حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجُنَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرِّيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ الْجُنَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : " دَخَلْتُ مِنْ حُورَانَ آخُذُ عَطَائِي ، فَصَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَابِ الدَّرَجِ ، فَإِذَا عَلَيْهِ شَيْخٌ يُقَالُ لَهُ : أَبُو شَيْبَةَ الْقَاصُّ ، يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ ، فَرَغَّبَ فَرَغِبْنَا ، وَخَوَّفَ فَبَكَيْنَا . فَلَمَّا أَنِ انْقَضَى حَدِيثُهُ ، قَالَ : اخْتِمُوا مَجْلِسَنَا بِلَعْنِ أَبِي تُرَابٍ ! فَلَعَنُوا أَبَا تُرَابٍ . فَالْتَفَتُّ عَنْ يَمِينِي فَقُلْتُ : وَمَنْ أَبُو تُرَابٍ ؟ فَقَالَ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَأَوَّلُ النَّاسِ إِسْلَامًا ، وَأَبُو الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا . فَقُلْتُ : مَا أَصَابَ هَذَا الْقَاصُّ ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَكَانَ ذَا وَفْرَةٍ ، فَأَخَذْتُ وَفْرَتَهُ بِيَدِي وَجَعَلْتُ أَلْطِمُ وَجْهَهُ وَأَنْطَحُ بِرَأْسِهِ الْحَائِطَ ، وَصَاحَ ، وَاجْتَمَعَ أَعْوَانُ الْمَسْجِدِ ، فَوَضَعُوا رِدَائِي فِي رَقَبَتِي ، وَسَاقُونِي حَتَّى أَدْخَلُونِي عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَأَبُو شَيْبَةَ يَقْدُمُنِي ، فَصَاحَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَاصُّكَ وَقَاصُّ آبَائِكَ وَأَجْدَادِكَ ، أَتَى الْيَوْمَ إِلَيْهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ . فَقَالَ : مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا ؟ فَقَالَ : هَذَا . فَالْتَفَتَ إِلَيَّ هِشَامٌ وَعِنْدَهُ أَشْرَافُ النَّاسِ ، فَقَالَ : أَبَا يَحْيَى ، مَتَى قَدِمْتَ ؟ فَقُلْتُ : أَمْسِ ، وَكُنْتُ عَلَى الْمَصِيرِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَدْرَكَتْنِي الْجُمُعَةُ ، فَصَلَّيْتُ وَخَرَجْتُ إِلَى الدَّرَجِ ، فَإِذَا هَذَا الشَّيْخُ قَائِمٌ يَقُصُّ ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَقَرَأَ فَسَمِعْنَا ، وَرَغَّبَ فَرَغِبْنَا ، وَحَذَّرَ فَبَكَيْنَا ، وَدَعَا فَأَمَّنَّا ، وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ : اخْتِمُوا مَجْلِسَنَا بِلَعْنِ أَبِي تُرَابٍ ! فَسَأَلْتُ : مَنْ أَبُو تُرَابٍ ؟ فَقِيلَ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلَامًا ، وَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ ، وَأَبُو الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، فَوَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ ذَكَرَ هَذَا قَرَابَةٌ لَكَ بِمِثْلِ هَذَا الذِّكْرِ ، وَلَعَنَهُ هَذِهِ اللَّعْنَةَ لَأَحْلَلْتُ بِهِ الَّذِي أَحْلَلْتُ بِهِ ، فَكَيْفَ لَا أَغْضَبُ لِصِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَزَوْجِ ابْنَتِهِ ؟ قَالَ : فَقَالَ هِشَامٌ : بِئْسَمَا صَنَعَ . ثُمَّ عَقَدَ لِي عَلَى السِّنْدِ ، ثُمَّ قَالَ لِبَعْضِ جُلَسَائِهِ : مثل هَذَا لَا يُجَاوِرُنِي هَاهُنَا ، فَيُفْسِدَ عَلَيْنَا الْبَلَدَ ، فَبَاعِدْ بِهِ إِلَى السِّنْدِ . فَقَالَ لَنَا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ : وَهُوَ مُمَثَّلٌ عَلَى بَابِ السِّنْدِ ، بِيَدِهِ الْيُمْنَى سَيْفٌ ، وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى كِيسٌ ، يُعَظِّمُهُ . وَمَاتَ الْجُنَيْدُ بِالسِّنْدِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَقَالَ فِيهِ الشَّاعِرُ : ذَهَبَ الْجُودُ وَالْجُنَيْدُ جَمِيعًا فَعَلَى الْجُودِ وَالْجُنَيْدِ السَّلَامُ " . .