُّ الرَّازِيُّ ، قَالَ : نَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ بِطَبَرِسْتَانَ ، قَالَ : حَكَى لَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ الدَّاعِي إِلَى رُجُوعِي عَنِ الاعْتِزَالِ ، وَإِلَى النَّظَرِ في أدلتهم ، واستخراج فسادهم ، أني رأيت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِي فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَقَالَ لِي : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، كَتَبْتَ الْحَدِيثَ ؟ فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَوَ مَا كَتَبْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرَى فِي الآخِرَةِ ؟ فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَمَا الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنَ الْقَوْلِ بِهِ ؟ قُلْتُ : أَدِلَّةُ الْعُقُولِ مَنَعَتْنِي ، فَتَأَوَّلْتُ الأَخْبَارَ ، فَقَالَ لِي : وَمَا قَامَتْ أَدِلَّةُ الْعُقُولِ عِنْدَكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرَى فِي الآخِرَةِ ؟ فَقُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّمَا هِيَ شُبَهٌ ، فَقَالَ لِي : تَأَمَّلْهَا وَانْظُرْ فِيهَا نَظَرًا مُسْتَوْفًى ، فَلَيْسَتْ بِشُبَهٍ ، بَلْ هِيَ أَدِلَّةٌ ، وَغَابَ عَنِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ أَبُو الْحَسَنِ : فَلَمَّا انْتَبَهْتُ فَزِعْتُ فَزَعًا شَدِيدًا ، وَأَخَذْتُ أَتَأَمَّلُ مَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَثْبَتُّ ، فَوَجَدْتُ الأَمْرَ كَمَا قَالَ ، فَقَوِيَتْ أَدِلَّةُ الإِثْبَاتِ فِي قَلْبِي ، وَضَعُفَتْ أَدِلَّةُ النَّفْيِ ، فَسَكَتُّ وَلَمْ أُظْهِرِ النَّاسَ شَيْئًا ، وَكُنْتُ مُتَحِيَّرًا فِي أَمْرِي ، فَلَمَّا دَخَلْنَا فِي الْعُشْرِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ ، رَأَيْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَقْبَلَ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الْحَسَنِ أَيَّ شَيْءٍ عَمِلْتَ فِيمَا قُلْتُ لَكَ ؟ فَقُلُتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الأَمْرُ كَمَا قُلْتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَالْقُوَّةُ فِي جَانِبِ الإِثْبَاتِ ، فَقَالَ لِي : تَأَمَّلْ سَائِرَ الْمَسَائِلِ وَتَذَكَّرْ فِيهَا ، فَانْتَبَهْتُ ، فَقُمْتُ ، وَجَمَعْتُ جَمِيعَ مَا كَانَ بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ الْكُتُبِ الْكَلامِيَّاتِ ، وَضَبَّرْتُهَا وَرَفَعْتُهَا ، وَاشْتَغَلْتُ بِكُتُبِ الْحَدِيثِ ، وَتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، وَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَمَعَ هَذَا فَإِنِّي كُنْتُ أَتَفَكَّرُ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ لأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّايَ بِذَلِكَ . قَالَ : فَلَمَّا دَخَلْنَا فِي الْعُشْرِ الثَّالِثِ رَأَيْتُهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، فَقَالَ لِي وَهُوَ كَالْحَرَدَانِ : مَا عَمِلْتَ فِيمَا قُلْتُ لَكَ ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا مُتَفَكِّرٌ فِيمَا قُلْتَ ، وَلا أَدَعُ التَّفْكِيرَ ، وَالْبَحْثَ عَلَيْهَا ، إِلا أَنِّي قَدْ رَفَضْتُ الْكَلامَ كُلَّهُ ، وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ ، وَاشْتَغَلْتُ بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ . فَقَالَ لِي مُغْضَبًا : وَمَنِ الَّذِي أَمَرَكَ بِذَلِكَ ؟ صَنِّفْ وَانْظُرْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِهَا ، فَإِنَّهَا دِينِي وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي جِئْتُ بِهِ ، وَانْتَبَهْتُ ، قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ : فَأَخَذْتُ فِي التَّصَانِيفِ ، وَالنُّصْرَةِ ، وَأَظْهَرْتُ الْمَذَاهِبَ ، فَهَذَا سَبَبُ رُجُوعِهِ عَنْ مَذَاهِبِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرَضْوَانُهُ . فإن قيل : كيف يبرأ من البدعة من كان رأسا فيها ؟ وهل يثبت لِلَّه الصفات من كان دهره ينفيها ؟ وهل رأيتم بدعيا رجع عن اعتقاد البدعة ؟ أو حكم لمن أظهر الرجوع منها بصحة الرجعة ؟ وقد قيل : إن توبة البدعي غير مقبولة ، وفيئته إلى الحق بعد الضلال ليست بمأمولة ، وهب : أَنَّا قلنَا بقبول توبته إِذَا أظهرها ، أفما ينقص ذلك من رتبته عند من خبرها ؟ . قلنَا : هذا قول عري عن البرهان ، وقائله بعيد من التحقيق عند الامتحان ، بل التوبة مقبولة من كل من تاب ، والعفو من اللَّه مأمول عن كل من أنَاب ، والأحاديث التي رويت في ذلك غير قوية عند أرباب النقل ، والقول بذلك مستحيل أيضا من طريق العقل ، فإن البدعة لا تكون أعظم من الشرك ، ومن ادعى ذلك فهو من أهل الإفك ، ومع ذلك فيقبل إسلام الكتابي ، والمرتد ، والكافر الأصلي ، فكيف يستحيل عندكم قبول توبة المبتدع الملي ، وقد قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ سورة النساء آية 48 ، والبدعة إِذَا كشفت عن حقيقتها وجدتها دون الشرك مما هنَالك ، فإذا كان يقبل الرجوع عن الشرك الذي لا يغفره ، فكيف لا تقبل توبة مبتدع لا يشرك به ولا يكفره ؟ . وأكثر العلماء من أهل التحقيق على القول بقبول توبة الزنديق ، مع ما ينطوي عليه اعتقاده الرديء من الخبث ، وما يعتقده من جحود الصانع ، وإنكار البعث ، والمبتدع لا يجحد الربوبية ، ولا ينكر العظمة الإلهية ، وإنما يترك بعض ما يجب عليه أن يعتقده لشبه وقعت له ، فنكب فيها رشده . وقد سمعنَا بجماعة من الأئمة كانوا على أشياء رجعوا عنها ، وتركوها بعد ما سلكوها ، وتبرأوا منها ، فلم ينقصهم ما كانوا عليه من الابتداع لما أقلعوا عنه ، ورجعوا إلى الإتباع ، وقد كان أكثر الصحابة الكرام يدينون بعبادة الأوثان ، والأصنَام ، ثم صاروا بعد سادة أهل الإسلام ، وقادة المسلمين في الأمور العظام .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.