باب ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز


تفسير

رقم الحديث : 925

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ الْمَرْزُبَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَوْهَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الضَّحَّاكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفَدَ الشُّعَرَاءُ إِلَيْهِ ، فَأَقَامُوا بِبَابِهِ أَيَّامًا لا يُؤْذَنُ لَهُمْ . فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ وَقَدْ أَزْمَعُوا عَلَى الرَّحِيلِ إِذْ مَرَّ بِهِمْ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ وَكَانَ مِنْ خُطَبَاءِ أَهْلِ الشَّامِ فَلَمَّا رَآهُ جَرِيرٌ دَاخِلا عَلَى عُمَرَ أَنْشَأَ يَقُولُ : يَأَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُرْخِي عِمَامَتَهُ هَذَا زَمَانُكَ فَاسْتَأْذِنْ لَنَا عُمَرَا قَالَ : فَدَخَلَ وَلَمْ يَذكر مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْئًا ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَأَةَ ، فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ : يَأَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُرْخِي مَطِيَّتَهُ هَذَا زَمَانُكَ إِنِّي قَدْ مَضَى زَمَنِي أَبْلِغْ خَلِيفَتَنَا إِنْ كُنْتَ لاقِيَهُ أَنِّي لَدَى الْبَابِ كَالْمَصْفُودِ فِي قَرَنِ لا تَنْسَ حَاجَتَنَا لاقَيْتَ مَغْفِرَةً قَدْ طَالَ مُكْثِي عَنْ أَهْلِي وَعَنْ وَطَنِي قَالَ : فَدَخَلَ عَدِيٌّ عَلَى عُمَرَ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، الشُّعَرَاءُ بِبَابِكَ وَسِهَامُهُمْ مَسْمُومَةٌ وَأَقْوَالُهُمْ نَافِذَةٌ ، قَالَ : وَيْحَكَ يَا عَدِيُّ ، مَالِي وَلِلشُّعَرَاءِ ، قَالَ : أَعَزَّ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدِ امْتُدِحَ وَأَعْطَى ، وَلَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ ، قَالَ : كَيْفَ ؟ قَالَ : امْتَدَحَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ فَأَعْطَاهُ حُلَّةً قَطَعَ بِهَا لِسَانَهُ ، قَالَ : أَوَ تَرْوِي مِنْ قَوْلِهِ شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَنْشَدَهُ يَقُولُ : رَأَيْتُكَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ كُلَّهَا نَشَرْتَ كِتَابًا جَاءَ بِالْحَقِّ مُعَلِّمًا شَرَعْتَ لَنَا دِينَ الْهُدَى بَعْدَ جَوْرِنَا عَنِ الْحَقِّ لَمَّا أَصْبَحَ الْحَقُّ مُظْلِمًا وَنَوَّرْتَ بِالتِّبْيَانِ أَمرًا مُدَلَّسًا وَأَطْفَأْتَ بِالْقُرْآنِ نَارًا تَضَرَّمَا فَمَنْ مُبَلِّغٌ عَنِّي النَّبِيَّ مُحَمَّدًا وَكُلُّ امْرِئٍ يُجْزَى بِمَا كَانَ قَدَّمَا أَقَمْتَ سَبِيلَ الْحَقِّ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ وَكَانَ قَدِيمًا رُكْنهُ قَدْ تَهَدَّمَا تَعَالَى عَلَوْا فَوْقَ عَرْشِ إِلَهَنَا وَكَانَ مَكَانُ اللَّهِ أَعْلا وَأَعْظَمَا قَالَ : وَيْحَكَ يَا عَدِيُّ ، مَنْ بِالْبَابِ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، قَالَ : أَوَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ : ثَمَّ نَبَّهْنَهَا فَهَبَّتْ كَعَابًا طَفِلَةً مَا تُبَيِّنُ رَجْعَ الْكَلامِ سَاعَةً ثُمَّ إِنَّهَا بَعْدُ قَالَتْ وَيْلَتَا قَدْ عَجِلْتَ يَا ابْنَ الْكِرَامِ أَعَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ جِئْتَ تَسْرِي تَتَخَطَّى إِلَى رُءُوسَ النِّيَامِ فَلَوْ كَانَ عَدُوُّ اللَّهِ إِذْ فَجَرَ كَتَمَ عَلَى نَفْسِهِ ، لا يَدْخُلُ عَلَيَّ واللَّهِ أَبَدًا ، مَنْ بِالْبَابِ سِوَاهُ ؟ قَالَ : هَمَّامُ بْنُ غَالِبٍ يَعْنِي : الْفَرَزْدَقَ ، قَالَ : أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ : هُمَا دَلَّيَانِي مِنْ ثَمَانِينَ قَامَةً كَمَا انْقَضَّ بَازٌ أَقْتَمُ الرِّيشِ كَاسِرُهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ رِجْلايَ بِالأَرْضِ قَالَتَا أَحَيٌّ يُرْجَى أَمْ مَثِيلٌ نُحَاذِرُهُ لا يَطَأُ وَاللَّهِ بُسَاطِي ، فَمَنْ سِوَاهُ بِالْبَابِ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : الأَخْطَلُ ، قَالَ : يَا عَدِيُّ ، هُوَ الَّذِي يَقُولُ : وَلَسْتُ بِصَائِمٍ رَمَضَانَ طَوْعًا وَلَسْتُ بِآكِلٍ لَحْمَ الأَضَاحِي وَلَسْتُ بِزَاجِرٍ عِيسًا بَكُورًا إِلَى بَطْحَاءِ مَكَّةَ لِلنَّجَاحِ وَلَسْتُ بِزَائِرٍ بَيْتًا بَعِيدًا بِمَكَّةَ أَبْتَغِي فِيهِ صَلاحِي وَلَسْتُ بِقَائِمٍ كَالْعِيرِ أَدْعُو قَبِيلَ الصُّبْحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ وَلَكِنِّي سَأَشْرَبُهَا شُمُولا وَأَسْجُدُ عِنْدَ مُنْبَلَجِ الصَّبَاحِ وَاللَّهِ لا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ كَافِرٌ أَبَدًا ، فَهَلْ بِالْبَابِ سِوَى مَنْ ذَكَرْتَ ؟ قَالَ : نَعَمِ الأَحْوَصُ ، قَالَ : أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ : اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ سَيِّدِهَا يَفِرُّ مِنِّي بِهَا وَأَتْبَعُهُ فَمَنْ هَا هُنَا أَيْضًا ؟ قَالَ : جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ ، قَالَ : يَا عَدِيُّ ، هُوَ الَّذِي يَقُولُ : أَلا لَيْتَنَا نَحْيَا جَمِيعًا وَإِنْ أَمُتْ يُوَافِقُ فِي الْمَوْتَى ضَرِيحِي ضَرِيحَهَا فَمَا أَنَا فِي طُولِ الْحَيَاةِ بِرَاغِبٍ إِذَا قِيلَ قَدْ سُوِّيَ عَلَيْهَا صَفِيحُهَا فَلَوْ كَانَ عَدُوُّ اللَّهِ تَمَنَّى لِقَاءَهَا فِي الدُّنْيَا لِيَعْمَلَ بَعْدَ ذَلِكَ صَالحًا ، وَاللَّهِ لا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَبَدًا فَهَلْ سِوَى مَنْ ذَكَرْتَ أَحَدٌ قَالَ نَعَمْ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ ، قَالَ : أَمَا أَنَّهُ الَّذِي يَقُولُ : طَرَقَتْكَ صَائِدَةُ الْقُلُوبِ فَلَيْسَ ذَا حِينَ الزِّيَارَةِ فَارْجَعِي بِسَلامٍ فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَهُوَ ، قَالَ : فَأَذِنَ لِجَرِيرٍ ، فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ : إِنَّ الَّذِي بَعَثَ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا جَعَلَ الْخِلافَةَ لِلإِمَامِ الْعَادِلِ وَسِعَ الْخَلائِقَ عَدْلُهُ وَوَفَاؤُهُ حَتَّى ارْعَوَى فَأَقَامَ مَيْلَ الْمَائِلِ إِنِّي لأَرْجُو مِنْكَ خَيْرًا عَاجِلا وَالنَّفْسُ مُولَعَةٌ بِحُبِّ الْعَاجِلِ فَلَمَّا مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ : وَيْحَكَ يَا جَرِيرُ ، اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا ، فَأَنْشَأَ جَرِيرٌ ، يَقُولُ : أَأَذكر الْجَهْدَ وَالْبَلْوَى الَّتِي نَزَلَتْ أَمْ قَدْ كَفَانِي بِمَا بَلَغْتُ مِنْ خَبَرِي كَمْ بِالْيَمَامَةِ مِنْ شَعْثَاءَ أَرْمَلَةٍ وَمِنْ يَتِيمٍ ضَعِيفِ الصَّوْتِ وَالنَّظَرِ مِمَّنْ يَعدكَ تَكْفِي فَقْدَ وَالِدِهِ كَالْفَرْخِ فِي الْعُشِّ لَمْ يَنْهَضْ وَلَمْ يَطِرِ دَعَوْكَ دَعْوَةَ مَلْهُوفٍ كَأَنَّ بِهِ خَبَلا مِنَ الْجِنِّ أَوْ مَسًّا مِنَ الْبَشَرِ خَلِيفَةَ اللَّهِ مَاذَا تَأْمُرُونَ بِنَا لَسْنَا إِلَيْكُمْ وَلا فِي دَارِ مُنْتَظَرِ مَا زِلْتُ بَعْدَكَ فِي هَمٍّ يُؤَرِّقُنِي قَدْ طَالَ فِي الْحَيِّ إِصْعَادِي وَمُنْحَدَرِي لا يَنْفَعُ الْحَاضِرُ الْمَجْهُودَ بَادِينَا وَلا يَعُودُ لَنَا بَادٍ عَلَى حَضَرِ إِنَّا لَنَرْجُو إِذَا مَا الْغَيْثُ أَخْلَفَنَا مِنَ الْخَلِيفَةِ مَا نَرْجُو مِنَ الْمَطَرِ نَالَ الْخِلافَةَ إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا كَمَا أَتَى رَبُّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ هَذِي الأَرَامِلُ قَدْ قَضَيْتَ حَاجَتَهَا فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الأَرْمَلِ الذكر الْخَيْرُ مَا دُمْتَ حَيًّا لا يُفَارِقُنَا بُورِكْتَ يَا عُمَرُ الْخَيْرَانِ مِنْ عُمَرِ فَقَالَ : يَا جَرِيرُ ، مَا أَرَى لَكَ فِيمَا هَا هُنَا حَقًّا ، قَالَ : بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا ابْنُ سَبِيلٍ وَمُنْقَطِعٌ ، فَأَعْطَاهُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ . قَالَ : وَقَدْ ذكر أَنَّهُ قَالَ لَهُ : وَيْحَكَ يَا جَرِيرُ لَقَدْ وُلِّينَا هَذَا الأَمْرَ وَمَا نَمْلِكُ إِلا ثَلاثَ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَمِائَةٌ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ ، وَمِائَةٌ أَخَذَتْهَا أُمُّ عُبَيْدِ اللَّهِ ، يَا غُلامُ أَعْطِهِ الْمِائَةَ الْبَاقِيَةَ . قَالَ : فَأَخَذَهَا وَقَالَ : وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ مِنْ كُلِّ مَا اكْتَسَبْتُهُ . قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ ، فَقَالَ لَهُ الشُّعَرَاءُ : مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ : مَا يَسُرُّكُمْ ، خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ يُعْطِي الْفُقَرَاءَ وَيُعْطِي الشُّعَرَاءَ ، وَإِنِّي عَنْهُ لَرَاضٍ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ : رَأَيْتُ رُقَى الشَّيْطَانِ لا يَسْتَفِزُّهُ وَقَدْ كَانَ شَيْطَانِي مِنَ الْجِنِّ رَاقِيًا وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ ، عَنْ حَمَّادٍ الرَّاوِيَةِ ، قَالَ : قَالَ لِي كثيرٌ : أَلا أُخْبِرُكَ بِمَا دَعَانِي إِلَى تَرْكِ الشِّعْرِ قُلْتُ : خَبِّرْنِي ، قَالَ : شَخَصْتُ أَنَا وَالأَحْوَصُ وَنُصَيْبٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِسَابِقَةٍ لَهُ أَوْ خَلَّةٍ وَنَحْنُ لا نَشُكُّ فِي أَنَّهُ سَيُشْرِكُنَا فِي خِلافَتِهِ ، فَلَمَّا رُفِعَتْ لَنَا أَعْلامُ خَنَاصِرِهِ لَقِينَا مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ جَائِيًا مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فَتَى الْعَرَبِ ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلامَ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَا بَلَغَكُمْ أَنَّ إِمَامَكُمْ لا يَقْبَلُ الشِّعْرَ ، قُلْتُ : مَا وَضَحَ لَنَا حَتَّى لَقِينَاكَ . وَوَجَمْنَا وَجْمَةً عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا ، قَالَ : إِنْ يَكُنْ مَا تُحِبُّونَ وَإِلا فَمَا أَلْبَثُ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكُمْ فَأَمْنَحَكُمْ مَا أَنْتُمْ أَهْلُهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ كَانَتْ رِحَالُنَا هَذِهِ بِأَكْرَمِ مَنْزَلٍ وَأَفْضَلِ مَنْزُولٍ عَلَيْهِ ، وَأَقَمْنَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَطْلُبُ لَنَا الإِذْنَ هُوَ وَغَيْرُهُ ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا إِلَى أَنْ قُلْتُ فِي جُمْعَةٍ مِنْ تِلْكَ الْجُمَعِ : لَوْ أَنِّي دَنَوْتُ مِنْ عُمَرَ فَسَمِعْتُ كَلامَهُ فَتَحَفَّظْتُهُ كَانَ رَأْيًا ، فَكَانَ مِمَّا تَحَفَّظْتُهُ مِنْ كِلامِهِ يَوْمَئِذٍ : لِكُلِّ سَفَرٍ لا مَحَالَةَ زَادٌ ، فَتَزَوَّدُوا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الآخِرَةِ التَّقْوَى ، وَكُونُوا كَمَنْ عَايَنَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ ، فَتَرْغَبُوا وَتَرْهَبُوا ، وَلا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الأَمْرُ فَتَقْسُوا قُلُوبُكُمْ وَتَنْقَادُوا لِعَدُوِّكُمْ ، فِي كَلامٍ كَثِيرٍ . ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ آمُرَكُمْ بِمَا أَنْهَى عَنْهُ نَفْسِي فَتَخْسَرَ صَفْقَتِي وَتَظْهَرَ عَيْبَتِي ، وَتَبْدُوَ مَسْكَنَتِي فِي يَوْمٍ لا يَنْفَعُ فِيهِ إِلا الْحَقُّ وَالصِّدْقُ . ثُمَّ بَكَى حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَاضٍ نَحْبَهُ ، وَارْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِالْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ : خُذُوا فِي شَرْحٍ مِنَ الشِّعْرِ غَيْرَ مَا كُنَّا لِعَمِّهِ وَآبَائِهِ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ أُخْرَوِيٌّ وَلَيْسَ بِدُنْيَوِيٍّ إِلَى أَنِ اسْتَأْذَنَ لَنَا مَسْلَمَةُ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، فَأَذِنَ لَنَا بَعْدَمَا أَذِنَ لِلْعَامَّةِ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ سَلَّمْتُ ، ثُمَّ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، طَالَ الثَّوَاءُ الْفَائِدَةُ ، وَتَحَدَّثَتْ بِجَفَائِكَ إِيَّانَا وُفُودُ الْعَرَبِ ، فَقَالَ : يَا كثيرُ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ سورة التوبة آية أَفِي وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاءِ أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ : ابْنُ سَبِيلٍ مُنْقَطِعٌ بِهِ وَأَنَا صَاحِبُكَ ، قَالَ : أَوَلَسْتَ ضَيْفَ أَبِي سَعِيدٍ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : مَا أَرَى مَنْ كَانَ ضَيْفُهُ مُنْقَطِعًا بِهِ ، قُلْتُ : أَفَتَأْذَنُ لِي فِي الإِنْشَادِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : قُلْ وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا ، فَقُلْتُ : وُلِّيتَ فَلَمْ تَشْتُمْ عَلِيًّا وَلَمْ تُخِفْ بَرِيا وَلَمْ تَقْبَلْ إِشَارَةَ مُجْرِمٍ وَصَدَّقْتَ بِالْفِعْلِ الْمَقَالِ مَعَ الَّذِي أَتَيْتَ فَأَمْسَى رَاضِيًا كُلُّ مُسْلِمٍ وَقَدْ لَبِسْت لُبْسَ الْهَلُوكِ ثِيَابَهَا تَرَاءَى لَكَ الدُّنْيَا بِوَجْهٍ وَمِعْصَمٍ وَتُومِضُ أَحْيَانًا بِعَيْنٍ مَرِيضَةٍ وَتَبْسِمُ عَنْ مِثْلِ الْجُمَانِ الْمُنَظَّمِ فَأَعْرَضْتَ عَنْهَا مُشْمَئِزًّا كَأَنَّمَا سَقَتْكَ مَذُوقًا مِنْ سِمَامٍ وَعَلْقَمِ وَقَدْ كُنْتُ مِنْ أَجْبَالِهَا فِي مُمَنَّعٍ وَمِنْ بَحْرِهَا فِي مُزبدِ الْمَوْجِ مُفْعَمِ فَلَمَّا أَتَاكَ الْمُلْكُ عَفْوًا وَلَمْ يَكُنْ لِطَالِبِ دُنْيَا بَعْدَهُ مِنْ تَكَلُّمِ تَرَكْتَ الَّذِي يَفْنَى وَإِنْ كَانَ مُونقًا وَآثَرْتَ مَا يَبْقَى بِرَأْيٍ مُصَمِّمِ سَمَا لَكَ هَمٌّ فِي الْفُؤَادِ مُؤَرِّقٌ بَلَغْتَ بِهِ أَعْلَى الْبِنَاءِ الْمُقَدَّمِ فَمَا بَيْنَ شَرْقِ الأَرْضِ وَالْغَرْبِ كُلِّهَا مُنَادٍ يُنَادِي مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمٍ يَقُولُ : أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ظَلَمْتَنِي بِأَخْذٍ لِدِينَارٍ وَلا أَخْذِ دِرْهَمِ وَلا بَسْطِ كَفٍّ بِامْرِئٍ غَيْرِ مُجْرِمٍ وَلا السَّفْكِ مِنْهُ ظَالِمًا مِلْءَ مِحْجَمِ فَأَرْبِحْ بِهَا مِنْ صَفْقَةٍ لِمُتَابِعٍ وَأَعْظِمْ بِهَا أَعْظِمْ بِهَا ثُمَّ أَعْظِمِ فَقَالَ لِي : يَا كُثَيْرُ ، إِنَّكَ تُسْأَلُ عَمَّا قُلْتَ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ الأَحْوَصُ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الإِنْشَادِ ، فَقَالَ : قُلْ وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا ، فَقَالَ : وَمَا الشِّعْرُ إِلا خُطْبَةٌ مِنْ مُؤَلِّفِ بِمَنْطِقِ حَقٍّ أَوْ بِمَنْطِقِ بَاطِلِ فَلا تَقْبَلَنَّ إِلا الَّذِي وَافَقَ الرِّضَا وَلا تَرْجِعَنَّا كَالنِّسَاءِ الأَرَامِلِ رَأَيْنَاكَ لَمْ تَعْدِلْ عَنِ الْحَقِّ يَمْنَةً وَلا شَامَةً فِعْلَ الظَّلُومِ الْمُجَادِلِ وَلَكِنْ أَخَذْتَ الْقَصْدَ جَهْدكَ كُلَّهُ تَقْفُو مِثَالَ الصَّالِحِينَ الأَوَائِلِ فَقُلْنَا وَلَمْ نَكْذِبْ بِمَا قَدْ بَدَا لَنَا وَمَنْ ذَا يُرِدِ الْحَقَّ مِنْ قَوْلِ قَائِلِ وَمَنْ ذَا يَرُدُّ السَّهْمَ بَعْدَ مِضَائِهِ عَلَى فوقِهِ إِنْ عَارَ مِنْ نَزْعِ نَابِلِ وَلَوْلا الَّذِي قَدْ عَوَّدَتْنَا خَلائِفٌ غَطَارِيفُ كَانَتْ كَاللُّيُوثِ الْبَوَاسِلِ لَمَّا وَخَدَتْ شَهْرًا بِرَحْلِي رسلهُ تَغلُّ مُتُونَ الْبيدِ بَيْنَ الرَّوَاحِلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشِّعْرِ عِنْدَكَ مَوْضِعٌ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الدُّرِّ مِنْ قَوْلِ قَائِلِ فَإِنَّ لَنَا قُرْبَى وَمَحْضَ مَوَدَّةٍ وَمِيرَاثَ آبَاءٍ مَشَوْا بِالْمَنَاصِلِ فَذَادُوا عَمُودَ الشِّرْكِ عَنْ عُقْرِ دَارِهِمْ وَأَرْسَوْا عَمُودَ الدِّينِ بَعْدَ التَّمَائُلِ وَقَبْلَكَ مَا أَعْطَى هُنَيْدَةَ جِلَّةً عَلَى الشِّعْرِ كَعْبًا مِنْ سَدِيسٍ وَبَازِلِ رَسُولُ الإِلَهِ الْمُسْتَضَاءُ بِنُورِهِ عَلَيْهِ سَلامٌ بِالضُّحَى وَالأَصَائِلِ فَكُلُّ الَّذِي عَدَّدْتُ يَكْفِيكَ بَعْضُهُ وَنَيلُكَ خَيْرٌ مِنْ بُحُورٍ سَوَائِلِ فَقَالَ : يَا أَحْوَصُ إِنَّكَ تُسْأَلُ عَمَّا قُلْتَ ، وَتَقَدَّمَ نُصَيْبٌ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الإِنْشَادِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ ، وَأَمَرَهُ بِالْغَزْوِ إِلَى دَابِقَ ، فَخَرَجَ وَهُوَ مَحْمُومٌ ، وَأَمَرَ لِي بِثَلاثِ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَلِلأَحْوَصِ بِمِثْلِهَا ، وَلِنُصَيْبٍ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا . قال المصنف : وما زال عمر بن عبد العزيز منذ ولي يجتهد في العدل ومحو الظلم وترك الهوى ، وكان يقول للناس : ارحلوا إلى بلادكم فإني أنساكم ها هنا وأذكركم في بلادكم . ومن ظلمه عامله فلا إذن له علي . وخير جواريه لما ولي ، فقال : قد جاء أمر شغلني عنكن فمن أحب أن أعتقه أعتقته ، ومن أراد أن أمسكه أمسكته ولم يكن مني إليها شيء ، قالت زوجته فاطمة : ما أعلم أنه اغتسل لا من جنابة ولا من احتلام منذ ولي إلى أن مات . وقيل لها : اغسلي قميصه ، فقالت : والله ما يملك غيره .

الرواه :

الأسم الرتبة
عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ

ضعيف الحديث

الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ

متروك الحديث

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الضَّحَّاكِ

مجهول الحال

أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَوْهَرِيُّ

مجهول الحال

مُحَمَّدُ الْمَرْزُبَانُ

مجهول الحال

الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا

ثقة ثبت

أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ

ثقة

الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ

ثقة ثبت

مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ

ثقة

Whoops, looks like something went wrong.