فضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ابو القاسم نبي الرحمة


تفسير

رقم الحديث : 272

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : قَالَ مُجَاهِدٌ : " عَرَضْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ " ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلالُ : قَرَأْتُ كِتَابَ السُّنَّةِ بِطَرَسُوسَ مَرَّاتٍ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ سِنِينَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ قَرَأْتُهُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ ، وَقَرَأْتُ فِيهِ ذِكْرَ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ ، فَبَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا مِمَّنْ طُرِدَ إِلَى طَرَسُوسَ مِنْ أَصْحَابِ التِّرْمِذِيِّ الْمُبْتَدِعِ أَنْكَرُوهُ ، وَرُدُّوا فَضِيلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَظْهَرُوا رَدَّهُ فَشَهِدَ عَلَيْهِمُ الثِّقَاتُ بِذَلِكَ فَهَجَرْنَاهُمْ ، وَبَيَّنَا أَمْرَهُمْ ، وَكَتَبْتُ إِلَى شُيُوخِنَا بِبَغْدَادَ ، فَكَتَبُوا إِلَيْنَا هَذَا الْكِتَابَ ، فَقَرَأْتُهُ بِطَرَسُوسَ عَلَى أَصْحَابِنَا مَرَّاتٍ ، وَنَسَخَهُ النَّاسُ ، وَسَرَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَهْلَ السُّنَّةِ ، وَزَادَهُمْ سُرُورًا عَلَى مَا عِنْدَهُمْ مِنْ صِحَّتِهِ وَقَبُولِهِمْ ، وَهَذِهِ نُسْخَتُهُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ ، وَأَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ كِتَابَكُمْ وَرَدَ عَلَيْنَا بِشَرْحِ مَا حَدَثَ بِبَلَدِكُمْ ، وَكَتَبْنَا إِلَيْكُمْ بِمَا تَقِفُونَ عَلَيْهِ ، وَبِاللَّهِ نَسْتَعِينُ ، وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ ، وَبَعْدُ ، فَنُوصِيكُمْ وَأَنْفُسَنَا بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالإِحْسَانِ ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ، وَتَقْوَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَا يُرْزَقُ الْعِبَادُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُونَ ، وَبِهَا يُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ لأَهْلِهَا وَبِهَا تَحِلُّ دَارُهُ ، وَبِهَا يُنْظَرُ إِلَى وَجْهِهِ ، وَبِهَا تُنَالُ وِلايَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهِيَ غَايَةُ الْكَرَامَةِ ، وَمَنْزِلَةُ الشُّرَفِ ، وَمِنْهَاجُ الرُّشْدِ ، وَجَوَامِعُ الْخَيْرِ ، وَمُنْتَهَى الإِيمَانِ ، فَأَسْعَدَكُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ سَعَادَةَ مَنْ رَضِيَ عَمَلَهُ ، وَتَوَلاكُمْ بِحِفْظِهِ وَحِيَاطَتِهِ ، وَشَمَلَكُمْ بِسَتْرِهِ ، وَعَصَمَكُمْ بِتَوْفِيقِهِ ، وَأَيَّدَكُمْ بِمَا أَيَّدَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ، وَأَوْصَلَكُمْ أَفْضَلَ مِيرَاثِ الصَّالِحِينَ ، وَجَعَلَكُمْ لأَنْعُمِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، وَاسْتَخْلَصَكُمْ بِأَشْرَفِ عِبَادَةِ الْعَابِدِينَ ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ ، وَعَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَجْمَعِينَ ، كِتَابُنَا أَسْعَدَكُمُ اللَّهُ سَعَادَةَ مَنْ رَضِيَ عَمَلَهُ ، وَشَكَرَ سَعْيَهُ ، سَعَادَةً لا شَقَاءَ بَعْدَهَا ، جَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكُمْ أَهْلا لِذَلِكَ ، وَأَكْرَمَكُمْ بِمَا يُسْتَوْجَبُ بِهِ ثَوَابَهُ ، وَيُؤْمَنُ مِنْ عِقَابِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي أَوَّلِ كَلامِنَا وَآخِرِهِ ، كَذَلِكَ رُوِيَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلَ الْكَلامِ ، وَآخِرَهُ ، وَنَبْتَدِئُ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالصَّلاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولِهِ وَصَفِيِّهِ كَذَلِكَ ، رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ ، اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ ، وَوَسَطِ الدُّعَاءِ ، وَآخِرِ الدُّعَاءِ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَمُسْتَحِقُّهُ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا ، أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ بَلَغَنَا مَا حَدَثَ بِبَلَدِكُمْ مِنْ نابغٍ نَبَغَ بِالزَّيْغِ وَقِيلِ الْبَاطِلِ ، فَأَحْدَثَ عِنْدَكُمْ بِدْعَةً اخْتَرَعَهَا ، وَشَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ، فَفَرَّقَ جَمَاعَتَكُمْ بِخَبِيثِ قَوْلِهِ ، وَسُوءِ لَفْظِهِ ، فَلَوْلا مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ النُّصْحِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَخَاصَّتِهِمْ ، وَحَضَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَوَسِعَنَا السُّكُوتُ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخَذَ مِيثَاقَ الْعُلَمَاءِ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ وَذَلِكِ بِمَا رُوِيَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلِجَمَاعَتِهِمْ ، فَاعْلَمُوا ، وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِلسَّدَادِ ، وَالرَّشَادِ ، وَالصَّوَابِ ، فِي الْمَقَالَ بِصِدْقِ الضَّمِيرِ وَصِحَّةِ الْعَزْمِ بِحُسْنِ النِّيَّةِ ، فَإِنَّا نَرْضَى لَكُمْ مِنَ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْقَوْلِ بِهَا مَا نَرْتَضِيهِ لأَنْفُسِنَا ، وَمَا أُرِيدَ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ، إِنْ أُرِيدَ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ، فَاتَّقَى رَجُلٌ رَبَّهُ ، وَنَظَرَ لِنَفْسِهِ فَأَحْسَنَ لَهَا الاخْتِيَارِ ، إِذْ كَانَتْ أَعَزَّ النُّفُوسِ عَلَيْهِ ، وَأَوْلاهُ مِنْهُ بِذَلِكَ بِلُزُومِ الاتِّبَاعِ لِصَالِحِ سَلَفِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ ، فَاقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقَلَّدَهُمْ مِنْ دِينِهِ مَا تَحَمَّلُوا لَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَحَذَرُ امْرِئٍ أَنْ يَبْتَدِعَ وَيَخْتَرِعَ بِالْمَيلِ إِلَى الْهَوَى ، وَالْقَوْلِ بِالْخَطَأِ فَيُوبِقُ نَفْسَهُ ، وَيُولِغُ دِينَهُ فَيَعْمَهُ فِي طُغْيَانِهِ ، وَيَضِلُّ فِي عَمَايَةِ جَهْلِهِ ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ لا يَسْتَنْصِحُ مُرْشِدًا ، وَلا يُطِيعُ مُسَدَّدًا ، أَذْهَبَهُمْ عَلَيْهِ أَجَلُهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وَالَّذِي حَمَلَ هَذَا الْعَدُوَّ لِلَّهِ الْمَسْلُوبَ أَنْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَخَالَفَ الأَئِمَّةَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ ، وَانْسَلَخَ مِنَ الدِّينِ اللَّجَاجُ وَالْكِبْرُ ، كَيْ يُقَالَ فُلانٌ ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكِبْرِ ، وَالنِّفَاقِ ، وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ ، وَالَّذِي حَمَلَنَا ، أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ ، عَلَى الْكِتَابِ إِلَيْكُمْ ، مَا حَدَثَ بِبَلَدِكُمْ مِنْ رَدِّ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُخَالَفَتِهِمْ مَنْ قَدْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُكُمْ قَرْنِيَ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، فَمَالَ أُولُو الزَّيْغِ وَالنِّفَاقِ إِلَى قَوْلِ الْمُلْحِدِينَ ، وَبِدْعَةِ الْمُضِلِّينَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، وَمَا سَبِيلُ هَؤُلاءِ إِلا النَّفْيُ عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، كَمَا أَنَّ صَاحِبَهُمُ الْمُبْتَدِعَ مَنْفِيُّ عَنِ الْجَامِعِ مَطْرُودٌ مِنْهُ ، لَيْسَ إِلَى دُخُولِهِ سَبِيلٌ ، وَذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَمَنِّهِ ، وَمَنْعِ السُّلْطَانِ ، أَيَّدَهُ اللَّهُ ، إِيَّاهُ عَنْ ذَلِكَ ، مُعَمِّمًا أَنَّهُ مَسْلُوبٌ عَقْلُهُ ، مَلْزُومٌ بَيْتُهُ ، يَصِيحُ بِهِ الصِّبْيَانُ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَهَذَا قَلِيلٌ لأَهْلِ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ وَالضَّلالِ فِي جَنْبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ مُضِلاتِ الْفِتَنِ ، وَسَلَّمَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ بِمَنِّهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَثَبَّتَنَا وَإِيَاكُمَا عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَاتِّبَاعِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ ، فَقَدْ كَانَ اضْمَحَلَّ ذِكْرُ هَذَا التِّرْمِذِيِّ وَانْدَرَسَ ، وَإِنَّمَا هَذَا ضَرْبٌ مِنَ التَّعْرِيضِ وَالْخَوْضِ بِالْبَاطِلِ ، فَانْتَهُوا حَيْثُ انْتَهَى اللَّهُ بِكُمْ ، وَأَمْسِكُوا عَمَّا لَمْ تُكَلَّفُوا النَّظَرَ فِيهِ ، وَضَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ عَنْكُمْ ، وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا ، فَإِنَّمَا يَتَحَكَّكُ بِدِينِهِ ، وَيَتَوَلَّعُ بِنَفْسِهِ ، وَيَتَكَلَّفُ مَا لَمْ يَتَعَبَّدْهُ اللَّهُ بِهِ ، وَقَدْ أَدَّبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُمْ ، وَأَرْشَدَهُمْ فَأَنْعَمَ إِرْشَادَهُمْ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ ، وَاقْبَلُوا وَصِيَّتَهُ ، وَأَمْسِكُوا عَنِ الْكَلامِ فِي هَذَا ، فَإِنَّ الْخَوْضَ فِيهَا بِدْعَةٌ وَضَلالَةٌ ، مَا سَبَقَكُمْ بِهَا سَابِقٌ ، وَلا نَطَقَ فِيهَا قَبْلَكُمْ نَاطِقٌ ، فَتَظُنُّونَ أَنَّكُمُ اهْتَدَيْتُمْ لِمَا ضَلَّ عَنْهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ أَنْ يَكُونُوا كُلَّمَا تَكَلَّمَ جَاهِلٌ بِجَهْلِهِ أَنْ يُجِيبُوهُ ، وَيُحَاجُّوهُ ، وَيُنَاظِرُوهُ ، فَيُشْرِكُوهُ فِي مَأْثَمِهِ ، وَيَخُوضُوا مَعَهُ فِي بَحْرِ خَطَايَاهُ ، وَلَوْ شَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُنَاظِرَ صَبِيغًا ، وَيَجْمَعَ لَهُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُنَاظِرُوهُ ، وَيُحَاجُّوهُ ، وَيَبِينُوا عَلَيْهِ لَفَعَلَ ، وَلَكِنَّهُ قَمَعَ جَهْلَهُ ، وَأَوْجَعَ ضَرْبَهُ ، وَنَفَاهُ فِي جِلْدِهِ ، وَتَرَكَهُ يَتَغَصَّصُ بِرِيقِهِ ، وَيَنْقَطِعُ قَلْبُهُ حَسْرَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ مَطْرُودًا ، مَنْفَيًّا ، مُشَرَّدًا ، لا يُكَلَّمُ وَلا يُجَالَسُ ، وَلا يُشْفَى بِالْحُجَّةِ وَالنَّظَرِ ، بَلْ تَرَكَهُ يَخْتَنِقُ عَلَى حِرَّتِهِ ، وَلَمْ يُبَلِّعْهُ رِيقَهُ ، وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ كَلامِهِ وَمُجَالَسَتِهِ ، فَهَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ شَرَعَ فِي دِينِ اللَّهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ، أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ عَلَى بِدْعَةٍ وَضَلالَةٍ ، فَيُحَذِّرُ مِنْهُ وَيَنْهَى عَنْ كَلامِهِ وَمُجَالَسَتِهِ ، فَاسْتَرْشِدُوا الْعِلْمَ ، وَاسْتَحِضُّوا الْعُلَمَاءَ ، وَاقْبَلُوا نُصْحَهُمْ ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَزَالَ الْجَاهِلُ بِخَيْرٍ مَا وَجَدَ عَالِمًا يَقْمَعُ جَهْلَهُ ، وَيَرُدُّهُ إِلَى صَوَابِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، إِنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ ، فَإِذَا تَكَلَّمَ الْجَاهِلُ بِجَهْلِهِ ، وَعُدِمَ النَّاسُ الْعَالِمَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ ، فَقَدْ تَوَدَّعَ مِنَ الْخَلْقِ ، وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُونَ ، فَاللَّهَ اللَّهَ ، ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ يَا إِخْوَتَاهْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَالْمَحَبَّةَ لِلسَّلامَةِ وَالْعَافِيَةِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَدْيَانِكُمْ ، فَإِنَّمَا هِيَ لُحُومُكُمْ وَدِمَاؤُكُمْ ، لا تَعْرِضُونَ لِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْجَدَلِ وَالْخَوْضِ فِي آيَاتِ اللَّهِ ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَذَّرَ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ الْهُدَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ ارْتَضَاهُمْ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاخْتَارَهُ لَهُمْ ، وَكَذَلِكَ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ ، يَنْهَوْنَ عَنِ الْجَدَلِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ ، وَيُحَذِّرُونَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ ، حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ فِي ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ ، فَكَانَ أَشَدَّ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلا ، وَأَوْكَدَهُ فِيهِ رَأْيًا ، وَآخِذًا بِهِ عَلَى الْخَلْقِ وَأَنْصَحَهُ لَهُمْ ، صَبَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْبَلاءِ مِنْ فِتْنَتِهِ ، وَالضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
مُجَاهِدٌ

ثقة إمام في التفسير والعلم

أَبَا عَبْدِ اللَّهِ

ثقة حافظ فقيه حجة

أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ

ثقة

Whoops, looks like something went wrong.