باب نفي الولد


تفسير

رقم الحديث : 181

أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَعَبيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُمَيْغِرَ سَبْطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ جَعْدًا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ " . قَالَ : فَجَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَفِي حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَفَى الْوَلَدَ عَنِ الزَّوْجِ لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفِهِ عَنْهُ لَمْ يَأْمُرْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ ، وَدَلالَةٌ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَأَحْكَامَ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ فِي الآخِرَةِ عَلَى سَرَائِرِهُمْ لأَنَّ اللَّهَ لا يُطْلِعُ عَلَى السَّرَائِرِ غَيْرَهُ ، وَفِي ذَلِكَ إِبْطَالُ أَنْ يَحْكُمَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ أَبَدًا بِغَيْرِ الظَّاهِرِ ، وَإِبْطَالُ أَحْكَامِ التَّوَهُّمِ كُلِّهِا مِنَ الذَّرَائِعِ ، وَمَا يَغْلِبُ عَلَى سَامِعِهِ وَمَا سِوَاهَا وَلأَنِّي لا أَعْلَمُ شَيْئًا يَعُدُّ أَمْرَ الْمُنَافِقِينَ أَبْيَنَ مِنْ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْمُلاعِنَةِ وَهِيَ حُبْلَى : إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَلا أَحْسَبُهُ إِلا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا ، فَتَأْتِي بِهِ عَلَى مَا وَصَفَ أَنَّهُ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ ، ثُمَّ لا يَحُدُّ الَّذِي يُتَّهَمُ بِهِ وَلا هِيَ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، مَا فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ مِنْ إِلْحَاقِ النَّبِيِّ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ ، وَذَلِكَ نَفْيُهُ عَنْ أَبِيهِ ، وَهُوَ أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مَنْ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَيْسَ يُخَالِفُ حَدِيثُ نَفْيِ الْوَلَدِ عَمَّنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ : " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ " . وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ أَعَمُّهُمَا وَأَوْلاهُمَا : أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ مَا لَمْ يَنْفِهِ رَبُّ الْفِرَاشِ بِاللِّعَانِ الَّذِي نَفَاهُ بِهِ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِذَا نَفَاهُ بِاللَّعَّانِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ ، وَغَيْرُ لاحِقٍ بِمَنِ ادَّعَاهُ بِزِنًا ، وَإِنْ أَشْبَهَهُ كَمَا لَمْ يُلْحِقِ النَّبِيُّ الْمَوْلُودَ الَّذِي نَفَاهُ زَوْجُ الْمَرْأَةِ بِاللِّعَانِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ ، وَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهَهُ بِهِ لأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى غَيْرِ فِرَاشٍ ، وَتَرَكَ النَّبِيُّ أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ : " وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ " ، فَجَعَلَ وَلَدَ الْعَاهِرِ لا يُلْحَقُ ، كَانَ الْعَاهِرُ لَهُ مُدَّعِيًا ، أَوْ غَيْرَ مُدَّعٍ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْمَعْنَى الثَّانِي : إِذَا تَنَازَعَ الْوَلَدَ رَبُّ الْفِرَاشِ وَالْعَاهِرُ ، فَالْوَلَدُ لِرَبِّ الْفِرَاشِ ، وَإِنْ نَفَى الرَّجُلُ الْوَلَدَ بِلِعَانٍ فَهُوَ مَنْفِيٌّ ، وَإِذَا حَدَثَ إِقْرَارٌ بَعْدَ اللِّعَانِ فَالْوَلَدُ لاحِقٌ بِهِ لأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي نُفِيَ بِهِ عَنْهُ بِالْتِعَانِهِ ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَقَرَّ بِكَذِبِهِ بِالالْتِعَانِ كَانَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ كَمَا قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ مَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِاللِّعَانِ لأَنَّ إِقْرَارَهُ بِكُلِّ حَقٍّ لآدَمَيٍّ مَرَّةً يُلْزِمُهُ ، وَلا يُخْرِجُهُ مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ ، وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ : لا أَنْفِي الْوَلَدَ بِاللِّعَانِ ، وَأَجْعَلُ الْوَلَدَ لِزَوْجِ الْمَرْأَةَ بِكُلِّ حَالٍ لأَنَّ النَّبِيَّ ، قَالَ : " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " ، وَقَوْلُهُ : " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ عَنْ رَبِّ الْفِرَاشِ حَدِيثٌ يُخَالِفُ " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " ، قَالَ : وَحَدِيثُ " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " ثَابِتٌ ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ نَفْيِ الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ ، وَالْحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ نَفَى الْوَلَدَ عَنِ الْمُتَلاعِنَيْنِ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ أَوْضَحُ مَعْنًى ، وَأَحْرَى أَنْ لا يَكُونَ فِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَدِيثِ " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " ، لأَنَّهُ إِذَا نَصَّ الْحَدِيثُ فِي " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " ، فَإِنَّمَا هُوَ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا وَلَدًا ، أَحَدُهُمَا يَدَّعِيهِ لِرَبِّ أَمَةِ الْوَاطِئِ لَهَا بِالْمِلْكِ ، وَالآخَرُ يَدَّعِيهِ لِرَجُلٍ وَطِئَ تِلْكَ الأَمَةَ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَلا نِكَاحٍ ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ الأَمَةِ ، أَفَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : إِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا فَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِالْفِرَاشِ بِالدَّعْوَى لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا فَوُلِدَ مَوْلُودٌ عَلَى فِرَاشِ رَجُلٍ لَمْ أُلْحِقْهُ بِهِ إِلا بِدَعْوَى يُحْدِثُهَا لَهُ ، هَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ ؟ إِلا أَنَّ مَعْقُولا فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ بِالْحَلالِ وَلا يَثْبُتُ بِالْحَرَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ بِدَعْوَةِ رَبِّ الْفِرَاشِ ، وَأَنْ يَكُونَ يَدَّعِيهِ لَهُ مَنْ يَجُوزُ دَعْوَتُهُ عَلَيْهِ ، فَحَدِيثُ إِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالْمَرْأَةِ بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ لا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى تَفْسِيرٍ مِنْ غَيْرِهِ ، فَلا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلا ، وَلَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا عَمَدَ إِلَى سُنَّةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ فَخَالَفَهَا ، أَوْ إِلَى أَمْرٍ عُرِفَ عَوَامٌّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ لَمْ يَعْلَمْ لَهُمْ فِيهِ مِنْهُمْ مُخَالِفًا فَعَارَضَهُ ، أَيَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ بِخِلافِهِ ، أَمْ يَكُونُ بِهَا جَاهِلا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ ؟ لأَنَّهُ لَوْ جَازَ هَذَا لأَحَدٍ كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ كُلَّ حُكْمٍ بِغَيْرِ سُنَّةٍ وَبِغَيْرِ اخْتِلافٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فَمَنْ صَارَ إِلَى مِثْلِ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ لا يَنْفِيَ الْوَلَدَ بِلِعَانٍ خَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ، ثُمَّ مَا أَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، ثُمَّ مِنْ أَعْجَبِ أَمْرِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يَدَّعِي الْقَوْلَ بِالإِجْمَاعِ وَإِبْطَالِ غَيْرِهِ ، فَمَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعًا ، وَلا افْتِرَاقًا فِي هَذَا ، أَوْ يَكُونَ رَجُلا لا يُبَالِي مَا قَالَ .

الرواه :

الأسم الرتبة
وَعَبيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ

ثقة فقيه ثبت

سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار

أَبِيهِ

ثقة

إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ

ثقة حجة