وَقَالَ ذُو النُّونِ : بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَقَدْ نَامَتِ الْعُيُونُ ، وَإِذَا بِشَخْصٍ قَدْ حَاذَى بَابَ الْبَيْتِ ، وَهُوَ يَقُولُ : يَا رَبِّ ، عَبْدُكَ الْمِسْكِينُ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ يَسْأَلُكَ بِالْعُصْبَةِ الَّتِي مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيَّ بِرُؤْيَتِي لَهُمْ ، إِلا أَعْطَيْتَنِي مَا أَعْطَيْتَهُمْ ، وَسَقَيْتَنِي مَا سَقَيْتَهُمْ ، بِكَأْسِ حُبِّكَ ، وَكَشَفَّتَ عَنْ قَلْبِي أَغْطِيَةَ الْجَهَالَةِ ، حَتَّى تَرْقَى رُوحِي بِأَجْنِحَةِ الشَّوْقِ إِلَيْكَ ، فَأُنَاجِيكَ بِرِيَاضِ بَهَائِكَ ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى سَمِعْتُ لِدُمُوعِهِ وَقْعًا عَلَى الْحَصَى ، ثُمَّ ضَحِكَ وَقَهْقَهَ . وَمَضَى ، فَتَبِعْتُهُ وَأَنَا أَقُولُ : إِمَّا عَارِفًا ، وَإِمَّا مَخْبُولا . فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَخَذَ نَاحِيَةَ خَرَابَاتِ مَكَّةَ ، فَالْتَفَتَ ، فَرَآنِي ، فَقَالَ : ارْجِعْ يَا ذَا النُّونِ . قُلْتُ : نَاشَدْتُكَ لِمَحْبُوبِكَ إِلا وَقَفْتَ إِلَيَّ . فَوَقَفَ ، وَقَالَ : وَيْحَكَ يَا ذَا النُّونِ ، أَمَا لَكَ شُغُلٌ ؟ قُلْتُ : مَنِ الْقَوْمُ الَّذِينَ سَأَلْتَ بِحُرْمَتِهِمْ ؟ فَقَالَ : قَوْمٌ سَارُوا إِلَى اللَّهِ سَيْرَ مَنْ نَصَبَ الْمَحْبُوبَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَتَجَرَّدُوا تَجَرُّدَ مَنْ أَخَذَتِ الزَّبَانِيَةُ بِحِقْوَيْهِ ، وَأُجِّجَتِ النَّارُ مِنْ أَجْلِهِ ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ قِيَامَةُ الشَّقَاءِ وَهُوَ مَطْلُوبٌ " .