أَخْبَرَنِي أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَسْكَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيلٍ الْعَنَزِيُّ ، عَنِ الْعُمَرِيِّ ، عَنِ الْعُتْبِيِّ ، وَالْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانٍ ، وَأَخْبَرَنِي بِهِ عَمِّي ، عَنِ الْكَرَّانِيِّ ، عَنِ الْعُمَرِيِّ ، عَنِ الْهَيْثَمِ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانٍ ، قَالَ : قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَقَدْ عَزَلَ أَخَاهُ مَرْوَانَ عَنِ الْحِجَازِ وَوَلَّى سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ ، وَكَانَ مَرْوَانُ وَجَّهَ بِهِ وَقَالَ لَهُ : الْقَهُ أَمَامِي فَعَاتِبْهُ لِي وَاسْتَصْلِحْهُ ، وَقَالَ عَمِّي فِي خَبَرِهِ : كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِدِمَشْقَ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبْرُ أَخِيهِ خَرَجَ إِلَيْهِ فَتَلَقَّاهُ ، وَقَالَ لَهُ : أَقِمْ حَتَّى أَدْخُلَ إِلَى الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَانَ عَزَلَكَ عَنْ مَوْجِدَةٍ دَخَلْتَ إِلَيْهِ مُنْفَرِدًا ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ مَوْجِدَةٍ دَخَلْتَ إِلَيْهِ مَعَ النَّاسِ ، قَالَ : فَأَقَامَ مَرْوَانُ وَمَضَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَمَامَهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ دَخَلَ إِلَيْهِ وَهُوَ يُعَشِّي النَّاسَ ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ : أَتَتْكَ الْعِيسُ تَنْفَحُ فِي بَرَاهَا تُكَشِّفُ عَنْ مَنَاكِبِهَا الْقُطُوعُ بِأَبْيَضَ مِنْ أُمَيَّةَ مَضْرَحِيٌّ كَأَنَّ جَبِينَهُ سَيْفٌ صَنِيعُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : أَزَائِرًا جِئْتَ أَمْ مُفَاخِرًا أَمْ مُكَاثِرًا ؟ فَقَالَ : أَيُّ ذَلِكَ شِئْتَ ، فَقَالَ لَهُ : مَا أَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، وَأَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَقْطَعَهُ عَنْ كَلامِهِ الَّذِي عَنَّ لَهُ ، فَقَالَ : عَلَى أَيِّ الظَّهْرِ أَتَيْتَنَا ؟ قَالَ : عَلَى فَرَسِي ، قَالَ : وَمَا صِفَتُهُ ؟ قَالَ : أَجَشُّ هَزِيمٌ ، يُعَرِّضُ بِقَوْلِ النَّجَاشِيِّ لَهُ : وَنَجَّى ابْنُ حَرْبٍ سَابِحٌ ذُو عُلالَةٍ أَجَشُّ هَزِيمٌ وَالرِّمَاحُ دَوَانِي إِذَا خِلْتَ أَطْرَافَ الرِّمَاحِ تَنَالُهُ مَرَتْهُ بِهِ السَّاقَانِ وَالْقَدَمَانِ فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ ، وَقَالَ : أَمَا إِنَّهُ لا يَرْكَبُهُ صَاحِبُهُ فِي الْظُلْمِ إِلَى الرَّيْبِ ، وَلا هُوَ مِمَّنْ يَتَسَوَّرُ عَلَى جَارَاتِهِ وَلا يَتَوَثَّبُ عَلَى كِنَائِنِهِ بَعْدَ هَجْعَةِ النَّاسِ ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ فِي امْرَأَةِ أَخِيهِ فَخَجِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا حَمَلَكَ عَلَى عَزْلِ ابْنِ عَمِّكَ ، أَلِجِنَايَةٍ أَوْجَبَتْ سَخَطًا ، أَمْ لِرَأْيٍ رَأَيْتَهُ وَتَدْبِيرٍ اسْتَصْلَحْتَهُ ، قَالَ لِتَدْبِيرٍ اسْتَصْلَحْتُهُ ؟ قَالَ : فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ أَخَاهُ مَرْوَانَ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ ، فَاسْتَشَاطَ غَيْظًا وَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : قَبَّحَكَ اللَّهُ ، مَا أَضْعَفَكَ ، أَعَرَضْتَ لِلرَّجُلِ بِمَا أَغْضَبَهُ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ مِنْكَ أَحْجَمْتَ عَنْهُ ؟ ثُمَّ لَبِسَ حُلَّتَهُ ، وَرَكِبَ فَرَسَهُ ، وَتَقَلَّدَ سَيْفَهُ ، وَدَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ حِينَ رَآهُ وَتَبَيَّنَ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ : مَرْحَبًا بِأَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ ، لَقَدْ زُرْتَنَا عِنْدَ اشْتِيَاقٍ مِنَّا إِلَيْكَ ، قَالَ : لاهَا اللَّهُ مَا زُرْتُكَ لِذَلِكَ ، وَلا قَدِمْتُ عَلَيْكَ فَأَلْفَيْتُكَ إِلا عَاقًّا قَاطِعًا ، وَاللَّهِ مَا أَنْصَفْتَنَا وَلا جَزَيْتَنَا جَزَاءَنَا ، لَقَدْ كَانَتِ السَّابِقَةُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ لآلِ أَبِي الْعَاصِ ، وَالصِّهْرُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ ، وَالْخِلافَةُ فِيهِمْ ، فَوَصَلُوكُمْ يَا بَنِي حَرْبٍ وَشَرَّفُوكُمْ وَوَلُّوكُمْ فَمَا عَزَلُوكُمْ وَلا آثَرُوا عَلَيْكُمْ ، حَتَّى إِذَا وُلِّيتُمْ وَأَفْضَى الأَمْرُ إِلَيْكُمْ ، أَبَيْتُمْ إِلا أَثْرَةً وَسُوءَ صَنِيعَةٍ ، وَقُبْحَ قَطِيعَةٍ ، فَرُوَيْدًا رُوَيْدًا ، قَدْ بَلَغَ بَنُو الْحَكَمِ وَبَنُو بَنِيهِ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ ، وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلائِلُ حَتَّى يَكْمُلُوا أَرْبَعِينَ ، وَيَعْلَمُ امْرُؤٌ أَيْنَ يَكُونُ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ ، ثُمَّ هُمْ لِلْجَزَاءِ بِالْحُسْنَى وَبِالسُّوءِ بِالْمِرْصَادِ ، قَالَ عَمِّي فِي خَبَرِهِ : فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : عَزَلْتُكَ لِثَلاثٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُنَّ إِلا وَاحِدَةٌ لأَوْجَبْتُ عَزْلَكَ : إِحْدَاهُنَّ إِنِّي أَمَرْتُكَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَبَيْنَكُمَا مَا بَيْنَكُمَا ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَشْتَفِيَ مِنْهُ ، وَالثَّانِيَةُ كَرَاهَتُكَ لأَمْرِ زِيَادٍ ، وَالثَّالِثَةُ أَنَّ ابْنَتِي رَمْلَةُ اسْتَعْدَتْكَ عَلَى زَوْجِهَا عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ فَلَمْ تَعْدُهَا ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ : أَمَّا ابْنُ عَامِرٍ فَإِنِّي لا أَنْتَصِرُ فِي سُلْطَانِي ، وَلَكِنْ إِذَا تَسَاوَتِ الأَقْدَامُ عَلِمَ أَيْنَ مَوْقِعُهُ ، وَأَمَّا كَرَاهَتِي أَمْرَ زِيَادٍ فَإِنَّ سَائِرَ بَنِي أُمَيَّةَ كَرِهُوهُ ، ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ لَنَا فِي ذَلِكَ الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَأَمَّا اسْتِعْدَاءُ رَمْلَةَ عَلَى عَمْرٍو فَوَاللَّهِ إِنِّي لَتَأْتِي عَلَيَّ سَنَةٌ أَوْ أَكْثَرَ وَعِنْدِي بِنْتُ عُثْمَانَ فَمَا أَكْشِفُ لَهَا ثَوْبًا ، يُعَرِّضُ بِأَنَّ رَمْلَةَ إِنَّمَا تَسْتَعْدِي عَلَيْهِ طَلَبًا لِلنِّكَاحِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : يَابْن الْوَزَغِ ، لَسْتَ هُنَاكَ ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ : هُوَ ذَاكَ الآنَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَبُو عَشَرَةٍ وَأَخُو عَشَرَةٍ وَعَمُّ عَشَرَةٍ ، وَقَدْ كَادَ وَلَدِي أَنْ يَكْمُلُوا الْعِدَّةَ ، يَعْنِي أَرْبَعِينَ وَلَوْ قَدْ بَلَغُوهَا لَعَلِمْتَ أَيْنَ تَقَعُ مِنِّي ! فَانْخَزَلَ مُعَاوِيَةُ ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ أَكُ فِي شِرَارِكُمُ قَلِيلا فَإِنِّي فِي خِيَارِكُمُ كَثِيرُ بُغَاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُهَا فِرَاخًا وَأُمُّ الصَّقْرِ مُقِلاتٌ نَزُورُ قَالَ : فَمَا فَرَغَ مَرْوَانُ مِنْ كَلامِهِ حَتَّى اسْتَخْزَى مُعَاوِيَةُ فِي يَدِهِ وَخَضَعَ لَهُ ، وَقَالَ : لَكَ الْعُتْبَى ، وَأَنَا رَادُّكَ إِلَى عَمَلِكَ ، فَوَثَبَ مَرْوَانُ وَقَالَ لَهُ : كَلا وَاللَّهِ وَعَيْشِكَ لا رَأَيْتَنِي عَائِدًا إِلَيْهِ أَبَدًا ، وَخَرَجَ ، فَقَالَ الأَحْنَفُ لِمُعَاوِيَةَ : مَا رَأَيْتُ لَكَ قَطُّ سَقْطَةَ مِثْلَهَا ، مَا هَذَا الْخُضُوعُ لِمَرْوَانَ ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ مِنْهُ وَمِنْ بَنِي أَبِيهِ إِذَا بَلَغُوا أَرْبَعِينَ ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ تَخْشَاهُ مِنْهُمْ ؟ فَقَالَ لَهُ : ادْنُ مِنِّي أُخْبِرُكَ بِذَلِكَ ، فَدَنَا مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ كَانَ أَحَدُ مَنْ وَفَدَ مَعَ أُخْتِي أُمِّ حَبِيبَةَ لَمَّا زُفَّتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى نَقْلَهَا إِلَيْهِ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ أَحْدَدْتَ النَّظَرَ إِلَى الْحَكَمِ ، فَقَالَ : ابْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ ذَلِكَ رَجُلٌ إِذَا بَلَغَ وَلَدُهُ ثَلاثِينَ ، أَوْ قَالَ أَرْبَعِينَ ، مَلَكُوا الأَمْرَ بَعْدِي ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَلَقَّاهَا مَرْوَانُ مِنْ عَيْنٍ صَافِيَةٍ ، فَقَالَ لَهُ الأَحْنَفُ : لا يَسْمَعَنَّ هَذَا أَحَدٌ مِنْكَ ، فَإِنَّكَ تَضَعُ مِنْ قَدْرِكَ وَقَدْرِ وَلَدِكَ بَعْدَكَ ، وَإِنْ يَقْضِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرًا يَكُنْ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : فَاكْتُمْهَا عَلَيَّ يَا أَبَا بَحْرٍ إِذًا ، فَقَدْ لَعَمْرِي صَدَقْتَ وَنَصَحْتَ " .