أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو الْفَتْحِ نصر اللَّه بن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ القوي المصيصي رحمه اللَّه بِدِمَشْقَ ، قَالَ : نَا الفقيه أَبُو الْفَتْحِ نصر بن إِبْرَاهِيمَ بن نصر المقدسي الزاهد رحمه اللَّه ، قَالَ : نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن عَبْدِ الْوَاحِدِ الزعفراني ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد السني البغدادي صاحب ابْن سمعون ، قَالَ : كان ابْن سمعون في أول عمره ينسخ بأجرة ، ويعود بأجرة نسخه على نفسه وعلى أمه ، وكان كثير البر بها فجلس يوما ينسخ وهي جالسة بقربه ، فقال لها : أحب أن أحج . قالت له : يا ولدي كيف يمكنك الحج وما معك نفقة ، ولا لي ما أنفقه إنما عيشنَا من أجرة هذا النسخ ؟ وغلب عليها النوم فنَامت وانتبهت بعد ساعة ، وقالت يا ولدي : حج . فقال لها : منعت قبل النوم وأذنت بعده . قالت : رأيت الساعة رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو يقول : دعيه يحج ، فإن الخيرة له في حجه في الآخرة والأولى . ففرح وباع من دفاتره ما له قيمة ، ودفع إليها من ثمنها نفقة لها ، وخرج مع الحجاج ، وأخذ الأعراب الحجاج وأخذوه في الجملة ، قَالَ ابْن سمعون : فبقيت عريانًا ووجدت مع رجل عباءة كانت على عدل ، فقلت له : هب لي هَذِهِ العباءة أستر نفسي بها ، فقال : خذها . فجعلت نصفها على كتفي ، ونصفها على وسطي ، وكان عليها مكتوب : يا رب سلم ، وبلغ رحمتك يا أرحم الراحمين . وكنت إِذَا غلب علي الجوع ، ووجدت قوما يأكلون وقفت أنظر إليهم فيدفعون إلي الكسرة ، فأقتنع بها ذلك اليوم ، ووصلت إلى مكة ، فغسلت العباءة فأحرمت بها ، وسألت أحد بَنِي شيبة أن يدخلني البيت ، وعرفته فقري ، فأدخلني بعد خروج النَّاس ، وغلق الباب ، فقلت : اللَّهم إنك بعلمك غني عن إعلامي بحالي ، الهم ارزقني معيشة أستغني بها عن سؤال النَّاس ، فسمعت قائلا يقول مِنْ ورائي : اللَّهم إنه ما يحسن أن يدعوك ، اللَّهم ارزقه عيشا بلا معيشة . فالتفت فلم أر أحدا ، فقلت : هذا الخضر ، أو أحد الملائكة ، فأعدت القول ، فأعاد الدعاء ، فأعدت ، فأعاد ثلاث مرات ، وَعدتُ إلى بغداد ، وكان الخليفة قد حرم جارية من جواريه وأراد إخراجها من الدار ، فكره ذلك إشفاقا عليها . قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن السني ، فقال الخليفة : اطلبوا رجلا مستورا يصلح أن تزوج هَذِهِ الجارية به ، فقال مَنْ حضر : وقد وصل ابْن سمعون من الحج ، وهو يصلح لها ، فاستصوب الخليفة قوله ، وتقدم بإحضاره وحضور الشهود ، فأحضروا ، وزوج بالجارية ، ونقل معها من المال والثياب ما تحمل الملوك ، فكان ابْن سمعون يجلس على الكرسي للوعظ ، فيقول : أيها النَّاس ، خرجت حاجًّا ، فكان من حالي كذا وكذا ، ويشرح حاله جميعها ، وها أنَا اليوم عليَّ من الثياب ما ترون ، وطيبي ما تعرفون ، ولو وطئت على العنبة تألمت من الدلال ونفسي تلك .
الأسم | الشهرة | الرتبة |