كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، قَالا : كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ : عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَطَلْحَةَ ، قَالا : فَخَرَجَ أَبُو الأَسْوَدِ وَعِمْرَانُ مِنْ عِنْدِهَا ، فَأَتَيَا طَلْحَةَ ، فَقَالا : مَا أَقْدَمَكَ ؟ قَالَ : الطَّلَبُ بِدَمِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالا : أَلَمْ تُبَايِعْ عَلِيًّا ؟ قَالَ : بَلَى وَاللُّجُّ عَلَى عُنُقِي ، وَمَا أَسْتَقِيلُ عَلِيًّا إِنْ هُوَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ ، ثُمَّ أَتَيَا الزُّبَيْرَ ، فَقَالا : مَا أَقْدَمَكَ ؟ قَالَ : الطَّلَبُ بِدَمِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالا : أَلَمْ تُبَايِعْ عَلِيًّا ؟ قَالَ : بَلَى وَاللُّجُّ عَلَى عُنُقِي ، وَمَا أَسْتَقِيلُ عَلِيًّا إِنْ هُوَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ . فَرَجَعَا إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَوَدَّعَاهَا ، فَوَدَّعَتْ عِمْرَانَ ، وَقَالَتْ : يَا أَبَا الأَسْوَدِ ، إِيَّاكَ أَنْ يَقُودَكَ الْهَوَى إِلَى النَّارِ كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ سورة المائدة آية 8 الآيَةَ . فَسَرَّحَتْهُمَا وَنَادَى مُنَادِيهَا بِالرَّحِيلِ ، وَمَضَى الرَّجُلانِ حَتَّى دَخَلا عَلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ، فَبَدَرَ أَبُو الأَسْوَدِ عِمْرَانَ ، فَقَالَ : يَابْنَ حُنَيْفٍ قَدْ أَتَيْتَ فَانْفِرْ وَطَاعِنِ الْقَوْمَ وَجَالِدْ وَاصْبِرْ وَابْرُزْ لَهُمْ مُسْتَلْئِمًا وَشَمِّرْ فَقَالَ عُثْمَانُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، دَارَتْ رَحَا الإِسْلامُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، فَانْظُرُوا بِأَيِّ زَيَفَانَ تَزِيفُ . فَقَالَ عِمْرَانُ : إِي وَاللَّهِ لَتَعْرُكَنَّكُمْ عَرْكًا طَوِيلا ، ثُمَّ لا يُسَاوِي مَا بَقِيَ مِنْكُمْ كَثِيرَ شَيْءٍ . قَالَ : فَأَشِرْ عَلَيَّ يَا عِمْرَانُ . قَالَ : إِنِّي قَاعِدٌ فَاقْعُدْ ، فَقَالَ عُثْمَانُ : بَلْ أَمْنَعُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ ، قَالَ عِمْرَان : بَلْ يَحْكُمُ اللَّهُ مَا يُرِيدُ . فَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ ، وَقَامَ عُثْمَانُ فِي أَمْرِهِ ، فَأَتَاهُ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ ، فَقَالَ : يَا عُثْمَانُ إِنَّ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي تَرُومُ ، يُسْلِمُ إِلَى شَرٍّ مِمَّا تَكْرَهُ ، إِنَّ هَذَا فَتْقٌ لا يُرْتَقُ ، وَصَدْعٌ لا يُجْبَرُ ، فَسَامِحْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ عَلِيٍّ ، وَلا تُحَادِّهِمْ . فَأَبَى وَنَادَى عُثْمَانُ فِي النَّاسِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّهَيُّؤِ ، وَلَبِسُوا السِّلاحَ ، وَاجْتَمَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، وَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى الْكَيْدِ ، فَكَادَ النَّاسَ لِيَنْظُرَ مَا عِنْدَهُمْ ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّهَيُّؤِ وَأَمَرَ رَجُلا وَدَسَّهُ إِلَى النَّاسِ خِدَعًا كُوفِيًّا قَيْسِيًّا ، فَقَامَ ، فَقَالَ : يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنَا قَيْسُ ابْنُ الْعُقْدِيَّةِ الْحُمَيْسِيُّ ، إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ جَاءُوكُمْ إِنْ كَانُوا جَاءُوكُمْ خَائِفِينَ ، فَقَدْ جَاءُوا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَأْمَنُ فِيهِ الطَّيْرُ ، وَإِنْ كَانُوا جَاءُوا يَطْلُبُونَ بِدَمِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَمَا نَحْنُ بِقَتَلَةِ عُثْمَانَ ، أَطِيعُونِي فِي هَؤُلاءِ الْقَوْمِ ، فَرُدُّوهُمْ مِنْ حَيْثُ جَاءُوا ، فَقَامَ الأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ السَّعْدِيُّ ، فَقَالَ : أَوَزَعَمُوا أَنَّا قَتَلَةُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؟ فَإِنَّمَا فَزِعُوا إِلَيْنَا ، يَسْتَعِينُونَ بِنَا عَلَى قَتَلَةِ عُثْمَانَ مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا ، فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ كَمَا زَعَمْتَ ، فَمَنْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ إِخْرَاجِهِمُ الرِّجَالَ أَوِ الْبُلْدَانَ ؟ فَحَصَبَهُ النَّاسُ ، فَعَرَفَ عُثْمَانُ أَنَّ لَهُمْ بِالْبَصْرَةِ نَاصِرًا مِمَّنْ يَقُومُ مَعَهُمْ ، فَكَسَرَهُ ذَلِكَ ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِيمَنْ مَعَهَا ، حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى الْمِرْبَدِ ، وَدَخَلُوا مِنْ أَعْلاهُ أَمْسَكُوا وَوَقَفُوا ، حَتَّى خَرَجَ عُثْمَانُ فِيمَنْ مَعَهُ ، وَخَرَجَ إِلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهَا وَيَكُونَ مَعَهَا ، فَاجْتَمَعُوا بِالْمِرْبَدِ وَجَعَلُوا يَثُوبُونَ ، حَتَّى غَصَّ بِالنَّاسِ ، فَتَكَلَّمَ طَلْحَةُ وَهُوَ فِي مَيْمَنَةِ الْمِرْبَدِ ، وَمَعَهُ الزُّبَيْرُ وَعُثْمَانُ فِي مَيْسَرَتِهِ ، فَأَنْصَتُوا لَهُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَضْلَهُ ، وَالْبَلَدَ وَمَا اسْتُحِلَّ مِنْهُ ، وَعَظَّمَ مَا أُتِيَ إِلَيْهِ ، وَدَعَا إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ ، وَقَالَ : إِنَّ فِي ذَلِكَ إِعْزَازَ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُلْطَانِهِ ، وَأَمَّا الطَّلَبُ بِدَمِ الْخَلِيفَةِ الْمَظُلُومِ ، فَإِنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ، وَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ أَصَبْتُمْ وَعَادَ أَمْرُكُمْ إِلَيْكُمْ ، وَإِنْ تَرَكْتُمْ لَمْ يَقُمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ نِظَامٌ . فَتَكَلَّمَ الزُّبَيْرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَقَالَ : مَنْ فِي مَيْمَنَةِ الْمِرْبَدِ صَدَقَا وَبَرَّا ، وَقَالا الْحَقَّ ، وَأَمَرَا بِالْحَقِّ ، وَقَالَ : مَنْ فِي مَيْسَرَتِهِ فَجَرَا وَغَدَرَا ، وَقَالا الْبَاطِلَ وَأَمَرَا بِهِ ، قَدْ بَايَعَا ثُمَّ جَاءَا يَقُولانِ مَا يَقُولانِ . وَتَحَاثَى النَّاسُ وَتَحَاصَبُوا وَأَرْهَجُوا ، فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ وَكَانَتْ جَهْوَرِيَّةً يَعْلُو صَوْتُهَا كَثْرَةً ، كَأَنَّهُ صَوْتُ امْرَأَةٍ جَلِيلَةٍ ، فَحَمِدَتِ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ : كَانَ النَّاسُ يَتَجَنَّوْنَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَيَزْرُونَ عَلَى عُمَّالِهِ ، وَيَأْتُونَنَا بِالْمَدِينَةِ فَيَسْتَشِيرُونَنَا فِيمَا يُخْبِرُونَنَا عَنْهُمْ ، وَيَرَوْنَ حُسْنًا مِنْ كَلامِنَا فِي صَلاحِ بَيْنِهِمْ ، فَنَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَنَجِدُهُ بَرِيًّا تَقِيًّا وَفِيًّا ، وَنَجِدُهُمْ فَجَرَةً غَدَرَةً كَذَبَةً ، يُحَاوِلُونَ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ ، فَلَمَّا قَوَوْا عَلَى الْمُكَاثَرَةِ كَاثَرُوهُ ، فَاقْتَحَمُوا عَلَيْهِ دَارَهُ ، وَاسْتَحَلُّوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ ، وَالْبَلَدَ الْحَرَامَ ، بِلا تِرَةٍ وَلا عُذْرٍ ، أَلا إِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي لا يَنْبَغِي لَكُمْ غَيْرُهُ ، أَخْذُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِقَامَةُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ سورة آل عمران آية 23 الآيَةَ . فَافْتَرَقَ أَصْحَابُ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ فِرْقَتَيْنِ ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ : صَدَقَتْ وَاللَّهِ وَبَرَّتْ ، وَجَاءَتْ وَاللَّهِ بِالْمَعْرُوفِ . وَقَالَ الآخَرُونَ : كَذَبْتُمْ ، وَاللَّهِ مَا نَعْرِفُ مَا تَقُولُونَ ، فَتَحَاثَوْا ، وَتَحَاصَبُوا وَأَرْهَجُوا ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ انْحَدَرَتْ ، وَانْحَدَرَ أَهْلُ الْمَيْمَنَةِ مُفَارِقِينَ لِعُثْمَانَ ، حَتَّى وَقَفُوا فِي الْمِرْبَدِ فِي مَوْضِعِ الدَّبَّاغِينَ ، وَبَقِيَ أَصْحَابُ عُثْمَانَ عَلَى حَالِهِمْ يَتَدَافَعُونَ ، حَتَّى تَحَاجَزُوا وَمَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَائِشَةَ ، وَبَقِيَ بَعْضُهُمْ مَعَ عُثْمَانَ عَلَى فَمِ السِّكَّةِ ، وَأَتَى عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ فِيمَنْ مَعَهُ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا عَلَى فَمِ السِّكَّةِ سِكَّةِ الْمَسْجِدِ عَنْ يَمِينِ الدَّبَّاغِينَ ، اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ ، فَأَخَذُوا عَلَيْهِمْ بِفَمِهَا . .
الأسم | الشهرة | الرتبة |