باب ما روى ان عمر جلد ابنا له حتى مات


تفسير

رقم الحديث : 1766

حُدِّثْتُ ، عَنْ حُدِّثْتُ ، عَنْ شِيَرَوَيْهِ بْنِ شَهْرَيَارَ الْحَافِظِ ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ بُكَيْرٍ الْفَقِيهُ ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ النَّيْسَابُورِيُّ ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَالَوَيْهِ الصُّوفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ عَنْ شِبْلٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : تَذَاكَرَ النَّاسُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَأَخَذُوا فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ بَكَى بُكَاءً شَدِيًا حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا لَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ ، رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ وَأَقَامَ حُدُودَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَ ، لَمْ يَزِدْ عَنِ الْقَرِيبِ لِقَرَابَتِهِ ، وَلَمْ يَخْفَ عَنِ الْبَعِيدِ لِبُعْدِهِ . ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ وَقَدْ أَقَامَ الَحْدَ عَلَى وَلَدِهِ فَقَتَلَهُ فِيهِ . ثُمَّ بَكَى وَبَكَى النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ ، وَقُلْنَا : يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ، إِنَّ رَأَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَنَا كَيْفَ أَقَامَ عُمَرُ عَلَى وَلَدِهِ الْحَدَّ . فَقَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْكَرْتُمُونِي شَيْئًا كُنْتُ لَهُ نَاسِيًا . فَقُلْتُ : قَسَمْنَا عَلَيْكَ بِحَقِّ الْمُصْطَفَى أَمَا حَدَّثْتَنَا . فَقَالَ : " مَعَاشِرَ النَّاسِ ، كُنْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَالِسٌ ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ يَعِظُهُمْ وَيَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَإِذَا نَحْنُ بِجَارِيَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَجَعَلَتْ تَتَخَطَّى رِقَابَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ حَتَّى وَقَفَتْ بِإِزَاءِ عُمَرَ فَقَالَتْ : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَقَالَ عُمَرُ : وَعَلَيْكِ السَّلامُ يَا أَمَةَ اللَّهِ ، هَلْ مِنْ حَاجَةٍ ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ ، أَعْظَم الْحَوَائِجِ إِلَيْكَ ، خُذْ وَلَدَكَ هَذَا مِنِّي فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي . ثُمَّ رَفَعَتِ الْقِنَاعَ فَإِذَا عَلَى يَدِهَا طَفْلٌ . فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ : يَا أَمَةَ اللَّهِ ، أَسْفِرِي عَنْ وَجْهِكِ . فَأَسْفَرَتْ . فَأَطْرَقَ عُمَرُ وَهُوَ يَقُولُ : لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، يَا هَذِهِ أَنَا لا أَعْرِفُكَ ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَلَدِي ؟ فَبَكَتِ الْجَارِيَةُ حَتَّى بَلَّتْ خِمَارَهَا بِالدُّمُوعِ ، ثُمَّ قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدَكَ مِنْ ظَهْرِكَ فَهُوَ وَلَدُ وَلَدِكِ . قَالَ : أَيُّ أَوْلادِي ؟ قَالَتْ : أَبُو شَحْمَةَ . قَالَ : أَبِحَلالٍ أَمْ بِحَرَامٍ ؟ قَالَتْ : مِنْ قِبَلِي بِحَلالٍ وَمِنْ جِهَتِهِ بِحَرَامٍ . قَالَ عُمَرُ : وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ قَالَتْ : يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ ، اسْمَعْ مَقَالَتِي فَوَاللَّهِ مَا زِدْتُ عَلَيْكَ حَرْفًا وَلا نَقصْتُ . فَقَالَ لَهَا : اتَّقِي اللَّهَ ، وَلا تَقُولِي إِلا الصِّدْقَ . قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ ، كُنْتُ فِي بَعْضِ الأَيَّامِ مَارَّةً فِي بَعْضِ حَوَائِجِي إِذْ مَرَرْتُ بِحَائِطٍ لَبِنِي النَّجَّارِ ، فَإِذَا أَنَا بِصَائِحٍ يَصِيحُ مِنْ وَرَائِي ، فَإِذَا أَنَا بِوَلَدِكَ أَبِي شَحْمَةَ يَتَمَايَلُ سُكْرًا ، وَكَانَ قَدْ شَرِبَ عِنْدَ نسيكةَ الْيَهُودِيِّ ، فَلَمَّا قَرَّبَ مِنِّي تَوَاعَدَنِي ، وَتَهَدَّدَنِي ، وَرَاوَدَنِي عَنْ نَفْسِي ، وَجَرَّنِي إِلَى الْحَائِطِ فَسَقَطْتُ وَأُغْمِيَ عَلَيَّ ، فَوَاللَّهِ مَا أَفَقْتُ إِلا وَقَدْ نَالَ مِنِّي مَا يَنَالُ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ ، فَقُمْتُ وَكَتَمْتُ أَمْرِي عَنْ عَمِّي وَجِيرَانِي ، فَلَمَّا تَكَامَلَتْ أَيَّامِي ، وَانْقَضَتْ شُهُورِي وَضَرَبَنِي الطَّلْقُ ، وَأَحْسَسْتُ بِالْوِلادَةِ خَرَجْتُ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَوَضَعْتُ هَذَا الْغُلامَ فَهَمَمْتُ بِقَتْلِهِ ، ثُمَّ نَدِمْتُ عَلَى ذَلِكَ ، فَاحْكُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَأَمَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مُنَادِيهِ يُنَادِي . فَأَقْبَلَ النَّاسُ يَهْرَعُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَامَ عُمَرُ ، فَقَالَ : يَا مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ، لا تَتَفَرَّقُوا حَتَّى آتِيكُمْ بِالْخَبَرِ . ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَنَا مَعَهُ ، فَنَظَرَ إِلَى وَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَسْرِعْ مَعِي ، فَجَعَلَ يُسْرِعُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ مَنْزِلِهِ فَقَرَعَ الْبَابَ فَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ كَانَتْ تَخْدُمُهُ ، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ وَقَدْ غَلَبَهُ الْغَضَبُ ، قَالَتْ : مَا الَّذِي نزل بِكَ ؟ قَالَ : يَا هَذِهِ ، وَلَدِي أَبُو شَحْمَةَ هَاهُنَا ؟ قَالَتْ : إِنَّهُ عَلَى الطَّعَامِ ، فَدَخَلَ وَقَالَ لَهُ : كُلْ يَا بُنَيَّ ، فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ زَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا . قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَرَأَيْتُ الْغُلامَ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَارْتَعَدَ ، وَسَقَطَتِ اللُّقْمَةُ مِنْ يَدِهِ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا بُنَيَّ ، مَنْ أَنَا ؟ قَالَ : أَنْتَ أَبِي وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ . قَالَ : فَلِي عَلَيْكَ حَقُّ طَاعَةٍ أَمْ لا ؟ قَالَ : طَاعَتَانِ مُفْتَرَضَتَانَ ، أَوَّلُهُمَا أَنَّكَ وَالِدِي ، وَالأُخْرَى أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ . فَقَالَ عُمَرُ : بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَبِحَقِّ أَبِيكَ ، فَإِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرْتَنِي . قَالَ : يَا أَبَة ، لا أَقُولُ غَيْرَ الصِّدْقِ . قَالَ : هَلْ كُنْتَ ضَيْفًا لنسيكةَ الْيَهُودِيِّ ، فَشَرِبْتُ عِنْدَهُ الْخَمْرَ وَسَكِرْتُ قَالَ : بِأَبِي قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ تُبْتُ . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، رَأْسُ مَالِ الْمُذْنِبِينَ التَّوْبَةُ . ثُمَّ قَالَ : يَا بُنَيَّ ، أنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ دَخَلْتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ فَرَأَيْتَ امْرَأَةً فَوَاقَعْتَهَا ؟ فَسَكَتَ ، وَبَكَى ، وَهُوَ يَبْكِي وَيَلْطُمُ وَجْهَهُ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لا بَأْسَ أَصْدِقْ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الصَّادِقِينَ . فَقَالَ : يَا أَبِي ، كَانَ ذَلِكَ وَالشَّيْطَانُ أَغْوَانِي ، وَأَنَا تَائِبٌ نَادِمٌ . فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ قَبَضَ عَلَى يَدِهِ وَلَبَّبَهُ وَجَرَّهُ إِلَى الْمَسْجِدِ . فَقَالَ : يَا أَبَهْ ، لا يَعْصِمُنِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ حَدٌّ السَيْفِ ، وَاقْطَعْنِي هَاهُنَا إِرْبًا إِرْبًا . قَالَ : أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سورة النور آية 2 . ثُمَّ جَرَّهُ ، حَتَّى أَخْرَجَهُ بَيْنَ يَدِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ : صَدَقَتِ الْمَرْأَةُ ، وَأَقَرَّ أَبُو شَحْمَةَ بِمَا قَالَتْ . وَلَهُ مَمْلُوكٌ ، يُقَالُ لَهُ أَفْلَحُ . فَقَالَ لَهُ : يَا أَفْلَحُ ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً إِنْ أَنْتَ قَضَيْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ . فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ مُرْنِي بِأَمْرِكَ . قَالَ : خُذِ ابْنِي هَذَا فَاضْرِبْهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَلا تُقَصِّرْ فِي ضَرْبِهِ . فَقَالَ : لا أَفْعَلُهُ . وَبَكَى وَقَالَ : يَا لَيْتَنِي لَمْ تَلَدْنِي أُمِّي حَيْثُ أُكَلَّفُ ضَرْبَ وَلَدِ سَيِّدِي . فَقَالَ لَهُ عُمَر : إِنَّ طَاعَتِي طَاعَةُ الرَّسُولِ فَافْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ . فَانْزَعْ ثِيَابَهُ . فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ ، وَجَعَلَ الْغُلامُ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى أَبِيهِ وَيَقُولُ : أَبَة ارْحَمْنِي فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَهُوَ يَبْكِي : رَبُّكَ يَرْحَمُكَ ، وَإِنَّمَا هَذَا كَيْ يَرْحَمَنِي وَيَرْحَمَكَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَفْلَحُ ، اضْرِبْ . فَضَرَبَ أَوَّلَ سَوْطٍ . فَقَالَ الْغُلامٌ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . فَقَالَ : نِعْمَ الاسْمُ سَمَّيْتَ يَا بُنَيَّ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ بِهِ ثَانِيَةً ، قَالَ : أَوَّهُ يَا أَبَة . فَقَالَ عُمَرُ : اصْبِرْ كَمَا عَصَيْتَ . فَلَمَّا ضُرِبَ ثَالِثًا ، قَالَ : الأَمَانُ . قَالَ عُمَرُ : رَبَّكَ يُعْطِيكُ الأَمَانَ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ رَابِعًا قَالَ : وَاغَوْثَاهُ . فَقَالَ : الْغَوْثُ عِنْدَ الشِّدَّةِ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ خَامِسًا حَمِدَ اللَّهَ . فَقَالَ عُمَرُ : كَذَا يَجِبُ أَنْ تَحْمَدَهُ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ عَشْرًا قَالَ : يَا أَبْة قَتَلْتَنِي ، قَالَ : يَا بُنَيَّ ، ذَنْبُكَ قَتَلَكَ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ ثَلاثِينَ قَالَ : أَحْرَقْتَ وَاللَّهِ قَلْبِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، النَّارُ أَشَدُّ حَرًّا . قَالَ : فَلَمَّا ضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ قَالَ : يَا أَبَة ، دَعْنِي أَذْهَبُ عَلَى وَجْهِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِذَا أَخَذْتُ حَدَّ اللَّهِ مِنْ جَنْبِكَ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ خَمْسِينَ قَالَ : نَشَدْتُكَ بِالْقُرْآنِ لَمَا خَلَيْتَنِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، هَلا وَعَظَكَ الْقُرْآنُ وَزَجَرَكَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، يَا غُلامُ ، اضْرِبْ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ سِتِّينَ قَالَ : يَا أَبِي ، أَغِثْنِي . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ أَهْلَ النَّارِ إِذَا اسْتَغَاثُوا لَمْ يُغَاثُوا . فَلَمَّا ضَرَبَهُ سَبْعِينَ ، قَالَ : يَا أَبَة ، اسْقِنِي شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ . قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنْ كَانَ رَبُّكَ يُطَهِّرُكَ فَيَسْقِيكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْبَةً لا تَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا ، يَا غُلامُ ، اضْرِبْ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ ثَمَانِينَ قَالَ : يَا أَبَة ، السَّلامُ عَلَيْكَ . قَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ ، إِنْ رَأَيْتَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِه مِنِّي السَّلامُ ، وَقُلْ لَهُ : خَلَّفْتَ عُمَرَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ ، يَا غُلامٌ ، اضْرِبْهُ . فَلَمَّا ضَرَبَهُ تِسْعِينَ انْقَطَعَ كَلامُهُ وَضَعُفَ . فَوَثَبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَقَالُوا : يَا عُمَرُ ، انْظُرْ كَمْ بَقِيَ فَأَخِّرْهُ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ . فَقَالَ : كَمَا لا تُؤَخَّرُ الْمَعْصِيَةُ لا تُؤَخَّرُ الْعُقُوبَةُ . فَأَتَى الصرِيخُ إِلَى أُمِّهِ فَجَاءَتْ بَاكِيَةً صَارِخَةً ، وَقَالَتْ : يَا عُمَرُ ، أَحِجُّ بِكُلِّ سَوْطٍ حَجَّةً مَاشِيَةً ، وَأَتَصَدَّقَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا . قَالَ : إِنَّ الْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ لا تَنُوبُ عَنِ الْحَدِّ ، يَا غُلامُ ، أَتِمّ الْحَدَّ . فَلَمَّا كَانَ آخَرُ سَوْطٍ سَقَطَ الْغُلامُ مَيِّتًا . فَقَالَ عُمَرُ : يَا بُنَيَّ ، مَحَّصَ اللَّهُ عَنْكَ الْخَطَايَا . وَجَعَلَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهِ ، وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : بِأَبِي مَنْ قَتَلَهُ الْحَقُّ ، بِأَبِي مَنْ مَاتَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَدِّ ، بِأَبِي مَنْ لَمْ يَرْحَمْهُ أَبُوهُ وَأَقَارِبُهُ ! فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا . فَلَمْ يَرَ يَوْمٌ أَعْظَمَ مِنْهُ . وَضَجَّ النَّاسُ بِالبْكَاءِ وَالنَّحِيبِ . فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَقْبَلَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، صَبِيحَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ : إِنِّي أَخَذْتُ وِردِي مِنَ اللَّيْلِ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ ، وَإِذَا الْفَتَى مَعَهُ حُلَّتَانِ خَضْرَاوَانِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَقْرِئْ عُمَرَ مِنِّي السَّلامُ وَقَل لَهُ : هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَتُقِيمَ الْحُدُودَ . وَقَالَ الْغُلامُ : أَقْرِئْ أَبِي مِنِّي السَّلامَ ، وَقُلْ لَهُ : طَهَّرَكَ اللَّهُ كَمَا طَهَّرْتَنِي ، وَالسَّلامُ . حُدِّثْتُ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ طَاهِرٍ ، أَنْبَأَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، فِي كِتَابِهِ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ إِمْلاءً ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الْمَرْوَزِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ التَّيْمِيُّ ، حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْخَوْلانِيُّ ، قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ : هَكَذَا قَالَ ، وَهُوَ عِنْدِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ لَهُ ابنان يقال لأحدهما : عَبْد اللَّهِ ، والآخر عُبَيْد اللَّه ، وَكَانَ يكنى أبا شحمة ، وَكَانَ أَبُو شحمة أشبه النَّاس برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلاوة للقرآن ، وأنه مرض مرضا ، فجعل أمهات الْمُؤْمِنيِنَ يعدنه ، فبينا هن فِي عيادته ، قلن لعمر : لو نذرت عَلَى ولدك كَمَا نذر عَلِي ابْن أَبِي طَالِب عَلَى ولده الْحَسَن ، والحسين ، فألبسهما اللَّه العافية . فَقَالَ عُمَر : عَلَى نذر واجب لئن ألبس اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ابني العافية أَن أصوم ثلاثة أَيَّام ، وَقَالَتْ والدته مثل ذَلِكَ . فلما أَن قام من مرضه أضافه نسيكة اليهودي ، فأتوه بنبيذ التمر فشرب مِنْهُ . فلما طابت نَفْسه خرج يريد منزله ، فدخل حائطا لبنى النجار ، فَإِذَا هُوَ بامرأة راقدة فكابدها ، وجامعها ، فلما قام معها شتمته وخرقت ثيابه وانصرفت إِلَى منزلها ، وذكر الْحَدِيث بطوله . هَذَا حَدِيث موضوع . كَيْفَ رُوِيَ ، ومن أي طريق نقل ؟ وضعه جهال القصاص ليكون سببا فِي تبكية العوام والنساء ، فَقَدْ أبدعوا فِيهِ وأتوا بكل قبيح ونسبوا إِلَى عُمَر مَا لا يليق بِهِ ، ونسبوا الصَّحَابَة إِلَى مَا لا يليق بِهِمْ ، وكلماته الركيكة تَدُل عَلَى وضعه ، وبعده عَنْ أحكام الشرع يدل عَلَى سوء فَهُمْ واضعه وعدم فقهه . وَقَدْ تعجل واضعه قذف ابْن عُمَر بشرب الخمر عِنْدَ الْيَهُودِيَّة ، ونسب عُمَر إِلَى أَنَّهُ أحلفه بالله ليقر ، وحاشا عُمَر ، لأنه لو رأى أمارة ذَلِكَ لصدف عَنْهَا فَإِن مَا عزا لما أقر أعرض عَنْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلما أعاد الإقرار أعرض عَنْهُ إِلَى أَن قَالَ لَهُ : أبك جنون . وَقَدْ قَالَ " ادرءوا الحدود مَا استطعتم . وَقَالَ عُمَر لرجل أقر بذنب عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ سترك اللَّه لو سترت نفسك " ، وكيف يحلف عُمَر ولده بالله هل زنيت . هَذَا لا يليق بمثله . وَمَا أقبح مَا زينوا كلامه عِنْدَ كُل سوط . وَذَلِكَ لا يخفى عَنِ العوام أَنَّهُ صنعه جاهل سوقي . وَقَدْ ذكر أَنَّهُ طلب ماء فلم يسقه ، وَهَذَا قبيح فِي الغاية . وحكوا أَن الصَّحَابَة قَالُوا : أخر باقي الحد ، وأن أم الغلام ، قَالَتْ : أحج عَنْ كُل سوط . وَهَذَا كُلهُ يتحاشى الصَّحَابَة عَنْ مثله . ومنام حذيفة أبرد من كُل شَيْء . ثُمَّ شبهوا أبا شحمة ، برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قذفوه بالفاحشة . ولعمري إنه قَدْ ذكر الزُّبَيْر بْن بكار ، أَن عَبْد الرَّحْمَنِ الأوسط من أولاد عُمَر كَانَ يكنى أبا شحمة ، وعَبْد الرَّحْمَنِ هَذَا كَانَ بمصر خرج غازيا ، فاتفق أَنَّهُ شرب ليلة نبيذا فخرج إِلَى السكر فأصبح فجاء إِلَى عَمْرو بْن العاص ، فَقَالَ لَهُ : أقم عَلَى الحد ، فامتنع ، فَقَالَ لَهُ : إني أخبر أنى ، أَبِي ، إِذَا قدمت عَلَيْهِ ، فضربه الحد فِي داره وَلَمْ يخرجه ، فكتب إِلَيْهِ عُمَر يلومه فِي مراقبته لعَبْد الرَّحْمَنِ ، وَيَقُول : ألا فعلت بِهِ مَا تفعل بجميع الْمُسْلِمِينَ فلما قدم عَلَى عُمَر ضربه . واتفق أَنَّهُ مرض فمات . هَذَا الَّذِي ذكره مُحَمَّد بْن سَعِيد فِي الطبقات وغيره . وليس بعجيب أَن يَكُون شرب النبيذ متأولا فسكر عَنْ غَيْر اختيار ، وإنما لما قدم عَلَى عُمَر ضربه ضرب تأديب لا ضرب حد ، ومرض بَعْد ذَلِكَ لا من الضرب وَمَاتَ ، فلقد أبدوا فِيهِ القصاص وأعادوا . وَفِي الإسناد الأَوَّل من هُوَ مجهول ، ثُمَّ هُوَ منقطع . وسعيد بْن مسروق من أَصْحَاب الأَعْمَش ، فأين هُوَ وعمر . وَكَذَلِكَ الإسناد الثَّانِي فِيهِ مجاهيل . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : حَدِيث مجاهد عَنِ ابْن عَبَّاس فِي حد أَبِي شحمة لَيْسَ بصحيح . وَأَمَّا الإسناد الثالث ، فَإِن عَبْد القدوس كذاب . قَالَ ابْن حبان : كَانَ يضع الْحَدِيث عَلَى الثقات ، لا يحل كتب حَدِيثه . وَأَمَّا صفوان الراوي عَنْ عُمَر ، فبينه وبين عُمَر رجال ، والمتهم بِهَذَا الْحَدِيث الرجال الَّذِينَ فِي أول الإسناد ، ولا طائل فِي الإطالة بجرح رجاله ، فَإِنَّهُ لو كَانَ رجاله من الثقات علم أَنَّهُ من الدساسين لما فِيهِ مِمَّا يتنزه عَنْهُ الصَّحَابَة ، فكيف ، وليس إسناده بشيء .

الرواه :

الأسم الرتبة
عُمَرَ

صحابي

صَفْوَانُ

مختلف في صحبته

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ

صحابي

مُجَاهِدٍ

ثقة إمام في التفسير والعلم

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى

ثقة حافظ

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ

صدوق حسن الحديث

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ التَّيْمِيُّ

ثقة

أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَالَوَيْهِ الصُّوفِيُّ

ثقة

أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الْمَرْوَزِيُّ

صدوق حسن الحديث

Whoops, looks like something went wrong.