علي بن عبد الله بن جعفر بن يحيى بن بكر بن سعد ابو الحسن السعدي مولاهم


تفسير

رقم الحديث : 1040

قال المحسن : وحدثنا القاضي أبو الحسن مُحَمَّد بن عبد الواحد الهاشمي , أن شيخا من التجار كان له على أحد القواد في أيام المعتضد بالله مال , قَالَ التاجر : فماطلني به وسلك معي سبيل الألطاط فيه , وكان يحجبني إذا حضرت بابه , ويضع غلمانه على الاستخفاف بي , والاستطالة على إذا رمت لقاءه وخطابه , وتظلمت إلى عبيد الله بن سليمان منه , فما نفعني ذلك , وعملت على الظلامة إلى المعتضد بالله , وبينا أنا مرو في أمري . قَالَ لي بعض أصدقائي : على أن آخذ لك مَالِك من غير حاجة إلى ظلامة , فاستبعدت هذا وقمت معه , فجئنا إلى خياط شيخ في سوق الثلاثاء يقرئ القرآن في مسجد هناك , ويخيط بأجرة فقص عليه قصتي , وشرح له صورتي , وسأله أن يقصد القائد ويخاطبه في الخروج إلى من حقي , وكانت دار القائد قريبة من مسجد الخياط , فنهض معنا ومشينا , فخفت بادرة القائد وسطوته , وتصورت أن قول الخياط لا ينفع مع مثله مع محله وبسطته , وقلت لصديقي : قد عرضنا هذا الشيخ ونفوسنا لمكروه عظيم , وما هو إلا أن يراه غلمانه , وقد أوقعوا به , وإذا كان لا يقبل قول الوزير عبيد الله بن سليمان فبالأولى أن لا يقبل منه ولا يفكر فيه , فضحك وَقَالَ : لا عليك وجئنا إلى باب القائد , فحين رأى غلمانه الخياط تلقوه وأعظموه , وأهووا ليقبلوا يده فمنعهم مَنْهَا وقالوا : ما جاء بك أيها الشيخ ؟ فإن قائدنا راكب , فإن كان لك أمر نقوم بذكره له , وتنتجزه إياه فعلنا , وإن أردت الجلوس والانتظار فالدار بين يديك , فلما سمعت ذلك قويت نفسي , ودخلنا وجلست , ورآني القائد , فلما رآه أكرمه إكراما شديدا , وَقَالَ له : لست أنزع ثيابي حتى تأمر بأمرك , فخاطبه في شأني , فقال : والله ما معي إلا خمسة آلاف درهم , فتسأله أن يأخذها ويأخذ رهونا من مراكبي الذهب والفضة بقيمة ما يبقى من ماله لأعطيه إياه بعد شهر , فبادرت أنا إلى إجابته وأحضرت الدراهم والمراكب بقيمة الباقي فقبضتها وأشهدت الخياط وصديقي عليه بأن الرهن عندي إلى مدة شهر فإن جاز كنت وكيله في بيعه , وآخذ مالي من ثمنه , وخرجنا فلما بلغنا مسجد الخياط ودخلنا طرحت الدراهم بين يديه , وقلت له : قد رد الله مالي بك وعلى يديك , فخذ ما تريد منه على طيب قلب مني , فقال : يا هذا ما اسرع ما قابلتني بالقبيح على الجميل , انصرف بمالك بارك الله لك فيه . قلت : قد بقيت لي حاجة . قَالَ : قل . قلت : أحب أن تخبرني عن سبب طاعة هذا القائد لك مع إقلاله الفكر بأكابر الدولة . فقال : قد بلغت غرضك , فلا تقطعني عن شغلي بحديث لا فائدة لك فيه , فألححت عليه . فقال : أنا رجل أقرئ وأؤم بالناس في هذا المسجد منذ أربعين سنة , لا أعرف كسبا إلا من الخياطة , وكنت صليت المغرب منذ مدة , وخرجت أريد منزلي , فاجتزت على تركي كان في هذه الدار , وأومأ إلى دار بالقرب منه , وإذا امرأة جميلة الوجه قد اجتازت عليه , فعلق بها وهو سكران , فطالبها بالدخول إلى داره , وهي تمتنع وتستغيث وتقول في كلامها : إن زوجي قد حلف بطلاقي أن لا أبيت عنه وإن أخذني هذا وغصبني نفسي وبيتني عنده خرب بيتي , ولحقني من العار ما لا ترحضه الأيام عني , وما أحد يعينها ولا يمنعه منها , فجئت إلى التركي , ورفقت به في أن يخلي عنها , فلم يفعل وضرب رأسي بدبوس كان في يده فشجه , وأدخل المرأة فصرت إلى منزلي وغسلت الدم عن وجهي , وشددت رأسي وخرجت لصلاة العشاء الآخرة , فلما فرغت من الصَّلاة قلت لمن حضر : قوموا معي إلى هذا التركي عدو الله لننكر عليه , ونخرج المرأة من عنده , فقاموا , وجئنا فضججنا على بابه , فخرج إلينا في عدة من غلمانه , فأوقع بنا وقصدني من بين الجماعة بالضرب الشديد الذي يكاد يتلفني , فحملت إلى منزلي وأنا لا أعقل أمري , ونمت قليلا للوجع , فطار النوم من عيني , وسهرت مستلقيا على فراشي , مفكرا في أمر المرآة وأنها متى أصبحت طلقت , ثم قلت : هذا رجل قد شرب طول ليلته ولا يعرف الأوقات , فلو أذنت لوقع له أن الفجر قد طلع , فربما أخرج المرأة , فمضت إلى بيتها وتبيت , وبقيت في حبال زوجها , فتكون قد خلصت من أحد المكروهين , فخرجت متحاملا إلى المسجد , وصعدت المنارة وأذنت , وجلست أطلع إلى الطريق أرتقب خروج المرآة من الدار , واعتقدت أن أقيم إن تراخي الأمر في ذلك لئلا يشك في الصباح , فما مضت ساعة حَتَّى امتلأ الشارع خيلا ورجالا ومشاعل , وهم يقولون : من الذي أذن الساعة , ففزعت وسكت , ثم قلت : أخاطبهم وأصدقهم عن أمري لعلهم يعينونني على خروج المرأة , فصحت من المنارة : أنا أذنت قالوا : انزل وأجب أمير المؤمنين فنزلت ومضيت معهم , فإذا هم غلمان بدر , فأدخلني إلى المعتضد بالله , فلما رأيته هبته وأخذتني رعدة شديدة , فقال لي : اسكن , ما حملك على الآذان في غير وقته وأن تغر الناس فيخرج ذو الحاجة في غير حينه , ويمسك المريد الصوم في وقت قد أبيح له فِيهِ الأكل والشرب , فقلت : يؤمنني أمير المؤمنين لأصدقه , قَالَ : أنت آمن فقصصت عليه قصة التركي , وأريته الآثار التي في رأسي ووجهي , فقال : يا بدر على بالغلام والمرأة فأحضرا , فسألها المعتضد عن أمرها , فذكرت له مثل ما ذكرته , فأمر بإنفاذها إلى زوجها مع ثقة يدخلها دارها , ويشرح لزوجها خبرها , ويأمره عنه بالتمسك بها , والإحسان إليها , ثم استدعاني , ووقفت فجعل يخاطب الغلام ويسمعني , ويقول : كم رزقك ؟ فيقول : كذا وكذا . وكم عطاؤك ؟ فيقول : كذا . وكم وظيفتك ؟ فيقول : كذا , وكم كسوتك ؟ فيقول : كذا , إلى أن عدد شيئًا كثيرا , ثم قَالَ : كم لك ؟ جارية . قَالَ : كذا , فقال : فما كَانَ لك في هذه النعمة وفي هؤلاء الجواري ما يكفيك ويكفك عن محارم الله تعالى , وخرق سياسة السلطان , والجراءة عليه , وما كان عذرك في الوثوب على من أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر ؟ فأسقط في يد الغلام ولم يكن له جواب يورده , ثم قَالَ : يحضر جوالق ومداق الجص , وقيود وغل . فأحضر جميع ذلك فقيده وغله وأدخله الجوالق , وأمر الفراشين فدقوه بمدق الجص وهو يصيح , إلى أن خفت صوته وانقطع حسه , وأمر به وطرح إلى دجلة . وتقدم إلى بدر بتحويل ما في داره , ثم قَالَ لي : قد شاهدت ذلك كله متى رأيت يا شيخ منكرا كبيرا أو صغيرا , فأنكره ولو على هذا , وأومأ إلى بدر , ومن تقاعس عن القبول منك فالعلامة بيننا أن تؤذن في مثل هذا الوقت لأسمع صوتك فأستدعيك . قال الشيخ : فدعوت له وانصرفت , وشاع الخبر في الجند والغلمان , فما سألت أحدا منهم بعدها إنصافا أو كفا عن قبيح إلا أطاعني كما رأيت , خوفا من المعتضد بالله , وما احتجت أن أؤذن في مثل ذلك الوقت إلى الآن .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.