قَالَ ثَعْلَبٌ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ، ثنا مُوسَى بْنُ عِيسَى الْجَعْفَرِيُّ ، أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ أَبِي جَهْمَةَ اللَّيْثِيُّ ، وَكَانَ مُسِنًّا ، قَالَ : " كَانَ قَيْسُ بْنُ ذَرِيحٍ رَجُلا مَنًّا ، وَكَانَ ظَرِيفًا شَاعِرًا ، وَكَانَ يَكُونُ بِقُدَيِدٍ بِسَرِفَ وَبِوَادِي مَكَّةَ ، وَخَطَبَ لُبْنَى مِنْ خُزَاعَةَ ، ثُمَّ مِنْ بَنِي كَعْبٍ فَتَزَوَّجَهَا وَأُعْجِبَ بِهَا ، وَبَلَغَتْ عِنْدَهُ الْغَايَةَ ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَ أُمِّهِ وَبَيْنَهَا فَأَبْغَضَتْهَا ، وَنَاشَدَتْ قَيْسًا فِي طَلاقِهَا ، فَأَبَى ، فَكَلَّمَتْ أَبَاهُ ، فَأَمَرَهُ بِطَلاقِهَا ، فَأَبَى عَلَيْهِ ، فَقَالَ : لا جَمَعَنِي وَإيِّاكَ سَقْفٌ أَبَدًا حَتَّى تُطَلِّقَهَا ، ثُمَّ خَرَجَ فِي يَوْمٍ قَيْظٍ ، فقَالَ : لا أَسْتَظِلُّ حَتَّى تُطَلِّقَهَا ، فَطَلَّقَهَا ، وَقَالَ : أَمَا إِنَّهُ آخِرُ عَهْدِكَ بِي ، ثُمَّ إِنَّه اشْتَدَّ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا وَجَهِدَ وَضَمُرَ ، وَلَمَّا طَلَّقَهَا أَتَاهَا رِجَالُهَا يَتَحَمَّلُونَهَا ، فَسَأَلَ : مَتَى هُمْ رَاحِلُونَ ؟ قَالُوا : غَدًا نَمْضِي ، فَقَالَ : وَقَالُوا غَدًا أَوْ بَعْدَ ذَاكَ ثَلاثَةٌ فِرَاقُ حَبِيبٍ لَمْ يَبِنْ وَهُوَ بَائِنُ فَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مَنِيَّتِي بِكَفِّي إِلا أَنَّ مَا حَانَ حَائِنُ ثُمَّ جَعَلَ يَأْتِي مَنْزِلَهَا وَيَبْكِي ، فَلامُوهُ ، فَقَالَ : كَيْفَ السُّلُوُّ وَلا أَزَالُ أَرَى لَهَا رَبْعًا كَحَاشِيَةِ الْيَمَانِي الْمُخْلَقِ رَبْعًا لِوَاضِحَةِ الْجَبِينِ فِي عِزَّةٍ كَالشَّمْسِ إِذ طَلَعَتْ رَخِيمَ الْمَنْطِقِ قَدْ كُنْتُ أَعْهَدُهَا بِهِ فِي عِزَّةٍ وَالْعَيْشُ صَافٍ وَالْعِدَى لَمْ تَنْطِقِ حَتَّى إِذَا هَتَفُوا وَأذَّنَ فِيهِمُ دَاعِي الشَّتَاتِ بِرِحْلَةٍ وَتَفَرُّقِ خَلَتِ الدِّيَارُ فَزُرْتُهَا فَكَأَنَّنِي ذُو حَيَّةٍ مِنْ سِمِّهَا لَمْ يَفْرُقِ وَهُوَ الْقَائِلُ : وَكُلُّ مُلِمَّاتِ الزَّمَانِ وَجَدْتُهَا سِوَى فُرْقَةِ الأَحْبَابِ هَيِّنَةَ الْخَطْبِ وَمِنْ شِعْرِهِ : وَلَوْ أَنَّنِي أَسْتَطِيعُ صَبْرًا وَسُلْوةً تَنَاسَيَتُ لُبْنَى غَيْرَ مَا مُضْمِرٍ حِقْدَا وَلَكِنَّ قَلْبِي قَدْ تَقَسَّمَهُ الْهَوَى شَتَاتًا فَمَا أَلْفَى صَبُورًا وَلا جَلَدًا سَلِ اللَّيْلَ عَنِّي كَيْفَ أَرْعَى نُجُومَهُ وَكَيْفَ أُقَاسِي الْهَمَّ مُسْتَخْلِيًا فَرْدَا كَأَنَّ هُبُوبُ الرِّيحِ مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ تُثِيرُ قَنَاةَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ النَّدَا " . وَعَنْ أَبِي عُمَرَ الشَّيْبَانِيِّ , قَالَ : خَرَجَ قَيْسُ بْنُ ذَرِيحٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَامْتَدَحَهُ ، فَأَدْنَاهُ وَأَمَرَ لَهُ بِخْمَسَةَ آلافِ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ ، وَقَالَ : " كَيْفَ وَجْدُكَ بِلُبْنَى ؟ " , قَالَ : أَشَدُّ وَجْدٍ ، قَالَ : " فَتَرْضَى زَوَاجَهَا ؟ " , قَالَ : مَالِي فِي ذَلِكَ مِنْ حَاجَةٍ ، قَالَ : " فَمَا حَاجَتُكَ ؟ " , قَالَ : تَأْذَنُ لِي فِي الإِلْمَامِ بِهَا ، وَتَكْتُبُ إِلَى عَامِلِكَ ، فَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُفَرِّقَ الْمَوْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَأَنْشَدَهُ : أَضَوْءُ سَنَا بَرْقٍ بَدَا لَكَ لَمْعُهُ بِذِي الأَثْلِ مِنْ أَجْرَاعِ بثنة تَرْقُبُ نَعَمْ إِنَّنِي صَبٌّ هُنَاكَ مُوَكَّلٌ بِمَنْ لَيْسَ يُدَنِّينِي وَلا يَتَقَرَّبُ مَرِضْتُ فَجَاءُوا بِالْمُعَالِجِ وَالرُّقَى وَقَالُوا : بَصِيرٌ بِالدَّوَاءِ مُجَرَّبُ فَلَمْ يُغْنِ عَنِّي مَا يَعْقِدُ طَائِلا وَلا مَا يُمَنِّينِي الطَّبِيبُ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ أُنَاسٌ وَالظُّنُونُ كَثِيرَةً وَأَعْلَمُ شَيْءٍ بِالْهَوَى مَنْ يُجَرِّبُ أَلا إِنَّ فِي الْيَأْسِ الْمُفَرِّقُ رَاحَةً سَيُسْلِيكَ عَمَّنْ نَفْعُهُ عَنْكَ يَعْزُبُ فَكُلُّ الَّذِي قَالُوا بَلَوْتُ فَلَمْ أَجِدْ لِذِي الشَّجْوِ أَشْفَى مِنْ هَوَى حِينَ يَقْرُبُ عَلَيْهَا .
الأسم | الشهرة | الرتبة |