باب نزول الله لاهل الجنة


تفسير

رقم الحديث : 78

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حُمَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ ، يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ : " فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، أَقْبَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ ، فَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ السَّلامَ ، قَالَ الْقُرَظِيُّ : وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ سورة يس آية 58 ، فَيَقُولُ : سَلُونِي ! قَالَ : فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فِي دَرَجِهِمْ حَتَّى يَسْتَوِيَ فِي مَجْلِسِهِ ، ثُمَّ يَأْتِيهِمُ التُّحَفُ مِنَ اللَّهِ تَحْمِلُهَا الْمَلائِكَةُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ قَدْ جَاءَتْ كُلُّهَا وَأَكْثَرُ مِنْهَا فِي نُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ ، وَعَلَى تَصْدِيقِهَا وَالإِيمَانِ بِهَا أَدْرَكْنَا أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْبَصَرِ مِنْ مَشَايِخِنَا ، لا يُنْكِرُهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلا يَمْتَنِعُ مِنْ رِوَايَتِهَا ، حَتَّى ظَهَرَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ فَعَارَضَتْ آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدٍّ ، وَتَشَمَّرُوا لِدَفْعِهَا بِجَدٍّ ، فَقَالُوا : كَيْفَ نُزُولُهُ هَذَا ؟ قُلْنَا : لَمْ نُكَلَّفْ مَعْرِفَةَ كَيْفِيَّةِ نُزُولِهِ فِي دِينِنَا ، وَلا تَعْقِلُهُ قُلُوبُنَا ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَنُشَبِّهَ مِنْهُ فِعْلا أَوْ صِفَةً بِفِعَالِهِمْ وَصِفَتِهِمْ ، وَلَكِنْ يَنْزِلُ بِقُدْرَتِهِ وَلُطْفِ رُبُوبِيَّتِهِ كَيْفَ يَشَاءُ ، فَالْكَيْفُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ، وَالإِيمَانُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُزُولِهِ وَاجِبٌ ، وَلا يُسْأَلُ الرَّبُّ عَمَّا يَفْعَلُ كَيْفَ يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ، لأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ أَنْ يَفْعَلَهُ كَيْفَ يَشَاءُ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِفِعْلِ الْمَخْلُوقِ الضَّعِيفِ الَّذِي لا قُدْرَةَ لَهُ إِلا مَا أَقْدَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ : كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ وَكَيْفَ قَدَرَ ؟ ! ، وَلَوْ قَدْ آمَنْتُمْ بِاسْتِوَاءِ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ ، وَارْتِفَاعِهِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَدْءًا إِذْ خَلَقَهَا ، كَإِيمَانِ الْمُصَلِّينَ بِهِ ، لَقُلْنَا لَكُمْ : لَيْسَ نُزُولُهُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ بِأَشَدَّ عَلَيْهِ ، وَلا بِأَعْجَبَ مِنَ اسْتِوَائِهِ عَلَيْهَا إِذْ خَلَقَهَا بَدْءًا ، فَكَمَا قَدَرَ عَلَى الأُولَى مِنْهُمَا كَيْفَ يَشَاءُ ، فَكَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَى الأُخْرَى كَيْفَ يَشَاءُ ، وَلَيْسَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُزُولِهِ بِأَعْجَبَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ سورة البقرة آية 210 ، وَمِنْ قَوْلِهِ : وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا سورة الفجر آية 22 ، فَكَمَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا يَقْدِرُ عَلَى ذَاكَ ، فَهَذَا النَّاطِقُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَذَاكَ الْمَحْفُوظُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخْبَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا غُبَارٌ ، فَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ ، لَزِمَكُمُ الإِيمَانُ بِهَا ، كَمَا آمَنَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ ، وَإِلا فَصَرِّحُوا بِمَا تُضْمِرُونَ ، وَدَعُوا هَذِهِ الأُغْلُوطَاتِ الَّتِي تَلْوُونَ بِهَا أَلْسِنَتَكُمْ ، فَلَئِنْ كَانَ أَهْلُ الْجَهْلِ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِكُمْ ، إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَمْرِكُمْ لَعَلَى يَقِينٍ ، قَالَ : فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : مَعْنَى إِتْيَانِهِ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، وَمَجِيئِهِ وَالْمَلَكِ صَفًّا صَفًّا ، كَمَعْنَى كَذَا وَكَذَا ، قُلْتُ : هَذَا التَّكْذِيبُ بِالآيَةِ صُرَاحًا ، تِلْكَ مَعْنَاهَا بَيِّنٌ لِلأُمَّةِ ، لا اخْتِلافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعْنَاهَا الْمَفْهُومِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَمَّا مَجِيئُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِتْيَانُهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ ، فَلا اخْتِلافَ بَيْنَ الأُمَّةِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِيهِمْ يَوْمَئِذٍ كَذَلِكَ لِمُحَاسَبَتِهِمْ ، وَلِيَصْدَعِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَيُقَرِّرَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَيَجْزِيَهُمْ بِهَا ، وَلِيُنْصِفَ الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ ، لا يَتَوَلَّى ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدَّهُ ، فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِذَلِكَ لَمْ يُؤْمِنْ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ، وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ فِي تَأْوِيلِكُمْ هَذَا وَمَا ادَّعَيْتُمْ مِنْ بَاطِلِكُمْ ، وَلَسْتُمْ كَذَلِكَ ، فَأْتُوا بِحَدِيثٍ يُقَوِّي مَذْهَبَكُمْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ بِتَفْسِيرٍ تَأْثُرُونَهُ صَحِيحًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ كَمَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ عَنْهُمْ نَحْنُ لِمَذْهَبِنَا ، وَإِلا فَمَتَى نَزَلَتِ الْجَهْمِيَّةُ مِنَ الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِتَفْسِيرِهِ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ قَبُولُ قَوْلِهِمْ فِيهِ ، وَتَرْكُ مَا يُؤْثَرُ مِنْ خِلافِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ ، وَعَنِ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ ، هَذَا حَدِيثٌ كَبِيرٌ فِي الإِسْلامِ ، وَظُلْمٌ عَظِيمٌ أَنْ يَتْبَعَ تَفْسِيرُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ بِلا أَثَرٍ ، وَيُتْرَكَ الْمَأْثُورُ فِيهِ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ ! ، وَمَتَى مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تُجَامِعُوا أَهْلَ الْعِلْمِ فِي مَجَالِسِهِمْ ، أَوْ تَنْتَحِلُوا شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ فِي آبَادِ الدَّهْرِ إِلا مُنَافِقَةً وَاسْتِتَارًا ، حَتَّى تَتَقَلَّدُوا الْيَوْمَ مِنْ تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ يَتَوَقَّى أَوْضَحَ مِنْهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ لَقَدْ عَدَوْتُمْ طَوْرَكُمْ ، وَأَنْزَلْتُمْ أَنْفُسَكُمُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي بَعَّدَكُمُ اللَّهُ مِنْهَا ، ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا عَنْ أَصْحَابِهِ خَبَرٌ وَلا أَثَرٌ لَمْ تَكُونُوا مُؤْتَمَنِينَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَتَفْسِيرِهِ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَقَاوِيلِكُمْ ، أَوْ يُعْتَمَدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تَفْسِيرِكُمْ كِتَابَ اللَّهِ ، لِمَا ظَهَرَ لِلأُمَّةِ مِنْ إِلْحَادِكُمْ ، فَكَيْفَ إِذَا هُمْ خَالَفُوكُمْ ؟ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمِمَّا يَرُدُّ هَذَا وَيُبْطِلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ سورة الأنعام آية 158 الآيَةُ ، فَهَذَا بِمَا يُحَقِّقُ دَعْوَانَا وَيُبْطِلُ دَعْوَاكُمُ الَّتِي تَخَرَّصْتُمُوهَا عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي إِتْيَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَجِيئِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلا لُزُومًا لِتَفْسِيرِكُمْ هَذَا ، وَمُخَالَفَةً لِمَا احْتَجَجْنَا بِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ مِنَ الرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى تَفْسِيرِكُمْ لَوْ قَدْ أَصَبْتُمُ الْحَقَّ ، فَكَيْفَ إِذَا أَنْتُمْ أَخْطَأْتُمُوهُ ، وَلَكِنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ يَعْقِلُهَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّا قَدْ أَتَيْنَاكُمْ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ ، مَنْصُوصَةً صَحِيحَةً عَنْهُمْ ، أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ يَقِينًا أَنَّا لَمْ نَخْتَرِعْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ، وَلَمْ نَفْتَعَلْهَا ، بَلْ رُوِّينَاهَا عَنِ الأَئِمَّةِ الْهَادِينَ الَّذِينَ نَقَلُوا أُصُولَ الدِّينِ وَفُرُوعَهُ إِلَى الأَنَامِ ، وَكَانَتْ مُسْتَفِيضَةً فِي أَيْدِيهِمْ ، يَتَنَافَسُونَ فِيهَا ، وَيَتَزَيَّنُونَ بِرِوَايَتِهَا ، وَيَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى مَنْ خَالَفَهَا ، قَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ وَرُوِّيتُمُوهَا كَمَا رُوِّينَاهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَائْتُوا بِبَعْضِهَا ، أَنَّهُ لا يَنْزِلُ مَنْصُوصًا كَمَا رُوِّينَا عَنْهُمُ النُّزُولَ مَنْصُوصًا ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُ مَا تَأْتُونَ بِهِ ضِدًّا لِبَعْضِ مَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ ، وَإِلا لِمَ يُدْفَعُ إِجْمَاعُ الأُمَّةِ وَمَا ثَبَتَ عَنْهُمْ فِي النُّزُولِ مَنْصُوصًا بِلا ضِدٍّ مَنْصُوصٍ مِنْ قَوْلِهِمْ ، أَوْ مِنْ قَوْلِ نُظَرَائِهِمْ ، وَلِمَ يُدْفَعُ شَيْءٌ بِلا شَيْءٍ ، لأَنَّ أَقَاوِيلَهُمْ وَرِوَايَاتِهِمْ شَيْءٌ لازِمٌ وَأَصْلٌ مَنِيعٌ ، وَأَقَاوِيلَكُمْ رِيحٌ لَيْسَتْ بشَيْءٍ ، وَلا يُلْزِمُ أَحَدًا مِنْهَا شَيْءٌ إِلا أَنْ تَأْتُوا فِيهَا بِأَثَرٍ ثَابِتٍ مُسْتَفِيضٍ فِي الأُمَّةِ كَاسْتِفَاضَةِ مَا رُوِّينَا عَنْهُمْ ، وَلَنْ تَأْتُوا بِهِ أَبَدًا ، هَذَا وَاضِحٌ بَيِّنٌ يَعْقِلُهُ كَثِيرٌ مِنْ ضُعَفَاءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَتَعْقِلُونَهُ أَنْتُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ مِنَ الْغَفْلَةِ كُلُّ مَا لا تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَجَ آخِذَةٌ بِحُلُوقِكُمْ ، غَيْرَ أَنَّكُمْ تَقْصِدُونَ شَيْئًا لا يَنْقَادُ إِلا بِدَفْعِ هَذِهِ الْحُجَجِ وَالآثَارِ كُلِّهَا ، تَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، لا حَدَّ لَهُ وَلا مُنْتَهَى عِنْدَكُمْ ، وَلا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ بِزَعْمِكُمْ ، ثُمَّ قُلْتُمْ : إِنَّمَا يُوصَفُ بِالنُّزُولِ مَنْ هُوَ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ ، فَأَمَّا مَنْ هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ فَكَيْفَ يَنْزِلُ إِلَى مَكَانٍ ؟ قُلْنَا : هَذِهِ صِفَةٌ خِلافُ صِفَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلا نَعْرِفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ شَيْئًا إِلا هَذَا الْهَوَاءَ الدَّاخِلَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، النَّازِلَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَهَكُمُ الَّذِي تَعْبُدُونَ ، فقد غلبكم عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ رَأْسًا ، وَصِرْتُمْ فِي عِبَادَةِ مَا تَعْبُدُونَ أَسْوَأَ مَنْزِلَةً مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ، وَعِبَادَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، لأَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ عَبَدَ شَيْئًا هُوَ عِنْدَ الْخَلْقِ شَيْءٌ ، وَعَبَدْتُمْ أَنْتُمْ شَيْئًا هُوَ عِنْدَ الْخَلْقِ لا شَيْءَ ، لأَنَّ الْكَلِمَةَ قَدِ اتَّفَقَتْ مِنَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ أَنَّ الشَّيْءَ لا يَكُونُ إِلا بِحَدٍّ وَصِفَةٍ ، وَأَنْ لا شَيْءَ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ وَلا صِفَةٌ ، فَلِذَلِكَ قُلْتُمْ : لا حَدَّ لَهُ ، وَقَدْ أَكْذَبَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَسَمَّى نَفْسَهُ : أَكْبَرَ الأَشْيَاءِ ، وَأَعْظَمَ الأَشْيَاءِ ، وَخَلاقَ الأَشْيَاءِ قَالَ تَعَالَى : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ سورة الأنعام آية 19 ، وَقَالَ : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ سورة القصص آية 88 ، فَهُوَ سَمَّى نَفْسَهُ : أَكْبَرَ الأَشْيَاءِ ، وَأَعْظَمَ الأَشْيَاءِ ، وَخَلاقَ الأَشْيَاءِ ، وَلَهُ حَدٌّ ، وَهُوَ يَعْلَمُهُ لا غَيْرُهُ .

الرواه :

الأسم الرتبة