حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ ، قَالَ : " كَانَ وَضَّاحُ الْيَمَنِ نَشَأَ هُوَ وَأُمُّ الْبَنِينَ صَغِيرَيْنِ ، فَأَحَبَّهَا وَأَحَبَّتْهُ ، وَكَانَ لا يَصْبِرُ عَنْهَا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ حُجِبَتْ عَنْهُ ، فَطَالَ بِهَا الْبَلاءُ ، فَحَجَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَبَلَغَهُ جَمَالُ أُمِّ الْبَنِينَ وَأَدَبُهَا ، فَتَزَوَّجَهَا وَنَقَلَهَا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ . قَالَ : فَذَهَبَ عَقْلُ وَضَّاحٍ عَلَيْهَا ، وَجَعَلَ يَذُوبُ وَيَنْحُلُ ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْبَلاءُ ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ ، فَجَعَلَ يَطِيفُ بِقَصْرِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، لا يَجِدُ حِيلَةً ، حَتَّى رَأَى يَوْمًا جَارِيَةً صَفْرَاءَ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى تَأَنَّسَ بِهَا ، فَقَالَ لَهَا : هَلْ تَعْرِفِينَ أُمَّ الْبَنِينَ ؟ قَالَتْ : إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ مَوْلاتِي ، فَقَالَ : إِنَّهَا لابْنَةُ عَمِّي ، وَإِنَّهَا لَتُسَرُّ بمِوَضْعِي لَوْ أَخْبَرْتِيهَا ، قَالَتْ : إِنِّي أُخْبِرُهَا ، فَمَضَتِ الْجَارِيَةُ ، فَأَخْبَرَتْ أُمَّ الْبَنِينَ ، فَقَالَتْ : وَيْلَكِ أَوَحَيٌّ هُوَ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَتْ : قُولِي لَهُ : كُنْ مَكَانَكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ رَسُولِي ، فَلَنْ أَدَعَ الاحْتِيَالَ لَكَ ، فَاحْتَالَتْ إِلَى أَنْ أَدْخَلَتْهُ إِلَيْهَا فِي صُنْدُوقٍ ، فَمَكَثَ عِنْدَهَا حِينًا ، حَتَّى إِذَا أَمِنَتْهُ أَخْرَجَتْهُ فَقَعَدَ معها ، وَإِذَا خَافَتْ عَيْنَ رَقِيبٍ أَدْخَلَتْهُ الصُّنْدُوقَ . فَأُهْدِيَ يَوْمًا لِلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ جَوْهَرٌ ، فَقَالَ لِبَعْضِ خَدَمِهِ : خُذْ هَذَا الْجَوْهَرَ ، فَامْضِ بِهِ إِلَى أُمِّ الْبَنِينَ ، وَقُلْ لَهَا : أُهْدِيَ هَذَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ ، فَوَجَّهَ بِهِ إِلَيْكِ . فَدَخَلَ الْخَادِمُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَوَضَّاحٌ مَعَهَا ، فَلَمَحَهُ وَلَمْ تَشْعُرْ أُمُّ الْبَنِينَ ، فَبَادَرَ إِلَى الصُّنْدُوقِ فَدَخَلَهُ ، فَأَدَّى الْخَادِمُ الرِّسَالَةَ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا : هَبِي لِي مِنْ هَذَا الْجَوْهَرِ حَجَرًا . فَقَالَتْ : لا أُمَّ لَكَ ، وَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ بِهَذَا ، فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَيْهَا حَنِقٌ ، فَجَاءَ الْوَلِيدَ فَخَبَّرَهُ الْخَبَرَ وَوَصَفَ لَهُ الصُّنْدُوقَ الَّذِي رَآهُ دَخَلَهُ ، فَقَالَ لَهُ : كَذَبْتَ لا أُمَّ لَكَ ، ثُمَّ نَهَضَ الْوَلِيدُ مُسْرِعًا فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ وَفِيهِ صَنَادِيقُ عِدَادٌ ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى ذَلِكَ الصُّنْدُوقِ الَّذِي وَصَفَ لَهُ الْخَادِمُ ، فَقَالَ : يَا أُمَّ الْبَنِينَ هَبِي لِي صُنْدُوقًا مِنْ صَنَادِيقِكِ هَذِهِ ، فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هِيَ وَأَنَا لَكَ . فَقَالَ : مَا أُرِيدُ غَيْرَ هَذَا الَّذِي تَحْتِي ، قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنَ أُمُورِ النِّسَاءِ ، فَقَالَ : مَا أُرِيدُ غَيْرَهُ ، فَقَالَتْ : هُوَ لَكَ ، فَأَمَرَ بِهِ فَحُمِلَ ، وَدَعَا بِغُلامَيْنِ فَأَمَرَهُمَا بِحَفْرِ بِئْرٍ فَحَفَرَا ، حَتَّى إِذَا حَفَرَا فَبَلَغَا الْمَاءَ وَضَعَ فَمَهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ وَقَالَ : أَيُّهَا الصُّنْدُوقُ ، قَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ شَيْءٌ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَقَدْ دَفَنَّا خَبَرَكَ وَدَرَسْنَا أَثَرَكَ ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَمَا عَلَيْنَا فِي دَفْنِ صُنْدُوقٍ مِنْ خَشَبٍ . وَخَرَجَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ ، فَأُلْقِيَ بِهِ الْحُفْرَةَ ، وَأَمَرَ بِالْخَادِمِ فَقُذِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَوْقَهُ وَطَمَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا التُّرَابَ . قَالَ : فَكَانَتْ أُمُّ الْبَنِينَ تُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ تَبْكِي إِلَى أَنْ وُجِدَتْ فِيهِ يَوْمًا مَكْبُوبَةً عَلَى وَجْهِهَا مَيِّتَةً " .