تفسير

رقم الحديث : 2218

أخبرناها أَبُو القاسم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ ، أَنْبَأَنَا مَنْصُور عَبْد الباقي بْن مُحَمَّد بْن غالب بْن العَطَّار ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عِمْرَانَ بْن الجندي ، أَنْبَأَنَا أَبُو حامد مُحَمَّد بْن هَارُون الْحَضْرَمِيّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يَزِيد الحِمْيَريّ ، حَدَّثَنَا عبادة بْن يَزِيد الحِمْيَريّ ، عَنْ مُحَمَّد بْن عجلان ، عَنْ يَزِيد بْن أسلم ، عَنْ عَطَاء بْن يَسَار ، عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ، قالا : " دخل أُسَامَة بْن زَيْد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَقْبَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه ، ثُمّ قَالَ : يا أُسَامَة بْن زَيْد ، عليك بطريق الجَنَّة وإياك أن تحيد عَنْهُ فتختلج دونها . فَقَالَ أُسَامَة : يا رَسُول اللَّه ، دلني عَلَى ما أسرع بِهِ قطع ذَلِكَ الطريق . قَالَ : عليك بالظمأ فِي الهواجر وقصر النَّفْس عَنْ لذتها ولذة الدُّنْيَا والكف عَنْ محارم اللَّه ، يا أُسَامَة ، إن أَهْل الجَنَّة يتلذذون بريح فم الصائم ، وإن الصوم جنة مِنَ النار ، فعليك بِذَلِك وتقرب إِلَى اللَّه بكثرة التهجد والسجود ، فَإِن أشرف قيام الليل ، وأقرب ما يكون العبد منْ ربه إذا كَانَ ساجدًا ، وأن اللَّه عَزَّ وَجَلّ يباهي بِهِ ملائكته ويقبل إِلَيْهِ بوجهه ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، إياك والكبد الجائعة تخاصمك عِنْد اللَّه يوم القيامة ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، أن وقعت عيناك عَنْ عُبَاد اللَّه الَّذِين أذابوا لحومهم بالرياح والسمائم وأظمئوا الأكباد حَتَّى غشيت أبصارهم الظلم ، سهروا ليلهم خشعًا ركعًا يبتغون فضلا مِنَ اللَّه ورضوانًا ، سيماهم فِي وجوهم منْ أثر السجود ، تعرفهم بقاع الأرض تحف بهم الملائكة ، تحوم حواليهم الطيور ، تذل لهم السباع كذل الكلب لأهله ، يا ابْن زَيْد ، إن اللَّه تَعَالَى إذا نظر إليهم سر بهم ، تصرف الزلازل والفتن ، ثُمّ بكى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اشتد بكاؤه وهاب القوم أن يكلموه حَتَّى ظن القوم أن أمرًا قَدْ نزل مِنَ السماء ، ثُمّ تكلم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ حزين ، ثُمّ قَالَ : ويح هَذِهِ الأمة ما يلقى فيهم منْ أطاع اللَّه ، كيف يكذبونه ويضربونه ويحبسونه منْ أجل أَنَّهُ أطاع اللَّه ؟ قَالَ : إنما يعصونهم حيث أمروهم بطاعة اللَّه . ترك القوم الطريق ، ولبسوا اللين مِنَ الثياب ، وخدمتهم أبناء فارس ، وتزين الرجل منهم بزينة المرأة ، وتزينت المرأة منهم بزينة الرجل ، دينهم دين كسرى وقيصر ، همتهم جمع الدنانير والدراهم فهو دينهم ، وسنتهم القتل ، تباهوا بالجمال واللباس ، فإذا تكلم وُلّي اللَّه الغني مِنَ التعفف المنحنية أصلابهم مِنَ العبادة ، قَدْ ذبحوا أنفسهم مِنَ العطش رضًا للَّه عَزَّ وَجَلّ ، كذبوا وأوذوا وطردوا وحبسوا ، وقيل لهم : أنتم قرناء الشياطين ، ورءوس الضلال تكذبون بالكتاب وتحرمون زينة اللَّه والطيبات مِنَ الرزق التي أخرج لعباده ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، إن أقرب النّاس يوم القيامة منْ طال حزنه وظمؤه وسهره وفكرته أولئك هُمُ الأخيار الأبرار ، ألا أنبئك بصفتهم ؟ قَالَ : بلى يا رَسُول اللَّه . قَالَ : هُمُ الَّذِين إن شهدوا لَمْ يعرفوا ، وإن غابوا لَمْ يفقدوا ، وإن لَمْ يدعوا ، وإن مرضوا لَمْ يعادوا ، وإن ماتوا لَمْ يحضروا ، وَإِذَا نظر النّاس إليهم ، قَالُوا : مجانين وموسوسون ، وما بالقوم جنون ولا وسواس ولكنهم شغلوا أنفسهم بحب اللَّه عَزَّ وَجَلّ وطلب مرضاته ، يمشون عَلَى الأرض هونًا ، وَإِذَا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سلامًا ، يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا يأمرون بالمعروف وينهون عَنِ المنكر ، فيقتلون عَلَى ذَلِكَ ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، كُلّ النّاس منْ كُلّ نوع أكلوا منْ حشيش الأرض وثمارها ، وتوسد النّاس الوسائد والنمارق وتوسدوا اللبن والحجارة ، نعم النّاس بشهواتهم ولذاتهم ونعموا بجوعهم والعطش ، افترش النّاس لين الفرش افترشوا الجنوب والركب ، ضحك النّاس مِنَ الفرح بكوا هُمْ مِنَ الأحزان ، تطيب النّاس بالطيب ، تطيبوا بالماء والتراب ، بنوا النّاس المنازل والقصور اتخذوا الخراب والفلوات وظلال الشجر منازل ومساجد ومقيلا ، اتخذ النّاس الأبنية والمجالس متحدثًا تلذذًا وتلهيًا وبطرًا ، واتخذوا المحارب وحلق الذكر والخلوة تخشعًا وخوفًا وتكفيرًا وتذكيرًا وتشريفًا ، أنس الناس بالحديث والاجتماع أنسوا بذكر اللَّه ومناجاته والوحدة والفرار بدينهم مِنَ النّاس ، وَهْب النّاس أنفسهم الدُّنْيَا وهبوا هُمْ أنفسهم للآخرة فوهبها لهم ، فباعوا قليلًا زائلا واشتروا كثيرًا دائمًا ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، لا يجمع اللَّه عليهم الشدة فِي الدُّنْيَا والآخرة بل لهم الجَنَّة أولئك أحباء اللَّه يا ليت إني قَدْ رأيتهم الأرض بهم رحبة والجبار عَنْهُمْ راض ، صنيع النّاس أفعال النبيين وأخلاقهم حفظوها هُمْ وتمسكوا بها ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، الفائز منْ رغب إِلَى اللَّه فِي مثل رغبتهم ، والمغتر المغبون منْ لَمْ يلق اللَّه بمثل رغبتهم وأدائهم ، والخاسر منْ خسر تقويم وضيع أفعالهم ، يا أُسَامَة بْن زَيْد لكل أرض أمان تبكي الأرض إذا فقدتهم ، ويسخط الجبار عَلَى بلد لَيْسَ فِيهِ منهم ، ولا تزال الأرض باكية حَتَّى يبدل اللَّه مثله ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، اتخذهم لنفسك أصدقاء وأصحابًا حَتَّى تنجو بهم ، وإياك أن تدع ما هُمْ عَلَيْه فتزل قدمك فتهوى فِي النار ، يا أُسَامَة بْن زَيْد ، زهدوا فِي الحلال فحرموه عَلَى أنفسهم وَقَدْ أحله اللَّه لهم طلبًا للفضل فتركوه لينالوا بِهِ الزلفى والكرامات عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلّ ، ولم يتكابوا عَلَى الدُّنْيَا تكاب الكلاب عَلَى الجيف ، شغل النّاس بالدنيا شغلوا هُمْ أنفسهم بطاعة اللَّه عَزَّ وَجَلّ ، ولم يكن ذَلِكَ إلا بتوفيق اللَّه عَزَّ وَجَلّ لهم ، أكلوا حلو الطعام وحامضه شعثًا غبرًا هزلا ، يراهم النّاس فيظنون أن بهم داء ، ويُقَالُ : قَدْ خلطوا ، وما بالقوم داء ولا خولطوا ، ويُقَالُ : قَدْ ذهبت عقولهم ، ولكنهم نظروا بقلوبهم إِلَى منْ أذلهم عَنِ الدُّنْيَا وما فيها ، فهم عِنْد أَهْل الدُّنْيَا يمشون بلا عقول حين ذهبت عقول النّاس فِي سكرتهم بحب الدُّنْيَا ورفض الآخرة ، أولئك لهم البشرى والكرامة برفضهم لهواهم وإيثارهم حق اللَّه عَزَّ وَجَلّ عَلَى حقوق منْ عاشروا ، فَقَالَ أُسَامَة : يا رَسُول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم . فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجهله منهم ، أَوْ قَالَ أَنْت منهم " . واللَّه أَعْلَم بالصواب .

الرواه :

الأسم الرتبة
عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس

صحابي

عَطَاء بْن يَسَار

ثقة

يَزِيد بْن أسلم

مجهول الحال

مُحَمَّد بْن عجلان

صدوق حسن الحديث

عبادة بْن يَزِيد الحِمْيَريّ

رأس المتقنين وكبير المتثبتين

أَبُو حامد مُحَمَّد بْن هَارُون الْحَضْرَمِيّ

ثقة

Whoops, looks like something went wrong.