فَمَدَّ الرَّجُلُ عُنُقَهُ ، فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ : يَا أَخِي ، أَصَلَّيْتَ الْغَدَاةَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ؟ قَالَ الرَّجُلُ : نَعَمْ قَدْ صَلَّيْتُ ، فَمَدَّ الرَّجُلُ عُنُقَهُ ، فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ : يَا أَخِي ، أَصَلَّيْتَ الْغَدَاةَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ؟ قَالَ الرَّجُلُ : نَعَمْ قَدْ صَلَّيْتُ ، قَالَ سَالِمٌ : يَا حَجَّاجُ ، سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَسْمَعُ مَا أَقُولُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ حَتَّى تَتَوَارَى بِالْحِجَابِ " ، يَا حَجَّاجُ كَيْفَ تَقْتُلُ رَجُلا وَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ؟ قَالَ الْحَجَّاجُ : يَا سَالِمُ ، ضَعِ السَّيْفَ مِنْ يَدِكَ . فَدَعَا رَجُلا شَقِيًّا مِنْ أَشْقِيَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ ، فَقَالَ لَهُ : اضْرِبْ عُنُقَ هَذَا ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ فَقَتَلَهُ ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ لِسَالِمٍ : اسْحَبْهُ حَتَّى تُخْرِجَهُ ، فَأَخَذَ سَالِمٌ بِرِجْلِ الْقَتِيلِ يَجُرُّهُ وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَخِي ، سَحْبُكَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ قَتْلِكَ ، وَأَنَا شَاهِدٌ لَكَ غَدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّكَ مَظْلُومٌ ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ ، حَتَّى خَرَجَ فَنَادَى : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، ائْتُونِي بِسَالِمٍ ابْنِي ، فَأَتَوْهُ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : يَا سَالِمُ ، ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُقَبِّلَكَ يَا بُنَيَّ ، إِنَّمَا سَمَّيْتُكَ سَالِمًا لِتَسْلَمَ ، فَاسْلَمْ مِنَ الدُّنْيَا يَا بُنَيَّ تَغْنَمْ ، ثُمَّ قَالَ : يَا بُنَيَّ قُدْنِي ، فَقَادَهُ إِلَى دَارِهِ ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ : هَذَا أَعْظَمُ مِمَّا كَانَ مِنَّا ، إِنَّمَا عَمَدْنَا إِلَى جَبَلِ الإِسْلامِ وَحَاجِبِ مُحَمَّدٍ ، وَمَنْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْخِلافَةُ لَمْ يَقْبَلْهَا ، وَمَنْ حَجَّ أَرْبَعِينَ حَجَّةً ، وَمَنْ سَمَّتْهُ قُرَيْشٌ حَمَامَةَ الْبَيْتِ ، وَقَدْرُهُ فِي الْعَرَبِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ ، وَحُبُّ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ لأَبِيهِ ، فَلَسْتُ أَرَى لَهُ بَعْدَ مَا حَضَرَ عِنْدِي مِنْ أَمْرِ هَذَا الْقَتِيلِ أَنْ أَدَعَهُ بَعْدِي فِي هَذِهِ الْبِلادِ . فَقِيلَ لَهُ : أَيُّهَا الأَمِيرُ ، اقْتُلْهُ قِتْلَةً تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِنْهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ ، لِكَيْ لا يَشْتَمِلَ عَلَيْنَا فِيهِ الْفِتْنَةُ ، فَبَعَثَ الْحَجَّاجُ إِلَى غُلامٍ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الضُّحَى فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ غُلامَهُ أَنْ يَرْكَبَ فَرَسًا جَامًّا ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَطْحَنَهُ بِالْفَرَسِ وَيَقْتُلَهُ ، فَرَكِبَ الْغُلامُ الْفَرَسَ ، فَنَظَرَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ سَائِرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِالْفَرَسِ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ إِلَيْهِ صَدَمَهُ فَقَلَبَهُ وَرَضَّهُ رَضًّا ، فَبَادَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، وَقَالُوا : يَا غُلامُ أَهْلَكْتَ الْمُسْلِمِينَ فِي عِلْمِهِمْ فَطَلَبَكَ اللَّهُ بِهِ ، وَأَقَامَ الْحَجَّاجُ يَنْتَظِرُ مَوْتَهُ ، فَأَبْطَأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمَدَ إِلَى زُجٍّ فَمَسَّهُ + سُمًّا نَاقِعًا ، وَجَعَلَهُ فِي عَصًا ، وَدَفَعَهُ إِلَى بَعْضِ رِجَالِهِ ، وَقَالَ لَهُ : امْضِ إِلَى ابْنِ عُمَر فَأَقْرِهِ سَلامِي ، وَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ الأَمِيرُ : مَا فَعَلْتَ فِي عِلَّتِكَ ؟ وَاحْذَرْ أَنْ تُمِسَّ بِهَذَا الزُّجِّ شَيْئًا حَتَّى تَدْخُلَ إِلَيْهِ ، فَقَدْ تَرَكْتُ بِرَأْسِهِ نَارًا ، فَإِذَا سَلَّمْتَ عَلَيْهِ وَبَلَّغْتَ كَلامِي فَضَعِ السِّنَّ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَاتَّكِئْ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ ، فَإِنْ قَالَ لَكَ : أَهْلَكْتَنِي ، فَقُلْ لَهُ : مَا عَلِمْتُ أَنَّ رِجْلَكَ هَهُنَا . فَدَخَلَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَأَقْرَأَهُ سَلامَهُ ، وَجَعَلَ الزُّجَّ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ حَتَّى دَخَلَ فِي رِجْلِهِ ، فَجَرَحَهُ جُرْحًا قَبِيحًا ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : يَا رَجُلُ اللَّهَ خَفِ اللَّهَ فَقَدْ وَاللَّهِ أَهْلَكْتَنِي ، فَقَالَ الرَّجُلُ : مَا عَلِمْتُ أَبْقَاكَ اللَّهُ أَنَّ رِجْلَكَ هَهُنَا ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُ فَاشْتَعَلَ جَسَدُ ابْنِ عُمَر سُمًّا ، فَأَقَامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .