أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ بْنِ الرِّفْعَةِ الْعَدَوِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا غَازِي بْنُ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الدِّمَشْقِيُّ الْحَلَاوِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ الدَّارَقَزِّيُّ . ح وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ ، قَالَا : أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ الْمِنْقَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : " بَعَثَنِي بَنُو مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ ، فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، فَأَتَيْتُهُ بِإِبِلٍ كَأَنَّهَا عُرُوقُ الْأَرْطَاةِ ، فَقَالَ : " مَنِ الرَّجُلُ ؟ " فَقُلْتُ : عِكْرَاشُ بْنُ ذُؤَيْبٍ . قَالَ : " ارْفَعْ فِي النَّسَبِ " . فَقُلْتُ : ابْنُ حُرْقُوصِ بْنُ جَعْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ النَّزَّالِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ ، وَهَذِهِ صَدَقَاتُ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ . فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : " هَذِهِ إِبِلُ قَوْمِي ، هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِي " . فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنْ تُوسَمَ بِمَيْسَمِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ ، وَتُضَمُّ إِلَيْهَا ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى مَنْزَلِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " هَلْ مِنْ طَعَامٍ ؟ " فأُتِينَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَذْرِ ، فَأَقْبَلْنَا نَأْكَلُ مِنْهَا ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَجَعَلْتُ أَخْبِطُ فِي نَوَاحِيهَا ، فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى ، ثُمَّ قَالَ : " يَا عِكْرَاشُ ، كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ " . ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ رُطَبٍ ، أَوْ تَمْرٍ ، شَكَّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ رُطَبًا كَانَ ، أَوْ تَمْرًا ، فَجُعِلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنَ يَدِي ، وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّبَقِ ، ثُمَّ قَالَ : " يَا عِكْرَاشُ ، كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ ، فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ لَوْنٍ وَاحِدٍ " . ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ ، فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ مَسَحَ بِبَلَلِ كَفَّيْهِ وَجْهَهُ ، وَذِرَاعَيْهِ ، وَرَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : " يَا عِكْرَاشُ ، هَكَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ " . هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِتَمَامِهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ، عَن الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ ، وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ ، وَقَدْ تَفَرَّدَ الْعَلَاءُ بِهَذَا الْحَدِيثِ . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ بَعْضَهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ، فَوَقَعَ لَنَا بَدَلًا لَهُمَا عَالِيًا بِدَرَجَتَيْنِ . وَعِكْرَاشُ بْنُ ذُؤَيْبٍ يُكَنَّى : أَبَا الصَّهْبَاءِ ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ : لَهُ صُحْبَةٌ ، غَيْرَ أَنِّي لَسْتُ بِالْمُعْتَمِدِ عَلَى إِسْنَادِ خَبَرِهِ . وَذَكَرَ الْعَلَاءَ بْنَ الْفَضْلِ فِي الضُّعَفَاءِ ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : مَا وَافَقَ الثِّقَاتِ فِيهِ ، فَإِنِ اعْتُبِرَ مُعْتَبَرٌ بِهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا . وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي : الْمِيزَانِ : صَدُوقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَأَمَّا عُبَيْدُ بْنُ عِكْرَاشٍ ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ : لَا يَثْبُتُ حَدِيثُهُ . وَقَالَ مَرَّةً : فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : مَجْهُولٌ . وَقَدْ ذُكِرَ عِكْرَاشٌ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ ، فَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ حَضَرَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقْعَةَ الْجَمَلِ . وَقَدِ اعْتَبَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ فِي قَوْلِهِ : أَنَّ آخِرَ الصَّحَابَةِ مَوْتًا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ ، بِأَنَّ عِكْرَاشَ بْنَ ذُؤَيْبٍ عَاشَ بَعْدَ سَنَةِ الْجَمَلِ مِائَةَ سَنَةٍ ، فَيَكُونُ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الِاشْتِقَاقِ . قُلْتُ : وَهَذَا مَرْدُودٌ إِجْمَاعًا ، وَابْنُ دُرَيْدٍ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا حَكَى حِكَايَةً بِغَيْرِ إِسْنَادٍ مُحْتَمَلَةً لِلتَّأْوِيلِ ، وَأَخَذَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ مِنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، فَإِنَّهُ حَكَى فِي كِتَابِ الْمَعَارِفِ ، أَنَّ عِكْرَاشًا حَضَرَ مَعَ عَلِيٍّ وَقْعَةَ الْجَمَلِ ، وَأَنَّ عَلِيًّا مَسَحَ رَأْسَهُ ، وَعَاشَ عِكْرَاشٌ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةَ سَنَةٍ ، فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ لَمْ يَرْوِهَا بِإِسْنَادٍ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَكْمَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةَ سَنَةٍ ، فَكَانَ جَمِيعُ عُمْرِهِ مِائَةَ سَنَةٍ ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ ، قَالَهُ مُسْلِمٌ ، وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ ، وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ مَنْدَهْ ، وَغَيْرُهُمْ . وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِمْ خِلَافَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، فَإِنَّهُ قَالَ : آخِرُهُمْ مَوْتًا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : لَوْ مِتُّ لَمْ تَسْمَعُوا أَحَدًا ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا كَانَ خِطَابُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ذَلِكَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ وَهْبَ بْنَ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ رَوَى ، قَالَ : كُنْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ فَرَأَيْتُ جِنَازَةً ، فَسَأَلْتُ عَنْهَا ، فَقَالُوا : هَذَا أَبُو الطُّفَيْلِ . وَقَدْ مَاتَ سَهْلٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي مَوْتِهِ أَنَّهُ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ وَاحِدًا عَلَى أَنَّ آخِرَهُمْ مَوْتًا أَبُو الطُّفَيْلِ . وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ فِي سَنَةِ مِائَةٍ ، قَالَهُ مُسْلِمٌ ، وَخَلِيفَةُ ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَقِيلَ : بَقِيَ إِلَى سَنَةِ اثْنَيْنِ وَمِائَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ ، وَقِيلَ : بَقِيَ إِلَى سَبْعٍ وَمِائَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ ، وَعَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ ، وَأَبِي زَكَرِيَّا بْنِ مَنْدَهْ . وَقِيلَ : بَقِيَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَمِائَةٍ ، وَصَحَّحَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ فِي الْوَفِيَّاتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى كَذَبِ مَنِ ادَّعَى ، أَنَّهُ بَقِيَ بَعْدَ سَنَةِ عَشْرٍ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا : " أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ " . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ . فَعَلَى هَذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ بَعْدَ سَنَةِ عَشْرٍ ، وَكَيْفَ يَظُنُّ عَاقِلٌ أَنَّهُ يَعِيشُ وَاحِدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى بَعْدِ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ فِي بَلَدٍ مِنَ الْبِلَادِ ، أَوْ فِي حَيٍّ مِنَ الْأَحْيَاءِ ، وَلَا يَعْرِفُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَلَا يَقْصِدْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَلَا يَسْمَعُ مِنْهُ أَحَدٌ ، وَإِنَّمَا انْفَرَدَ عَنْهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالرِّوَايَةِ ؟ ! ! هَذَا مَا لَا يَقَعُ فِي الذِّهْنِ إِمْكَانُهُ مَعَ حِرْصِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى طَلَبِ الصَّحَابَةِ وَالسَّمَاعِ مِنْهُمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .