قال المصنف رحمه الله : حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ . ح يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ . ح يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ ، قَالَ . ح أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ ، وَيُجْعَلُ لَهُ ، وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ " ، قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَعْنَى الْحَلِيمِ وَالصَّبُورِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ مِنَ الْمُتَشَابِهَةِ الَّتِي لَوْلا وُرُودُ السَّمْعِ بِهِ لَمَا جَازَ وَصْفُ اللَّهِ بِهَا ، وَقَدْ سَمَّى نَفْسَهُ حَلِيمًا ، وَيُوصَفُ بِالْحِلْمِ ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى صَبُورًا ، لأَنَّهُ لَمْ يَرِدِ السَّمْعُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى صَبُورًا ، وَيُوصَفُ بِالصَّبِرِ ، وَرُوِيَ الْخَبَرُ فِي الصَّبُورِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْحِلْمِ وَالصَّبْرِ بَعْضُهُمْ قَالُوا : الْحِلْمُ بُنِيَ عَلَى التَّجَاوُزِ وَالْعَفْوِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الانْتِقَامِ كَرْمًا وَفَضْلا ، وَالصَّبْرُ يُبْنَى عَلَى تَحَمُّلِ الْمَكْرُوهِ ، وَتَجَرُّعِ الْغَصَصِ ضَرُورَةً تَكَلُّفًا وَتَجَلُّدًا ، وَالْعَفْوُ وَالتَّجَاوُزُ وَالْقُدْرَةُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَيْسَ التَّكَلُّفُ وَالتَّجَرُّعُ وَالضَّرُورَةُ مِنْ أَوْصَافِهِ ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ ، فَجَوَّزُوا وَصْفَهُ بِالْحِلْمِ ، وَمَنَعُوا الصَّبْرَ ، وَالصَّبْرُ مِنَ الْخَلْقِ حَبْسُ النُّفُوسِ ، وَمَنْعُهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا الْمَحْظُورَةِ فَرْضًا حَتْمًا ، وَعَنْ شَهَوَاتِهَا الْمُبَاحَةِ تَطَرُّفًا وَأَدَبًا وَرِيَاضَةً ، وَقَدْ قَالَ الْحَكِيمُ : لا يَنْبَغِي أَنْ يُغْفِلَ قَلِيلَ الشَّهْوَةِ وَلا كَثِيرَهَا ، فَإِنَّ كَثِيرَهَا تَلَفٌ ، وَقَلِيلَهَا دَنَاءَةٌ ، وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَكَارِهِ ، وَتَجَرُّعِ الْغَصَصِ عِنْدَ مُنَازَعَةِ النَّفْسِ إِلَى الاسْتِرْوَاحِ بِالانْتِقَامِ وَالْجَزَعِ إِمَّا خَوْفًا مِمَّا هُوَ أَشَدُّ فِي الْمَكْرُوهِ مِنْهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ ، أَوْ حَاجَةً إِلَى الثَّوَابِ الْمَوْعُودِ مِنْهُ ، وَالأَذَى كُلُّ مَا يُكْرَهُ وَيُسْخَطُ مِنْ قَوْلٍ ، وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ مِنْ فِعْلٍ . فَمَعْنَى الصَّبْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَبْسَ الْعُقُوبَةِ عَنِ الْمُؤْذِي لَهُ بِمَا يَكْرَهُ وَيَسْخَطُ وَيَنْقُصُ مِنَ الإِشْرَاكِ بِهِ ، وَجَعْلِ الأَوْلادِ لَهُ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الانْتِقَامِ مِنْهُمْ ، وَالأَخْذِ لَهُمْ ، وَالتَّدَسُّرِ عَلَيْهِمْ ، فَهُوَ يَحْبِسُ عَنْهُمْ عُقُوبَتَهُ ، وَيُؤَخِّرُ عَنْهُمْ عَذَابَهُ ، وَلا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي اسْتَحَقُّوهَا عَلَى شِرْكِهِمْ بِهِ ، وَافْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَا تَأْخِيرِ الْعُقُوبَةِ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ ، فَهُوَ أَصْبَرُ عَلَى الأَذَى مِنَ الْخَلْقِ ، لأَنَّ الْخَلْقَ يُؤْذَوْنَ بِمَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُمْ وَفِيهِمْ ، وَمَا يُؤْذُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ حَقِيقَةً وَلا مَجَازًا وَلا إِضَافَةً ، وَهُمْ إِنْ صَبَرُوا صَبَرُوا ضَرُورَةً وَتَكَلُّفًا وَرِقًّا وَعُبُودَةً ، ثُمَّ لا يُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ يُؤْذِيهِمْ . فَفِي الْحَدِيثِ إِبَانَةٌ عَنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ فِي تَرْكِ مُعَاجَلَةِ الْعُقُوبَةِ ، وَتَأْخِيرِ الْعَذَابِ ، وَإِدْرَارِ الرِّزْقِ عَلَى الْمُؤْذِي لَهُ وَعَاقِبَتِهِ إِيَّاهُ ، فَهَذَا كَرَمُهُ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ يُؤْذِيهِ وَيَكْذِبُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ بَغِيضُهُ وَعَدُوُّهُ ، فَمَا ظَنُّكَ بِمُعَامَلَتِهِ مَعَ مَنْ يَتَحَمَّلُ الأَذَى فِيهِ ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ ، وَهُوَ وَلِيُّهُ وَحَبِيبُهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا سورة البقرة آية 257 ، وَقَالَ : يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ سورة المائدة آية 54 ، سُبْحَانَ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ الرَّءُوفِ الْحَلِيمِ . فَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا حَثٌّ عَلَى الصَّبْرِ ، وَتَحَمُّلِ الأَذَى فِيمَ يُصِيبُ الْعَبْدَ مِمَّا يَكْرَهُهُ وَيَغُمُّهُ وَيُؤْلِمُهُ وَيَشُقُّ ، كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُؤْذَى بِالْغَايَةِ مِنَ الأَذَى ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الانْتِقَامِ مِنْهُمْ ، وَهُوَ يُؤَخِّرُ عَنْهُمْ عُقُوبَتَهُ ، وَيَحْبِسُ عَنْهُمْ عَذَابَهُ مَعَ تَعَالِيهِ عَنْ جَرِّ مَنْفَعَةٍ فِيهِ ، أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنْهُ ، فَالْعَبْدُ الْمُضْطَرُّ الْمُحْتَاجُ إِلَى الثَّوَابِ الْمَوْدُوعُ عَلَى الصَّبْرِ وَالْخَوْفِ مِنَ الْعُقُوبَةِ الْمُتَوَعِّدُ عَلَى الْجَذَعِ عَلَى أَدْنَى أَذًى يَلْحَقُهُ ثُمَّ يَعْتَاضُ عَلَيْهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَصْبِرَ وَأَحَقُّ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
أَبِي مُوسَى | عبد الله بن قيس الأشعري / توفي في :50 | صحابي |
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ | عبد الله بن حبيب السلمي / توفي في :72 | ثقة ثبت |
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ | سعيد بن جبير الأسدي | ثقة ثبت |
الأَعْمَشِ | سليمان بن مهران الأعمش | ثقة حافظ |
أَبُو مُعَاوِيَةَ | محمد بن خازم الأعمى / ولد في :113 / توفي في :194 | ثقة |
يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ | يحيى بن عبد الحميد الحماني / توفي في :228 | ضعيف الحديث |
يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ | يحيى بن إسماعيل | مجهول الحال |
حَاتِمُ بْنُ عَقِيلٍ | حاتم بن عقيل المراري | مجهول الحال |