باب فضل المدينة


تفسير

رقم الحديث : 236

قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعُشَارِيِّ ، أَنْبَأنَا ابْنُ أَخِي مِيمِي ، حَدَّثَنَا ابْنُ صَفْوَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ السَّعْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نُوحٍ ، وَكَانَ مِنَ الْعَابِدِينَ ، قَالَ : صَحِبْتُ شَيْخًا فَي طَرِيقِ مَكَّةَ فَأَعْجَبَتْنِي هَيْئَتُهُ ، فَقُلْتُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَصْحَبَكَ . قَالَ : أَنْتَ وَمَا أَحْبَبْتَ . قَالَ : فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّهَارِ فَإِذَا أَمْسَى أَقَامَ فِي مَنْزِلٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ ، فَيَقُومُ اللَّيْلَ يُصَلِّي ، وَكَانَ يَصُومُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ ، فَإِذَا أَمْسَى عَهِدَ إِلَى جَرِيبٍ مَعَهُ ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا فَأَلْقَاهُ إِلَى فِيهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا . وَكَانَ يَدْعُونِي فَيَقُولُ : هَلُمَّ فَأَصِبْ مِنْ هَذَا ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي : وَاللَّهِ مَا هَذَا بِمُجْزِئِكَ أَنْتَ ، فَكَيْفَ أُشْرِكُكَ فِيهِ ؟ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ ، وَدَخَلَتْ قَلْبِي هَيْبَةٌ لَهُ عِنْدَمَا رَأَيْتُ مِنَ اجْتِهَادِهِ وَصَبْرِهِ ، قَالَ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ ، نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ يَسُوقُ حِمَارًا ، فَقَالَ : انْطَلِقْ فَاشْتَرِ ذَلِكَ الْحِمَارَ . قَالَ : فَمَنَعَتْنِي وَاللَّهِ هَيْبَتُهُ فِي صَدْرِي أَنْ أَرُدَّهُ ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى صَاحِبِ الْحِمَارِ وَأَنَا أَقُولُ : وَاللَّهِ مَا مَعِيَ ثَمَنُهُ فَكَيْفَ أَشْتَرِيهِ ، صَاحِبَ الْحِمَارِ ، فَسَاوَمْتُهُ بِهِ ، فَأَبَى أَنْ يَنْقُصَهُ مِنْ ثَلاثِينَ دِينَارًا ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : خُذْهُ وَاسْتَخِرِ اللَّهَ ، قُلْتُ : الثَّمَنَ . قَالَ : سَمِّ اللَّهَ ، ثُمَّ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي الْجِرَابَ ، فَخُذِ الثَّمَنَ فَأَعْطِهِ ، فَأَخَذْتُ الْجِرَابَ ، ثُمّ قُلْتُ : بِسْمِ اللَّهِ ، ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدِيَ فِيهِ ، فَإِذَا صُرَّةٌ فِيهَا ثَلاثُونَ دِينَارًا لا تَزِيدُ وَلا تَنْقُصُ . قَالَ : فَدَفَعْتُهَا إِلَى الرَّجُلِ ، وَأَخَذْتُ الْحِمَارَ ، وَجِئْتُ بِهِ . فَقَالَ لِي : ارْكَبْ . فَقُلْتُ : أَنْتَ أَضْعَفُ مِنِّي ، فَرَكِبَ ، وَكُنْتُ أَمْشِي مَعَ حِمَارِهِ ، فَحَيْثُ أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ أَقَامَ ، فَإِنَّمَا هُوَ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ ، حَتَّى أَتَيْنَا عُسْفَانَ ، فَلَقِيَهُ شَيْخٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ جَعَلا يَبْكِيَانِ ، فَلَمَّا أَرَادَا أَنْ يَفْتَرِقَا ، قَالَ صَاحِبِي لِلشَّيْخِ : أَوْصِنِي . قَالَ : نَعَمْ ، أَلْزِمِ التَّقْوَى قَلْبَكَ ، وَانْصُبْ ذِكْرَ الْمَعَادِ أَمَامَكَ . قَالَ : زِدْنِي . قَالَ : نَعَمْ ، اسْتَقْبِلِ الآخِرَةَ بِالْحُسْنَى مِنْ عَمَلِكَ ، وَبَاشِرْ عَوَارِضَ الدُّنْيَا بِالزُّهْدِ مِنْ قَلْبِكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأَكْيَاسَ هُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا عَيْبَ الدُّنْيَا حَينَ عَمِيَ عَلَى أَهْلِيهَا ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، ثُمَّ افْتَرَقَا . فَقُلْتُ لِصَاحِبِي : مَنْ هَذَا الشَّيْخُ ؟ فَقَالَ : عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ . فَخَرَجْنَا مِنْ عُسْفَانَ حَتَّى أَتَيْنَا مَكَّةَ ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الأَبْطَحِ ، نَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ ، وَقَالَ لِي : اثْبُتْ مَكَانَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ نَظْرَةً ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . فَانْطَلَقَ ، وَعَرَضَ لِي رَجُلٌ ، فَقَالَ لِي : تَبِيعُ الْحِمَارَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : بِكَمْ ؟ قُلْتُ : بِثَلاثِينَ دِينَارًا . قَالَ : قَدْ أَخَذْتُهُ مِنْكَ . قُلْتُ : يَا هَذَا ، وَاللَّهِ مَا هُوَ لِي ، لِي ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَإِنِّي لأَكُلِّمُهُ إِذْ طَلَعَ الشَّيْخُ ، فَقُلْتُ : إِنِّي قَدْ بِعْتُ الْحِمَارَ بِثَلاثِينَ دِينَارًا قَالَ : أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ اسْتَزَدْتَهُ لَزَادَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَأَمَّا إِذْ بِعْتَ فَأَجِزْ . فَأَخَذْتُ مِنَ الرَّجُلِ ثَلاثِينَ دِينَارًا ، وَدَفَعْتُ الْحِمَارَ إِلَيْهِ ، وَجِئْتُ بِالدَّنَانِيرِ ، فَقُلْتُ : مَا أَصْنَعُ بِهَا ؟ فَقَالَ : هِيَ لَكَ ، فَأَنْفِقْهَا . قُلْتُ : لا حَاجَةَ لِي بِهَا . قَالَ : فَأَلْقِهَا فَي الْجِرَابِ ، فَأَلْقَيْتُهَا ، فَنَزَلْنَا بِالأَبْطَحِ ، فَقَالَ : ابْغِنِي دَاوَةً وَقِرْطَاسًا ، فَأَتَيْتُهُ بِذَلِكَ ، فَكَتَبَ كِتَابَيْنِ ، ثُمَّ شَدَّهُمَا ، فَدَفَعَ أَحَدَهُمَا إِلَيَّ ، فَقَالَ : انْطَلِقْ بِهِ إِلَى عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ وَهُوَ نَازِلٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ ، وَاقْرئْهُ مِنِّي السَّلامَ ، وَمَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ دَفَعَ الآخَرَ لِي ، وَقَالَ : لِيَكُنْ هَذَا مَعَكَ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَاقْرَأْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ : فَأَخَذْتُ الْكِتَابَ ، فَأَتَيْتُ بِهِ عَبَّادَ بْنَ عَبَّادٍ وَهُوَ قَاعِدٌ يُحَدِّثُ ، وَعِنْدَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، فَسَلَّمْتُ ، ثُمَّ قُلْتُ : رَحِمَكَ اللَّهُ ، كِتَابُ بَعْضِ إِخْوَانِكَ . فَأَخَذَ الْكِتَابَ ، فَإِذَا فِيهِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، أَمَّا بَعْدُ : يَا عَبَّادُ ، فَإِنِّي أُحَذِّرُكَ الْفَقْرَ يَوْمَ تَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى الذُّخْرِ ، فَإِنَّ فَقْرَ الآخِرَةِ لا يَسُدُّهُ غِنًى ، وَإِنَّ مُصَابَ الآخِرَةِ لا تُجْبَرُ مُصِيبَتُهُ أَبَدًا ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِكَ ، وَأَنَا مَيْتٌ السَّاعَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَأَحْضِرْنِي لِتَلِيَنِي ، وَتَوَلَّى الصَّلاةَ عَلَيَّ ، وَإِدْخَالِي حُفْرَتِي ، وَأَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ ، وَاقْرَأِ السَّلامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَيْكُمْ جَمِيعًا السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَلَمَّا قَرَأَ عَبَّادٌ الْكِتَابَ ، قَالَ لِي : يَا هَذَا أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ ؟ قُلْتُ : بِالأَبْطَحِ . قَالَ : فَمَرِيضٌ هُوَ ؟ قُلْتُ : تَرَكْتُهُ السَّاعَةَ صَحِيحًا ، فَقَامَ ، وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ مَيْتٌ مُسَجًّى عَلَيْهِ عَبَاءٌ . فَقَالَ لِي عَبَّادٌ : هَذَا صَاحِبُكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : تَرَكْتَهُ صَحِيحًا ، قُلْتُ : تَرَكْتُهُ صَحِيحًا السَّاعَةَ ، فَجَلَسَ يَبْكِي عِنْدَ رَأْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ فِي جَهَازِهِ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ، وَدَفَنَهُ . وَاحْتَشَدَ النَّاسُ فِي جِنَازَتِهِ . فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ ، فَتَحْتُ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، أَمَّا بَعْدُ : فَأَنْتَ يَا أَخِي ، نَفَعَكَ اللَّهُ بِمَعْرُوفِكَ يَوْمَ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى صَالِحِ أَعْمَالِهِمْ ، وَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ صُحْبَتِنَا خَيْرًا ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَعْرُوفِ يَجِدُهُ لِجَنْبِهِ مُضْطَجِعًا ، وَإِنَّ حَاجَتِي إِلَيْكَ إِذَا قَضَى اللَّهُ نُسُكَكَ أَنْ تَنْطَلِقَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَادْفَعْ مِيرَاثِي إِلَى وَارِثِي ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، قَالَ : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : كُلُّ أَمْرِكَ رَحِمَكَ اللَّهُ عَجَبٌ ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ أَمْرِكَ ، كَيْفَ آتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَلَمْ يُسَمِّ لِي أَحَدًا ، وَلَمْ يَصِفْ لِي مَوْضِعًا ، وَلَمْ أَدْرِ إِلَى مَنْ أَدْفَعُهُ ؟ قَالَ : وَخَلَّفَ قَدَحًا وَجِرَابَهُ ذَلِكَ ، وَعَصًى كَانَ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا . قَالَ : وَكَفَّنَّاهُ فَي ثَوْبَيْ إِحْرَامِهِ وَلَفَفْنَا الْعَبَاءَةَ فَوْقَ ذَلِكَ . فَلَمَّا انْقَضَى الْحَجُّ ، قُلْتُ : وَاللَّهِ لأَنْطَلِقَنَّ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَعَلِّيَ أَنْ أَقَعَ عَلَى وَارِثِ هَذَا الرَّجُلِ ، فَانْطَلَقْتُ ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَتَصَفَّحُ النَّاسَ ، لا أَدْرِي عَمَّنْ أَسْأَلُ ، إِذْ نَادَى رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْخَلْقِ بِاسْمِي : يَا فُلانُ ، فَالْتَفَتُّ ، فَإِذَا بشَيْخٌ كَأَنَّهُ صَاحِبِي ، فَقَالَ : هَاتِ مِيرَاثَ فُلانٍ . فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْعَصَى وَالْقَدَحَ ، وَالْجِرَابَ ، ثُمَّ وَلَّيْتُ رَاجِعًا ، فَوَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى قُلْتُ لِنَفْسِي : تَضْرِبُ مِنْ مَكَّةَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَدْ رَأَيْتَ مِنَ الشَّيْخِ الأَوَّلِ مَا رَأَيْتَ ، وَمَنْ هَذَا الشَّيْخُ الثَّانِي مَا رَأَيْتَ ، وَلا تَسْأَلُ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ أَيَّ شَيْءٍ قِصَّتُهُمْ ، وَتَسْأَلُهُمْ عَنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ هُمْ ؟ قَالَ : فَرَجِعْتُ وَمُرَادِي أَنْ لا أُفَارِقَ هَذَا الشَّيْخَ الآخَرَ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ أَمُوتُ ، فَجَعَلْتُ أَدُورُ الْحِلَقَ وَأَجْهَدُ أَنْ أَعْرِفَهُ أَوْ أَقَعُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ أَقَعُ عَلَيْهِ ، وَجَعَلْتُ أَسْأَلُ عَنْهُ ، وَأَقَمْتُ أَيَّامًا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَطْلُبُهُ وَأَسَأْلُ عَنْهُ ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَدُلُّنِي عَلَيْهِ ، فَرَجَعْتَ مُنْصَرِفًا إِلَى الْعِرَاقِ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.