أخبرنا أَبُو الحسن علي بْن سليمان الأخفش ، قَالَ : أخبرنا أَبُو العباس المبرد قَالَ : دخلت فِي حداثتي أنا وصديق لي من أهل الأدب إلى بعض الديارات , لننظر إلى مجانين وصفوا لنا فيه , فرأيت منهم عجائب , حتى انتهيت إلى شاب جالس حجرة منهم , نظيف الوجه والثياب , على حصير نظيف , بيده مرآة ومشط , وهو ينظر فِي المرآة ويسرح لحيته , فقلت : ما يقعدك ها هنا وأنت مباين لهؤلاء ؟ فرفع طرفا وأمال آخر وأنشأ يَقُولُ : اللَّه يعلم أنني كمد لا أستطيع أبث ما أجد نفسان لي : نفس تقسمها بلد وأخرى حازها بلد وإذا المقيمة ليس ينفعها صبر وليس لأختها جلد وأظن غائبي كشاهدتي بمكانها تجد الذي أجد فقلت له : أراك عاشقا ، قَالَ : أجل ، فقلت : لمن ؟ قَالَ : إنك لسئول . قلت : محسن إن أخبرت . قَالَ : إن أبي عقد لي على ابنة عم لي نكاحا فتوفي قبل أن أزفها , وخلف مالا عظيما , فقبض عمي على جميع المال وحبسني فِي هذا الدير , وزعم أني مجنون ، وقيم الدير فِي خلال ذلك يَقُولُ لنا : احذروه , فإنه الآن يتغير ! ثم قَالَ لي : بالله أنشدني شيئا فأني أظنك من أهل الأدب . فقلت لرفيقي أنشده . فأنشأ يَقُولُ : قبلت فاها على خوف مخالسة كقابس النار لم يشعر من العجل ماذا على رصد فِي الدار لو غفلوا عني فقبلتها عشر على مهل غضي جفونك عني , وانظري أمما فإنما افتضح العشاق بالمقل فقال لي : أَبُو من أنت جعلك فداك ؟ فقلت : أَبُو العباس ، قَالَ : يا أبا العباس , أنا وهذا الفتى في الطرفين : هذا مجاور من يهواه ، مستقبل لا يناله منه ، وأنا ناء مقصي , فبالله أنشدني أنت شيئا . فلم يحضرني فِي الوقت غير قول بْن أبي ربيعة : قالت سكينة والدموع ذوارف تجري على الخدين والجلباب ليت المغيري الذي لم أجزه فيما أطال تصبري وطلابي كانت ترد لنا المنى أيامه إذ لا ألام على هوى وتصاب خبرت ما قالت فبت كأنما يرمي الحشى بصوائب النشاب أسكين ما ماء الفرات وطيبه مني على ظمأ وحب وشراب بألذ منك وإن نأيت , وقلما يرعى النساء أمانة الغياب .