أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ ، قَالَ : " كَانَ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ أَكْبَرَ مِنْ هَاشِمٍ وَمِنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَهُوَ الَّذِي عَقَدَ الْحِلْفَ لِقُرَيْشٍ مِنَ النَّجَاشِيِّ فِي مَتْجَرِهَا ، وَكَانَ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ مُطَاعًا سَيِّدًا ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمِّيهِ الْفَيْضَ لِسَمَاحَتِهِ فَوَلِيَ بَعْدَ هَاشِمٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ : أَبْلِغْ لَدَيْكَ بَنِي هَاشِمٍ بِمَا قَدْ فَعَلْنَا وَلَمْ نُؤْمَرِ أَقَمْنَا لِنَسْقِيَ حَجِيجَ الْحَرَامِ إِذَا تُرِكَ الْمَجْدُ لَمْ يُؤْثَرِ نَسُوقُ الْحَجِيجَ لأَبْيَاتِنَا كَأَنَّهُمْ بَقَرٌ تُحْشَرِ قَالَ : وَقَدِمَ ثَابِتُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ وَهُوَ أَبُو حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ الشَّاعِرِ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فَلَقِيَ الْمُطَّلِبَ وَكَانَ لَهُ خَلِيلا ، فَقَالَ لَهُ : لَوْ رَأَيْتَ ابْنَ أَخِيكَ شَيْبَةَ فِينَا لَرَأَيْتُ جَمَالا وَهَيْبَةً وَشَرَفًا لَقَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يُنَاضِلُ فِتْيَانًا مِنْ أَخْوَالِهِ فَيُدْخِلُ مِرْمَاتَيْهِ جَمِيعًا فِي مِثْلِ رَاحَتِي هَذِهِ ، وَيَقُولُ كُلَّمَا خَسَقَ : أَنَا ابْنُ عَمْرِو الْعُلَى ، فَقَالَ الْمُطَّلِبُ : لا أُمْسِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْهِ فَأَقْدَمَ بِهِ ، فَقَالَ ثَابِتٌ : مَا أَرَى سَلْمَى تَدْفَعُهُ إِلَيْكَ ، وَلا أَخْوَالَهُ هُمْ أَضَنُّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ تَدَعَهُ فَيَكُونَ فِي أَخْوَالِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَقْدَمُ عَلَيْكَ إِلَى مَا هَهُنَا رَاغِبًا فِيكَ ، فَقَالَ الْمُطَّلِبُ : يَا أَبَا أَوْسٍ مَا كُنْتُ لأَدَعَهُ هُنَاكَ ، وَيَتْرُكُ مَآثِرَ قَوْمِهِ وَسِطَتَهُ وَنَسَبَهُ وَشَرَفَهُ فِي قَوْمِهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ، فَخَرَجَ الْمُطَّلِبُ فَوَرَدَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي نَاحِيَةٍ ، وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى وَجَدَهُ يَرْمِي فِي فَتَيَانٍ مِنْ أَخْوَالِهِ ، فَلَمَّا رَآهُ عَرَفَ شِبْهَ أَبِيهِ فِيهِ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَكَسَاهُ حُلَّةً يَمَانِيَةً ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ : عَرَفْتُ شَيْبَةَ وَالنَّجَّارُ قَدْ حَفَلَتْ أَبْنَاؤُهَا حَوْلَهُ بِالنَّبْلِ تَنْتَضِلُ عَرَفْتُ أَجْلادَهُ مِنَّا وَشِيمَتَهُ فَفَاضَ مِنِّي عَلَيْهِ وَابِلٌ سَبَلُ فَأَرْسَلَتْ سَلْمَى إِلَى الْمُطَّلِبِ فَدَعَتْهُ إِلَى النُّزُولِ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : شَأْنِي أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ مَا أُرِيدُ أَنْ أَحُلَّ عُقْدَةً حَتَّى أَقْبِضَ ابْنَ أَخِي وَأَلْحِقَهُ بِبَلَدِهِ وَقَوْمِهِ ، فَقَالَتْ : لَسْتُ بِمُرْسِلَتِهِ مَعَكَ وَغَلَّظَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الْمُطَّلِبُ : لا تَفْعَلِي فَإِنِّي غَيْرُ مُنْصَرَفٍ حَتَّى أَخْرُجَ بِهِ مَعِي ، ابْنُ أَخِي قَدْ بَلَغَ وَهُوَ غَرِيبٌ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ شَرُفَ قَوْمُنَا ، وَالْمُقَامُ بِبَلَدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمُقَامِ هَهُنَا ، وَهُوَ ابْنُكِ حَيْثُ كَانَ ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ اسْتَنْظَرَتْهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِمْ فَنَزَلَ عِنْدَهُمْ فَأَقَامَ ثَلاثًا ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ وَانْطَلَقَا جَمِيعًا .