خطبة عمر في الجابية واستجابته لدعوة قسطنطين


تفسير

رقم الحديث : 574

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْحَارِثِ أَبُو النَّضْرِ الْعُقَيْلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيُّ النَّدِيمُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ قَيْسٍ , يَقُولُ : حَدَّثَنِي أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ , عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَشْجَعَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْجَابِيَةَ لِفَرْضِ الْخَرَاجِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ ، قَالَ : فَشَهِدْتُهُ دَعَا بِكُرْسِيِّ الْكَنِيسَةِ فَقَامَ عَلَيْهِ , فَقَالَ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا , فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ أَكْرِمُوا النَّاسَ ، إِنَّ خِيَارَكُمْ أَصْحَابِي ، أَلا ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، أَلا ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، أَلا ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ وَيَكْثُرُ الْحَلِفُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ , وَإِنْ لَمْ يُسْتَحْلَفْ ، وَيَشْهَدُ , وَإِنْ لَمْ يُسْتَشْهَدْ ، أَلا فَمَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةَ ، يَدُ رَبِّكُمْ مَعَ الْجَمَاعَةَ ، أَلا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ بَنِي آدَمَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ إِلا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا ، أَلا وَمَنْ سَاءَتْهُ سَيِّئَاتُهُ وَسَرَّتْهُ حَسَنَاتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ " ، قُمْتُ فِيكُمْ بِقَدْرِ مَا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا . ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى نزل أَذْرُعَاتٍ ، وَقَدْ وَلَّى عَلَى الشَّامِ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، فَدَعَا بِغَدَائِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الثَّرِيدِ وُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَصْعَةٌ أُخْرَى ، فَصَاحَ ، وَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَأَرْسَلَ يَزِيدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِهِ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : مَا الَّذِي أَنْكَرْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : مَا بَالِي تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيَّ قَصْعَةٌ , ثُمَّ تُرْفَعُ وَتُوضَعُ أُخْرَى ؟ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّكَ هَبَطْتَ أَرْضًا كَثِيرَةَ الأَطْعِمَةِ فَخِفْتُ عَلَيْكَ وَخَامَتَهَا ، فَأَشِرْ إِلَى أَيِّهَا شِئْتَ حَتَّى أُلْزِمَكَهُ ، فَأَشَارَ إِلَى الثَّرِيدِ فَقَالَ قُسْطَنْطِينُ لِمُعَاوِيَةَ : جَادَ مَا خَرَّجْتَ مِنْهَا . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَدَائِهِ قَامَ قُسْطَنْطِينُ ، وَهُوَ صَاحِبُ بُصْرَى ، بَيْنَ يَدَيْهِ , فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ فَرَضَ عَلَيَّ الْخَرَاجَ فَاكْتُبْ لِي بِهِ ، فَأَنْكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ ، وَقَالَ : مَا فَرَضَ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : فَرَضَ عَلَيَّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَعَبَاءَةً عَلَى كُلِّ جَلْجَلَةٍ ، يَعْنِي الْجَمَاجِمَ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنها لأَبِي عُبَيْدَةَ : مَا يَقُولُ هَذَا ؟ قَالَ : كَذِبٌ ، وَلَكِنِّي كُنْتُ صَالَحْتُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ لِيَسْتَمْتِعَ بِهِ الْمَسْلِمُونَ فِي شِتَائِهِمْ هَذَا ، ثُمَّ تَقَدَّمُ أَنْتَ فَتَكُونُ الَّذِي يَفْرِضُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَبُو عُبَيْدَةَ أَصْدَقُ عِنْدَنَا مِنْكَ ، فَقَالَ قُسْطَنْطِينُ : صَدَقَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَذَبْتُ أَنَا ، قَالَ : فَوَيْحَكَ ، مَا أَرَدْتَ بِمَقَالَتِكَ ؟ قَالَ : أَرَدْتُ أَنْ أَخْدَعَكَ ، وَلَكِنْ أَفْرِضْ عَلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ الآنَ ، قَالَ : فَجَاثَاهُ النَّبَطِيُّ مُجَاثَاةَ الْخَصْمِ عَامَّةَ النَّهَارِ ، فَفَرَضَ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ، وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَعَلَى الْمُفْلِسِ الْمَدْفَعَ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ أَنْ يُشَاطِرَهُمْ مَنَازِلَهُمْ وَيَنْزِلَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ ، وَعَلَى أَنْ لا يَضْرِبُوا بِنَاقُوسٍ ، وَلا يَرْفَعُوا صَلِيبًا إِلا فِي جَوْفِ كَنِيسَةٍ ، وَعَلَى أَنْ لا يُحْدِثُوا إِلا مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَعَلَى أَنْ لا يُقْرِئُوا خِنْزِيرًا بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَى أَنْ يُقْرُوا ضَيْفَهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً , وَعَلَى أَنْ يَحْمِلُوا رَاجِلَهُمْ مِنْ رُسْتَاقٍ إِلَى رُسْتَاقٍ ، وَعَلَى أَنْ يُنَاصِحُوهُمْ وَلا يَغِشُّوهُمْ ، وَعَلَى أَنْ لا يُمَالِئُوا عَلَيْهِمْ عَدُوًّا ، فَمَنْ وَفَّى لَنَا وَفَّيْنَا لَهُ وَمَنَعْنَاهُ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ، وَمَنِ انْتَهَكَ شَيْئًا ، ذَلِكَ اسْتَحْلَلْنَا بِذَلِكَ سَفْكَ دَمِهِ وَسِبَاءَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ . فَقَالَ لَهُ قُسْطَنْطِينُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اكْتُبْ لِي بِهِ كِتَابًا ، قَالَ : نَعَمْ ، ثُمَّ ذَكَرَ عُمَرُ ، فَقَالَ : إِنِّي أَسْتَثْنِي عَلَيْكَ مَعُرَّةَ الْجَيْشِ ، فَقَالَ النَّبَطِيُّ : لَكَ ثِنْيَاكَ ، وَقَبَّحَ اللَّهُ مَنْ أَقَالَكَ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ قُسْطَنْطِينُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قُمْ فِي النَّاسِ فَأْعَلْمِهْمُ كِتَابَكَ لِيَتَنَاهَوْا عَنْ ظُلْمِنَا وَالْفَسَادِ عَلَيْنَا فَقَامَ عُمَرُ فَخَطَبَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا بَلَغَ : " مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ , قَالَ النَّبَطِيُّ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يُضِلُّ أَحَدًا ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا يَقُولُ ؟ قَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا تَكَلَّمَ بِهِ ، فَعَادَ عُمَرُ فِي الْخُطْبَةِ ، ثُمَّ أَعَادَ النَّبَطِيُّ الْمَقَالَةَ ، فَقَالَ : أَخْبِرُونِي مَا يَقُولُ , قَالُوا : إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِلُّ أَحَدًا ، فَقَالَ عُمَرُ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ عُدْتَ لأَضْرِبَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ ، وَمَضَى عُمَرُ فِي خُطْبَتِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ قُسْطَنْطِينُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ فَاقْضِهَا لِي ، فَإِنَّ لِي عَلَيْكَ حَقًّا ، قَالَ : وَمَا حَقُّكَ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ لَكَ بِالصَّغَارِ ، قَالَ : وَمَا حَاجَتُكَ إِنْ كَانَ لَكَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ فَعَلْنَا ، قَالَ : تَغَدَّى عِنْدِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ ، قَالَ : وَيْحَكَ إِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّكَ ، قَالَ : وَلَكِنَّهَا مَكْرُمَةٌ وَشَرَفٌ أَنَالُهُ ، قَالَ : فَانْطَلِقْ حَتَّى نَأْتِيَكَ ، فَانْطَلَقَ فَهَيَّأَ فِي كَنِيسَةِ بُصْرَي وَنُجُدِهَا وَهَيَّأَ فِيهَا الأَطْعِمَةَ وَقِبَابَ الْخَبِيصِ , وَكَانُونًا عَلَيْهِ الْمِجْمَرُ ، فَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ وَأَصْحَابُهُ نَزَلُوا فِي بَعْضِ الْبَيَادِرِ ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي وَتَبِعَهُ النَّاسُ وَالنَّبَطِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ بَدَا لِعُمَرَ ، فَقَالَ : لا يَتَّبِعْنِي أَحَدٌ ، وَمَضَى هُوَ وَالنَّبَطِيُّ ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ الْكَنِيسَةَ إِذَا هُوَ بِالسُّتُورِ وَالْبُسُطِ وَقِبَابِ الْخَبِيصِ وَالْمِجْمَرِ ، فَقَالَ عُمَرُ لِلنَّبَطِيِّ : وَيْلَكَ ، لَوْ نَظَرَ مَنْ خَلْفِي إِلَى مَا هَهُنَا لَفَسَدَتْ عَلَيَّ قُلُوبُهُمْ ، اهْتِكْ مَا أَرَى ، قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ ، قَالَ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَأْكُلَ طَعَامَكَ فَاصْنَعْ مَا آمُرُكَ بِهِ ، فَهَتَكَ السُّتُورَ وَنَزَعَ الْبُسُطَ وَأَخْرَجَ عَنْهُ الْمِجْمَرَ ، ثُمَّ قَالَ : اخْرُجْ إِلَى رِحَالِنَا فَأْتِنَا بِأَنْطَاعٍ ، فَأَخَذَهَا عُمَرُ فَبَسَطَهَا فِي الْكَنِيسَةِ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى ذَلِكَ الْخَبِيصِ , وَمَا كَانَ هَيَّأَ فَعَكَسَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ , وَقَالَ : أَعِنْدَك شَيْءٌ آخَرُ ؟ قَالَ : نَعَمْ عِنْدَنَا بَقْلٌ وَشِوَاءٌ ، قَالَ : إِيتِنِي بِهِ ، فَأَخَذَهُ فَخَلَطَ الشِّوَاءَ بِالْخَبِيصِ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ , وَجَعَلَ يَحْمِلُ بِيَدَيْهِ وَيَجْعَلُهُ عَلَى الأَنْطَاعِ . قَالَ طَلْحَةُ : فَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : فَأَمْلَيْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَزَادَنِي فِيهِ ، قَالَ : فَقَالَ النَّبَطِيُّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ هَذَا الطَّعَامَ لا يُؤْكَلُ هَكَذَا ، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ : وَيْلٌ لَكَ وَلأَصْحَابِكَ إِذَا جَاءَ مَنْ يُحْسِنُ يَأْكُلُ هَذَا ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُ النَّاسَ ، فَجَاءُوا فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ وَأَقْبَلُوا يَأْكُلُونَ ، فَرُبَّمَا وَقَعَتِ اللُّقْمَةُ مِنَ الْخَبِيصِ فِي فَمِ الرَّجُلِ , فَيَقُولُ : إِنَّ هَذَا طَعَامٌ مَا رَأَيْنَاهُ ، فَيَقُولُ عُمَرُ : وَيْلُكَ أَمَا تَسْمَعُ ؟ كَيْفَ لَوْ رَأَوْا مَا رَأَيْتَ ؟ ! فَلَمَّا فَرَغُوا , قَالَ النَّبَطِيُّ لِمُعَاوِيَةَ : إِنَّ الأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ قَدِ اجْتَمَعُوا ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَخْلاقٌ وَسِخَةٌ فَهَلْ لَكَ أَنْ تَخْدَعَهُ حَتَّى يَنْزِعَهَا وَيَلْبَسَ ثِيَابًا حَتَّى يَقْضِيَ جُمْعَتَهُ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَمَّا أَنَا فَلا أَدْخُلُ فِي هَذَا بَعْدَ غَذٍّ نَجَوْتُ مِنْهُ أَمْسِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبَطِيُّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ثِيَابُكَ قَدِ اتَّسَخَتْ ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعْطِينَاهَا حَتَّى نَغْسِلَهَا وَنَرَمُّهَا ، قَالَ : نَعَمْ ، فَغَسَلَ الثِّيَابَ وَتَرَكَهَا فِي الْمَاءِ ، ثُمَّ هَيَّأَ لَهُ قَمِيصًا مَرَوِيًّا وَرِدَاءً قَصَبِيًّا ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ , قَالَ لَهُ عُمَرُ ، إِيتِنِي بِثِيَابِي ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا جَفَّتْ ، وَنَحْنُ نُعِيرُكَ ثَوْبَيْنِ حَتَّى تَقْضِيَ جُمُعَتَكَ ، فَقَالَ : أَرِنِي ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْقَمِيصِ ، قَالَ : وَيْحَكَ كَأَنَّمَا رُفِيَ هَذَا رَفْوًا ، أَغْرِبْهُمَا عَنِّي وَائْتِنِي بِثِيَابِي ، فَجَاءَ بِهَا تَقْطُرُ ، فَجَعَلَ يَتَنَاوَلَهَا ، وَجَعَلَ النَّبَطِيُّ يَأْخُذُ بِطَرَفِ الثَّوْبِ وَعُمَرُ بِالطَّرَفِ الآخَرِ وَيَعْصِرُهَا ، ثُمَّ دَعَا بِكُرْسِيٍّ مِنْ كَرَاسِيِّ الْكَنِيسَةِ فَقَامَ عَلَيْهِ يَخْطُبُ النَّاسَ , وَيَمْسَحُ ثِيَابَهُ وَيُمَدِّدُهَا ، قَالَ : فَسَأَلَهُ أَيُّ شَيْءٍ كَانَتْ ثِيَابُهُ ؟ قَالَ : غَزْلُ كَتَّانٍ ، قَالَ : وَجَاءَتِ الرُّهْبَانُ فَقَامُوا وَرَاءَ النَّاسِ وَعَلَيْهِمُ الْبَرَانِسُ تَبْرُقُ بَرِيقًا ، وَمَعَهُمْ عِصِيٌّ فِيهَا تُفَّاحُ الْفِضَّةِ ، وَمَعَهُمُ الْمَوَاكِبُ ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى هَيْئَتِهِ , قَالُوا : أَنْتُمُ الرُّهْبَانُ ! ! وَلَكِنْ هَذِهِ الرَّهْبَانِيَّةُ ، مَا أَنْتُمْ عِنْدَهُ إِلا مُلُوكٌ .

الرواه :

Whoops, looks like something went wrong.