ملطية


تفسير

رقم الحديث : 308

وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد ، عَنِ الواقدي ، في إسناده ، قَالَ : كان المسلمون نزلوا طرندة بعد أن غزاها عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الملك سنة ثلاث وثمانين ، وبنوا بها مساكن ، وهي من ملطية عَلَى ثلاث مراحل واغلة في بلاد الروم ، وملطية يومئذ خراب ليس بها إلا ناس من أهل الذمة منَ الأرمن وغيرهم ، فكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة في الصيف ، فيقومون بها إِلَى أن وتسقط الثلوج ، فإذا كان ذلك قفلوا ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رحل أهل طرندة عنها وهم كارهون ، وذلك لإشفاقه عليهم من العدو واحتملوا ، فلم يدعوا لهم شيئا حتى كسروا خوابي الخل والزيت ، ثم أنزلهم ملطية وأخرب طرندة وولى ملطية جعونة بن الحارث أحد بني عامر بن صعصعة . ينزل الشتاء قَالُوا : وخرج عشرون ألفا منَ الروم في سنة ثلاث وعشرين ومائة ، فنزلوا عَلَى ملطية فأغلق أهلها أبوابها وظهر النساء عَلَى السور عليهن العمائم ، فقاتلن وخرج رَسُول لأهل ملطية مستغيثا ، فركب البريد وسار حَتَّى لحق بهِشَام بْن عَبْد الملك ، وهو بالرصافة ، فندب هِشَام الناس إِلَى مطلية ، ثُمَّ أتاه الخبر بأن الروم قَدْ رحلت عنها ، فدعا الرسول فاخبره وبعث معه خيلا ليرابط بها ، وغزا هِشَام نفسه ، ثُمَّ نزل ملطية وعسكر عليها حَتَّى بنيت ، فكان ممره بالرقة دخلها متقلدا سيفا ، ولم يتقلده قبل ذلك في أيامه . قَالَ الواقدي : لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائة أقبل قسطنطين الطاغية عامدا لملطية ، وكمخ يومئذ في أيدي المسلمين وعليها رجل من بني سليم ، فبعث أهل كمخ الصريخ إِلَى أهل ملطية ، فخرج إِلَى الروم منهم ثمانمائة فارس ، فواقعهم خيل الروم فهزمتهم ، ومال الرومي فأناخ عَلَى ملطية ، فحصر من فيها والجزيرة يومئذ مفتونة ، وعاملها موسى بْن كعب بحران ، فوجهوا رسولا لهم إليه ، فلم يمكنه إغاثتهم ، وبلغ ذلك قسطنطين ، فقال لهم : يا أهل ملطية إني لم آتيكم إلا عَلَى علم بأمركم ، وتشاغل سلطانكم عنكم انزلوا عَلَى الأمان ، واخلوا المدينة وأخربها ، وأمضى عنكم فأبوا عَلَيْهِ ، فوضع عليها المجانيق ، فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل ، ثُمَّ استعدوا للرحلة ، وحملوا ما استدق لهم وألقوا كثيرا مما ثقل عليهم في الآبار والمخابئ ، ثُمَّ خرجوا وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إِلَى منقطع آخرهم مخترطي السيوف طرف سيف كل واحد منهم مع طرف سيف الَّذِي يقابله ، حَتَّى كأنها عقد قنطرة ، ثُمَّ شيعوهم حَتَّى بلغوا مأمنهم ، وتوجهوا نحو الجزيرة فتفرقوا فيها ، وهدم الروم ملطية ، فلم يبقوا منها إلا هريا ، فإنهم شعثوا منه شيئا يسيرا ، وهدموا حصن قلوذية ، فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة كتب المَنْصُور إِلَى صالح بْن علي يأمره ببناء ملطية وتحصينها ، ثُمَّ رأى أن يوجه عَبْد الوهاب بْن إِبْرَاهِيم الإمام واليا عَلَى الجزيرة وثغورها ، فتوجه في سنة أربعين ومائة ، ومعه الْحَسَن بْن قحطبة في جنود أهل خراسان ، فقطع البعوث عَلَى أهل الشام والجزيرة ، فتوافى معه سبعون ألفا ، فعسكر عَلَى ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد ، فأخذ في بنائها ، وكان الْحَسَن بْن قحطبة ربما حمل الحجر حَتَّى يناوله البناء ، وجعلت يغدي الناس ويعشيهم من ماله مبرزا مطابخه ، فغاظ ذلك عَبْد الوهاب ، فكتب إِلَى أَبِي جَعْفَر يعلمه أنه يطعم الناس ، وأن الْحَسَن يطعم أضعاف ذلك التماسا ، لأن يطوله ويفسد ما يصنع ويهجنه بالإسراف والرياء ، وأن له منادين ينادون الناس إِلَى طعامه ، فكتب إليه أَبُو جَعْفَر يا صبي يطعم الْحَسَن من ماله ، وتطعم من مالي ما أتيت إلا من صغر خطرك ، وقلة همتك ، وسفه رأيك ، وكتب إِلَى الْحَسَن إن أطعم ولا تتخذ مناديا ، فكان الْحَسَن يقول : من سبق إِلَى شرفة فله كذا ، فجد الناس في العمل حَتَّى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر ، وبنى للجند الَّذِينَ أسكنوها لكل عرافة بيتان سفليان ، وعليتان فوقهما واصطبل ، والعرافة عشرة نفر إِلَى خمسة عشر رجلا ، وبنى لها مسلحة عَلَى ثلاثين ميلا منها ، ومسلحة عَلَى نهر يدعى قباقب يدفع في الفرات ، وأسكن المَنْصُور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة ، لأنها من ثغورهم عَلَى زيادة عشرة دنانير في عطاء كل رجل ومعونة مائة دينار ، سوى الجعل الَّذِي يتجاعله القبائل بينها ، ووضع فيها شحنتها منَ السلاح ، وأقطع الجند المزارع وبنى حصن قلوذية ، وأقبل قسطنطين الطاغية في أكثر من مائة ألف ، فنزل جيحان ، فبلغه كثرة العرب فأحجم عنها وسمعت من يذكر أنه كان مع عَبْد الوهاب في هَذَا الغزاة نَصْر بْن مَالِك الخزاعي ، ونصر بْن سَعْد الكاتب مولى الأنصار ، فقال الشاعر : تكنفك النصران نَصْر بْن مَالِك ونصر بْن سَعْد عز نصرك من نَصْر وفي سنة إحدى واربعين ومائة أغزا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم ملطية في جند من أهل خراسان ، وعلى شرطته المسيب بْن زهير ، فرابط بها لئلا يطمع فيها العدو ، فتراجع إليها من كان باقيا من أهلها ، وكانت الروم عرضت لملطية في خلافة الرشيد ، فلم تقدر عليها وغزاهم الرشيد رحمه اللَّه فأشجاهم وقمعهم . وقالوا : وجه أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح ، وهو بمنبج خَالِد بْن الوليد إِلَى ناحية مرعش ففتح حصنها عَلَى أن جلا أهله ، ثُمَّ أخربه وكان سُفْيَان بْن عوف الغامدي لما غزا الروم في سنة ثلاثين ، رحل من قبل مرعش ، فساح في بلاد الروم ، وكان معاوية بنى مدينة مرعش ، وأسكنها جندا ، فلما كان موت يزيد بْن معاوية كثرت غارات الروم عليهم ، فانتقلوا عنها ، وصالح عَبْد الملك الروم بعد موت أبيه مروان بْن الحكم ، وطلبه الخلافة عَلَى شيء كان يؤديه إليهم ، فلما كانت سنة أربع وسبعين غزا مُحَمَّد بْن مروان الروم ، وانتقض الصلح ، ولما كانت سنة خمس وسبعين غزا الصائفة أيضا مُحَمَّد بْن مروان ، وخرجت الروم في جمادى ، الأولى من مرعش إِلَى الأعماق ، فزحف إليهم المسلمون ، وعليهم أبان بْن الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط ، ومعه دينار بْن دينار مولى عَبْد الملك بْن مروان ، وكان عَلَى قنسرين وكورها ، فالتقوا بعمق مرعش فاقتتلوا قتالا شديدا ، فهزمت الروم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ، وكان دينار لقي في هَذَا العام جماعة منَ الروم بجسر يغرا ، وهو من شمشاط عَلَى نحو من عشرة أميال ، فظفر بهم ، ثُمَّ أن العَبَّاس بْن الوليد بْن عَبْد الملك صار إِلَى مرعش ، فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها ، وبنى لها مسجدا جامعا كان يقطع في كل عام عَلَى أهل قنسرين بعثا إليها ، فلما كانت أيام مروان بْن مُحَمَّد ، وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم ، وحصرت مدينة مرعش حَتَّى صالحهم أهلها عَلَى الجلاء ، فخرجوا نحو الجزيرة ، وجند قنسرين بعيالاتهم ، ثُمَّ أخربوها ، وكان عامل مروان عليها يومئذ الكوثر بْن زفر بْن الحارث الكلابي ، وكان الطاغية يومئذ قسطنطين بْن اليون ، ثُمَّ لما فرغ مروان من أمر حمص ، وهدم سورها بعث جيشا لبناء مرعش فبنيت ومدنت ، فخرجت الروم في قتنته ، فأخربتها فبناها صالح بْن علي في خلافة أَبِي جَعْفَر المَنْصُور ، وحصنها وندب الناس إليها عَلَى زيادة العطاء ، واستخلف المهدي فزاد في شحنتها ، وقوى أهلها .

الرواه :

الأسم الرتبة