كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، قَالا : كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، قَالا : وَكَانَ سَعْدٌ قَدْ تَزَوَّجَ سَلْمَى بِنْتَ خَصَفَةَ ، امْرَأَةَ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ قبله بِشَرَافَ ، فَنَزَلَ بِهَا الْقَادِسِيَّةَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أَرْمَاثَ وَجَالَ النَّاسُ ، وَكَانَ لا يُطِيقُ جِلْسَةً إِلا مُسْتَوْفِزًا أَوْ عَلَى بَطْنِهِ ، جَعَلَ سَعْدٌ يَتَمَلْمَلُ وَيَحُولُ جَزَعًا فَوْقَ الْقَصْرِ ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا يَصْنَعُ أَهْلُ فَارِسَ ، قَالَتْ : وَامُثَنَّيَاهُ وَلا مُثَنَّى لِلْخَيْلِ الْيَوْمَ ، وَهِيَ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَضْجَرَهُ مَا يَرَى مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِي نَفْسِهِ ، فَلَطَمَ وَجْهَهَا . وَقَالَ : أَيْنَ الْمُثَنَّى مِنْ هَذِهِ الْكَتِيبَةِ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا الرَّحَى ؟ يَعْنِي أَسَدًا وعَاصِمًا وَخَيْلَهُ . فَقَالَتْ : أَغَيْرَةً وَجُبْنًا ؟ قَالَ : وَاللَّهِ لا يَعْذِرُنِي الْيَوْمَ أَحَدٌ ، إِذَا أَنْتِ لَمْ تَعْذِرِينِي ، وَأَنْتِ تَرَيْنَ مَا بِي وَالنَّاسُ أَحَقُّ أَلا يَعْذِرُونِي ، فَتَعَلَّقَهَا النَّاسُ ، فَلَمَّا ظَهَرَ النَّاسُ لَمْ يَبْقَ شَاعِرٌ إِلا اعْتَدَّ بِهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ غَيْرَ جَبَانٍ وَلا مَلُومٍ ، وَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ مِنَ الْغَدِ أَصْبَحُوا عَلَى تَعْبِيَةٍ ، وَقَدْ وَكَّلَ سَعْدٌ رِجَالا بِنَقْلِ الشُّهَدَاءِ إِلَى الْعُذَيْبِ ، وَنَقْلِ الرَّثِيثِ ، فَأَمَّا الرَّثِيثُ فَأُسْلِمَ إِلَى النِّسَاءِ يَقُمْنَ عَلَيْهِمْ ، إِلَى قَضَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَدَفَنُوهُمْ هُنَالِكَ عَلَى مُشَرِّقٍ ، وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ الْعُذَيْبِ وَبَيْنَ عَيْنِ الشَّمْسِ فِي عَدْوَتَيْهِ جَمِيعًا ، الدُّنْيَا مِنْهُمَا إِلَى الْعُذَيْبِ ، وَالْقُصْوَى مِنْهُمَا مِنَ الْعُذَيْبِ ، وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ بِالْقِتَالِ حَمْلَ الرَّثِيثِ وَالأَمْوَاتِ ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِمُ الإِبِلُ وَتَوَجَّهَتْ بِهِمْ نَحْوَ الْعُذَيْبِ ، طَلَعَتْ نَوَاصِي الْخَيْلِ مِنَ الشَّامِ ، وَكَانَ فَتْحُ دِمَشْقَ قَبْلَ الْقَادِسِيَّةِ بِشَهْرٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ كِتَابُ عُمَرَ بِصَرْفِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَصْحَابِ خَالِدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ خَالِدًا ، ضَنَّ بِخَالِدٍ فَحَبَسَهُ ، وَسَرَّحَ الْجَيْشَ وَهُمْ سِتَّةُ آلافٍ : خَمْسَةُ آلافٍ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ، وَأَلْفٌ مِنْ أَفْنَاءِ الْيَمَنِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو ، فَجَعَلَهُ أَمَامَهُ ، وَجَعَلَ عَلَى إِحْدَى مُجَنِّبَتَيْهِ قَيْسَ بْنَ هُبَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ الْمُرَادِيَّ ، وَلَمْ يَكُنْ شَهِدَ الأَيَّامَ ، أَتَاهُمْ وَهُمْ بِالْيَرْمُوكِ حِينَ صُرِفَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَصُرِفَ مَعَهُمْ ، وَعَلَى الْمُجَنِّبَةِ الأُخْرَى الْهَزْهَازَ بْنَ عَمْرٍو الْعِجْلِيَّ ، وَعَلى السَّاقَةِ أَنَسَ بْنَ عَبَّاسٍ ، فَانْجَذَبَ الْقَعْقَاعُ وَطَوَى وَتَعَجَّلَ ، فَقَدِمَ عَلَى النَّاسِ صَبِيحَةَ يَوْمِ أَغْوَاثَ ، وَقَدْ عَهِدَ إِلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يَتَقَطَّعُوا أَعْشَارًا وَهُمْ أَلْفٌ ، فَكُلَّمَا بَلَغَ عَشَرَةً مَدَى الْبَصَرِ سَرَّحُوا فِي آثَارِهِمْ عَشَرَةً ، فَقَدَّمَ الْقَعْقَاعُ أَصْحَابَهُ فِي عَشَرَةٍ ، فَأَتَى النَّاسَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَبَشَّرَهُمْ بِالْجُنُودِ ، فَقَالَ : يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ فِي قَوْمٍ وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كَانُوا بِمَكَانِكُمْ ثُمَّ أَحَسُّوكُمْ حَسَدُوكُمْ حَظْوَتَهَا ، وَحَاوَلُوا أَنْ يَطَّيَّرُوا بِهَا دُونَكُمْ ، فَاصْنَعُوا كَمَا أَصْنَعُ ، فَتَقَدَّمَ ثُمَّ نَادَى مَنْ يُبَارِزُ ، فَقَالُوا فِيهِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ : لا يُهْزَمُ جَيْشٌ فِيهِمْ مِثْلُ هَذَا ، وَسَكَنُوا إِلَيْهِ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ ذُو الْحَاجِبِ ، فَقَالَ لَهُ الْقَعْقَاعُ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا بهمنُ جَاذُوَيْهِ ، فَنَادَى : يَا لِثَارَاتِ أَبِي عُبَيْدٍ وَسُلَيْطٍ وَأَصْحَابِ يَوْمِ الْجِسْرِ ، فَاجْتَلَدَا فَقَتَلَهُ الْقَعْقَاعُ ، وَجَعَلَتْ خَيْلُهُ تَرِدُ قِطَعًا ، وَمَا زَالَتْ تَرِدُ إِلَى اللَّيْلِ وَتَنْشَطُ النَّاسُ ، وَكَأَنَّ لَمْ يَكُنْ بِالأَمْسِ مُصِيبَةٌ ، وَكَأَنَّمَا اسْتَقْبَلُوا قِتَالَهُمْ بِقَتْلِ الْحَاجِبِيِّ وَللحاق القطع ، وَانْكَسَرَتِ الأَعَاجِمُ لِذَلِكَ ، وَنَادَى الْقَعْقَاعُ أَيْضًا : مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلانِ : أَحَدُهُمَا البيرزَانُ ، وَالآخَرُ الْبندوَانُ ، فَانْضَمَّ إِلَى الْقَعْقَاعِ الْحَارِثُ بْنُ ظَبْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ أَخُو بَنِي تَيْمِ اللاتِ ، فَبَارَزَ الْقَعْقَاعُ الْبيرزَانَ فَضَرَبَهُ ، فَأَذْرَى رَأْسَهُ ، وَبَارَزَ ابْنُ ظَبْيَانَ الْبندوَانَ ، فَضَرَبَهُ فَأَذْرَى رَأْسَهُ ، وَتَوَرَّدَهُمْ فِرْسَانُ الْمُسْلِمِينَ ، وَجَعَلَ الْقَعْقَاعُ ، يَقُولُ : يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ ، بَاشِرُوهُمْ بِالسُّيُوفِ ، فَإِنَّمَا يُحْصَدُ النَّاسُ بِهَا ، فَتَوَاصَى النَّاسُ وَتَشَايَعُوا إِلَيْهِمْ ، فَاجْتَلَدُوا بِهَا حَتَّى الْمَسَاءِ ، فَلَمْ يَرَ أَهْلُ فَارِسَ فِي هَذَا الْيَوْمِ شَيْئًا مِمَّا يُعْجِبُهُمْ ، وَأَكْثَرَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمُ الْقَتْلَ ، وَلَمْ يُقَاتِلُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى فيل كَانَتْ توابتيها تَكَسَّرَتْ بِالأَمْسِ ، فَاسْتَأْنَفُوا عِلاجَهَا حِينَ أَصْبَحُوا ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ حَتَّى كَانَ الْغَدُ . .
الأسم | الشهرة | الرتبة |