أخبرناها أَبُو القاسم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ ، أَنْبَأَنَا مَنْصُور عَبْد الباقي بْن مُحَمَّد بْن غالب بْن العَطَّار ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عِمْرَانَ بْن الجندي ، أَنْبَأَنَا أَبُو حامد مُحَمَّد بْن هَارُون الْحَضْرَمِيّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يَزِيد الحِمْيَريّ ، حَدَّثَنَا عبادة بْن يَزِيد الحِمْيَريّ ، عَنْ مُحَمَّد بْن عجلان ، عَنْ يَزِيد بْن أسلم ، عَنْ عَطَاء بْن يَسَار ، عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ، قالا : " دخل أُسَامَة بْن زَيْد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَقْبَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه ، ثُمّ قَالَ : يا أُسَامَة بْن زَيْد ، عليك بطريق الجَنَّة وإياك أن تحيد عَنْهُ فتختلج دونها . فَقَالَ أُسَامَة : يا رَسُول اللَّه ، دلني عَلَى ما أسرع بِهِ قطع ذَلِكَ الطريق . قَالَ : عليك بالظمأ فِي الهواجر وقصر النَّفْس عَنْ لذتها ولذة الدُّنْيَا والكف عَنْ محارم اللَّه ، يا أُسَامَة ، إن أَهْل الجَنَّة يتلذذون بريح فم الصائم ، وإن الصوم جنة مِنَ النار ، فعليك بِذَلِك وتقرب إِلَى اللَّه بكثرة التهجد والسجود ، فَإِن أشرف قيام الليل ، وأقرب ما يكون العبد منْ ربه إذا كَانَ ساجدًا ، وأن اللَّه عَزَّ وَجَلّ يباهي بِهِ ملائكته ويقبل إِلَيْهِ بوجهه ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، إياك والكبد الجائعة تخاصمك عِنْد اللَّه يوم القيامة ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، أن وقعت عيناك عَنْ عُبَاد اللَّه الَّذِين أذابوا لحومهم بالرياح والسمائم وأظمئوا الأكباد حَتَّى غشيت أبصارهم الظلم ، سهروا ليلهم خشعًا ركعًا يبتغون فضلا مِنَ اللَّه ورضوانًا ، سيماهم فِي وجوهم منْ أثر السجود ، تعرفهم بقاع الأرض تحف بهم الملائكة ، تحوم حواليهم الطيور ، تذل لهم السباع كذل الكلب لأهله ، يا ابْن زَيْد ، إن اللَّه تَعَالَى إذا نظر إليهم سر بهم ، تصرف الزلازل والفتن ، ثُمّ بكى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اشتد بكاؤه وهاب القوم أن يكلموه حَتَّى ظن القوم أن أمرًا قَدْ نزل مِنَ السماء ، ثُمّ تكلم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ حزين ، ثُمّ قَالَ : ويح هَذِهِ الأمة ما يلقى فيهم منْ أطاع اللَّه ، كيف يكذبونه ويضربونه ويحبسونه منْ أجل أَنَّهُ أطاع اللَّه ؟ قَالَ : إنما يعصونهم حيث أمروهم بطاعة اللَّه . ترك القوم الطريق ، ولبسوا اللين مِنَ الثياب ، وخدمتهم أبناء فارس ، وتزين الرجل منهم بزينة المرأة ، وتزينت المرأة منهم بزينة الرجل ، دينهم دين كسرى وقيصر ، همتهم جمع الدنانير والدراهم فهو دينهم ، وسنتهم القتل ، تباهوا بالجمال واللباس ، فإذا تكلم وُلّي اللَّه الغني مِنَ التعفف المنحنية أصلابهم مِنَ العبادة ، قَدْ ذبحوا أنفسهم مِنَ العطش رضًا للَّه عَزَّ وَجَلّ ، كذبوا وأوذوا وطردوا وحبسوا ، وقيل لهم : أنتم قرناء الشياطين ، ورءوس الضلال تكذبون بالكتاب وتحرمون زينة اللَّه والطيبات مِنَ الرزق التي أخرج لعباده ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، إن أقرب النّاس يوم القيامة منْ طال حزنه وظمؤه وسهره وفكرته أولئك هُمُ الأخيار الأبرار ، ألا أنبئك بصفتهم ؟ قَالَ : بلى يا رَسُول اللَّه . قَالَ : هُمُ الَّذِين إن شهدوا لَمْ يعرفوا ، وإن غابوا لَمْ يفقدوا ، وإن لَمْ يدعوا ، وإن مرضوا لَمْ يعادوا ، وإن ماتوا لَمْ يحضروا ، وَإِذَا نظر النّاس إليهم ، قَالُوا : مجانين وموسوسون ، وما بالقوم جنون ولا وسواس ولكنهم شغلوا أنفسهم بحب اللَّه عَزَّ وَجَلّ وطلب مرضاته ، يمشون عَلَى الأرض هونًا ، وَإِذَا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سلامًا ، يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا يأمرون بالمعروف وينهون عَنِ المنكر ، فيقتلون عَلَى ذَلِكَ ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، كُلّ النّاس منْ كُلّ نوع أكلوا منْ حشيش الأرض وثمارها ، وتوسد النّاس الوسائد والنمارق وتوسدوا اللبن والحجارة ، نعم النّاس بشهواتهم ولذاتهم ونعموا بجوعهم والعطش ، افترش النّاس لين الفرش افترشوا الجنوب والركب ، ضحك النّاس مِنَ الفرح بكوا هُمْ مِنَ الأحزان ، تطيب النّاس بالطيب ، تطيبوا بالماء والتراب ، بنوا النّاس المنازل والقصور اتخذوا الخراب والفلوات وظلال الشجر منازل ومساجد ومقيلا ، اتخذ النّاس الأبنية والمجالس متحدثًا تلذذًا وتلهيًا وبطرًا ، واتخذوا المحارب وحلق الذكر والخلوة تخشعًا وخوفًا وتكفيرًا وتذكيرًا وتشريفًا ، أنس الناس بالحديث والاجتماع أنسوا بذكر اللَّه ومناجاته والوحدة والفرار بدينهم مِنَ النّاس ، وَهْب النّاس أنفسهم الدُّنْيَا وهبوا هُمْ أنفسهم للآخرة فوهبها لهم ، فباعوا قليلًا زائلا واشتروا كثيرًا دائمًا ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، لا يجمع اللَّه عليهم الشدة فِي الدُّنْيَا والآخرة بل لهم الجَنَّة أولئك أحباء اللَّه يا ليت إني قَدْ رأيتهم الأرض بهم رحبة والجبار عَنْهُمْ راض ، صنيع النّاس أفعال النبيين وأخلاقهم حفظوها هُمْ وتمسكوا بها ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، الفائز منْ رغب إِلَى اللَّه فِي مثل رغبتهم ، والمغتر المغبون منْ لَمْ يلق اللَّه بمثل رغبتهم وأدائهم ، والخاسر منْ خسر تقويم وضيع أفعالهم ، يا أُسَامَة بْن زَيْد لكل أرض أمان تبكي الأرض إذا فقدتهم ، ويسخط الجبار عَلَى بلد لَيْسَ فِيهِ منهم ، ولا تزال الأرض باكية حَتَّى يبدل اللَّه مثله ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، اتخذهم لنفسك أصدقاء وأصحابًا حَتَّى تنجو بهم ، وإياك أن تدع ما هُمْ عَلَيْه فتزل قدمك فتهوى فِي النار ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، زهدوا فِي الحلال فحرموه عَلَى أنفسهم وَقَدْ أحله اللَّه لهم طلبًا للفضل فتركوه لينالوا بِهِ الزلفى والكرامات عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلّ ، ولم يتكابوا عَلَى الدُّنْيَا تكاب الكلاب عَلَى الجيف ، شغل النّاس بالدنيا شغلوا هُمْ أنفسهم بطاعة اللَّه عَزَّ وَجَلّ ، ولم يكن ذَلِكَ إلا بتوفيق اللَّه عَزَّ وَجَلّ لهم ، أكلوا حلو الطعام وحامضه شعثًا غبرًا هزلا ، يراهم النّاس فيظنون أن بهم داء ، ويُقَالُ : قَدْ خلطوا ، وما بالقوم داء ولا خولطوا ، ويُقَالُ : قَدْ ذهبت عقولهم ، ولكنهم نظروا بقلوبهم إِلَى منْ أذلهم عَنِ الدُّنْيَا وما فيها ، فهم عِنْد أَهْل الدُّنْيَا يمشون بلا عقول حين ذهبت عقول النّاس فِي سكرتهم بحب الدُّنْيَا ورفض الآخرة ، أولئك لهم البشرى والكرامة برفضهم لهواهم وإيثارهم حق اللَّه عَزَّ وَجَلّ عَلَى حقوق منْ عاشروا ، فَقَالَ أُسَامَة : يا رَسُول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم . فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجهله منهم ، أَوْ قَالَ أَنْت منهم " . واللَّه أَعْلَم بالصواب .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
عَطَاء بْن يَسَار | عطاء بن يسار الهلالي / ولد في :19 / توفي في :94 | ثقة |
يَزِيد بْن أسلم | زيد بن أسلم بن عبد الله | مجهول الحال |
مُحَمَّد بْن عجلان | محمد بن عجلان القرشي / توفي في :148 | صدوق حسن الحديث |
عبادة بْن يَزِيد الحِمْيَريّ | مالك بن أنس الأصبحي / ولد في :89 / توفي في :179 | رأس المتقنين وكبير المتثبتين |
أَبُو حامد مُحَمَّد بْن هَارُون الْحَضْرَمِيّ | محمد بن هارون الحضرمي / توفي في :321 | ثقة |