تفسير

رقم الحديث : 115

حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا هارون بْن عَلِيّ بْن الحكم ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد العزيز بْن مرداس الباهلي ، حَدَّثَنَا عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد الْقُرَشِيّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُوسَى الشيباني ، حَدَّثَنَا مسلمة بْن الصلت ، حَدَّثَنَا أَبُو علي حازم بْن المنذر العنزي ، حَدَّثَنَا عُمَرَ بْن صبيح ، عَن مقاتل بْن حبان ، عَن شهر بْن حوشب ، عَن حذيفة ، قَالَ أَبُو علي وَحَدَّثَنَا الأعمش ، عَن سُلَيْمَان بْن مُوسَى ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ ، عَن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَحُذَيْفَةَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُمْ كَانُوا جُلُوسًا ذَاتَ يَوْمٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ الْعَجَبَ . فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : سَمِعْتُ رِجَالًا يَتَحَدَّثُونَ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ . فَقَالَ : وَمَا كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ ؟ فَقَالَ : زَعَمُوا أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يُجَاءُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عُفَيْرَانِ فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ . فَقَالَ عَلِيٌّ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَحُذَيْفَةُ : كَذَبُوا ، اللَّهُ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ أَنْ يُعَذِّبَ عَلَى طَاعَتِهِ ، أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ سورة إبراهيم آية 33 يَعْنِي : دَائِبَيْنِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُ اللَّهُ عَبْدَيْنِ يُثْنِي عَلَيْهِمَا ، أَنَّهُمَا دَائِبَانِ فِي طَاعَتهِ ! فَقَالُوا لِحُذَيْفَةَ حَدِّثْنَا رَحِمَكَ اللَّهُ . فَقَالَ حُذَيْفَةُ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سُئِلَ عَن ذَلِكَ ، فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَبْرَمَ خَلْقَهُ أَحْكَامًا ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ غَيْرِهِ غَيْرُ آدَمَ ، خَلَقَ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ ، فَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَدْعُهَا شَمْسًا ، فَإِنَّهُ خَلَقَهَا مِثْلَ الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِهَا ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنْ يَطْمِسَهَا وَيُحَوِّلَهَا قَمَرًا ، فَإِنَّهُ خَلَقَهَا دُونَ الشَّمْسِ فِي الضَّوْءِ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَرَى النَّاسُ صِغَرَهُمَا لِشِدَّةِ ارْتِفَاعِ السَّمَاءِ وَبُعْدِهَا مِنَ الأَرْضِ ، وَلَوْ تَرَكَهُمَا اللَّهُ كَمَا خَلَقَهُمَا فِي بَدْءِ الأَمْرِ لَمْ يُعْرَفِ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ ، وَلا النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ ، وَلَكَانَ الأَجِيرُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَسْتَرِيحُ فِيهِ ، وَلا وَقْتٌ يَأْخُذُ فِيهِ أَجْرَهُ ، وَلَكَانَ الصَّائِمُ لا يَدْرِي إِلَى مَتَى يَصُومُ وَمَتَى يُفْطِرُ ، وَلَكَانَتِ الْمَرْأَةُ لا تَدْرِي كَيْفَ تَعْتَدُّ ، وَلَكَانَ الدُّيَّانُ لا يَدْرُونَ مَتَى تَحِلُّ دُيُونُهُمْ ، وَلَكَانَ النَّاسُ لا يَدْرُونَ أَحْوَالَ مَعَايِشِهِمْ ، وَلا يَدْرُونَ مَتَى يَسْكُنُونَ لِرَاحَةِ أَجْسَامِهِمْ ، وَلَكَانَتِ الأَمَةُ الْمُضطَهَدَةُ وَالْمَمْلُوكُ الْمَقْهُورُ وَالْبَهِيمَةُ الْمُسَخَّرَةُ لَيْسَ لَهُمْ وَقْتُ رَاحَةٍ ، فَكَانَ اللَّهُ أَنْظَرَ لِعِبَادِهِ وَأَرْحَمَ بِهِمْ ، فَأَرْسَلَ جِبْرِيلَ فَأَمَرَ بِجَنَاحِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ شَمْسٌ فَمَحَا عَنْهُ الضَّوْءَ وَبَقِيَ فِيهِ النُّورُ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً سورة الإسراء آية 12 فَالسَّوَادُ الَّذِي تَرَوْنَهُ فِي الْقَمَرِ شِبْهَ الْخُيُوطِ ، إِنَّمَا هُوَ أَثَرُ ذَلِكَ الْمَحْوِ . قَالَ : وَخَلَقَ اللَّهُ الشَّمْسَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ ضَوْءِ نُورِ الْعَرْشِ لَهَا ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ عُرْوَةً ، وَخَلَقَ اللَّهُ الْقَمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَوَكَّلَ بِالشَّمْسِ وَعَجَلَتِهَا ثَلاثَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ مَلَكًا مِنْ مَلائِكَةِ أَهْلِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، قَدْ تَعَلَّقَ كُلُّ مَلَكٍ مِنْهُمْ بِعُرْوَةٍ مِنْ تِلْكِ الْعُرَى ، وَالْقَمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَخَلَقَ لَهُمَا مَشَارِقَ وَمَغَارِبَ فِي قُطْرَيِ الأَرْضِ ، وَكَنَفَيِ السَّمَاءِ ثَمَانِينَ وَمِائَةَ عَيْنٍ فِي الْمَشْرِق ، وَثَمَانِينَ وَمائَةَ عَيْنٍ فِي الْمَغْرِبِ ، فَكُلَّ يَوْمٍ لَهُمَا مَطْلَعٌ جَدِيدٌ وَمَغْرِبٌ جَدِيدٌ مَا بَيْنَ أَوَّلِهِا مَطْلَعًا وَأَوَّلِهِا مَغْرِبًا ، فَأَطْوَلُ مَا يَكُونُ النَّهَارُ فِي الصَّيْفِ إِلَى آخِرِهَا وَآخِرِهَا مَغَرْبًا ، وَأَقْصَرُ مَا يَكُونُ النَّهَارُ فِي الشِّتَاءِ ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ سورة الرحمن آية 17 يَعْنِي : آخِرَ هَاهُنَا ، وَهَاهُنَا لَمْ يَذْكُرْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ عِدَّةِ الْعُيُونِ ، ثُمَّ جَمَعَهَا بَعْدُ ، فَقَالَ : رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ سورة المعارج آية 40 ، فَذَكَرَ عِدَّةَ تِلْكَ الْعُيُونِ كُلِّهَا . قَالَ : وَخَلَقَ اللَّهُ بَحْرًا بَيْنَه وَبَيْنَ السَّمَاءِ مِقْدَارَ ثَلاثِ فَرَاسِخَ ، وَهُوَ قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي الْهَوَاءِ لا يَقْطُرُ مِنْهُ قَطْرَةٌ ، وَالْبِحَارُ كُلُّهَا سَاكِنَةٌ وَذَنَبُ الْبَحْرِ جَارٍ فِي سُرْعَةِ السَّهْمِ ، ثُمَّ انْطِبَاقُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، فَتَجْرِي الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ الْخُنَّسُ فِي حَنَكِ الْبَحْرِ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ الشَّمْسَ دَنَتْ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ ، لأَحْرَقَتْ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ حَتَّى الصُّخُورُ وَالْحِجَارَةُ ، وَلَوْ بَدَا الْقَمَرُ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ حَتَّى تَعَايَنَهُ النَّاسُ كَهَيْئَتِهِ ، لافْتُتِنَ بِهِ أَهْلُ الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَعْصِمَهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ " . فَقَالَ حُذَيْفَةُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ مَا ذَكَرْتَ مَجْرَى الْخُنَّسِ فِي الْقُرْآنِ ، إِلا مَا كَانَ ذِكْرُكَ الْيَوْمَ ، فَمَا الْخُنَّسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : " يَا حُذَيْفَةُ ، هِيَ خَمْسَةُ كَوَاكِبَ : الْبرجيسُ ، وَعُطَارِدُ ، وَبَهْرَامُ ، وَالزُّهَرَةُ ، وَزُحَلُ ، فَهَذِهِ الْكَوَاكِبُ الْخَمْسَةُ الطَّالِعَاتُ الْغَارِبَاتُ الْجَارِيَاتُ مِثْلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَأَمَّا سَائِرُ الْكَوَاكِبِ ، فَإِنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بَيْنَ السَّمَاءِ تَعْلِيقَ الْقَنَادِيلِ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَنُجُومِ السَّمَاءِ ، لَهُنَّ دَوَرَانٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ ، فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَسْتَبِينُوا ذَلِكَ فَانْظُرُوا إِلَى دَوَرَانِ الْفُلْكِ مَرَّةً هُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا ، فَإِنَّ الْكَوَاكِبَ تَدُورُ مَعَهُ وَكُلُّهَا تَزُولُ سِوَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَعْجَبَ خَلْقَ الرَّحْمَنِ ! وَمَا بَقِيَ مِنْ قُدْرَتِهِ فِيمَا لَمْ نَرَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْجَبُ ، وَذَلِكَ قَوْلُ جِبْرِيلَ لِسَارَةَ : أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ سورة هود آية 73 ، وَذَلِكَ أَنَّ لِلَّهِ مَدِينَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ ، عَلَى كُلِّ مَدِينَةٍ مِنْهَا عَشَرَةُ آلافِ بَابٍ ، بَيْنَ كُلِّ بَابَيْنِ فَرْسَخٌ ، يَنُوبُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ تِلْكَ الْمَدِينَتَيْنِ عَشْرَةُ آلَافٍ فِي الْحِرَاسَةِ عَلَيْهِم السِّلَاح وَمَعَهُمُ الكِرَاعُ ، ثُمَّ لَا تَنُوبُهُم تِلْكَ الْحِرَاسةُ إِلَى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، اسْمُ إِحْدَاهُمَا : جابرسا ، وَالأُخْرَى : جاباقا ، وَمِنْ وَرَائِهِمَا ثَلاثُ أُمَمٍ : تنسك ، وتارس ، وتأويل ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ، وَأِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ انْطَلَقَ بِي لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ، فَدَعَوْتُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ إِلَى دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِبَادَتِهِ ، فَأَنْكَرُوا مَا جِئْتُهُمْ بِهِ فَهُمْ فِي النَّارِ ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَتَيْنِ فَدَعَوْتُهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ ، فَأَجَابُوا وَأَنَابُوا ، فَهُمْ إِخْوَانُنَا فِي الدِّينِ ، مَنْ أَحْسَنَ مِنْهُمْ فَهُوَ مَعَ الْمُحْسِنِينَ مِنْكُمْ ، وَمَنْ أَسَاءَ مِنْهُمْ فَهُوَ مَعَ الْمُسِيئِينَ مِنْكُمْ ، فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ الَّتِي بِالْمَشْرِقِ مِنْ بَقَايَا عَادٍ مِنْ نَسْلِ ثَمُودَ مِنْ نَسْلِ مُؤْمِنِيهِمُ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا بِصَالِحٍ ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي إِلَى الأُمَمِ الثَّلاثِ فَدَعَوْتُهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ ، فَأَنْكَرُوا مَا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ ، فَهُمْ فِي النَّارِ مَعَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْعُيُونِ عَلَى عَجَلَتِهَا ، وَمَعَهَا ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَلَكًا يَجُرُّونَهَا فِي ذَلِكَ الْبَحْرِ الْغَمْرِ رَاكِبُةُ ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرَى الْعِبَادُ آيَةً مِنَ الآيَاتِ يَسْتَعْتِبُهُمْ رُجُوعًا عَن مَعْصِيَتِهِ وَإِقْبَالا إِلَى طَاعَتِهِ ، خَرَّتِ الشَّمْسُ عَن عَجَلَتِهَا ، فَتَقَعُ فِي غَمْرِ ذَلِكَ الْبَحْرِ ، فَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُعَظِّمَ الآيَةَ وَيَشْتَدَّ تَخْوِيفُ الْعِبَادِ ، خَرَّتِ الشَّمْسُ كُلُّهَا عَنِ الْعَجَلَةِ ، حَتَّى لا يَبْقَى عَلَى الْعَجَلَةِ مِنْهَا شَيْءٌ ، فَذَلِكَ حِينَ يُظْلِمُ النَّهَارُ وَتَبْدُو النُّجُومُ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَجِّلَ آيَةً دُونَ آيَةٍ خَرَّ مِنْهَا النِّصْفُ أَوِ الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ فِي الْمَاءِ ، وَيَبْقَى سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى الْعَجَلَةِ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ صَارَتِ الْمَلائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِالْعَجَلَةِ فِرْقَتَيْنِ : فِرْقَةٌ يُقَلِّبُونَ الشَّمْسَ وَيَجُرُّونَهَا نَحْوَ الْعَجَلَةِ ، وَفِرْقَةٌ يُقَلِّبُونَ الشَّمْسَ عَلَى الْعَجَلَةِ يَجُرُّونَهَا نَحْوَ الْبَحْرِ ، وهُمْ فِي ذَلِكَ يَقُودُونَهَا عَلَى مِقْدَارِ سَاعَاتِ النَّهَارِ ، لَيْلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ نَهَارًا حَتَّى تَزِيدَ فِي طُلُوعِهَا شَيْءٌ ، فَإِذَا حَمَلُوا الشَّمْسَ فَوَضَعُوهَا عَلَى الْعَجَلَةِ حَمِدُوا اللَّهَ عَلَى مَا قَوَّاهُمْ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ جَعَلَ لَهُمْ تِلْكَ الْقُوَّةَ وَأَفْهَمَهُمْ عِلْمَ ذَلِكَ ، فهم لا يَقْصُرُونَ عَن ذَلِكَ شَيْئًا ، ثُمَّ يَجُرُّونَهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَبْلُغُوا بِهَا إِلَى الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ يُدْخِلُونَهَا بَابَ الْعَيْنِ الَّتِي تَغْرُبُ فِيهَا ، فَتَسْقُطُ مِنْ أُفُقِ السَّمَاءِ خَلْفَ الْبَحْرِ ، ثُمَّ تَرْتَفِعُ فِي سُرْعَةِ طَيَرَانِ الْمَلائِكَةِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا ، فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ مِقْدَارَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ تُؤْمَرُ بِالطُّلُوعِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَتَطْلُعُ مِنَ الْعَيْنِ الَّتِي وَقَّتَ اللَّهُ لَهَا ، فَلا تَزَالُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ كَذَلِكَ مِنْ طُلُوعِهِمَا إِلَى غُرُوبِهِمَا ، وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ تَعَالَى بِاللَّيْلِ مَلَكًا مِنَ الْمَلائِكَةِ ، وَخَلَقَ اللَّهُ حُجُبًا مِنْ ظُلْمَةٍ مِنَ الْمَشْرِقِ عَدَدَ اللَّيَالِي فِي الدُّنْيَا عَلَى الْبَحْرِ السَّابِعِ ، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَقْبَلَ ذَلِكَ الْمَلَكُ ، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ ظُلْمَةِ ذَلِكَ الْحِجَابِ ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْمَغْرِبَ ، فَلا يَزَالُ يُرَاعِي الشَّفَقَ وَيُرْسِلُ تِلْكَ الظُّلْمَةَ مِنْ خِلالِ أَصَابِعِهِ قَلِيلًا قَلِيلًا ، حَتَّى إِذَا غَابَ الشَّفَقُ أَرْسَلَ الظُّلْمَةَ كُلَّهَا ، ثُمَّ نَشَرَ جَنَاحَيْهِ فَيَبْلُغَانِ قُطْرَيِ الأَرْضِ وَكَنَفَيِ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يَسُوقُ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ بِجَنَاحَيْهِ إِلَى الْمَغْرِبِ قَلِيلًا قَلِيلًا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْمَغْرِبَ انْفَجَرَ الصُّبْحُ مِنَ الْمَشْرِقِ ، ثُمَّ ضَمَّ الظُّلْمَةَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ قَبَضَ عَلَيْهَا بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ نَحْوَ قَبْضَتِهِ إِذَا تَنَاوَلَهَا مِنَ الْحِجَابِ بِالْمَشْرِقِ ، ثُمَّ يَضَعُهَا عِنْدَ الْمَغْرِبِ عَلَى الْبَحْرِ السَّابِعِ ، فَإِذَا نَقَلَ تِلْكَ الظُّلْمَةَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ نَفَخَ فِي الصُّورِ وَانْصَرَفَتِ الدُّنْيَا ، فَلا تَزَالُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الَّذِي ضُرِبَ لِتَوْبَةِ الْعِبَادِ ، فَتَنْتَشِرُ الْمَعَاصِي فِي الأَرْضِ ، وَتَكْثُرُ الْفَوَاحِشُ ، وَيَظْهَرُ الْمَعْرُوفُ فَلا يَأْمُرُ بِهِ أَحَدٌ ، وَيَظْهَرُ الْمُنْكَرُ فَلا يَنْهَى عَنْهُ أَحَدٌ ، وَتَكْثُرُ أَوْلادُ الْخَبَثَةِ ، وَيْلِي أُمُورَهُمُ السُّفَهَاءُ ، وَيَكْثُرُ أَتْبَاعَهُم مِنَ السُّفَهَاءِ ، وَتَظْهَرُ فِيهِمُ الأَبَاطِيلُ ، وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَى رِيَبِهِمْ ، وَيَتَزَيَّنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ، وَيَعِيبُونَ الْعُلَمَاءَ مِنْ أُولِي الأَلْبَابِ وَيَتَّخِذُونَهُمْ سُخْرِيًّا ، حَتَّى يَصِيرَ الْبَاطِلُ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِّ ، وَيَصِيرَ الْحَقُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَاطِلِ ، وَيَكْثُرَ فِيهِمْ ضَرْبُ الْمَعَازِفِ وَاتِّخَاذُ الْقَيْنَاتِ ، وَيَصِيرَ دِينُهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ ، وَيَضَعُوا قُلُوبَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيَصِيرَ الْمُؤْمِنُ بَيْنَهُمُ بِالنَّقِيَّةِ وَالْكِتْمَانِ ، وَيَسْتَحِلُّونَ الرِّبَا بِالْبَيْعِ ، وَالْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ ، وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ ، وَالْقِيلَ بِالْمَوْعِظَةِ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ، قَلَّتِ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَطُوفَ السَّائِلُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ ، فَلا يُعْطَى دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا ، وَيَبْخَلَ النَّاسُ بِمَا عِنْدَهُمْ حَتَّى يَظُنَّ الْغَنِيُّ أَنَّهُ لا يَكْفِيهُ مَا عِنْدَهُ ، وَيَقْطَعَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ رَحِمَهُ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ وَاجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ فِيهِمْ ، حُبِسَتِ الشَّمْسُ تَحْتَ الْعَرْشِ مِقْدَارَ لَيْلَةٍ ، كُلَّمَا سَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ مِنْ أَيْنَ تُؤْمَرُ أَنْ تَطْلُعَ ، فَلا تُجَابُ حَتَّى يُوَافِيَهَا الْقَمَرُ ، فَتَكُونُ الشَّمْسُ مِقْدَارَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَالْقَمَرَ مِقْدَارَ لَيْلَتَيْنِ ، وَلا يَعْلَمُ طُولَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلا الْمُتَهَجِّدُونَ ، وَهُمْ حَنِيفِيَّةٌ عِصَابَةٌ قَلِيلَةٌ فِي ذِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ ، وَهَوَانٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَضِيقٍ مِنْ مَعَايِشِهِمْ ، فَيَقُومُ أَحَدُهُمْ بَقِيَّةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ يُصَلِّي مِقْدَارَ وِرْدِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ ، فَلا يَرَى الصُّبْحَ فَيَسْتَنْكِرُ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَقُولُ لَعَلِّي : قَدْ خَفَّفْتُ قِرَاءَتِي ، إِذْ قُمْتُ قَبْلَ حِينِي . فَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَإِذَا هُوَ بِاللَّيْلِ كَمَا هُوَ وَالنُّجُومُ قَدِ اسْتَدَارَتْ مَعَ السَّمَاءِ ، فَصَارَتْ مَكَانَهَا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْخُذُ مَضْجَعَهُ ، فَلا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ ، فَيَقُومُ فَيُصَلِّي الثَّانِيَةَ مِقْدَارَ وِرْدِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ ، فَلا يَرَى الصُّبْحَ فَيَزِيدُهُ ذَلِكَ إِنْكَارًا ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ ، فَإِذَا هِيَ قَدْ صَارَتْ كَهَيْئَتِهَا مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْخُذُ مَضْجَعَهُ الثَّالِثَةَ فَلَا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ ، ثُمَّ يَقُومُ أَيْضًا فَيُصَلِّي مِقْدَارَ وِرْدِهِ ، فَلا يَرَى الصُّبْحَ ، فَيَخْرُجُ وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَيَخْنُقُهُمُ الْبُكَاءُ فَيُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَيَجْتَمِعُ الْمُتَهَجِّدُونَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ بِحَضْرَتِهِمْ ، وَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ كَانُوا يَتَوَاصَلُونَ وَيَتَعَارَفُونَ فَلَا يَزَالُونَ فِي غَفْلَتِهِمْ ، فَإِذَا تَمَّ لِلشَّمْسِ مِقْدَارُ ثَلاثِ لَيَالٍ وَلِلْقَمَرِ مِقْدَارُ لَيْلَتَيْنِ ، أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِمَا جِبْرِيلَ ، فَقَالَ لَهُمَا : إِنَّ الرَّبَّ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَرْجِعَا إِلَى الْمَغْرِبِ لِتَطْلُعَا مِنْهُ ، فَإِنَّهُ لا ضَوْءَ لَكُمَا عِنْدَنَا الْيَوْمَ وَلا نُورَ . فَيَبْكِيَانِ عِنْدَ ذَلِكَ وَجِلًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَبْكِي الْمَلائِكَةُ لِبُكَائِهِمَا مَعَ مَا يُخَالِطُهُمَا مِنَ الْخَوْفِ ، فَيَرْجِعَانِ إِلَى الْمَغْرِبِ فَيَطْلُعَانِ مِنَ الْمَغْرِبِ ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ كَذَلِكَ ، إِذْ نَادَى مُنَادٍ : أَلا إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ قَدْ طَلَعَا مِنَ الْمَغْرِبِ . فَيَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهِمَا ، فَإِذَا هُمَا أَسْوَدَانِ كَهَيْئَتِهِمَا فِي حَالِ كُسُوفِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ ، لا ضَوْءَ لِلشَّمْسِ وَلا نُورَ لِلْقَمَرِ ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ سورة التكوير آية 1 ، وَقَوْلُهُ : وَخَسَفَ الْقَمَرُ سورة القيامة آية 8 ، وَقَوْلُهُ : وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ سورة القيامة آية 9 ، قَالَ : فَيَرْتَفِعَانِ ، يُنَازِعُ كُلُّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى يَبْلُغَا سَهْوَةَ السَّمَاءِ وَهُوَ مَنْصِفُهُمَا ، فَيَجِيئُهُمَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَيَأْخُذُ بِقَرْنَيْهِمَا فَيَرُدُّهُمَا إِلَى الْمَغْرِبِ آَفْلًا ، وَيُغْرِبُهُمَا فِي تِلْكَ الْعُيُونِ وَلَكِنْ يُغْرِبُهُمَا فِي بَابِ التَّوْبَةِ " . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا بَابُ التَّوْبَةِ ؟ قَالَ : " يَا عُمَرُ ، خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْفَ الْمَغْرِبِ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَيْنِ بالْجَوْهَرِ لِلتَّوْبَةِ ، فَلا يَتُوبُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ تَوْبَةً نَصُوحًا إِلا وَلَجَتْ تَوْبَتُهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ ، ثُمَّ تُرْفَعُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " . فَقَالَ حُذَيْفَةُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ ؟ قَالَ : " النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ مِنْهُ ، فَلا يَعُودُ إِلَيْهِ كَمَا لا يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ " . قَالَ حُذَيْفَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَيْفَ بِالنَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " يَا حُذَيْفَةُ ، أَمَّا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ ، فَإِذَا أَغْرَبَهُمَا اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ رَدَّ الْمِصْرَاعَيْنِ فَالْتَأَمَ مَا بَيْنَهُمَا ، كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَيْنَهُمَا صَدْعٌ قَطُّ ، فَلا يَنْفَعُ نَفْسًا بَعْدَ ذَلِكَ إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ، وَلا تُقْبَلُ مِنْ عَبْدٍ حَسَنَةٌ إِلا مَنْ كَانَ قَبْلُ مُحْسِنًا ، فَإِنَّهُ يَجْزِي لَهُ وَعَلَيْهِ ، فَتَطْلُعُ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ كَمَا كَانَتْ قَبْلُ ، فَأَمَّا النَّاسُ فَإِنَّهُمْ بَعْدَمَا يَرَوْنَ مِنْ فَظِيعِ تِلْكَ الآيَةِ ، وَعِظَمِهَا ، يُلِحُّونَ عَلَى الدُّنْيَا حَتَّى يَغْرِسُوا فِيهَا الأَشْجَارَ وَيُشَقِّقُوا فِيهَا الأَنْهَارَ ، وَيَبْنُوا فَوْقَ ظُهُورِهَا الْبُنْيَانَ ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَلَوْ أَنْتَجَ رَجُلٌ مَهْرًا لَمْ يَرْكَبْهُ مِنْ لَدُنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ أَسْرَعُ مِنْ مَرِّ السَّحَابِ ، لا يَدْرِي الرَّجُلُ مَتَى يَمْسِي وَمَتَى يُصْبِحُ ، ثُمَّ تَقُومُ الْقِيَامَةُ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْتِيَنَّهُمْ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ قَدِ انْصَرَفَ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ مِنْ تَحْتِهَا فَمَا يَذُوقُهُ وَلا يَطْعَمُهُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ فِي فِيهِ اللُّقْمَةُ فَمَا يُسِيغُهَا ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ سورة العنكبوت آية 53 ، قَالَ : وَأَمَّا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ إِلَى مَا خَلَقَهُمَا اللَّهُ مِنْهُ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ سورة البروج آية 13 ، فَيُعِيدُهُمَا إِلَى مَا خَلَقَهُمَا مِنْهُ " . قَالَ حُذَيْفَةُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، فَكَيْفَ قِيَامُ السَّاعَةِ ؟ وَكَيْفَ النَّاسُ فِي تِلْكَ الْحَالِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا حُذَيْفَةُ ، بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ أَسَرُّ مَا كَانُوا بِدُنْيَاهُمْ ، وَأَحْرَصُ مَا كَانُوا عَلَيْهَا ، فَبَيْنَ كَيَّالٍ يَكِيلُ وَوَزَّانٍ يَزِنُ ، وَبَيْنَ مُشْتَرٍ وَبَائِعٍ ، إِذْ أَتَتْهُمُ الصَّيْحَةُ فَخَرَّتِ الْمَلائِكَةُ صَرْعَى مَوْتَى عَلَى خُدُودِهِمْ ، وَخَرَّ الآدَمِيُّونَ صَرْعَى مَوْتَى عَلَى خُدُودِهِمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ { 49 } فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ سورة يس آية 49-50 ، قَالَ : فَلا يَسْتَطِيعُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَرَى صَاحِبَهُ ، وَلا يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ ، وَتَخِرُّ الْوُحُوشُ عَلَى جُنُوبِهَا مَوْتَى ، وَتَخِرُّ الطَّيْرُ مِنْ أَوْكَارِهَا وَمِنْ جَوِّ السَّمَاءِ مَوْتَى ، وَتَمُوتُ السِّبَاعُ فِي الْغِيَاضِ وَالآجَامِ وَالْفَيَافِي ، وَتَمُوتُ الْحِيتَانُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ وَالْهَوَامُّ فِي بُطُونِ الأَرْضِ ، فَلا يَبْقَى مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ إِلا أَرْبَعَةٌ : جِبْرِيلُ ، وَمِيكَائِيلُ ، وَإِسْرَافِيلُ ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ : مُتْ فَيَمُوتُ ، ثُمَّ يَقُولُ لإِسْرَافِيلَ : مُتْ فَيَمُوتُ ، ثُمَّ يَقُولُ لِمِيكَائِيلَ : مُتْ فَيَمُوتُ ، ثُمَّ يَقُولُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ، مَا مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَهِيَ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، فَمُتْ فَيَصِيحُ مَلَكُ الْمَوْتِ صَيْحَةً فَيَخِرُّ ، ثُمَّ يُنَادِي السَّمَاوَاتِ فَتَنْطَوِي عَلَى مَا فِيهَا كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكتاب ، والسَّمَاوَاتُ السَّبْعَ وَالأَرَضِونَ السَّبْعَ مَعَ مَا فِيهِنَّ ، لا تَسْتَبِينُ فِي قَبْضَةِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، كَمَا لَوْ أَنَّ حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ أُرْسِلَتْ فِي رِمَالِ الأَرْضِ وَبُحُورِهَا لَمْ تَسْتَبِنْ فكذلك السموات السبع والأرضون السبع مع ما فيهن لا تستبين ، فِي قَبْضَةِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَيْنَ الْمُلُوكُ ؟ وَأَيْنَ الْجَبَابِرَةُ ؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ : لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ . ثُمَّ يَقُولُهَا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ ، ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ لِلسَّمَاوَاتِ فَيَتَمَسَّكْنَ كَمَا كُنَّ ، وَيَأْذَنُ لِلأَرَضَينَ فَيَنْسَطِحْنَ كَمَا كُنَّ ، ثُمَّ يَأْذَنُ لِصَاحِبِ الصُّورِ فَيَقُومُ ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةً فَتَقْشَعِرُّ الأَرْضُ مِنْهَا ، وَتَلْفِظُ مَا فِيهَا ، وَيَسْعَى كُلُّ عُضْوٍ إِلَى عُضْوِهِ ، ثُمَّ يُمْطِرُ اللهُ عَلَيْهِم مِنْ نَهْرٍ ، يُقَالَ لَهُ : الْحَيَوَانُ ، وَهُوَ تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَيُمْطِرُ عَلَيْهِمْ شَبِيهًا بِمَنِيِّ الرِّجَالِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، حَتَّى تَنْبُتَ اللُّحُومُ عَلَى أَجْسَامِهَا كَمَا تَنْبُتُ الطَّرَاثِيثُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، ثُمَّ يُؤْذِنُ لَهُ فِي النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ ، فَيَنْفُخُ فِي الصُّورِ ، فَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ ، فَتَدْخُلُ كُلُّ رُوحٍ فِي الْجَسَدِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ ؟ " قَالَ حُذَيْفَة : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ تَعْرِفُ الرُّوحُ الْجَسَدَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ يَا حُذَيْفَةُ ، إِنَّ الرُّوحَ لأَعْرَفُ بالْجَسَدِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ مِنْ أَحَدِكُمْ بِمَنْزِلِهِ ، فَيَقُومُ النَّاسُ فِي ظُلْمَةٍ لا يُبْصِرُ أَحَدُهُمْ صَاحِبَهُ ، فَيَمْكُثُونَ مِقْدَارَ ثَلاثِينَ سَنَةً ، ثُمَّ تَنْجَلِي عَنْهُمُ الظُّلْمَةُ وَتَنْفَجِرُ الْبِحَارُ وَتُضْرَمُ نَارًا ، وَيُحْشَرُ كُلُّ شَيْءٍ فَوْجًا لَفِيفًا ، لَيْسَ يَخْتَلِطُ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ وَلا الْكَافِرُ بِالْمُؤْمِنِ ، وَيَقُومُ صَاحِبُ الصُّورِ عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَيُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرْلًا ، مَا عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ طِحْلِبَةٌ ، وَقَدْ دَنَتِ الشَّمْسُ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ فَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمَا سَنَتَانِ ، وَقَدْ أُمِدَّتْ بِحَرِّ عَشْرِ سِنِينَ ، فَيُسْمَعُ لأَجْوَافِ الْمُشْرِكِينَ غِقْ غِقْ ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى أَرْضٍ ، يُقَالَ لَهَا : السَّاهِرَةُ ، وَهِيَ بِنَاحِيَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَسَعُ النَّاسَ وَتَحْمِلُهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَيَقُومُ النَّاسُ عَلَيْهَا " ثُمَّ جَثَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، فَقَالَ : " لَيْسَ قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ ، وَلَكِنْ شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ ، لا يَلْتَفِتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَمِينًا وَلا شِمَالا وَلا خَلْفًا ، وَقَدِ اشْتَغَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا أَتَاهَا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ سورة المطففين آية 6 ، فَيَقُومُونَ مِقْدَارَ مِائَةِ سَنَةٍ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ تِلْكَ الْمِائَةَ سَنَةٍ كَقَوْمَةٍ فِي صَلاةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِذَا تَمَّ مِقْدَارُ مِائةُ سَنَةٍ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ الدُّنْيَا ، وَهَبَطَ سُكَّانُهَا ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ فَيُحِيطُونَ بِالْخَلْقِ ، ثُمَّ تَنْشَقُّ السَّمَاءُ الثَّانِيَةَ وَيَهْبِطُ سُكَّانُهَا ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ هَبَطَ مِنْ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَمِنْ أَهْلِ الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ، وَلا تَزَالُ تَنْشَقُّ سَمَاءً سَمَاءً ، وَيَهْبِطُ سُكَّانُهَا أَكْثَرُ مِمَّنْ هَبَطَ مِنْ سِتِّ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ أَهْلِ الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ يَجِيءُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يُكَلِّمُ الْبَهَائِمَ ، فَيَقُولُ : يَا بَهَائِمِي ، إِنَّمَا خَلَقْتُكُمْ لِوَلَدِ آدَمَ ، فَكَيْفَ كَانَتْ طَاعَتُكُمْ لَهُمْ ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ ، فَتَقُولُ الْبَهَائِمُ : رَبَّنَا خَلَقْتَنَا لَهُمْ فَكَلَّفُونَا مَا لَمْ نُطِقْ ، وَصَبَرْنَا طَلَبًا لِمَرْضَاتِكَ . فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : صَدَقْتُمْ يَا بَهَائِمِي ، إِنَّكُمْ طَلَبْتُمْ رِضَايَ ، فَأَنَا عَنْكُمْ رَاضٍ ، وَمِنْ رِضَايَ عَنْكُمُ الْيَوْمَ أَنِّي لا أُرِيكُمْ أَهْوَالَ جَهَنَّمَ ، فَكُونُوا تُرَابًا وَمَدَرًا ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ، يَقُولُ الْكَافِرُ : يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا سورة النبأ آية 40 . ثُمَّ تَذْهَبُ الأَرْضُ السُّفْلَى ، والثَّانِيَةُ ، والثالِثَةُ ، والَّرابِعَةُ ، والْخَامِسَةُ ، وَالسَّادِسَةُ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأرْضُ فَتَكْفأُ بِأَهْلِهَا كَمَا تَكْفَأُ السَّفِينَةُ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ إِذَا خَفَقَتْهَا الرِّيَاحُ ، فَيَقُولُ الْآَدَميُّونَ : أَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ الَّتِي كُنَّا نَزْرَعُ عَلَيْهَا ، وَنَمْشِي عَلَى ظَهْرِهَا ، وَنَبْنِي عَلَيْهَا الْبُنْيَانَ ، فَمَا لَهَا الْيَوْمَ لا تُقِرُّه فَتُجَاوِبُهُمْ ، فَتَقُولُ : يَا أَهْلاهُ ، أَنَا الأَرْضُ الَّتِي مَهَّدَنِي الرَّبُّ لَكُمْ ، كَانَ لِي مِيقَاتٌ مَعْلُومٌ ، فَأَنَا شَاهِدَةٌ عَلَيْكُمْ بِمَا عَمِلْتُمْ عَلَى ظَهْرِي ، ثُمَّ عَلَيْكُمُ السَّلامُ فَلا تَرَوْنِي أَبَدًا وَلا أَرَاكُمْ . فَتَشْهَدُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ ، ثُمَّ تَذْهَبُ هَذِهِ الأَرْضُ ، وَتَأْتِي أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا الْمَعَاصِي وَلَمْ يُسْفَكْ عَلَيْهَا الدِّمَاءُ ، فَعَلَيْهَا يُحَاسَبُ الْخَلْقُ ، ثُمَّ يُجَاءُ بِالنَّارِ مَزْمُومَةً بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ ، يَأْخُذُ بِكُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ ، لَوْ أَنَّ مَلَكًا مِنْهُمْ أُذِنَ لَهُ لالْتَقَمَ أَهْلَ الْجَمْعِ ، فَإِذَا كَانَتْ مِنَ الآدَمِيِّينَ عَلَى مَسِيرَةِ أَرْبَعِ مِائَةِ سَنَةٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً فَيَتَجَلَّى اِلنَّاسِ السَّكَرُ ، وَتَطِيرُ الْقُلُوبُ إِلَى الْحَنَاجِرِ ، فَلا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْهُمُ النَّفَسَ إِلا بَعْدَ جَهْدٍ جَهِيدٍ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْغَمِّ حتى يُلجمهم العرق فِي مكانِهم ، فتستأذنُ الرَّحْمَن فِي السجود ، فيأذنُ لَها ، فتقولُ : الحمد لله الَّذِي جعلني أنتقمُ لله ممن عصاهُ ، ولَمْ يجعلني آدميًا ، فينتقم مني . ثُمَّ تزين الجنة ، فإذا كانت من الآدميين عَلَى مسيرة خمس مائة سنة ، يَجدُ المؤمنون ريحها وروحها فتسكنُ نفوسهم ، ويزدادونَ قوةً عَلَى قوتِهم ، فتثبت عقولهم ، ويلقنهم الله حجج ذنوبِهم ، ثُمَّ تنصب الموازين ، وتنشر الدواوين ، ثُمَّ ينادي : أَيْنَ فلان بْن فلان ؟ قم إلى الحساب . فيقومون فيشهدونَ للرسل أنّهم قد بلغوا رسالات ربِّهم ، فأنتم حجة الرسل يوم القيامة ، فينادي رَجُل رَجُل فيالَها من سعادة لا شقوة بعدها ، ويا لَها من شقوة لا سعادة بعدها ، فإذا قضى بين أهل الدارين ، ودخل أهلُ الجنة الجنة ، وأهلُ النار النار بعثَ الله عَزَّ وَجَلَّ ملائكة إلى أمتي خاصة ، وذلك فِي مقدار يوم الجمعة ، معهم التحف والهدايا من عِنْدَ ربِّهم ، فيقولون : السلامُ عليكم إن ربكم رب العزة يقرأ عليكم السلام ، ويقول لكم : أرضيتم الجنة قرارًا ومنزلاً ؟ فيقولون : هُوَ السلام ، ومنه السلام ، وإليه يرجعُ السلام ، فيقولون : إن الرب قد أذنَ لكم فِي الزيارة إِلَيْهِ . فيركبون نوقًا صفرًا وبيضًا رحالاتها الذهب ، وأزمتها الياقوت تَخْطُرُ فِي رمال الكافور ، أَنَا قائدهم ، وبلال عَلَى مقدمتهم ، ووجه بلال أشد نورًا من القمر ليلة البدرِ ، والمؤذنونَ حوله بتلك المنزلة ، وأهلُ حرم الله تعالى أدنَى الناس مني ، ثُمَّ أهلُ حرمي الَّذِي يلونهم ، ثُمَّ بعدهم الأفضل فالأفضل ، فيسيرونَ ولَهم تكبير وتهليل لا يسمع سامع فِي الجنة أصواتهم إلا اشتاقَ إلى النظرِ إليهم ، فيمرونَ بأهل الجنان فِي جنانِهم ، فيقولون : من هَؤُلَاءِ الذين مروا بنا قد ازدادت جناتنا حسنًا عَلَى حسنها ، نورًا عَلَى نورها . يقولون : هذا مُحَمَّد وأمته يزرونَ ربَّ العزَّة . فيقولون : لئن كَانَ مُحَمَّد وأمته بِهذه المنزلة والكرامة ، ثُمَّ يعاينون وجه رب العزة ، فياليتنا كُنَّا من أمة مُحَمَّد . فيسيرون حتى ينتهوا إلى شجرة ، يُقال لَهَا : طوبى ، وهي عَلَى ، شط نَهْر الكوثر ، وهي لِمحمدٍ لَيْسَ فِي الجنة قصرٌ من قصور أمة مُحَمَّد إلا وفيه غصنٌ من أغصانِ تِلْكَ الشجرة ، فينزلونَ تحتها ، فيقول الرب عَزَّ وَجَلَّ : يا جبريل ، اكس أهل الجنة . يكسي أحدهم مائة حلة ، لو أنّها جعلت بين أصابعه لوسعتها من ثياب الجنة ، ثُمَّ يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ : يا جبريل ، عطر أهل الجنة . فيسعى الولدان بالطيب فيطيبون ، ثُمَّ يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ : يا جبريل ، فكه أهل الجنة . فيسعى الولدان بالفاكهةِ ، ثُمَّ يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ : ارفعوا الحجب عني حتى ينظر أوليائي إلى وجهي ، فإنهم عبدوني ولَمْ يروني ، وعرفتني قلوبهم ولَمْ تنظر إليّ أبصارهم . فتقول الملائكة : سبحانك نَحنُ ملائكتك ، ونحنُ حملة عرشك ، لم نعصك طرفة عين لا نستطيع النظر إلى وجهك ، فكيف يستطيع الآدميون ذَلِكَ ، فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ : يا ملائكتي ، إني طالما رأيتُ وجوههم معفرة فِي التراب لوجهي ، وطالما رأيتهم صوامًا لوجهي فِي يوم شديد الظمأ ، وطالما رأيتهم يعملون الأعمال ابتغاء رحمتي ، ورجاء ثوابي ، وطالما رأيتهم يزوروني إلى بيتي من كل فج عميق ، وطالما رأيتهم وعيونَهم تجري بالدموع من خشيتي ، يحق للقوم عَليّ أن أعطي أبصارهم من القوة ما يستطيعونَ بِهِ النظر إلى وجهي فرفع الحجب فيخرونَ سجدًا ، فيقولون : سبحانك لا نريد جنانًا ولا أزواجًا ، ولا نريدُ إلَّا النظر إلى وجهك ، فيقول الرب عَزَّ وَجَلَّ : ارفعوا رءوسكم يا عبادي ، فإنّها دارُ جزاء وليست بدارُ عبادة ، وهذا لكم عندي مقدار كل جمعة ، كما كنتم تزوروني فِي بيتي " . موضوع ، فِي إسناده مجاهيل وضعفاء ، قلتُ : مسلمة بْن الصلت متروك ، وعمر بْن صبيح مشهور بالوضع . قَالَ ابن المنادي عقب إخراجه : قد تأملتُ هذا الحديث قديمًا ، فإذا متنه قد أتى متفرقًا عَن جماعة من الصحابة الذين رووا ذَلِكَ مسندًا . قَالَ : وقد ألفيتُ رواية ابن عَبَّاس المسندة يرويها صلاح بإسناده فِي الحال ، أَبُو فروة يزيد بْن مُحَمَّد بْن سنان الرهاوي ، عَن عثمان بْن عَبْد الرَّحْمَن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْقُرَشِيّ المعروف بالطرايفي ، أَنَّهُ حدَّثَهُمْ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَرَ ، عَن مقاتل بْن حيان ، عَن عكرمة ، قَالَ : بينما ابن عَبَّاس ذات يوم جالسًا إذ جاءه رجلٌ ، فقالَ : يا أَبَا الْعَبَّاس ، سمعتُ اليوم من كعب الحبار حديثًا ذكر فِيهِ الشمس والقمر ، وزعم أن ابن عمرو ، قَالَ فيهما قولاً . فقال لَهُ ابن عَبَّاس : وما هُوَ ؟ فقال : ذكر عَنِ ابْنِ عَمْرٍو ، أَنَّهُ قَالَ : " يُؤْتَى بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ " . قَالَ عكرمة : فاحتفز ابن عَبَّاس ، وكان متكئًا وغضب . وقال : إن الله أكرم وأجل من أن يُعذب عَلَى طاعته أحدًا . ثُمَّ قَالَ : قَالَ الله تبارك وتعالى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ سورة إبراهيم آية 33 ، يعني : إنهما فِي طاعته دائبان ، فكيف يُعذِّبُ عبدين خلقهما لطاعته ، وأثنى عليهما أنّهما لَهُ مطيعان ، ثُمَّ إن ابن عَبَّاس استرجع مرارًا ، وأخذ عودًا من الأرض فجعل ينكت بِهِ الأرض ساعة ، ثُمَّ رفع رأسه ، فقال : ألا أحدثكم حديثًا سَمِعْتُهُ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي الشمس والقمر وابتداء خلقهما ، فقلنا : بلى رَحِمَكَ الله ، فقال : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَبْرَمَ خَلْقَهُ إِحْكَامًا ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرُ آدَمَ خَلَقَ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ " . فذكر الحديث الَّذِي أورده عُمَرَ بْن صبيح ، عَن مقاتل بْن حيان ، عَن عكرمة بِهِ ، عَلَى تَمام حديث شهر بْن حوشب ، عَن حذيفة . انتهى . ما أورده ابن المنادي ، وهذا الإسناد ما فِيهِ متهم . وقال ابن مردويه فِي تفسيره : حَدَّثَنَا عَبْد الله بْن إِسْمَاعِيل بْن إبراهيم الهاشمي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن البراء ، حَدَّثَنَا عَبْد المنعم بْن إدريس ، عَن أَبِيهِ ، عَن وهب بْن منبه ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ " . فذكر الحديث إلى قوله : " وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون " . وعبد المنعم كذاب .

الرواه :

الأسم الرتبة
حُذَيْفَةُ

صحابي

وَابْنِ عَبَّاسٍ

صحابي

وَحُذَيْفَةَ

صحابي

عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

صحابي

الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ

ثقة

سُلَيْمَان بْن مُوسَى

صدوق حسن الحديث

الأعمش

ثقة حافظ

حذيفة

صحابي

شهر بْن حوشب

صدوق كثير الإرسال والأوهام

عُمَرَ بْن صبيح

مجهول

مسلمة بْن الصلت

متروك الحديث

مُحَمَّد بْن مُوسَى الشيباني

مقبول

ابْنِ عَبَّاسٍ

صحابي

عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد الْقُرَشِيّ

ثقة