أَخْبَرَنِي الْمُسْنِدُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ ، قَالَ : قُرِئَ عَلَى شَرَفِ خَاتُونَ بِنْتِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ ظَافِرٍ ، وَأَنَا أَسْمَعُ ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْيَلْدَانِيُّ ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ سَعْدِ بْنِ بَوْشٍ ، أَنَا أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ ، أَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ ، أَنَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، أَنَا الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَارِبٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا لِيُضِلَّ بِهِ النَّاسَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " . هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَفَرَّدَ بِهِ الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَارِبٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ ، وَهُوَ صَدُوقٌ . وَشَيْخُهُ عُمَرُ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ ، وَابْنُ مَعِينٍ ، وَالْبُخَارِيُّ ، وَأَبُو حَاتِمٍ ، وَأَبُو زُرْعَةَ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ ، وَغَيْرُهُمْ ، إِلا أَنَّهُ لَمْ يُتَّهَمْ بِالْكَذِبِ . وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مُتَابَعَةً . وَفِي الْمَتْنِ زِيَادَةٌ مُسْتَغْرَبَةٌ ، وَمَا فِيهِ مَشْهُورٌ بَلْ مُتَوَاتِرٌ . فَأَمَّا الزِّيَادَةُ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : " لِيُضِلَّ بِهِ النَّاسَ " . وَرَوَيْتُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ . وَفِي أَسَانِيدِهَا كُلِّهَا مَقَالٌ . وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ مِمَّنْ جَوَّزُوا وَضْعَ الْحَدِيثِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ . وَجَعَلُوا اللامَ لِلتَّعْلِيلِ ، فَقَالُوا : إِنَّمَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ مِنْ قَصْدِ الإِضْلالِ . وَهَذَا التَّعْلِيقُ بَاطِلٌ . فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ قِسْمٌ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ . فَمَنْ رَتَّبَ عَلَى عَمَلٍ ثَوَابًا فَقَدْ نَسَبَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَا لَمْ يَقُولاهُ . وَهَذَا مِنَ الإِضْلالِ . وَللزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا مَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ اللامَ إِنَّمَا هِيَ للتَّأْكِيدِ ، وَلا مَفْهُومَ لَهَا . وَهَذَا جَوَابُ الطَّحَاوِيِّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فِي هَذَا الْخَبَرِ . قَالَ : وَمِثْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ سورة الأنعام آية 144 . فَافْتِرَاؤُهُ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا سَوَاءَ قَصَدَ بِهِ الإِضْلالَ أَمْ لا . وَالْمَعْنَى الثَّانِي : أَنَّ اللامَ لِلْعَاقِبَةِ وَالصَّيْرُورَةِ ، أَيْ إِنَّ عَاقِبَةَ هَذَا الْكَاذِبِ وَمَصِيرَهُ إِلَى الإِضْلالِ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا سورة القصص آية 8 . وَهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِذَلِكَ بَلْ كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ أَنْ صَارَ كَذَلِكَ . وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهَذِهِ الزِّيَادَةِ لا تَثْبُتُ . وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، بِالإِسْنَادِ الَّذِي أَوْرَدْتُهُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الزِّيَادَةَ . وَهَكَذَا رَوَيْنَاهُ بِدُونِهَا فِي جُزْءِ أَبِي عَمْرِو بْنِ نُجَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ عَاصِمٍ الْهِسِنْجَانِيِّ ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَارِبٍ . وَأَصْلُ الْحَدِيثِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ . وَأَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا ، مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ، وَأَبِي قَتَادَةَ . وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، وَوَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ . وَهَذِهِ الطُّرُقِ كُلِّهَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ . وَرَوَيْنَاهُ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ يُحْتَجُّ بِمِثْلِهَا مِنْ حَدِيث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، وَخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ ، وَطَارِقٍ الأَشْجَعِيِّ ، وَعَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ ، وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ، وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، وَأَبِي قِرْصَافَةَ ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ . فَهَذِهِ طُرُقُهُ الصِّحَاحُ وَالْحِسَانُ عَنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا . وَرَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ خَمْسِينَ صَحَابِيًّا غَيْرَهُمْ ، فِيهَا مَقَالٌ . وَبَعْضُهَا يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَاتِ . وَقَدْ جَمَعَ طُرُقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ . فَأَوَّلُ مَنْ رَأَيْتُ كَلامَهُ فِي ذَلِكَ : أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْبَزَّارُ ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ . وَهَؤُلاءِ بَلَغُوا بِهِمْ إِلَى أَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا . ثُمَّ جَمَعَ طُرُقَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ يُقَارِبُ السِّتِّينَ . ثُمَّ جَمَعَهَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدَوَيْهِ ، فَزَادَ قَلِيلا . ثُمَّ جَمَعَهَا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ ، وَجَاوَزَ الثَّمَانِينَ . وَكَذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ النَّيْسَابُورِيُّ . ثُمَّ جَمَعَهَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجُوزِيِّ تَقَارَبَ الْمِائَةَ . وَهَذَا فِي النُّسْخَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ كِتَابِهِ الْمَوْضُوعَاتِ . ثُمَّ جَمَعَهَا الْحَافِظَانِ : أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيُّ ، فَجَاوَزُوا الْمِائَةَ . وَعِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَيْسَ عِنْدَ الآخَرِ . وَيَتَحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ الطُّرُقِ كُلِّهَا قَدْرَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ، إِلا أَنَّ فِي رِوَايَةِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ ذُكِرَ الزَّجْرُ عَنِ الْكَذِبِ مُطْلَقًا . وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، أَنَّهُ رَوَاهُ مِائَتَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .