حُدِّثْتُ ، عَنْ حُدِّثْتُ ، عَنْ شِيَرَوَيْهِ بْنِ شَهْرَيَارَ الْحَافِظِ ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُكَيْرٍ الْفَقِيهُ ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ النَّيْسَابُورِيُّ ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَالَوَيْهِ الصُّوفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ عَنْ شِبْلٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : تَذَاكَرَ النَّاسُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَأَخَذُوا فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ بَكَى بُكَاءً شَدِيًا حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا لَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ ، رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ وَأَقَامَ حُدُودَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَ ، لَمْ يَزِدْ عَنِ الْقَرِيبِ لِقَرَابَتِهِ ، وَلَمْ يَخْفَ عَنِ الْبَعِيدِ لِبُعْدِهِ . ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ وَقَدْ أَقَامَ الَحْدَ عَلَى وَلَدِهِ فَقَتَلَهُ فِيهِ . ثُمَّ بَكَى وَبَكَى النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ ، وَقُلْنَا : يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ، إِنَّ رَأَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَنَا كَيْفَ أَقَامَ عُمَرُ عَلَى وَلَدِهِ الْحَدَّ . فَقَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْكَرْتُمُونِي شَيْئًا كُنْتُ لَهُ نَاسِيًا . فَقُلْتُ : قَسَمْنَا عَلَيْكَ بِحَقِّ الْمُصْطَفَى أَمَا حَدَّثْتَنَا . فَقَالَ : " مَعَاشِرَ النَّاسِ ، كُنْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَالِسٌ ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ يَعِظُهُمْ وَيَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَإِذَا نَحْنُ بِجَارِيَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَجَعَلَتْ تَتَخَطَّى رِقَابَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ حَتَّى وَقَفَتْ بِإِزَاءِ عُمَرَ فَقَالَتْ : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَقَالَ عُمَرُ : وَعَلَيْكِ السَّلامُ يَا أَمَةَ اللَّهِ ، هَلْ مِنْ حَاجَةٍ ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ ، أَعْظَم الْحَوَائِجِ إِلَيْكَ ، خُذْ وَلَدَكَ هَذَا مِنِّي فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي . ثُمَّ رَفَعَتِ الْقِنَاعَ فَإِذَا عَلَى يَدِهَا طَفْلٌ . فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ : يَا أَمَةَ اللَّهِ ، أَسْفِرِي عَنْ وَجْهِكِ . فَأَسْفَرَتْ . فَأَطْرَقَ عُمَرُ وَهُوَ يَقُولُ : لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، يَا هَذِهِ أَنَا لا أَعْرِفُكَ ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَلَدِي ؟ فَبَكَتِ الْجَارِيَةُ حَتَّى بَلَّتْ خِمَارَهَا بِالدُّمُوعِ ، ثُمَّ قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدَكَ مِنْ ظَهْرِكَ فَهُوَ وَلَدُ وَلَدِكِ . قَالَ : أَيُّ أَوْلادِي ؟ قَالَتْ : أَبُو شَحْمَةَ . قَالَ : أَبِحَلالٍ أَمْ بِحَرَامٍ ؟ قَالَتْ : مِنْ قِبَلِي بِحَلالٍ وَمِنْ جِهَتِهِ بِحَرَامٍ . قَالَ عُمَرُ : وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ قَالَتْ : يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ ، اسْمَعْ مَقَالَتِي فَوَاللَّهِ مَا زِدْتُ عَلَيْكَ حَرْفًا وَلا نَقصْتُ . فَقَالَ لَهَا : اتَّقِي اللَّهَ ، وَلا تَقُولِي إِلا الصِّدْقَ . قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ ، كُنْتُ فِي بَعْضِ الأَيَّامِ مَارَّةً فِي بَعْضِ حَوَائِجِي إِذْ مَرَرْتُ بِحَائِطٍ لَبِنِي النَّجَّارِ ، فَإِذَا أَنَا بِصَائِحٍ يَصِيحُ مِنْ وَرَائِي ، فَإِذَا أَنَا بِوَلَدِكَ أَبِي شَحْمَةَ يَتَمَايَلُ سُكْرًا ، وَكَانَ قَدْ شَرِبَ عِنْدَ نسيكةَ الْيَهُودِيِّ ، فَلَمَّا قَرَّبَ مِنِّي تَوَاعَدَنِي ، وَتَهَدَّدَنِي ، وَرَاوَدَنِي عَنْ نَفْسِي ، وَجَرَّنِي إِلَى الْحَائِطِ فَسَقَطْتُ وَأُغْمِيَ عَلَيَّ ، فَوَاللَّهِ مَا أَفَقْتُ إِلا وَقَدْ نَالَ مِنِّي مَا يَنَالُ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ ، فَقُمْتُ وَكَتَمْتُ أَمْرِي عَنْ عَمِّي وَجِيرَانِي ، فَلَمَّا تَكَامَلَتْ أَيَّامِي ، وَانْقَضَتْ شُهُورِي وَضَرَبَنِي الطَّلْقُ ، وَأَحْسَسْتُ بِالْوِلادَةِ خَرَجْتُ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَوَضَعْتُ هَذَا الْغُلامَ فَهَمَمْتُ بِقَتْلِهِ ، ثُمَّ نَدِمْتُ عَلَى ذَلِكَ ، فَاحْكُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَأَمَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مُنَادِيهِ يُنَادِي . فَأَقْبَلَ النَّاسُ يَهْرَعُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَامَ عُمَرُ ، فَقَالَ : يَا مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ، لا تَتَفَرَّقُوا حَتَّى آتِيكُمْ بِالْخَبَرِ . ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَنَا مَعَهُ ، فَنَظَرَ إِلَى وَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَسْرِعْ مَعِي ، فَجَعَلَ يُسْرِعُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ مَنْزِلِهِ فَقَرَعَ الْبَابَ فَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ كَانَتْ تَخْدُمُهُ ، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ وَقَدْ غَلَبَهُ الْغَضَبُ ، قَالَتْ : مَا الَّذِي نزل بِكَ ؟ قَالَ : يَا هَذِهِ ، وَلَدِي أَبُو شَحْمَةَ هَاهُنَا ؟ قَالَتْ : إِنَّهُ عَلَى الطَّعَامِ ، فَدَخَلَ وَقَالَ لَهُ : كُلْ يَا بُنَيَّ ، فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ زَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا . قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَرَأَيْتُ الْغُلامَ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَارْتَعَدَ ، وَسَقَطَتِ اللُّقْمَةُ مِنْ يَدِهِ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا بُنَيَّ ، مَنْ أَنَا ؟ قَالَ : أَنْتَ أَبِي وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ . قَالَ : فَلِي عَلَيْكَ حَقُّ طَاعَةٍ أَمْ لا ؟ قَالَ : طَاعَتَانِ مُفْتَرَضَتَانَ ، أَوَّلُهُمَا أَنَّكَ وَالِدِي ، وَالأُخْرَى أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ . فَقَالَ عُمَرُ : بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَبِحَقِّ أَبِيكَ ، فَإِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرْتَنِي . قَالَ : يَا أَبَة ، لا أَقُولُ غَيْرَ الصِّدْقِ . قَالَ : هَلْ كُنْتَ ضَيْفًا لنسيكةَ الْيَهُودِيِّ ، فَشَرِبْتُ عِنْدَهُ الْخَمْرَ وَسَكِرْتُ قَالَ : بِأَبِي قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ تُبْتُ . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، رَأْسُ مَالِ الْمُذْنِبِينَ التَّوْبَةُ . ثُمَّ قَالَ : يَا بُنَيَّ ، أنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ دَخَلْتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ فَرَأَيْتَ امْرَأَةً فَوَاقَعْتَهَا ؟ فَسَكَتَ ، وَبَكَى ، وَهُوَ يَبْكِي وَيَلْطُمُ وَجْهَهُ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لا بَأْسَ أَصْدِقْ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الصَّادِقِينَ . فَقَالَ : يَا أَبِي ، كَانَ ذَلِكَ وَالشَّيْطَانُ أَغْوَانِي ، وَأَنَا تَائِبٌ نَادِمٌ . فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ قَبَضَ عَلَى يَدِهِ وَلَبَّبَهُ وَجَرَّهُ إِلَى الْمَسْجِدِ . فَقَالَ : يَا أَبَهْ ، لا يَعْصِمُنِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ حَدٌّ السَيْفِ ، وَاقْطَعْنِي هَاهُنَا إِرْبًا إِرْبًا . قَالَ : أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سورة النور آية 2 . ثُمَّ جَرَّهُ ، حَتَّى أَخْرَجَهُ بَيْنَ يَدِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ : صَدَقَتِ الْمَرْأَةُ ، وَأَقَرَّ أَبُو شَحْمَةَ بِمَا قَالَتْ . وَلَهُ مَمْلُوكٌ ، يُقَالُ لَهُ أَفْلَحُ . فَقَالَ لَهُ : يَا أَفْلَحُ ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً إِنْ أَنْتَ قَضَيْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ . فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ مُرْنِي بِأَمْرِكَ . قَالَ : خُذِ ابْنِي هَذَا فَاضْرِبْهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَلا تُقَصِّرْ فِي ضَرْبِهِ . فَقَالَ : لا أَفْعَلُهُ . وَبَكَى وَقَالَ : يَا لَيْتَنِي لَمْ تَلَدْنِي أُمِّي حَيْثُ أُكَلَّفُ ضَرْبَ وَلَدِ سَيِّدِي . فَقَالَ لَهُ عُمَر : إِنَّ طَاعَتِي طَاعَةُ الرَّسُولِ فَافْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ . فَانْزَعْ ثِيَابَهُ . فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ ، وَجَعَلَ الْغُلامُ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى أَبِيهِ وَيَقُولُ : أَبَة ارْحَمْنِي فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَهُوَ يَبْكِي : رَبُّكَ يَرْحَمُكَ ، وَإِنَّمَا هَذَا كَيْ يَرْحَمَنِي وَيَرْحَمَكَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَفْلَحُ ، اضْرِبْ . فَضَرَبَ أَوَّلَ سَوْطٍ . فَقَالَ الْغُلامٌ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . فَقَالَ : نِعْمَ الاسْمُ سَمَّيْتَ يَا بُنَيَّ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ بِهِ ثَانِيَةً ، قَالَ : أَوَّهُ يَا أَبَة . فَقَالَ عُمَرُ : اصْبِرْ كَمَا عَصَيْتَ . فَلَمَّا ضُرِبَ ثَالِثًا ، قَالَ : الأَمَانُ . قَالَ عُمَرُ : رَبَّكَ يُعْطِيكُ الأَمَانَ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ رَابِعًا قَالَ : وَاغَوْثَاهُ . فَقَالَ : الْغَوْثُ عِنْدَ الشِّدَّةِ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ خَامِسًا حَمِدَ اللَّهَ . فَقَالَ عُمَرُ : كَذَا يَجِبُ أَنْ تَحْمَدَهُ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ عَشْرًا قَالَ : يَا أَبْة قَتَلْتَنِي ، قَالَ : يَا بُنَيَّ ، ذَنْبُكَ قَتَلَكَ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ ثَلاثِينَ قَالَ : أَحْرَقْتَ وَاللَّهِ قَلْبِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، النَّارُ أَشَدُّ حَرًّا . قَالَ : فَلَمَّا ضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ قَالَ : يَا أَبَة ، دَعْنِي أَذْهَبُ عَلَى وَجْهِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِذَا أَخَذْتُ حَدَّ اللَّهِ مِنْ جَنْبِكَ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ خَمْسِينَ قَالَ : نَشَدْتُكَ بِالْقُرْآنِ لَمَا خَلَيْتَنِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، هَلا وَعَظَكَ الْقُرْآنُ وَزَجَرَكَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، يَا غُلامُ ، اضْرِبْ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ سِتِّينَ قَالَ : يَا أَبِي ، أَغِثْنِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ أَهْلَ النَّارِ إِذَا اسْتَغَاثُوا لَمْ يُغَاثُوا . فَلَمَّا ضَرَبَهُ سَبْعِينَ ، قَالَ : يَا أَبَة ، اسْقِنِي شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنْ كَانَ رَبُّكَ يُطَهِّرُكَ فَيَسْقِيكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْبَةً لا تَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا ، يَا غُلامُ ، اضْرِبْ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ ثَمَانِينَ قَالَ : يَا أَبَة ، السَّلامُ عَلَيْكَ . قَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ ، إِنْ رَأَيْتَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِه مِنِّي السَّلامُ ، وَقُلْ لَهُ : خَلَّفْتَ عُمَرَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ ، يَا غُلامٌ ، اضْرِبْهُ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ تِسْعِينَ انْقَطَعَ كَلامُهُ وَضَعُفَ . فَوَثَبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَقَالُوا : يَا عُمَرُ ، انْظُرْ كَمْ بَقِيَ فَأَخِّرْهُ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ . فَقَالَ : كَمَا لا تُؤَخَّرُ الْمَعْصِيَةُ لا تُؤَخَّرُ الْعُقُوبَةُ . فَأَتَى الصرِيخُ إِلَى أُمِّهِ فَجَاءَتْ بَاكِيَةً صَارِخَةً ، وَقَالَتْ : يَا عُمَرُ ، أَحِجُّ بِكُلِّ سَوْطٍ حَجَّةً مَاشِيَةً ، وَأَتَصَدَّقَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا . قَالَ : إِنَّ الْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ لا تَنُوبُ عَنِ الْحَدِّ ، يَا غُلامُ ، أَتِمّ الْحَدَّ . فَلَمَّا كَانَ آخَرُ سَوْطٍ سَقَطَ الْغُلامُ مَيِّتًا . فَقَالَ عُمَرُ : يَا بُنَيَّ ، مَحَّصَ اللَّهُ عَنْكَ الْخَطَايَا . وَجَعَلَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهِ ، وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : بِأَبِي مَنْ قَتَلَهُ الْحَقُّ ، بِأَبِي مَنْ مَاتَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَدِّ ، بِأَبِي مَنْ لَمْ يَرْحَمْهُ أَبُوهُ وَأَقَارِبُهُ ! فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا . فَلَمْ يَرَ يَوْمٌ أَعْظَمَ مِنْهُ . وَضَجَّ النَّاسُ بِالبْكَاءِ وَالنَّحِيبِ . فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَقْبَلَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، صَبِيحَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ : إِنِّي أَخَذْتُ وِردِي مِنَ اللَّيْلِ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ ، وَإِذَا الْفَتَى مَعَهُ حُلَّتَانِ خَضْرَاوَانِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَقْرِئْ عُمَرَ مِنِّي السَّلامُ وَقَل لَهُ : هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَتُقِيمَ الْحُدُودَ . وَقَالَ الْغُلامُ : أَقْرِئْ أَبِي مِنِّي السَّلامَ ، وَقُلْ لَهُ : طَهَّرَكَ اللَّهُ كَمَا طَهَّرْتَنِي ، وَالسَّلامُ . حُدِّثْتُ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ طَاهِرٍ ، أَنْبَأَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، فِي كِتَابِهِ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ إِمْلاءً ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الْمَرْوَزِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ التَّيْمِيُّ ، حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْخَوْلانِيُّ ، قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ : هَكَذَا قَالَ ، وَهُوَ عِنْدِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ لَهُ ابنان يقال لأحدهما : عَبْد اللَّهِ ، والآخر عُبَيْد اللَّه ، وَكَانَ يكنى أبا شحمة ، وَكَانَ أَبُو شحمة أشبه النَّاس برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلاوة للقرآن ، وأنه مرض مرضا ، فجعل أمهات الْمُؤْمِنيِنَ يعدنه ، فبينا هن فِي عيادته ، قلن لعمر : لو نذرت عَلَى ولدك كَمَا نذر عَلِي ابْن أَبِي طَالِب عَلَى ولده الْحَسَن ، والحسين ، فألبسهما اللَّه العافية . فَقَالَ عُمَر : عَلَى نذر واجب لئن ألبس اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ابني العافية أَن أصوم ثلاثة أَيَّام ، وَقَالَتْ والدته مثل ذَلِكَ . فلما أَن قام من مرضه أضافه نسيكة اليهودي ، فأتوه بنبيذ التمر فشرب مِنْهُ . فلما طابت نَفْسه خرج يريد منزله ، فدخل حائطا لبنى النجار ، فَإِذَا هُوَ بامرأة راقدة فكابدها ، وجامعها ، فلما قام معها شتمته وخرقت ثيابه وانصرفت إِلَى منزلها ، وذكر الْحَدِيث بطوله . هَذَا حَدِيث موضوع . كَيْفَ رُوِيَ ، ومن أي طريق نقل ؟ وضعه جهال القصاص ليكون سببا فِي تبكية العوام والنساء ، فَقَدْ أبدعوا فِيهِ وأتوا بكل قبيح ونسبوا إِلَى عُمَر مَا لا يليق بِهِ ، ونسبوا الصَّحَابَة إِلَى مَا لا يليق بِهِمْ ، وكلماته الركيكة تَدُل عَلَى وضعه ، وبعده عَنْ أحكام الشرع يدل عَلَى سوء فَهُمْ واضعه وعدم فقهه . وَقَدْ تعجل واضعه قذف ابْن عُمَر بشرب الخمر عِنْدَ الْيَهُودِيَّة ، ونسب عُمَر إِلَى أَنَّهُ أحلفه بالله ليقر ، وحاشا عُمَر ، لأنه لو رأى أمارة ذَلِكَ لصدف عَنْهَا فَإِن مَا عزا لما أقر أعرض عَنْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلما أعاد الإقرار أعرض عَنْهُ إِلَى أَن قَالَ لَهُ : أبك جنون . وَقَدْ قَالَ " ادرءوا الحدود مَا استطعتم . وَقَالَ عُمَر لرجل أقر بذنب عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ سترك اللَّه لو سترت نفسك " ، وكيف يحلف عُمَر ولده بالله هل زنيت . هَذَا لا يليق بمثله . وَمَا أقبح مَا زينوا كلامه عِنْدَ كُل سوط . وَذَلِكَ لا يخفى عَنِ العوام أَنَّهُ صنعه جاهل سوقي . وَقَدْ ذكر أَنَّهُ طلب ماء فلم يسقه ، وَهَذَا قبيح فِي الغاية . وحكوا أَن الصَّحَابَة قَالُوا : أخر باقي الحد ، وأن أم الغلام ، قَالَتْ : أحج عَنْ كُل سوط . وَهَذَا كُلهُ يتحاشى الصَّحَابَة عَنْ مثله . ومنام حذيفة أبرد من كُل شَيْء . ثُمَّ شبهوا أبا شحمة ، برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قذفوه بالفاحشة . ولعمري إنه قَدْ ذكر الزُّبَيْر بْن بكار ، أَن عَبْد الرَّحْمَنِ الأوسط من أولاد عُمَر كَانَ يكنى أبا شحمة ، وعَبْد الرَّحْمَنِ هَذَا كَانَ بمصر خرج غازيا ، فاتفق أَنَّهُ شرب ليلة نبيذا فخرج إِلَى السكر فأصبح فجاء إِلَى عَمْرو بْن العاص ، فَقَالَ لَهُ : أقم عَلَى الحد ، فامتنع ، فَقَالَ لَهُ : إني أخبر أنى ، أَبِي ، إِذَا قدمت عَلَيْهِ ، فضربه الحد فِي داره وَلَمْ يخرجه ، فكتب إِلَيْهِ عُمَر يلومه فِي مراقبته لعَبْد الرَّحْمَنِ ، وَيَقُول : ألا فعلت بِهِ مَا تفعل بجميع الْمُسْلِمِينَ فلما قدم عَلَى عُمَر ضربه . واتفق أَنَّهُ مرض فمات . هَذَا الَّذِي ذكره مُحَمَّد بْن سَعِيد فِي الطبقات وغيره . وليس بعجيب أَن يَكُون شرب النبيذ متأولا فسكر عَنْ غَيْر اختيار ، وإنما لما قدم عَلَى عُمَر ضربه ضرب تأديب لا ضرب حد ، ومرض بَعْد ذَلِكَ لا من الضرب وَمَاتَ ، فلقد أبدوا فِيهِ القصاص وأعادوا . وَفِي الإسناد الأَوَّل من هُوَ مجهول ، ثُمَّ هُوَ منقطع . وسعيد بْن مسروق من أَصْحَاب الأَعْمَش ، فأين هُوَ وعمر . وَكَذَلِكَ الإسناد الثَّانِي فِيهِ مجاهيل . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : حَدِيث مجاهد عَنِ ابْن عَبَّاس فِي حد أَبِي شحمة لَيْسَ بصحيح . وَأَمَّا الإسناد الثالث ، فَإِن عَبْد القدوس كذاب . قَالَ ابْن حبان : كَانَ يضع الْحَدِيث عَلَى الثقات ، لا يحل كتب حَدِيثه . وَأَمَّا صفوان الراوي عَنْ عُمَر ، فبينه وبين عُمَر رجال ، والمتهم بِهَذَا الْحَدِيث الرجال الَّذِينَ فِي أول الإسناد ، ولا طائل فِي الإطالة بجرح رجاله ، فَإِنَّهُ لو كَانَ رجاله من الثقات علم أَنَّهُ من الدساسين لما فِيهِ مِمَّا يتنزه عَنْهُ الصَّحَابَة ، فكيف ، وليس إسناده بشيء .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عُمَرَ | عمر بن الخطاب العدوي / توفي في :23 | صحابي |
صَفْوَانُ | عبد الرحمن بن صفوان الجمحي | مختلف في صحبته |
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
مُجَاهِدٍ | مجاهد بن جبر القرشي / ولد في :19 / توفي في :102 | ثقة إمام في التفسير والعلم |
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى | أحمد بن محمد البرتى | ثقة حافظ |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ | إبراهيم بن محمد الأزدي | صدوق حسن الحديث |
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ التَّيْمِيُّ | محمد بن أحمد الأزدي / توفي في :324 | ثقة |
أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَالَوَيْهِ الصُّوفِيُّ | عبد الصمد بن عمر الواعظ / توفي في :397 | ثقة |
أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الْمَرْوَزِيُّ | محمد بن يحيى الشعراني | صدوق حسن الحديث |