كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، وَأَصْحَابِهِمَا ، قَالُوا : كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، وَأَصْحَابِهِمَا ، قَالُوا : خَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي تَعْبِيَتِهِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا مِنَ الْحِيرَةِ ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ ، فَلَمَّا نَزَلَ الأَقْرَعُ الْمَنْزِلَ الَّذِي يُسَلِّمُهُ إِلَى الأَنْبَارِ ، أَنْتَجَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِبِلَهُمْ ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْعَرَجَةَ وَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الإِقْدَامِ ، وَمَعَهُمْ بَنَاتُ مُخَاضٍ تَتْبَعُهُمْ ، فَلَمَّا نُودِيَ بِالرَّحِيلِ صَرُّوا الأُمَّهَاتِ وَاحْتَقَبُوا الْمَنْتُوجَاتِ ؛ لأَنَّهَا لَمْ تُطِقِ السَّيْرَ ، فَانْتَهُوا رُكْبَانًا إِلَى الأَنْبَارِ ، وَقَدْ تَحَصَّنَ أَهْلُ الأَنْبَارِ ، وَخَنْدَقُوا عَلَيْهِمْ وَأَشْرَفُوا مِنْ حِصْنِهِمْ ، وَعَلَى تِلْكَ الْجُنُودِ شيرزاذُ صَاحِبُ سَابَاطَ ، وَكَانَ أَعْقَلَ أَعْجَمِيٍّ يَوْمَئِذٍ وَأَسْوَدَهُ وَأَقْنَعَهُ فِي النَّاسِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، فَتَصَايَحَ عَرَبُ الأَنْبَارِ يَوْمَئِذٍ مِنَ السُّورِ ، وَقَالُوا : صبح الأنبار شر جمل يحمل جميلة ، وجمل تربه عوذ ، فَقَالَ شِيرَزَاذُ : مَا يَقُولُونَ ؟ فَفَسَّرَ لَهُ ، فَقَالَ : أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَدْ قَضَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ إِذَا قَضَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَضَاءً كَادَ يُلْزِمُهُمْ ، وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ خَالِدٌ مُجْتَازًا لأُصَالِحَنَّهُ . فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ قَدِمَ خَالِدٌ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ ، فَأَطَافَ بِالْخَنْدَقِ وَأَنْشَبَ الْقِتَالَ ، وَكَانَ قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ إِذَا رَآهُ أَوْ سَمِعَ بِهِ ، وَتَقَدَّمَ إِلَى رُمَاتِهِ فَأَوْصَاهُمْ ، وَقَالَ : إِنِّي أَرَى أَقْوَامًا لا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ ، فَارْمُوا عُيُونَهُمْ وَلا تَوَخُّوا غَيْرَهَا ، فَرَمَوْا رَشْقًا وَاحِدًا ثُمَّ تَابَعُوا فَفُقِئَ أَلْفُ عَيْنٍ يَوْمَئِذٍ ، فَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْوَقْعَةُ ذَاتَ الْعُيُونِ ، وَتَصَايَحَ الْقَوْمُ : ذَهَبَتْ عُيُونُ أَهْلِ الأَنْبَارِ ، فَقَالَ شِيرَزَاذُ : مَا يَقُولُونَ ؟ فَفَسَّرَ لَهُ ، فَقَالَ : آباذ آباذ ، فَرَاسَلَ خَالِدًا فِي الصُّلْحِ عَلى أَمْرٍ لَمْ يَرْضَهُ خَالِدٌ ، فَرَدَّ رُسُلَهُ وَأَتَى خَالِدٌ أَضْيَقَ مَكَانٍ فِي الْخَنْدَقِ بِرَذَايَا الْجَيْشِ ، فَنَحَرَهَا ثُمَّ رَمَى بِهَا فِيهِ فَأَفْعَمَهُ ، ثُمَّ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ وَالرَّذَايَا جُسُورُهُمْ ، فَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي الْخَنْدَقِ ، وَأَرَزَ الْقَوْمُ إِلَى حِصْنِهِمْ ، وَرَاسَلَ شِيرَزَاذُ خَالِدًا فِي الصُّلْحِ عَلَى مَا أَرَادَ فَقَبِلَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُخَلِّيَهُ وَيُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ فِي جَرِيدَةِ خَيْلٍ ، لَيْسَ مَعَهُمْ مِنَ الْمَتَاعِ وَالأَمْوَالِ شَيْءٌ ، فَخَرَجَ شِيرَزَاذُ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى بهمنَ جَاذُوَيْهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ لامَهُ ، فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ فِي قَوْمٍ لَيْسَتْ لَهُمْ عُقُولٌ ، وَأَصْلُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ ، فَسَمِعْتُهُمْ مَقْدَمَهُمْ عَلَيْنَا يَقْضُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَقَلَّمَا قَضَى قَوْمٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَضَاءً إِلا وَجَبَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَاتَلَهُمُ الْجُنْدُ فَفَقَئُوا فِيهِمْ وَفِي أَهْلِ الأَرْضِ أَلْفَ عَيْنٍ ، فَعَرَفْتُ أَنَّ الْمُسَالَمَةَ أَسْلَمُ ، وَلَمَّا اطْمَأَنَّ خَالِدٌ بِالأَنْبَارِ وَالْمُسْلِمُونَ ، وَأَمِنَ أَهْلَ الأَنْبَارِ وَظَهَرُوا رَآهُمْ يَكْتُبُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيَتَعَلَّمُونَهَا ، فَسَأَلَهُمْ : مَا أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا : قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ نَزَلْنَا إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ قَبْلَنَا ، فَكَانَتْ أَوَائِلَهُمْ نَزَلُوهَا أَيَّامَ بُخْتَنَصَّرَ حِينَ أَبَاحَ الْعَرَبُ ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ عَنْهَا ، فَقَالَ : مِمَّنْ تَعَلَّمْتُمُ الْكِتَابَ ؟ فَقَالُوا : تَعَلَّمْنَا الْخَطَّ مِنْ إِيَادٍ . وَأَنْشَدُوهُ قَوْلَ الشَّاعِرِ : قَوْمِي إِيَادٌ لَوْ أَنَّهُمْ أَمَمُ أَوْ لَوْ أَقَامُوا فَتُهْزَلُ النَّعَمُ قَوْمٌ لَهُمْ بَاحَةُ الْعِرَاقِ إِذَا سَارُوا جَمِيعًا وَالْخَطُّ وَالْقَلَمُ وَصَالَحَ خَالِدٌ مَنْ حَوْلَهُمْ وَبَدَأَ بِأَهْلِ الْبَوَازِيجِ ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ أَهْلُ كَلْوَاذَى لِيَعْقِدَ لَهُمْ فَكَاتَبَهُمْ ، فَكَانُوا عيبته مِنْ وَرَاءِ دِجْلَةَ ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الأَنْبَارِ وَمَا حَوْلَهَا نَقَضُوا فِيمَا كَانَ يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ الدُّوَلِ ، مَا خَلا أَهْلُ الْبَوَازِيجِ فَإِنَّهُمْ ثَبَتُوا كَمَا ثَبَتَ أَهْلُ بَانِقْيَا . .