أخبرني ابن قُدَيد ، عَنْ يحيى بْن عثمان ، قَالَ : " حكم فِي دار الفيل وهي دار أَبِي عثمان مولى مَسْلَمة بْن مُخلَّد الأنصاريّ جماعة من قُضاة مِصر ، منهم : تَوَبة ، والمُفضَّل ، والعُمَريّ ، وهارون ، وحكم هارون بْن عبد الله فيها بإخراج بني البنات من العَقِب ، فلمَّا ولِيَ محمد بْن أَبِي الليث ، فسخ حُكم هارون ، ودفع إلى بني السائح بِضعها ، فلمَّا ولِيَ الحارث ، فَسَخ حُكم ابن أَبِي الليث فيها وأَخرج بني السائح منها ، فخرج إِسْحَاق بن إبراهيم بْن السائح إلى المُتوكِّل يرفع عَلَى الحارث بْن مِسكين ويتظلَّم منه ، وأحضر قضيَّته إلى العِراق ، وأمر المُتوكِّل بإحضار الفُقهاء ، فنظروا فِي قضيَّته خطَّئُوه فيها ، وتناولوه بأَلسِنتهم ، وكان الفُقَهاء الذين نظروا فِي قضيَّته من الكُوفيّين ، وإنَّما حكم الحارث عَلَى مذهب المَدَنيّين ، وبلغ الحارث ما جرى هناك من ذِكره ، فكتب يسأَل أن يُعفَى عَن القضاء . فكتب إِلَيْهِ جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الهاشميّ : أَنهيتُ إلى أمير المؤمنين أن كتابك وصل باستعفائك ممَّا تقلَّدته من أمر القضاء بِمصر ، فأمر أيَّده اللَّه بإجابتك إلى ذَلكَ ، وإعفاءك ممَّا تقلَّدت ، إسعافًا لك بما سأَلت ، وتفضلًا لما أدَّى إلى مُوافقتك فِيهِ ، فرأْيك أبقاك اللَّه فِي معرِفة ذَلكَ والعمَل بحسبه . وكان قد ورد الكتاب بذلك عَلَى الحارث فِي ربيع الآخر سنة خمس وأربعين ومائتين ، ثمَّ ورد كتاب المُتوكِّل عَلَى بكَّار بْن قُتَيبة يأْمره بالنظَر فِي ظُلامة ابن السائح ، وأن يُرَدّ إلى يده ما كَانَ الحارث أَخْرَجَهُ عَنْهَا " .