حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسْوَدِ ، أَنَّ عِكْرِمَةَ ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّ عَامِلا مِنْ عُمَّالِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْرَى عَيْنًا مِنْ مَاءٍ لِيَسْقِي بِهَا أَرْضًا ، فَأَجْرَاهَا حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ حَائِطٍ يُسَمَّى الْوَهْطَ لآلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَرَادَ أَنْ يَخْرِقَ الْحَائِطَ لِيُجْرِيَ الْعَيْنَ إِلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى ، فَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَوَالِيهِ بِالسِّلاحِ ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لا تَخْرِقُونَ حَائِطَنَا حَتَّى لا يَبْقَى مِنَّا أَحَدٌ ، فَقَالُوا : اتَّقِ اللَّهَ ، فَإِنَّكَ مَقْتُولٌ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُومًا فَإِنَّهُ فِي الْجَنَّةِ " . وَيُقَالُ لِقَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ : قَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالَّذِي يَبِيتُ وَجَارُهُ طَاوٍ إِلَى جَنْبِهِ ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ حَاجَةَ النَّاسِ إِلَى الْغِذَاءِ الَّذِي لا قِوَامَ لأَبْدَانِهِمْ ، وَلا حَيَاةَ لَهَا إِلا بِهِ ، أَكْثَرُ مِنْ حَاجَتِهِمْ إِلَى حِيطَانٍ يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا أَطْرَافَ خَشَبِهِمْ ، لأَنَّهُمْ لَوْ سَكَنُوا بُيُوتَ الشَّعَرِ وَالْوَبَرِ ، وَجُلُودِ الأَنْعَامِ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بُيُوتِ الْمَدَرِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَاجَةً إِلَى جُدْرَانٍ يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا أَطْرَافَ خَشَبِهِمْ ، وَأَنْتَ مِمَّنْ يَرَى الْقَضَاءَ لِلْجَارِ عَلَى جَارِهِ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ تَرْكِهِ يَحْمِلُ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ ، بِإِجْبَارِهِ عَلَى تَرْكِهِ ، وَحَمْلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، أَفَتَرَى كَذَلِكَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ ، إِذَا صَحَّ عِنْدَكَ أَنَّهُ يَبِيتُ طَاوِيًا لِعَجْزِهِ عَنِ اكْتِسَابِ قُوتِهِ الَّذِي لا قِوَامَ لِجَسَدِهِ إِلا بِهِ بِنَفَقَتِهِ ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ رَضِيَ أَمْ سَخِطَ ؟ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ ، خَرَجَ مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الأُمَّةِ ، وَإِنْ قَالَ : لا ، قِيلَ لَهُ : فَأَيُّ الأَمْرَيْنِ أَعْظَمُ فَقْدًا عَلَى النَّاسِ ، الْقُوتُ الَّذِي لا يَجِدُونَ مِنْهُ عِوَضًا ، وَلا بَدَلا ، وَلا بَقَاءَ لَهُمْ إِلا بِهِ ، أَمْ مَوَاضِعُ أَطْرَافِ خَشَبٍ يَضَعُونَهَا عَلَيْهَا ، أَعْظَمُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَقَدِ الْقُوتِ ؟ تَبَيَّنَ لِكُلِّ ذِي فِطْرَةٍ صَحِيحَةٍ جَهْلُهُ وَغَبَاؤُهُ . فَإِنْ قَالَ : بَلْ فَقْدُ الْقُوتِ أَعْظَمُ مِنْ فَقْدِ مَوَاضِعِ أَطْرَافِ الْخَشَبِ . قِيلَ لَهُ : فَإِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الَّذِيَ دَعَاكَ إِلَى حَمْلِ النَّاسِ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَحْمِلُ أَطْرَافَ خَشَبِهِ عَلَى جُدْرِهِ ، أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ ، فَهَلا أَوْجَبْتَ حَمْلَهُمْ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ عَلَيْهِمْ فَقْدًا مِنْ مَوَاضِعِ أَطْرَافِ الْخَشَبِ فِي الْجُدْرُ ؟ وَلا أَحْسِبُ أَحَدًا صَحَّتْ فِطْرَتُهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ تَفَاوُتُ حَالِ الْمَنْفَعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا ، وَأَنَّ أَهْوَنَهُمَا فَقْدًا إِنْ أَلْزَمَ الْحُكَّامَ ، أَنْ يُلْزِمُوهُ النَّاسَ كَرْهًا ، وَأَنْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَيْهِ إِجْبَارًا طَلَبَ مَصْلَحَتِهِمْ ، أَنَّ أَعْظَمَهُمَا فَقْدًا أَوْلَى وَأَحَقُّ أَنْ الْزِمُوهُمُوهُ . فَإِنِ ادَّعَى قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّ الْفَرَقَ بَيْنَ إِجْبَارِ الرَّجُلِ عَلَى تَرْكِ جَارِهِ يَحْمِلُ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ ، وَامْتِنَاعِهِ مِنْ إِجْبَارِهِ مِنَ الإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فِي حَالِ عُسْرِهِ ، وُرُودِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَحْمِلَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ " ، وَأَنْ لا خَبَرَ وَرَدَ بِأَنَّ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةَ جَارِهِ فِي حَالِ عُسْرِهِ . قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا وَرَدَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالنَّهْيِ عَنْ مَنْعِ الرَّجُلِ جَارَهُ ، أَنْ يَضَعَ أَطْرَافَ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِهِ دُونَ وُرُودِهِ ، بِأَنَّ ذَلِكَ لِلْجَارِ فِي حَائِطِ جَارِهِ حَقٌّ مَقْضِيٌّ لَهُ عَلَيْهِ بِهِ ، كَمَا يَكُونُ يُقْضَى بِحُقُوقِ النَّاسِ الْوَاجِبَةِ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ . فَمَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ، وَتَبَيَّنَتْ عِنْدَهُ صِحَّتَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَهُ وَجْهٌ ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيٌ أَنْ يَمْنَعَ الرَّجُلُ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ ، فَمَنْعَ جَارَهُ ذَلِكَ ، فَهُوَ بِتَقَدُّمِهِ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ ذَلِكَ لِلَّهِ عَاصٍ ، وَلِنَهْيِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفٌ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِجَارِهِ الْمَمْنُوعُ مِنْهُ حَقًّا يَلْزَمُ الْحُكَّامَ الْحُكَمَ لَهُ عَلَى الْمَانِعِ ، أَحَبَّ الْمَانِعُ ذَلِكَ أَوْ سَخِطَ ، كَمَا تَارِكُ جَارِهِ يَبِيتُ طَاوِيًا وَهُوَ عَلَى إِشْبَاعِهِ قَادِرٌ ، لأَمْرِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ جَارِهِ مُخَالِفٌ ، لا أَنَّ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، مَحْكُومٌ بِهِ عَلَى جَارِهِ ، أَحَبَّ ذَلِكَ الْجَارُ أَوْ كَرِهَ . فَإِنْ كَانَ فِي نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْءَ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ حَمْلِ خَشَبٍ عَلَى حَائِطِهِ ، دَلِيلٌ عَلَى إِيجَابِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَقًّا ، وَإِلْزَامِهِ الْحُكَّامَ الْحُكَمَ بِهِ عَلَى مَانِعِ جَارِهِ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : " لَيْسَ الْمُؤْمِنَ بِالَّذِي يَبِيتُ وَجَارُهُ طَاوٍ إِلَى جَنْبِهِ " ، وَدَلِيلٌ عَلَى إِيجَابِهِ عَلَى الْمَرْءِ إِطْعَامُ جَارِهِ إِذَا سَغِبَ وَجَاعَ ، وَالإِنْفَاقُ عَلَيْهِ إِذَا أَمْلَقَ وَأَعْسرَ ، وَإِلْزَامِهِ الْحُكَّامَ الْحُكْمَ بِذَلِكَ عَلَى تَارِكِ فِعْلِ ذَلِكَ بِجَارِهِ ، وَإِلا فَمَا الْفَرَقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ عَكَسَ الأَمْرَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ ، فَأَلْزَمَ الْحُكَّامَ الْحُكْمَ عَلَى تَارِكِ الإِنْفَاقِ عَلَى جَارِهِ فِي حُكْمِ إِمْلاقِ جَارِهِ ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : " لَيْسَ الْمَرْءُ الَّذِي يَبِيتُ وَجَارُهُ طَاوٍ إِلَى جَنْبِهِ " ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُرُودُ خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِأَنَّ عَلَى الْمَرْءِ نَفَقَةُ جَارِهِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا ، وَأَبَى إِلْزَامَهُمُ الْحُكْمَ عَلَى مَانِعِ جَارِهِ مِنْ وَضْعِ أَطْرَافِ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِهِ بِالْخَبَرِ الْوَارِدِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ : " لا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ " ، إِذْ لَمْ يَكُنْ وَرَدَ عَنْهُ خَبَرٌ ، بِأَنَّ مَوَاضِعَ أَطْرَافِ خَشَبِ الرَّجُلِ فِي جِدَارِ جَارِهِ حَقٌّ لَهُ يُحْكَمُ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ ، أَحَبَّ ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَائِطِ ، أَوْ سَخِطَهُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلا ، إِلا أُلْزِمَ فِي الآخَرِ مِثْلَهُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ | عبد الله بن عمرو السهمي / توفي في :63 | صحابي |
عِكْرِمَةَ | عكرمة مولى ابن عباس / ولد في :20 / توفي في :104 | ثقة |
أَبُو الأَسْوَدِ | محمد بن عبد الرحمن الأسدي / توفي في :131 | ثقة |
حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ | حيوة بن شريح التجيبي | ثقة ثبت |
أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ | وهب الله بن راشد المصري / توفي في :211 | صدوق حسن الحديث |
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ | محمد بن عبد الله البالسي / ولد في :182 / توفي في :268 | ثقة |