حَدَّثَنِي حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ ، قَالَ : " بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيَّ ، وَكَانَ رَجُلا مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الشَّامِ ، قَامَ إِلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ : يَا مُعَاوِيَةُ ، عَلَى مَا تُقَاتِلُ عَلِيًّا ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، وَلَهُ مِنَ الْقَدْرِ فِي الِإِسْلامِ ، وَالسَابِقَةِ وَالْقَرَابَةِ مَا لَيْسَ لَكَ ، إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ طَلِيقٌ ابْنُ طَلِيقٍ ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : يَا أَبَا مُسْلِمٍ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أُقَاتِلُهُ وَأَنَا أَدَّعِي فِي الْإِسْلامِ مثل الَّذِي يَدَّعِي ، وَلِي فِي الْإِسْلامِ مثل مَا لَهُ ، وَلَكِنِّي أُقَاتِلُهُ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ ، إِنَّ عَلَيًّا قَتَلَ عُثْمَانَ ، فَأَنَا أَطْلُبُهُ بِدَمِّهِ . فَخَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى نَاقَتِهِ يَضْرِبُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْكُوفَةِ ، فَأَنَاخَهَا بِالْكُنَاسَةِ ، ثُمَّ جَاءَ يَمْشِي حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَالنَّاسُ عِنْدهُ ، فَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ : اللَّهُ قَتَلَهُ ، وَأَنَا مَعَهُ . فَخَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ . حَتَّى أَتَى نَاقَتَهُ فَرَكِبَهَا ، فَأَتَى الشَّامَ . وَقِيلَ لِعَلِيٍّ : إِنَّ الَّذِي كَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ أَبُو مُسْلِمٍ ، فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ ، فَفَاتَهُ ، وَقَدِمَ أَبُو مُسْلِمٍ الشَّامَ ، فَانْتَهَى إِلَى مُعَاوِيَةَ ، وَهُوَ يَتَغَدَّى ، فَلَمَّا قِيلَ لِمُعَاوِيَةَ : قَدْ جَاءَ أَبُو مُسْلِمٍ ، وَمَعَهُ لُقْمَةٌ ، فَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَسِيغَهَا حَتَّى وَقَعَتْ . قَالَ : فَدَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ فَحَيَّاهُ وَقَرَّبَهُ ، وَرَحَّبَ بِهِ ، وَسَأَلَهُ عَنْ سَفَرِهِ ، وَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَكْرَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَبُو مُسْلِمٍ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ مَمِا يَكْرَهُ مُعَاوِيَةُ . قَالَ : فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ : قُمْ فَوَاللَّهِ لَنُقَاتِلَنَّ عَلِيًّا ، وَلَيُقَاتِلَنَّهُ اللَّهُ ، فَإِنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِقَتْلِ عُثْمَانَ . قَالَ : فَقَامَ مُعَاوِيَةُ فَرِحًا حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَامَ أَبُو مُسْلِمٍ خَطِيبًا ، فَحَرَّضَ النَّاسَ عَلَى قِتَالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِ عُثْمَانَ ، وَجَمَعَ مُعَاوِيَةُ لِعَلِيٍّ الْجُمُوعَ ، وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، غَلَبَ عَلَى مِصْرَ ، فَسَارَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إِلَى صِفِّينَ ، فَلَمْ يَزَلْ يُوَارِبُهُ حَتَّى قَالَ : اخْرُجْ إِلَيَّ فِي ثَلاثِينَ رَجُلا ، وَأَخْرُجُ إِلَيْكَ فِي ثَلاثِينَ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِنَا وَنَصْطَلِحَ عَلَى صُلْحٍ . فَفَعَلَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ وَمُعَاوِيَةُ . وَقَدْ أَمَرَ مُعَاوِيَةُ جُنُودَهُ أَنْ يَسِيرُوا مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِمْ ، حَتَّى يُوَافُوهُمْ بِذَلِكَ الْمَكَانِ . وَهُوَ وَمُحَمَّدُ خَارِجٌ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَبَيَّتَهُمْ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ ، وَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ أُولَئِكَ الثَّلِاثِينَ ، وَكَبَّلَهُمْ فِي الْقُيودِ ، وَأَتَى بِهِمُ الشَّامَ ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا صَانَعُوا صَاحِبَ السِّجْنِ ، فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ ، وَلَمَّا أَصْبَحَ مُعَاوِيَةُ قِيلَ لَهُ : إِنَّ مُحَمْدًا قَدْ خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ ، وَأَتَاهُ أَنَّ عَلَيًّا قَدْ جَمَعَ لَهُ الْجُمُوعَ بِالْعِرَاقِ لِيَسِيرُوا إِلَيْهِ ، وَخُبِّرَ أَنَّ صَاحِبَ الرُّومِ قَدْ تَهَيَّأَ لِيَسِيرَ إِلَيْهِ ، فَدَعَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي مُنْذُ أَصْبَحْتُ أَخْبَارٌ ثَلاثَةٌ ، مَا جَاءَتْنِي قَطُّ أَخْبَارٌ أَفْظَعُ مِنْهَا ، وَلا أَكْرَهُ إِلَيَّ ، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَخْرَجٍ ؟ خُرُوجُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنَ السِّجْنِ وَأَصْحَابِهِ ، وَكِتَابُ صَاحِبِ الرُّومِ يَتَهَدَّدُنِي ، وَجَمْعُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ أَهْلَ الْعِرَاقِ حِيلَةً ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : لا يُهَوِّلَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، فَأَمَّا خُرُوجُ مُحَمَّدٍ ، فَابْعَثْ فِي أَثَرِهِ الْخُيُولَ الْمُضْمَرَةِ فِي كُلِّ طَرِيقٍ نَهْجٍ وَغَامِضٍ لا يُسْلَكُ تُؤْتَ بِهِ ، وَأَمَّا صَاحِبُ الرُّومِ ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ يَكُفَّ عَنْكَ ، وَأَمَّا خَبَرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَمَا جَمَعَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَهُوَ الْجَلِيلُ الْفَظِيعُ ، لَمْ يَأْتِكَ مِثْلُهُ قَطُّ ، فَاجْمَعْ لَهُ جُمُوعَكَ ثُمَّ ارْمِهِ بِهِمْ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَيْهِمِ ، فَبَعَثَ خَلْفَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ رَجُلا مِنْ خَثْعَمٍ ، يُقَالُ لَهُ : عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، فَأَدْرَكَهُ فِي غَارٍ دُلَّ عَلَيْهِ ، فَأُتِيَ بِهِ وَبِعَلْقَمَةَ بْنِ عُدَيْسٍ الْبَلَوِيِّ ، قَاتِلِ عُثْمَانَ ، فَقَتَلَهُمَا ، وَأَهْدَى إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ هَدِيَّةً ، فَكَفَّ عَنْهُ ، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبِ ، فَجَمَعَ لَهُ قَضَّهُ وَقَضِيضَهُ مِنْ جِمُوعِهِ وَخَرَجَ إِلَيْهِ " .