تفسير

رقم الحديث : 392

قَالَ البيهقي : وروى من وجه آخر عَن ابن عَبَّاس بزيادات كثيرة ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مُحَمَّد بْن الحسين بن محمد بن موسى السلمى ، حدثنا أبو العباس الوليد بن سعيد بن حاتم بن عيسى الفسطاطي بِمكة من حفظه ، وجعل يزعم أَن لَهُ خمسًا وتسعين سنة فِي ذي الحجة سنة ست وستين وثلاث مائة عَلَى باب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حَدَّثَنَا عيسى بْن مُحَمَّد الأخباري ، أَنْبَأنَا عيسى بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد الْقُرَشِيّ ، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سُلَيْمَان ، عَن سُلَيْمَان بْن علي ، عَن عَلِيّ بْن عَبْد الله بْن عَبَّاس ، عَن عَبْد الله بْن عباس ، قَالَ : " قدمَ الجارود بْن عَبْد الله فكان سيدًا فِي قومه ، مطاعًا عظيمًا فِي عشيرته ، مطاع الأمر ، رفيع القدر ، عظيم الخطر ، ظاهر فِي الأدب ، شامخ الحسب ، بديع الجمال ، حسن الفعال ، ذا منعة ومال ، فِي وفد عَبْد القيس من ذوي الأخطار والأقدار ، والفضل والإحسان ، والفصاحة والبرهان ، كل رَجُل منهم كالنخلة السحوق ، عَلَى ناقة كالفحل الفنيق ، قد جنبوا الجياد ، وأعدوا للجلاد ، مجدين فِي سيرهم ، حازمين فِي أمرهم ، يسيرون ذميلاً ، ويقطعونَ ميلاً فميلاً ، حتى أناخوا مسجد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأقبل الجارود عَلَى قومه والشايخ من بني عمه ، فقال : يا قوم هذا مُحَمَّد الأغر سيد العرب ، وخير ولد عَبْد المطلب ، فإذا دخلتم عَلَيْهِ ووقفتم بين يديه ، فأحسنوا في السلام ، وأقلوا عنده الكلام . فقالوا بأجمعهم : أيها الملك الهمام ، والأسد الضرغام ، لن نتكلم إذا حضرت ، ولن نجاوز إذا أمرت ، فقل ما شئت فإنا سامعون ، واعمل ما شئت ، فإنا تابعون . فنهض الجارود ، فِي كل كمي صنديد ، قد ذوبوا العمائم ، وتردوا بالصمائم ، يجرون أسيافهم ، ويسبحون أذيالَهم ، يتناشدونَ الأشعار ، ويتذاكرون مناقب الأخيار ، لا يتكلمون طيّا ، ولا يسكتون عيّا ، إن أمرهم ائتمروا ، وإن زجرهم ازدجروا ، كأنّهم أسد غيل ، يقدمها ذو لبوة مهول ، حتى مثلوا بين يدي النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلمّا دخلَ القومُ المسجد ، وأبصرهم أهل المشهد ، دلف الجارود أمام النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وحسر لثامه ، وأحسن سلامه ، ثُمَّ أنشأ يَقُولُ : يا نبي الهدى أتتك رجال قطعت فدافدًا وآلا فآلا وطوت نحوك الصحاصح طيًّا لا تَخال الكلال فيك كلالا كل دهماء يقصر الطرف عنها أرقلتها قلاصنًا أرقالا وطوتها الجياد تجمح فيها بكماة كأنجم تتلالا تبتغي دفع بأس يوم عبوس أوجل القلب ذكره ثُمَّ هالا فلما سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فرح فرحًا شديدًا ، وقربه وأدناهُ ، ورفع مجلسه وحياه ، وأكرمه ، وقال : " يا جارود ، لقد تأخر بك وبقومك الموعد ، وطال بكم الأمد " . قَالَ : والله يا رسول الله لقد أخطأ من أخطأك قصده ، وعدم رشده ، وتلك وايم الله أكره خيبة ، وأعظم حوبة ، والرائد لا يكذب أهله ، ولا يغش نفسه ، لقد جئت بالحق ، ونطقت بالصدق ، والذي بعثك بالحق نبيًّا ، واختارك للمؤمنين وليًّا ، لقد وجدت وصفك فِي الإنجيل ، ولقد بشر بك ابن البتول ، وطول التحية لك ، والشكر لِمن أكرمك وأرسلك ، لا أثر بعد عين ، ولا شك بعد يقين ، مد يدك ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك مُحَمَّد رسول الله . قَالَ : فآمن الجارود من قومه كل سيد ، وسر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهم سرورًا ، وابتهج حبورًا ، وقال : " يا جارود هَلْ فِي جماعة وفد عَبْد القيس من يعرف لنا قسًا ؟ " قَالَ : كلنا نعرفه يا رسول الله ، وأنا من بين قومي كنتُ أقفو أثره ، وأطلب خبره ، كَانَ قس سبطًا من أسباط العرب ، صحيح النسب ، فصيحًا إذا خطب ، ذا شيبة حسنة ، عُمَر سبع مائة سنة ، يتقفر القفار ، لا تكنه دار ، ولا يقره قرار ، يتحسى فِي تقفر بيض الحمام ، ويأنسُ بالوحش والهوام ، يلبس المسوح ، ويتبعُ السياح عَلَى منهاج المسيح ، لا يفترُ من الرهبانية ، مقر لله بالوحدانية ، تضرب بِحكمته الأمثال ، وتكشفُ بِهِ الأهوال ، وتتبعه الأبدال ، أدركَ رأس الحواريين سمعان ، فهو أول من تأله من العرب ، وأعبد من تعبد فِي الحقب ، وأيقنَ بالبعث والحساب ، وحذر سوء المنقلب والمآب ، ووعظ بذكر الموت ، وأمر بالعمل قبل الفوت ، الْحَسَن الألفاظ ، الخاطب بسوق عكاظ ، العالم بشرق وغرب ، ويابس ورطب ، وأجاج وعذب ، كأني أنظرُ إِلَيْهِ ، والعربُ بين يديه ، يقسم بالرب الَّذِي هو له ، ليبلغنَّ الكتاب أجله ، وليوفين كل عامل عمله ، ثُمَّ أنشأ يَقُولُ : هاج للقلب من جواه ادِّكار وليال خلالهن نَهار ونجوم يحثها قمر الليل وشمس فِي كل يوم تُدار ضوءها يطمس العيون وإرعاد شديد فِي الخافقين مطار وغلام وأشمط ورضيع كلهم فِي التراب يومًا يُزارُ وقصور مشيدة حوت الخير وأخرى خلت فهن قفارُ وكثير مما يقصر عَنْهُ حدسه الناظر الَّذِي لا يُحارُ والذي قد ذكرت دل على الله نفوساً لها هدى واعتبار فقال النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَى رسلك يا جارود ، فلست أنساهُ بسوق عكاظ عَلَى جمل لَهُ أورق ، وهو يتكلمُ بكلام مونق ، ما أظنُ أني أحفظه ، فهل منكم يا معشرَ المهاجرين والأنصار من يحفظُ لنا منه شيئًا ؟ " فوثب أَبُو بَكْر قائمًا ، فقال : يا رسول الله ، إني أحفظه ، وكنتُ حاضرًا ذَلِكَ اليوم بسوق عكاظ حين خطبَ فأطنبَ ، ورغب ورهب ، وحذر وأنذر ، فقال فِي خطبته : أيها الناس اسمعوا وعوا ، وإذا وعيتم فانتفعوا ، إنه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هُوَ آت آت ، مطر ونبات ، وأرزاق وأقوات ، وآباء وأمهات ، وأحياء وأموات ، وجميع وأشتات ، وآيات بعد آيات ، إن فِي السماء لخبرًا ، وإن فِي الأرض لعبرًا ، ليلٌ داج ، وسماء ذات أبراج ، وبِحار ذات أمواج ، مالي أرى الناس يذهبونَ فلا يرجعون ، أرضوا بالمقام فأقاموا ، أم تركوا هناك فناموا ، أقسم قس قسمًا ، حقًّا لا حانثًا فِيهِ ولا آثمًا ، إن لله دينًا هُوَ أحب إِلَيْهِ من دينكم الَّذِي أنتم عَلَيْهِ ، ونبيًّا قد حان حينه ، وأظلكم أوانه ، وأدرككم إبانه ، فطوبى لِمن آمن بِهِ فهداه ، وويلٌ لِمن خالفه وعصاه . ثُمَّ قَالَ : تبًا لأرباب الغفلة من الأمم الخالية ، والقرون الماضية ، يا معشر إياد ، أَيْنَ الآباء والأجداد ؟ وأين المريضُ والعواد ؟ وأين الفراعنة الشداد ؟ أَيْنَ من بنى وشيد ، وزخرف ونجد ، وغره المال والولد ؟ أَيْنَ من بغى وطغى ، وجمع فأوعَى ، وقال : أَنَا ربكم الأعلى ؟ ألم يكونوا أكثر منكم مالاً ، وأبعد منكم آمالاً ، وأطول منكم آجالاً ؟ طحنهم الثرى بكلكله ، ومزقهم بتطاوله ، فتلك عظامهم بالية ، وبيوتهم خالية ، عمرتها الذئاب العاوية ، كلا بل هُوَ الله الواحد المعبود ، لَيْسَ بوالد ولا مولود . ثُمَّ أنشأ يَقُولُ : فِي الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيتُ مواردًا للموت لَيْسَ لَهَا مصادر ورأيتُ قومي نَحوها تَمضي الأصاغرُ والأكابر لا يرجعُ الماضي إليّ ولا من الباقين غابر أيقنتُ أني لا محالة حيث صار القومُ صائر قَالَ : ثُمَّ جلس ، فقام رجلٌ من الأنصار فعده ، كأنه قطعة جبلٍ ذو هامة عظيمة ، وقامة جسيمة ، قد ذوب عمامته ، وأرخى ذؤابته ، منيف أنوف أشدق أجش الصوت ، فقال : يا سيد المرسلين ، وصفوة رب العالمين ، لقد رأيت من قس عجبًا ، وشهدتُ أمرًا مرعبًا ، فقال : " وما الَّذِي رَأَيْته وحفظته عَنْهُ " . فقال : خرجتُ فِي الجاهلية أطلب بعيرًا شرد مني كنت أقفو أثره ، وأطلب خبره ، فِي تنائف حقائف ذات دعادع ، لَيْسَ بِهَا للكرب مقيل . ولا لغير الجن سبيل ، وإذا أَنَا بموئل مهول ، فِي طود عظيم ، لَيْسَ بِهِ إلا البوم ، وأدركني الليل فولجته مذعورًا لآمن فِيهِ حتفي ، ولا أركن إلى غير سيفي ، فبتُ بليل طويل ، كأنه بليل موصول ، أرقب الكواكب ، وأرمقُ الغياهب ، حتى إذا الليلُ عسعس ، وكاد الصبحُ أن يتنفس ، هتف إليّ هاتف ، يَقُولُ : يا أيها الراقدُ فِي الليل الأحم قد بعث الله نبيًا فِي الحرم من هاشم أهل الوفاء والكرم يجلو دجنات الليل والبهم قَالَ : فأدرتُ طرفي فما له رأيتُ شخصًا ، ولا سمعتُ لَهُ فحصًا ، فأنشأتُ أقول : يأيُّها الهاتف فِي داجي الظلم أهلاً وسهلاً بك من طيف ألم بين هداك لي فِي لحن الكلم وما الَّذِي تدعو إِلَيْهِ تغتنم قَالَ : فإذا نحنُ بنحنحة ، وقائل يَقُولُ : ظهر النور وبطل الزور ، وبعث الله محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحبور ، صاحب النجيب الأحمر ، والتاج والمغفر ، والوجه الأزهر ، والحاجب الأقمر ، والطرف الأحور ، صاحب قول : شهادة أن لا إله إلا الله ، فذاك مُحَمَّد المبعوث إلى الأسود والأبيض أهل المدر والوبر ، ثُمَّ أنشأ يَقُولُ : الحمد لله الَّذِي لَم يخلق الخلق عبث ولَم يخلنا سدى من بعد عيسى واكترث أرسل فينا أَحْمَد خير نبي قد بعث صلى عَلَيْهِ الله ما حن لَهُ ركب وحث قَالَ : فذهلت عَن البعير ، واكتنفني السرور ، ولاح الصباح ، واتسع الإيضاح ، فتركت المور ، وأخذت الجبل فإذا أَنَا بالفنيق ، يشقشق الفوق ، فملكتُ خطامه ، وعلوت سنامه ، فمرح طاعة ، وهززته ساعة ، حتى إذا لغب ، وذل منه ما صعب ، وحميت الوسادة ، وبردت المزادة ، فإذا الراد قد دهش لَهُ الفؤاد ، فتركته فترك ، وأذنتُ لَهُ فبرك ، فِي روضة خضرة ، نضرة عطرة ، ذات حوذان وقربان ، وعذوبان وعشيران ، وحلي وأقاحي . . . وبرار ، وشقائق وأنْهَار ، كأنّها قد بات الجو بِهَا مطيرًا ، وباكرها المزن بكورًا ، فخلالها شجر ، وقرارها نَهر ، فجعل يرعى أَبَا ، وأصيد ضيا ، حتى إذا أكلت وأكل ، ونهلت ونهل ، وعللت وعل ، حللت عقاله ، وعلوت جلاله ، وأوسعت مجاله ، فاغتنمَ الحملة ، ومر كالنبلة ، يسبق الريح ، ويقطعُ عرض الفسيح ، حتى أشرف بي عَلَى واد وشجر من غير عاد ، مورقة مونقة أغصانها تتهدل ، وبريرها كأنه فلفل ، فدنوتُ فإذا بقس بْن ساعدة فِي ظل شجرة ، بيده قضيب من أراك ينكت بِهِ الأرض ، وهو يترنم بشعر ، يَقُولُ : يا ناعي الموت والأموات فِي جدث عليهم من بقايا بزهم حزق دعهم فإن لَهم يومًا يصاح بِهم فهم إذا نبهوا من نومهم فرق حتى يعودوا بِحال غير حالِهم خلقًا جديدًا كما من قبلهم خلقوا منهم عراة ومنهم فِي ثيابهم منها الجديد ومنها المنهج الخلق قَالَ : فدنوتُ منه وسلمتُ عَلَيْهِ فرد السلام ، وإذا بعين خرارة ، فِي أرض حواره ، ومسجد بين قبرين ، وأسدين عظيمين ، يلوذان بِهِ ، ويتمسحان بأثوابه ، وإذا أحدهما يسبق صاحبه إلى الماء فتبعه الآخر وطلب الماء ، فضربه بالقضيب الَّذِي فِي يده ، وقال : ارجع ثكلتك أمك حتى يشرب الَّذِي ورد قبلك . فرجع ثُمَّ ورد بعده ، فقلتُ لَهُ : ما هذان القبران ؟ فقال : هذا قبر أخوين لي كانا يعبدان الله معي فِي هذا المكان لا يشركان بالله شيئًا ، فأدركهما الموتُ فقبرتهما ، وهأَنَا بين قبريهما حتى ألحق بهما . ثُمَّ نظر إليهما فتغرغرت عيناهُ بالدموع ، فانكبَّ عليهما ، وجعل يَقُولُ : خليلي هبا طالما قد رقدتما أجدكما لا تقضيان كراكما ألم تريا أني بسمعان مفرد وما لي فيها من خليل سواكما مقيمٌ عَلَى قبريكما لست بارحًا طوال الليالي أو يُجيبُ صداكما لأبكيكما طول الحياة وما الَّذِي يرد عَلَى ذي لوعة إن بكاكما أمن طول ليل لا تُجيبان داعيًا كأن الَّذِي يسقى العقار سقاكما كأنكما والموت أقرب غائب بروحي فِي قبريكما قد أتاكما فلو جعلت نفس لنفس وقاية لجدت بنفسي أن تكون فداكما فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رحم الله قسًا ، إني لأرجو أن يبعثه الله عَزَّ وَجَلَّ أمة وحده " . آثار الوضع عَلَى هذا الخبر لائحة ، وقال الحافظ ابن حجر فِي الإصابة : قد أفرد بعض الرواة طرق حديث قس بْن ساعدة ، وهو فِي الطوالات للطبراني ، وغيرها ، وطرقه كلها ضعيفة .

الرواه :

الأسم الرتبة
عَبْد الله بْن عباس

صحابي

عَلِيّ بْن عَبْد الله بْن عَبَّاس

ثقة

سُلَيْمَان بْن علي

صدوق حسن الحديث

سنة ست

مقبول

أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مُحَمَّد بْن الحسين بن محمد بن موسى السلمى

ضعيف الحديث

ابن عَبَّاس

صحابي

وجه

صدوق حسن الحديث

البيهقي

ثقة حافظ

Whoops, looks like something went wrong.