حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، ثنا جَرِيرٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ : قَامَ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ، فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لا يَنَامُ ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ ، حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ " . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِلَى مَنْ تُرْفَعُ الأَعْمَالُ ، وَاللَّهُ بِزَعْمِكُمُ الْكَاذِبِ مَعَ الْعَامِلِ بِنَفْسِهِ فِي بَيْتِهِ ، وَمَسْجِدِهِ ، وَمُنْقَلَبِهِ ، وَمَثْوَاهُ ؟ ! تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَالأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ ، وَالتَّابِعِينَ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا كِتَابُنَا هَذَا ، غَيْرَ أَنَّا قَدِ اخْتَصَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ أُولُو الأَلْبَابِ أَنَّ الأُمَّةَ كُلَّهَا وَالأُمَمَ السَّالِفَةَ قَبْلَهَا لَمْ يَكُونُوا يَشُكُّونَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ، غَيْرَ هَذِهِ الْعِصَابَةِ الزَّائِغَةِ عَنِ الْحَقِّ ، الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَأَثَارَاتِ الْعِلْمِ كُلِّهَا ، حَتَّى لَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ كُفَّارِ الأُمَمِ وَفَرَاعِنَتِهِمْ ، وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ { 36 } أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى سورة غافر آية 36-37 ، وَاتَّخَذَ فِرْعَوْنُ إِبْرَاهِيمَ النُّسُورَ وَالتَّابُوتَ يَرُومُونَ الاطِّلاعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ ، وَذَلِكَ لَمَّا أَنَّ الأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ كَانُوا يَدْعُونَهُمْ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ ، وَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ : يَا رَبِّ ! أَنْتَ فِي السَّمَاءِ وَنَحْنُ فِي الأَرْضِ ، وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرٌ ، يَطُولُ إِنْ ذَكَرْنَاهَا وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَبَاطِنُهُ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، لا لَبْسَ فِيهِ ، وَلا تَأَوُّلَ إِلا لِمُتَأَوِّلٍ جَاحِدٍ يُكَابِرُ الْحُجَّةَ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ سورة الكهف آية 1 ، وَقَوْلُهُ : نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ { 3 } مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ سورة آل عمران آية 3-4 ، وَقَوْلُهُ : حم { 1 } تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سورة الدخان آية 1-2 ، سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ سورة النور آية 1 ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ كَثِيرٌ ، كُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِهِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَدَّعِي هَؤُلاءِ الزَّائِغَةُ أَنَّهُ تَحْتَ الأَرْضِ وَفَوْقَهَا كَمَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ لَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي بَعْضِ الآيَاتِ : إِنَّا أَطْلَعْنَاهُ إِلَيْكَ ، وَرَفَعْنَاهُ إِلَيْكَ ، وَمَا أَشْبَهَهُ ، وَقَالَ : وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ سورة مريم آية 64 وَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ سورة الشعراء آية 193 وَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ سورة النحل آية 102 ، وَلَمْ يَقُلْ : مَا نُخْرِجُ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ ، وَلا يَصْعَدُ مِنْهَا . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَبَاطِنُهُ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ ، نَسْتَغْنِي فِيهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنِ التَّفْسِيرِ ، وَيَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ ، وَالْخَاصَّةُ ، فَلَيْسَ مِنْهُ لِمُتَأَوِّلٍ تَأَوُّلٌ ، إِلا لِمُكَذِّبٍ بِهِ فِي نَفْسِهِ ، مُسْتَتِرٍ بِالتَّأْوِيلِ ، وَيْلَكُمْ ! إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمِيعِ الأُمَّةِ ، مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ وَالأَحْكَامِ : نَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا ، وَنَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا ، وَنَزَلَتْ سُورَةُ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا ، لا نَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ : طَلَعَتْ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ ، وَلا جَاءَتْ مِنْ أَمَامٍ ، وَلا مِنْ خَلْفٍ ، وَلَكِنْ كُلُّهُ : نَزَلَتْ مِنْ فَوْقٍ ، وَمَا يَصْنَعُ بِالتَّنْزِيلِ مَنْ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، إِنَّمَا يَكُونُ شِبْهَ مُنَاوَلَةٍ ، لا تَنْزِيلا مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ مَعَ جِبْرِيلَ ، إِذْ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ سورة النحل آية 102 ، وَالرَّبُّ بِزَعْمِكُمُ الْكَاذِبِ فِي الْبَيْتِ مَعَهُ ، وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهِ مِنْ خَارِجٍ ، هَذَا وَاضِحٌ ، وَلَكِنَّكُمْ تُغَالِطُونَ ، فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِيمَانِهِ وَعِبَادَتِهِ إِلَى اللَّهِ الَّذِي اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ ، وَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ ، فَإِنَّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ ، وَلا يَدْرِي أَيْنَ اللَّهُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
أَبِي مُوسَى | عبد الله بن قيس الأشعري / توفي في :50 | صحابي |
أَبِي عُبَيْدَةَ | أبو عبيدة بن عبد الله الهذلي / توفي في :82 | ثقة |
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ | عمرو بن مرة المرادي / توفي في :116 | ثقة |
الأَعْمَشِ | سليمان بن مهران الأعمش | ثقة حافظ |
جَرِيرٌ | جرير بن عبد الحميد الضبي | ثقة |
عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ | عثمان بن أبي شيبة العبسي / توفي في :239 | وله أوهام, ثقة حافظ شهير |