باب الرؤية


تفسير

رقم الحديث : 79

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ الْبَغْدَادِيُّ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، أَنَّهُ سُئِلَ : بِمَ نَعْرِفُ رَبَّنَا ؟ قَالَ : " بِأَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ ، فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى الْعَرْشِ ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ " قَالَ : قُلْتُ : بِحَدٍّ ؟ قَالَ : " فَبِأَيِّ شَيْءٍ ؟ ! " . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْحُجَّةُ لِقَوْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ سورة الزمر آية 75 ، فَلِمَاذَا يَحُفُّونَ حَوْلَ الْعَرْشِ إِلا لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَهُ ، لَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَحَفُّوا بِالأَمْكِنَةِ كُلِّهَا ، لا بِالْعَرْشِ دُونَهَا ، فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ لِلْحَدِّ ، وَأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ ، وَالْمَلائِكَةَ حَوْلَهُ حَافُّونَ يُسَبِّحُونَهُ وَيُقَدِّسُونَهُ ، وَيَحْمِلُ عَرْشَهُ بَعْضُهُمْ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ سورة غافر آية 7 ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَسَمِعْتُ مُحْتَجًّا ، يَحْتَجُّ عَنْهُمْ فِي إِنْكَارِهِمُ الْحَدَّ وَالنُّزُولَ ، وَفِي قَوْلِهِمْ : هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، بِحَدِيثِ : " أَرْبَعَةُ أَمْلاكٍ الْتَقَوْا : أَحَدُهُمْ جَاءَ مِنَ الْمَشْرِقِ ، وَالآخَرُ مِنَ الْمَغْرِبِ ، وَالثَّالِثُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَالرَّابِعُ مِنَ الأَرْضِ ، فَقَالُوا أَرْبَعَتُهُمْ : جِئْنَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " , فَقُلْتُ : إِنَّ أَفْلَسَ النَّاسِ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَفْقَرَهُمْ فِيهِ الَّذِي لا يَجِدُ مِنَ الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي تِلْكَ الأَبْوَابِ إِلا هَذَا الْحَدِيثَ ، وَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْحَدِيثِ أَفْلَسُ ، لأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَوْ صَحَّ كَانَ عَلَيْهِ لا لَهُ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ أَلْجَأَتْهُمُ الضَّرُورَةُ إِلَى هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ ، لأَنَّهُمْ لَوْ وَجَدُوا حَدِيثًا مَنْصُوصًا فِي دَعْوَاهُمْ لاحْتَجُّوا بِهِ لا بِهَذَا ، وَلَكِنْ حِينَ أَيِسُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَعْيَاهُمْ طَلَبُهُ تَعَلَّقُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمُشْتَبِهِ عَلَى جُهَّالِ النَّاسِ لِيُرَوِّجُوا بِسَبَبِهِ عَلَيْهِمْ أُغْلُوطَةً ، وَسَنُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُ عَلَيْهِمْ لا لَهُمُ ، قُلْنَا : هَذَا الْحَدِيثُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ مَفْهُومًا مَعْقُولا ، لا لَبْسَ لَهُ ، أَنَّهُمْ جَاءُوا كُلُّهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا قَالُوا ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ ، وَسَمَاوَاتُهُ فَوْقَ أَرْضِهِ كَالْقُبَّةِ ، وَكَمَا وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهُوَ يُنَزِّلُ مَلائِكَةً مِنْ عِنْدِهِ بِالْمَشْرِقِ ، وَمَلائِكَةً بِالْمَغْرِبِ ، وَمَلائِكَةً إِلَى تُخُومِ الأَرْضِ ، لِلأَمْرِ مِنْ أُمُورِهِ ، وَلِرَحْمَتِهِ ، وَلِعَذَابِهِ ، وَلِمَا يَشَاءُ مِنْ أُمُورِهِ ، فَلَوْ أَنْزَلَ أَحَدَ هَؤُلاءِ الأَرْبَعَةِ بِالْمَشْرِقِ ، وَالثَّانِي بِالْمَغْرِبِ ، وَالثَّالِثَ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى تُخُومِ الأَرْضِ لِلأَمْرِ مِنْ أُمُورِهِ ، ثُمَّ عَرَجُوا مِنْهَا ، وَالْتَقَوْا جَمِيعًا فِي مُلْتَقًى مِنَ الأَرْضِ مَعَ رَابِعٍ ، نَزَلَ مِنْ مُلْتَقَاهُمْ مِنَ السَّمَاءِ ، فَسُئِلُوا جَمِيعًا : مَنْ أَيْنَ جَاءُوا ؟ فَقَالُوا جَمِيعًا : جِئْنَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، لَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ صَحِيحًا عَلَى مَذْهَبِنَا ، لا عَلَى مَذْهَبِكُمْ ، لأَنَّ كُلا بَعَثَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ ، وَكُلا نَزَلُوا مِنْ عِنْدِهِ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ ، وَلَوْ نَزَلَ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ فِي مِائَةِ أَلْفِ مَكَانٍ مِنَ الأَرْضِ لَجَاءُوا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا قِيلَ : مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ السَّمَاءِ ، وَالْمَلائِكَةُ فِي السَّمَوَاتِ ، وَبَعْضُهُمْ حَافُّونَ بِعَرْشِهِ ، فَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ سورة الأعراف آية 206 ، فَفِي هَذِهِ الآيَةِ بَيَانٌ لِتَحْقِيقِ مَا ادَّعَيْنَا لِلْحَدِّ ، فَإِنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَلإِبْطَالِ دَعْوَى الَّذِينَ ادَّعَوْا أَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، لأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ مَا كَانَ لِخُصُوصِ الْمَلائِكَةِ أَنَّهُمْ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ سورة الأعراف آية 206 مَعْنًى ، بَلْ كَانَتِ الْمَلائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ وَسَائِرُ الْخَلْقِ كُلُّهُمْ عِنْدَ رَبِّكَ فِي دَعْوَاهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، إِذْ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، إِذًا لَذَهَبَ مَعْنَى قَوْلِهِ : لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ سورة الأعراف آية 206 لأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ مَنْ يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ ، وَلا يَسْجُدُ لَهُ ، وَلَكِنْ خَصَّ اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَهُ فِي السَّمَوَاتِ ، فَأَوْطِئُوا بِهَذِهِ الآيَةِ ، وَاقْرَعُوا بِهَا رُؤُوسَهُمْ عِنْدَ دَعْوَاهُمْ : إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، فَإِنَّهَا آخِذَةٌ بِحُلُوقِهِمْ ، لا مَفَرَّ لَهُمْ مِنْهَا إِلا بِجُحُودٍ ، فَإِنْ أَقَرُّوا أَنَّهُمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ ، فَقَدْ أَصَابُوا مَا أَرَادَ اللَّهُ ، وَنَقَضُوا قَوْلَهُمْ : إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْحَدِّ ، وَأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ ، وَالْمَلائِكَةَ عِنْدَهُ : لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ سورة الأعراف آية 206 ، وَإِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِهِ كَانُوا بِذَلِكَ جَاحِدِينَ لِتَنْزِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَلْزَمُهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا لِجَمِيعِ عَبْدَةِ الأَوْثَانِ ، وَعَبْدَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَالْجِنِّ وَالإِنْسِ ، وَكَفَرَةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوسِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ سورة الأعراف آية 206 لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ عِنْدَهُ كَذَلِكَ صِفَاتُهُمْ ، فَإِنْ يَكُنِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ عِنْدَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ ، وَكُلٌّ يُسَبِّحُ لَهُ ، وَيَسْجُدُ لَهُ ، وَلا يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ ، وَمَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَجَحَدَ بِآيَاتِ اللَّهِ ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ عِنْدَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَوَصَفَ كُفَّارَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ ، وَعَبْدَةِ الأَوْثَانِ بِالْعُتُوِّ وَالاسْتِكْبَارِ عَنْ عِبَادَتِهِ ، وَالنُّفُورِ عَنْ طَاعَتِهِ ، قَالَ تَعَالَى : لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا سورة الفرقان آية 21 ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا سورة الفرقان آية 60 ، فَافْهَمُوا هَذِهِ الآيَةِ ، فَإِنَّهَا قَاطِعَةٌ لِحُجَجِهِمْ .

الرواه :

الأسم الرتبة