قال المصنف رحمه الله حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ . ح يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ . ح يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ ، قَالَ . ح وَكِيعٌ ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الرَّجُلَ يُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ ، وَلا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ ، وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلا الْبِرُّ " ، قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ : إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَطَائِفَ يُحْدِثُهَا بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ لِيَصْرِفَ بِهَا وَجْهَهُ إِلَيْهِ ، وَيُقْبِلَ بِقَلْبِهِ عَلَيْهِ إِذَا شُغِلَ عَنْهُ بِاتِّبَاعِ شَهْوَةٍ ، وَالاشْتِغَالِ بِنَهْمَةٍ ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ ، وَالْمُحِبُّ يُحِبُّ إِقْبَالَ مَحْبُوبِهِ عَلَيْهِ ، وَمُوَاجَهَتَهُ لَهُ ، وَانْصِرَافَهُ إِلَيْهِ ، وَيَكْرَهُ شُغْلَهُ عَنْهُ بِغَيْرِهِ ، وَإِعْرَاضَهُ عَنْهُ ، فَالْمُؤْمِنُ إِذَا شُغِلَ بِنَهْمَتِهِ وَرَجَعَ إِلَى شَهْوَتِهِ ، وَأَقْبَلَ عَلَى غَيْرِ مَوْلاهُ حَرَمَهُ مَوْلاهُ رِزْقَهُ الَّذِي إِلَيْهِ ضَرُورَتُهُ ، وَبِهِ حَاجَتُهُ مِمَّا بِهِ قَوَامُهُ فِي مَعَايِشِهِ ، وَعَوْزٌ عَلَى أَمْرِ مَعَادِهِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ زَجْرًا مِنْهُ لَهُ ، وَجَذْبًا إِلَيْهِ مِمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ ، وَصَرْفًا لَهُ عَمَّا شُغِلَ بِهِ إِلَى مَنْ شُغِلَ عَنْهُ ، وَتَأْدِيبًا أَنْ لا يَعُودَ إِلَى مِثْلِهِ كَالطِّفْلِ الَّذِي تَدَعُوهُ أُمُّهُ فَيُعْرِضُ عَنْهَا ، وَيَعْدُو إِلَى لَهْوٍ ، فَيَعْثُرُ ، فَيَقَعُ ، فَيَقُومُ ، فَيَعْدُو إِلَى أُمِّهِ بَاكِيًا ، وَيَتَلَحَّى إِلَيْهَا شَاكِيًا وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُ الذَّنْبَ بِشَهْوَةٍ تَغْلِبُهُ ، وَنَهْمَةٍ لا يُقَاوِمُهَا ، فَيَحْرِمُهُ رَبُّهُ رِفْقَهُ ، وَيَمْنَعُهُ رِزْقَهُ ، فَيَنْتَبِهُ فَيُعْرِضُ عَنْ شَهْوَتِهِ ، فَيَرْفُضُ نَهْمَتَهُ ، وَيُقْبِلُ عَلَى مَوْلاهُ ، وَالَّذِي يُبْغِضُهُ اللَّهُ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ ، وَأَشْرَكَ مَعَهُ غَيْرَهُ ، وَأَعْرَضَ بِقَلْبِهِ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ يَزِيدُهُ مِمَّا يُشْغَلُ بِهِ ، وَيَصْرِفُهُ عَنْهُ بُغْضًا لَهُ وَمَقْتًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا سورة آل عمران آية 178 ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ سورة الزخرف آية 33 ، لِيَشْغَلَهُمْ بِهَا عَنْهُ ، وَيُبَاعِدَهُمْ عَنْهُ ، فَمَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ كَفَاهُ حَوَائِجَهُ ، وَسَهَّلَ لَهُ مَرَافِقَهُ ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِي الاشْتِغَالِ بِمَا دُونَهُ عَنْهُ يَكْفِهِ مُؤَنَهُ ، وَيُخْرِجْهُ مِمَّا يَصْرِفُهُ عَنْهُ ، وَيَقُومُ بِكِفَايَتِهِ لِئَلا يَشْغَلَهُ عَنْهُ شَاغِلٌ ، بَلْ يَكُونُ شُغْلُهُ بِهِ ، وَوَجْهُهُ إِلَيْهِ ، وَمَنْ شُغِلَ بشَيْءٍ دُونَهُ أَوْ بِهِ فَحَرَمَهُ رِزْقَهُ ، وَمَنْعَهُ رِفْقَهُ فَيُقْبِلُ عَلَيْهِ ، وَيَرْجِعُ عَمَّا شُغِلَ بِهِ إِلَيْهِ , وَالرِّزْقُ الَّذِي يَحْرِمُهُ : الرِّفْقُ مِمَّا يَمْلِكُهُ ، أَوْ زَوَالُ مُلْكِهِ عَنْهُ ، وَأَنْ يَلْتَوِيَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ رِزْقِهِ فَقُدِرَ عَلَيْهِ ، وَيَصِيرُ عَلَيْهِ مَطْلَبُهُ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الرِّزْقِ الشُّكْرَ ، قَالَ تَعَالَى : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ سورة الواقعة آية 82 ، قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ : شُكْرُكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ، فَيَكُونُ حِرْمَانُ الرِّزْقِ حِرْمَانَ الشُّكْرِ عَلَى النِّعْمَةِ ، فَيُحْرَمُ الزِّيَادَةَ بِحِرْمَانِ الشُّكْرِ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ فِي النُّقْصَانِ وَقَوْلُهُ : " لا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَدَرُ سُبِقَ بِالدُّعَاءِ ، كَمَا سُبِقَ بِالْقَدَرِ ، فَيُصْرَفُ الْمَكْرُوهُ الْمَقْدُورُ بِالدُّعَاءِ الْمَقْدُورِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُئِلَ : أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرِقُّهَا ، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى هَلْ يَرُدُّ قَدَرَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ : " إِنَّهُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ " وَهَذَا إِذَا كَانَ الْقَدَرُ سَبَقَ بِأَنْ يُرَدَّ الْمَكْرُوهُ مِنَ الْقَدَرِ بِالدُّعَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَكْرُوهُ مَقْدُورًا أَنْ يُصِيبَهُ ، وَيَقَعَ بِهِ ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ يُزِيلُ تَسَخُّطَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ ، وَيَكُونُ الرِّضَا بِهِ مَقْدُورًا كَمَا كَانَ الْمَكْرُوهُ مَقْدُورًا ، وَالْمَقْدُورُ إِنَّمَا يَكُونُ مَكْرُوهًا ، لأَنَّهُ مُؤْلِمٌ مَسْخُوطٌ ، شَدِيدُ التَّحَمُّلِ ، فَإِذَا زَالَ التَّسَخُّطُ صَارَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا ، فَكَانَ الْمَكْرُوهُ الْمَقْدُورُ الْمُؤْلِمُ قَدْ صُرِفَ عَنْهُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ مَقْدُورٌ مَحْبُوبٌ مُلِذٌّ ، كَالإِنْسَانِ يُسْقَى دَوَاءً فَيَتَكَرَّهُهُ لِمَرَارَتِهِ وَبَشَاعَتِهِ ، فَيَذُوقُهُ لا يَجِدُ لَهُ مَرَارَةً وَلا بَشَاعَةً ، فَيَتَلَذَّذُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا بِالدُّعَاءِ ، لأَنَّ الدُّعَاءَ تَقَرُّبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، مِنْ قُرْبَةِ اللَّهِ إِلَيْهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أُذِنَ لَهُ بِالدُّعَاءِ لا يُحْرَمُ الإِجَابَةَ " فَالدَّاعِي مُقَرَّبٌ ، فَالْمُقَرَّبُ مُشَاهِدٌ ، أَمَّا إِنْ شَاهَدَ عَاقِبَةَ الْمَكْرُوهِ بِالثَّوَابِ الْمَوْعُودِ فِي الآجِلِ ، وَالْمَصْرُوفِ عَنْهُ بِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْعَاجِلِ ، أَوْ بِشُهُودِ الْمُقَدَّرِ لَهُ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلا الْبِرُّ " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبِرُّ مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْتِيَهُ , وَيَكُونَ زِيَادَةُ الْعُمُرِ مَقْدُورًا بِالْبِرِّ الْمَقْدُورِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْبِرُّ مَقْدُورًا لَمْ يَكُنْ زِيَادَةُ الْعُمُرِ مَقْدُورًا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زِيَادَةُ الْعُمُرِ حُسْنَ الْحَالِ فِي مُدَّةِ الْحَيَاةِ ، وَالأَجَلِ الْمُؤَقَّتِ الَّذِي لا يَتَأَخَّرُ وَلا يَتَقَدَّمُ ، وَطِيبُ الْحَيَاةِ فِي مُدَّةِ الأَجَلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى سورة النحل آية 97 ، وَطِيبُ الْحَيَاةِ بِالارْتِفَاقِ فِي مَعَايِشِهِ ، وَاكْتِسَابِ الطَّاعَةِ لِمَعَادِهِ ، وَالْبِرُّ هُوَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ ، وَالانْتِهَاءُ عَمَّا زَجَرَ ، وَالرِّضَا بِمَا حَكَمَ وَقَدَّرَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ سورة البقرة آية 177 إلَى قَوْلِهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ سورة البقرة آية 177 ، فَالتَّقْصِيرُ مِنَ الْعُمُرِ ، وَالْيَسِيرُ مِنَ الْمُدَّةِ ، وَإِذَا حَصَلَ مَعَ الطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَمْرِ الدِّينِ ، وَالرِّفْقِ فِي الْمَعَاشِ مِنَ الْكِفَايَةِ فِي الْمُؤْنَةِ ، وَصَوْنِ الْوَجْهِ ، وَكَانَ الْعَبْدُ مَحْمُولا فِي الْمَكَانِ مُيَسَّرًا لَهُ الْيُسْرَى ، مَعْرُوفًا عَنِ الْعُسْرَى ، صَارَ التَّقْصِيرُ مِنَ الْعُمُرِ طَوِيلا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبِرِّ بِرُّ الْوَلَدِ بِوَالِدَيْهِ ، وَبِرُّ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَقَرَابَتَهُ وَجِيرَانَهُ ، وَمَنْ يُعَاشِرُهُمْ ، فَمَنْ حَسُنَتْ عِشْرَتُهُ خَلْقَ اللَّهِ طَابَتْ حَيَاتُهُ ، وَفَائِدَةُ الْعُمُرِ طِيبُ الْحَيَاةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
ثَوْبَانَ | ثوبان بن بجدد القرشي | صحابي |
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ | عبد الله بن أبي الجعد الغطفاني | مقبول |
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى | عبد الله بن عيسى الأنصاري / توفي في :130 | ثقة فيه تشيع |
سُفْيَانَ | سفيان الثوري | ثقة حافظ فقيه إمام حجة وربما دلس |
وَابْنُ الْمُبَارَكِ | عبد الله بن المبارك الحنظلي / ولد في :118 / توفي في :181 | ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير |
وَكِيعٌ | وكيع بن الجراح الرؤاسي / ولد في :128 / توفي في :196 | ثقة حافظ إمام |
يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ | يحيى بن عبد الحميد الحماني / توفي في :228 | ضعيف الحديث |
يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ | يحيى بن إسماعيل | مجهول الحال |
حَاتِمُ بْنُ عَقِيلٍ | حاتم بن عقيل المراري | مجهول الحال |